ترجمة - قاسم مكي
بمعدل نمو 5% ستكون الهند في سبيلها إلى تجاوز بريطانيا وألمانيا واليابان لتتحول إلى ثالث أكبر اقتصاد بحلول عام 2032، حينها ربما لا تكون الهند بلدا متوسط الدخل، لكنها ستكون ماضية في الاتجاه الصحيح وصاعدة تدريجيا في العالم
يوم الاثنين 15 أغسطس احتفلت الهند بعيد ميلادها الخامس والسبعين وهي ليست أكثر ثراء عما كانت عليه عند استقلالها مقارنة بباقي العالم، لكنها في سبيلها إلى أن تكون كذلك.
بدأت الهند مسيرتها بسادس أكبر اقتصاد في العالم، ثم تراجعت إلى المرتبة الثانية عشرة بحلول عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ عادت مجددا إلى احتلال المرتبة السادسة.
كان متوسط دخلها يساوي 18% من المتوسط العالمي عند الاستقلال، لكنه هبط حتى أوائل التسعينيات قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى حوالي 18%.
هذا المسار التنموي الهابط فجأة ثم الصاعد بسرعة ناجم عن خيارات الهند التي اتخذتها ابتداء، ففي البلدان الآسيوية الأخرى غالبا ما منحت الدولةُ الشعبَ الحرياتِ الاقتصادية أولا ثم الحرياتِ السياسية لاحقا مع ازدياد ثراء البلد، أما في الهند فالدولة منحت الشعبَ الفقير الحريةَ السياسية أولا لكن في اقتصاد اشتراكي لم يتبنَّ مطلقا الحرية الاقتصادية بأكملها.
عودة الهند بدأت في تسعينيات القرن الماضي مع شروعها (بعد إقرارها بإخفاقاتها المبكرة) في التخفيف من الضوابط الاشتراكية جزئيا وإفساح مجال أرحب للقطاع الخاص كي يتنفس. لقد ارتقت تدريجيا مراتب تصنيف مؤسسة "هيرتدج" للحريات الاقتصادية. لكنها لا تزال ضمن أدنى 30% (من بلدان) هذا المؤشر.
حتى عام 1990 كانت الهند والصين متساويتين تقريبا في الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط الدخل. واتجها كلاهما نحو الإصلاح الاقتصادي، لكن الصين كانت أكثر اندفاعا وشجعت على الهجرة الجماعية لوظائف أكثر كفاءة في المدن وعلى الفصل الجماعي للعاملين في المصانع الحكومية غير الكفؤة. وهي اليوم أكبر وأكثر ثراء بخمسة أضعاف.
انتهى الآن عهد النمو الإعجازي بمعدل سنوي يبلغ 7% أو أكثر. فتصاعد المديونية وتدهور التجارة وهبوط الإنتاجية وتراجع النمو في عدد السكان في سن العمل كلها عوامل تبطئ الاقتصادات في كل مكان بما في ذلك في الصين.
ومع بلوغ النمو ذروته في منتصف العشرية الأولى كان أكثر من 50 اقتصادا يتوسع بمعدلات تتجاوز 7% في العام، لكن في العشرية الثانية هبط ذلك العدد إلى 10 اقتصادات صغيرة في معظمها.
اليوم لا يتعدى هدف النمو المعقول لاقتصادات الدخل المنخفض 5%. وهذا ممكن التحقيق بالنسبة للهند.
أحد مكامن القوة الرئيسية لديها يتمثل في ثقافة ريادة الأعمال المتينة والتي تنعكس في أحد أقدم أسواق الأسهم في آسيا، لقد سجلت هذه السوق عوائد سنوية بمعدل 12% بالدولار منذ عام 1990 أو ما يزيد عن ضعف المتوسط العالمي، واجتذبت المزيد والمزيد من المستثمرين من كل أنحاء العالم.
كما ظهر العديد من البليونيرات الجدد في الصناعات الإنتاجية كالتكنولوجيا والصناعة.
خلال العقد المنصرم ارتفع 800 سهم تقريبا في الأسواق الصاعدة بنسبة 500% إلى قيمة سوقية تزيد عن بليون دولار أمريكي. أكثر من 150 من هذه الأسهم في الهند وهذا ثاني أكبر رقم بعد الصين، بالإضافة إلى ذلك تساوي هذه المجموعة ما يقارب 40% من شركات الهند التي تتجاوز قيمة أسهمها السوقية بليون دولار أمريكي، لذلك تركزت بها أكثر قصص النجاحات الكبرى في البلدان الصاعدة.
اتبعت حظوظُ الثراء (الفردي) هذا الاتجاه. فعدد البليونيرات الهنود ارتفع في العقد الماضي من 55 بليونيرا إلى 140 بليونيرا، والهند الآن ثالث بلد به أكبر عدد من أصحاب البلايين بعد الولايات المتحدة والصين. وفي حين يدعو هذا الوضع إلى القلق بشأن اللامساواة إلا أننا عند إمعان النظر سنجده يعكس دينامية تنافسية وليس ركودا في أعلى (السُّلَّم الاجتماعي).
ما يلفت أن ما يزيد عن اثنين من كل ثلاثة بليونيرات هندي انضموا حديثا إلى هذه القائمة في العشرية الثانية من هذا القرن. كما خرج منها الآن أكثر من ثلثهم (55 بليونيرا) عند بداية هذا العقد، وقد برز العديد من البليونيرات الجدد في القطاعات الإنتاجية كالتكنولوجيا والصناعة والتي كانت في الماضي نقطة الضعف بالنسبة للهند.
لكن الصناعة ظلت تتوسع في هدوء وتشكل الآن حوالي 17% من الناتج المحلي الإجمالي. حقا هي لا تضاهي نظيرتها الصينية. لكنها تحقق تقدما على أي حال.
من المؤسف أن حيوية القطاع الخاص في الهند يقابلها عدم كفاءة قطاعها العام، قبل عشرة أعوام كانت الشركات المملوكة للحكومة تشكل 25% من سوق الأسهم الهندية. لكن تلك النسبة تراجعت إلى 7% ولا يعود ذلك إلى خصخصة تقودها الحكومة، فسوء الإدارة وما شاكل ذلك كان يدمر قيمة ثروة دافع الضرائب.
لكن في مجالات أخرى حققت الحكومة تقدما، في عام 1985 لاحظ راجيف غاندي رئيس الوزراء وقتها أن في كل 100 روبية تُنفَق على الفقراء تجد 15 روبية فقط طريقها إلى المحتاجين حقا، الآن تسلِّم الحكومة الأموال المخصصة إلى مستحقيها رقميا ومباشرة عبر تطبيقات اتسع استخدامها بسرعة وغطت معظم السكان.
يعكس تحسن كفاءة دولة الرفاهية (في الهند) اقتصادا يتحول إلى الرقمنة، وتسجل إيرادات مختلف الخدمات الرقمية معدل نمو يزيد عن 30%، هذه النسبة أعلى من المتوسط في بلدان العالم الصاعد وحوالي ثلاثة أضعاف المتوسط تقريبا في العالم المتقدم. إنه تعزيز مرحب به في وقت يشهد تباطؤا في النمو العالمي.
على الهند لكي تحقق نموا يزيد عن 5% تبني سياسات إصلاح أكثر جذرية. فحوالي 20% فقط من النساء يعملن بصفة رسمية، مضاعفة هذا الرقم إلى 40% ستحدث تحولا كبيرا. وأيضا تشجيع الهجرة الداخلية إلى وظائف أفضل على نحو ما فعلت الصين بالنظر إلى أن 9 من بين كل 10 من سكان الريف الهنود لا يزالون يعيشون في المناطق التي ولدوا فيها، لكن من المستبعد فرض إصلاح يزعزع الوضع السائد في الهند. فهي بلد متنوع وديمقراطي على خلاف الصين المتجانسة والأوتوقراطية.
معدل النمو المرجح الآن 5%. وحتى عند هذه الوتيرة من النمو ستنطلق الهند في عالم متباطئ وستكون في سبيلها إلى تجاوز بريطانيا وألمانيا واليابان لتتحول إلى ثالث أكبر اقتصاد بحلول عام 2032.
حينها ربما لا تكون الهندُ بلدا متوسط الدخل، لكنها ستكون ماضية في الاتجاه الصحيح وصاعدة تدريجيا في العالم.
روشير شارما رئيس مجلس إدارة شركة روكفلر إنترناشونال
ترجمة خاصة لـ عمان عن "الفاينانشال تايمز"
بمعدل نمو 5% ستكون الهند في سبيلها إلى تجاوز بريطانيا وألمانيا واليابان لتتحول إلى ثالث أكبر اقتصاد بحلول عام 2032، حينها ربما لا تكون الهند بلدا متوسط الدخل، لكنها ستكون ماضية في الاتجاه الصحيح وصاعدة تدريجيا في العالم
يوم الاثنين 15 أغسطس احتفلت الهند بعيد ميلادها الخامس والسبعين وهي ليست أكثر ثراء عما كانت عليه عند استقلالها مقارنة بباقي العالم، لكنها في سبيلها إلى أن تكون كذلك.
بدأت الهند مسيرتها بسادس أكبر اقتصاد في العالم، ثم تراجعت إلى المرتبة الثانية عشرة بحلول عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ عادت مجددا إلى احتلال المرتبة السادسة.
كان متوسط دخلها يساوي 18% من المتوسط العالمي عند الاستقلال، لكنه هبط حتى أوائل التسعينيات قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى حوالي 18%.
هذا المسار التنموي الهابط فجأة ثم الصاعد بسرعة ناجم عن خيارات الهند التي اتخذتها ابتداء، ففي البلدان الآسيوية الأخرى غالبا ما منحت الدولةُ الشعبَ الحرياتِ الاقتصادية أولا ثم الحرياتِ السياسية لاحقا مع ازدياد ثراء البلد، أما في الهند فالدولة منحت الشعبَ الفقير الحريةَ السياسية أولا لكن في اقتصاد اشتراكي لم يتبنَّ مطلقا الحرية الاقتصادية بأكملها.
عودة الهند بدأت في تسعينيات القرن الماضي مع شروعها (بعد إقرارها بإخفاقاتها المبكرة) في التخفيف من الضوابط الاشتراكية جزئيا وإفساح مجال أرحب للقطاع الخاص كي يتنفس. لقد ارتقت تدريجيا مراتب تصنيف مؤسسة "هيرتدج" للحريات الاقتصادية. لكنها لا تزال ضمن أدنى 30% (من بلدان) هذا المؤشر.
حتى عام 1990 كانت الهند والصين متساويتين تقريبا في الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط الدخل. واتجها كلاهما نحو الإصلاح الاقتصادي، لكن الصين كانت أكثر اندفاعا وشجعت على الهجرة الجماعية لوظائف أكثر كفاءة في المدن وعلى الفصل الجماعي للعاملين في المصانع الحكومية غير الكفؤة. وهي اليوم أكبر وأكثر ثراء بخمسة أضعاف.
انتهى الآن عهد النمو الإعجازي بمعدل سنوي يبلغ 7% أو أكثر. فتصاعد المديونية وتدهور التجارة وهبوط الإنتاجية وتراجع النمو في عدد السكان في سن العمل كلها عوامل تبطئ الاقتصادات في كل مكان بما في ذلك في الصين.
ومع بلوغ النمو ذروته في منتصف العشرية الأولى كان أكثر من 50 اقتصادا يتوسع بمعدلات تتجاوز 7% في العام، لكن في العشرية الثانية هبط ذلك العدد إلى 10 اقتصادات صغيرة في معظمها.
اليوم لا يتعدى هدف النمو المعقول لاقتصادات الدخل المنخفض 5%. وهذا ممكن التحقيق بالنسبة للهند.
أحد مكامن القوة الرئيسية لديها يتمثل في ثقافة ريادة الأعمال المتينة والتي تنعكس في أحد أقدم أسواق الأسهم في آسيا، لقد سجلت هذه السوق عوائد سنوية بمعدل 12% بالدولار منذ عام 1990 أو ما يزيد عن ضعف المتوسط العالمي، واجتذبت المزيد والمزيد من المستثمرين من كل أنحاء العالم.
كما ظهر العديد من البليونيرات الجدد في الصناعات الإنتاجية كالتكنولوجيا والصناعة.
خلال العقد المنصرم ارتفع 800 سهم تقريبا في الأسواق الصاعدة بنسبة 500% إلى قيمة سوقية تزيد عن بليون دولار أمريكي. أكثر من 150 من هذه الأسهم في الهند وهذا ثاني أكبر رقم بعد الصين، بالإضافة إلى ذلك تساوي هذه المجموعة ما يقارب 40% من شركات الهند التي تتجاوز قيمة أسهمها السوقية بليون دولار أمريكي، لذلك تركزت بها أكثر قصص النجاحات الكبرى في البلدان الصاعدة.
اتبعت حظوظُ الثراء (الفردي) هذا الاتجاه. فعدد البليونيرات الهنود ارتفع في العقد الماضي من 55 بليونيرا إلى 140 بليونيرا، والهند الآن ثالث بلد به أكبر عدد من أصحاب البلايين بعد الولايات المتحدة والصين. وفي حين يدعو هذا الوضع إلى القلق بشأن اللامساواة إلا أننا عند إمعان النظر سنجده يعكس دينامية تنافسية وليس ركودا في أعلى (السُّلَّم الاجتماعي).
ما يلفت أن ما يزيد عن اثنين من كل ثلاثة بليونيرات هندي انضموا حديثا إلى هذه القائمة في العشرية الثانية من هذا القرن. كما خرج منها الآن أكثر من ثلثهم (55 بليونيرا) عند بداية هذا العقد، وقد برز العديد من البليونيرات الجدد في القطاعات الإنتاجية كالتكنولوجيا والصناعة والتي كانت في الماضي نقطة الضعف بالنسبة للهند.
لكن الصناعة ظلت تتوسع في هدوء وتشكل الآن حوالي 17% من الناتج المحلي الإجمالي. حقا هي لا تضاهي نظيرتها الصينية. لكنها تحقق تقدما على أي حال.
من المؤسف أن حيوية القطاع الخاص في الهند يقابلها عدم كفاءة قطاعها العام، قبل عشرة أعوام كانت الشركات المملوكة للحكومة تشكل 25% من سوق الأسهم الهندية. لكن تلك النسبة تراجعت إلى 7% ولا يعود ذلك إلى خصخصة تقودها الحكومة، فسوء الإدارة وما شاكل ذلك كان يدمر قيمة ثروة دافع الضرائب.
لكن في مجالات أخرى حققت الحكومة تقدما، في عام 1985 لاحظ راجيف غاندي رئيس الوزراء وقتها أن في كل 100 روبية تُنفَق على الفقراء تجد 15 روبية فقط طريقها إلى المحتاجين حقا، الآن تسلِّم الحكومة الأموال المخصصة إلى مستحقيها رقميا ومباشرة عبر تطبيقات اتسع استخدامها بسرعة وغطت معظم السكان.
يعكس تحسن كفاءة دولة الرفاهية (في الهند) اقتصادا يتحول إلى الرقمنة، وتسجل إيرادات مختلف الخدمات الرقمية معدل نمو يزيد عن 30%، هذه النسبة أعلى من المتوسط في بلدان العالم الصاعد وحوالي ثلاثة أضعاف المتوسط تقريبا في العالم المتقدم. إنه تعزيز مرحب به في وقت يشهد تباطؤا في النمو العالمي.
على الهند لكي تحقق نموا يزيد عن 5% تبني سياسات إصلاح أكثر جذرية. فحوالي 20% فقط من النساء يعملن بصفة رسمية، مضاعفة هذا الرقم إلى 40% ستحدث تحولا كبيرا. وأيضا تشجيع الهجرة الداخلية إلى وظائف أفضل على نحو ما فعلت الصين بالنظر إلى أن 9 من بين كل 10 من سكان الريف الهنود لا يزالون يعيشون في المناطق التي ولدوا فيها، لكن من المستبعد فرض إصلاح يزعزع الوضع السائد في الهند. فهي بلد متنوع وديمقراطي على خلاف الصين المتجانسة والأوتوقراطية.
معدل النمو المرجح الآن 5%. وحتى عند هذه الوتيرة من النمو ستنطلق الهند في عالم متباطئ وستكون في سبيلها إلى تجاوز بريطانيا وألمانيا واليابان لتتحول إلى ثالث أكبر اقتصاد بحلول عام 2032.
حينها ربما لا تكون الهندُ بلدا متوسط الدخل، لكنها ستكون ماضية في الاتجاه الصحيح وصاعدة تدريجيا في العالم.
روشير شارما رئيس مجلس إدارة شركة روكفلر إنترناشونال
ترجمة خاصة لـ عمان عن "الفاينانشال تايمز"