(1)

شبّه الشاعرُ

حجرَ الرصيف الملوّن بالمجاز

والشجرةَ بالرحيلِ

والقبيلةَ بالحلم

والبلادَ بالتأويل

والمّارةَ بمصابيحِ الشوارع

والنجمات البعيدات بصبايا الطفولة

شبّه وخزَ عقربِ الساعة المدبب بالسعال

شبّه استدارةَ الرمالِ بتلفّت الشجن

كان ينقصه الدمعُ

فشبّه اللغة بالماءِ

وانتحب

(2)

أيها الطائر

سيسقط الحجر الذي ارتطم بجناحك أولا

والذين يرمون أحلامهم في البئر ويفسّرون منامات أحجاره

هم من سيمنحون لكل قافلة نبيا

أيها الطائر

لا تصدّق جرّة الفخار و الخديعة،

ولا تضع في جوفها حجرا آخر

ليرفع الماء لك على رأسه كما يرفع في الفجر الموتى الأطفال المياه من الأسفل إلى فم النبع

ها قد هبط آخر حجر أسود في جرّة المجال،

وها هي تناديك، وحوافها تفيض

بالدمع، والإنشاد المعصور، وسرائر الخليقة،

و مراثي الأسلاف، والأمومة السائلة

وأسماء الغرباء والجنود والقوافل الذائبة في ليل الريح والمطر بلا رجعة.

(3)

بعد عدة محاولات استطعت أن أربط في أصبع التمثال الحجري

خيط الطائرة الورقية

ليسترد طفولته

(4)

أكتبُ فوق الصخرة

أحفرُ فيها خطوطاً مستقيمةً

ونقاطاً مبعثرةً

وصورة ظبي

ورمحاً وقوساً وقلادة

وقافلة تحمل التوابل وماء الورد

وحصانا هاربا من الغزاة

ونجمة بحوافّ مسننة

ثم أعاود قراءة ما كتبت

فتجهش روحي القديمة

(5)

- لماذا تنقب بين الصخور عن حجر البركان؟

- لأعرف سر وداعة السحرة والمجانين المقهقهين في القاع

(6)

لو كنت حارس المقبرة

كنت سأسمح لشواهد القبور بالكلام عمّا يراه نصفها المغروز في القيامة

وفي ظهر الأبدية الناعمة.

(7)

ياللخيبة،

لم يعد بمقدوري أن أكتبَ عن السمكة الضخمة

التي صارت أحفورةً في صخور جبل مهجور

فقد بردت فضيحةُ الزمن.

(8)

كل ليلة أنسى فأقول:

سأفرك بين حجرين ثمرة الشجرة التي لم تحمل عش الطائر

لأرى دمعته المخبوءة في البذرة

و سأحمل للرحى القمح المنثور على الأضرحة

لأرسم رغيف الشهداء بالدم والغبار

وسأربي شمعة

لترثني ولتنثر رفاتي على حجر الزاوية

والليلة سأخرج من القصائد

لأبيع الكلمات المثلجة تحت المسلة الصامتة

وسأرمي مناحات الورد في حوض النوافير

ليعود الماء إلى قلب الصخرة

لكنني

كل ليلة أتذكّر أيضا بأنني حجر كريم

نسي مهارة رسم الدوائر على الماء

حينما أصبح حجرا في دائرة

(9)

الذين ينسبون الصوت للريح

هناك ما يحجبهم عن رؤية الصخرة

(10)

نبتة صغيرة في صدر الجبل تجرح العالم

تهمّ بالهرب

فترمي صندوق حكاياتها من النافذة

تتشظى الحكايات على حواف الطريق الجبلي

فتكتب النبتة بخط رفيع:

«أحجار متساقطة»

(11)

في دخان الطريق الطويل نحو بهو البروق

تنسى الأحجار مواقعها

فتوضع المرتوية من ماء الأنهار والجداول في المواقد المذهّبة

وتزيّن أحجارُ البراكين جدران المعابد

وقباب المتصوفة

بينما ترصف الأزقة

بحجارة القمم البعيدة

(12)

هذه الغيوم السوداء لن تستطيع اللحاق بي فأنا في طور النجم

حين كنت في طور الحجر احتفظت بالماء والبذرة

وحين كنت في طور الشجرة

قايضت ورقي بالريش فعلمتني العصافير الطيران

وحينما ستكون الغيوم السوداء في طور النار

التي تشتعل بدم الكواكب الزرقاء

سأكون قد بلغت مرتبة دموع شجر الجنة

أتهيأ في الخلد لأكون

في طور نهر الأبدية السابح

بلوح المعنى المحفوظ

(13)

لم يكن نبيا

لكنه كان يجمع نداءات الغرقى من على الصخور

ويضعها في زجاجات مغلقة

يرسلها في ندم الرياح

يحملها البحر إلى حيث تكدّس نواح الأمهات

فتعود إليه في الصباح محملة برماد أغاني البحارة

وبقايا منامات الأطفال

محمد بن عبدالكريم الشحي شاعر عماني