مسؤولية المثقف في الأصل هي مسؤولية نقدية تكمن في فعل المساءلة والمحاكمة المعرفية للأفكار والمفاهيم والخطابات، وهو موقف يجعله بالضرورة شخصا من أهم صفاته أن يكف عن كونه (مثقفًا تقنيًا) - ذلك أن المثقف إذا أصبح ترسا في عجلة السلطة - مهما كان ثقله المعرفي - كف عن كونه مثقفًا نقديًا، وتحول إلى مثقف (تقني)؛ لأن ذلك يعفيه من طرح الأسئلة التي يفيض بها الواقع المأزوم.
فموقع المثقف الهامشي من السلطة هو الذي يسمح له بالاستقلالية والتأمل. ذلك أن (دور المثقف: أن يتحمل هامشيته) كما قال، رولان بارت، لأن النظر الثقافي والمعرفي يقتضي من المثقف نقد خطاب السلطة بعيدا عن مركزها.
ودور المثقف في نقد خطاب السلطة لا يكون عن طريق العداء المجاني، بل عن طريق المعرفة التي هي أهم حيثية تقوم عليها الأفكار المتماسكة.
عمل المثقف يستدعي التأمل ويطرح الأسئلة التي تخترق الواقع بضوء المعرفة وصولا إلى تشكيلاته الأولى وما تنطوي عليه من بذور التناقضات، وبالتالي ستكون أفكار المثقف التي تحفرها عميقا في سبر المشكلات آخر ما ينتبه له السياسي.
من هنا، تحديدًا، تكمن حساسية المثقف تجاه السلطة؛ فالمثقف هو في الأصل كائن هامشي لا بالمعنى السلبي وإنما بمعنى: أن الإصغاء لأفكاره يحتاج زمنا طويلا. لكن هذا طبعًا لا يمنع المثقف من الانخراط في الحياة السياسية، ولا حتى في التنظيم السياسي، بشرط أن يفرق، كمثقف، تفريقًا واعيًا بين دوره كمثقف معني بإنتاج الأفكار والمفاهيم النقدية، لوطنه وشعبه، وبين انتمائه السياسي.
والحقيقة أن هذه المهمة في الحياة الحزبية تقتضي من المثقف قدرةً على القفز من فوق المطبات والعوائق دون الوقوع فيها. فإذا كان المثقف الأوروبي قد أنتج صيرورة لحياة سياسية سوية بحيث سمحت له تلك التحولات العميقة لصيرورة مجتمعه لممارسة السياسة كعلم وبنية تحتية، مع القدرة، في الوقت ذاته، على الانتماء للتنظيم (فكرة المثقف العضوي لدى أنطونيو غرامشي) وإنتاج الأفكار؛ فإن المثقف العربي، للأسف، لم يحقق هذا الفرز. أي أن الواقع السياسي العربي لا يزال يحتاج إلى بنية تحتية غير ناجزة، وبالتالي على المثقف إنجاز هذه البنية معرفيا -وهي مهمة ذات طابع استراتيجي- قد لا تسمح له بالانخراط في التيارات الفكرية السياسية.
إن البنية الداخلية والعميقة لخطابات مثقفي الاستقطاب عصر السياسي للتيارات الفكرية خلال الحرب الباردة، كانت تنطوي على نظم إدراك أوتوقراطية مضمرة أسلوب القبيلة والطائفة، فالذي يظهر تلك النزعات من أعماقها بالرغم من غلالتها الظاهرية في الخطابات الخادعة للمثقف؛ هو التخلف الذي كشفت عنه مفاعيل ثورة المعلوماتية والاتصال، حيث أن انفجار المعرفة اليوم عرّى تلك البنيات التقليدية الأوتوقراطية المضمرة في ظاهر خطاب المثقف وكشف عن حاجة المثقف الحقيقية إلى المعرفة بدلا من الأيديولوجيا، وإلى إعادة تعريف حقيقي وجديد لمعاني مثل: الطبقة الوسطى، مفهوم الدولة، مفهوم الشعب، وبالجملة إلى إعادة التساؤل حول مجملة منظومة الحداثة وما إذا كانت هذه المنظومة تعكس معاني حقيقية للحداثة والدولة والمواطنة والديمقراطية في واقعه العربي أم هي ترسيمات تعريف مضللة ومعلبة، لا تعكس نموذجًا تفسيريًا لحقائق المفاهيم التي تم استهلاكها طويلًا في حقل الثقافة السياسية.
لقد اكتشفت المجتمعات العربية فجأة - مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي - أنها مجتمعات أوتوقراطيه وغير حديثة، في حين لم تكن هناك مفاجأة بقدر ما كان هناك قصورا في الإدراك المعرفي والحقيقي لمعنى الحداثة والديمقراطية في ذهنية للمثقف تفرز لتلك المجتمعات تأويلاً للمصطلحات على نحو موضوعي.
لذا فاليوم حاجتنا إلى ثقافة معرفية نقدية تنزع وتفكك كل تلك الآفات الأوتوقراطية التي يحتجب خلفها نظام مركب ومعقد من التعبيرات المضللة بفعل وهم انخراط مجتمعاتنا في صيرورات العالم الحديث، فيما واقع هذه المجتمعات وحقيقتها لا تقول بذلك بل تعكس وهمًا يحتاج من المثقف إلى اكتشافه عبر اختبار معايير حقيقية للفكر والإبداع والنقد.
وعلى ضوء هذه المقاربة النقدية والمعرفية لحقيقة المثقف العربي لا بد أن تكون أسئلته التي يختبر بها حقيقة واقع ووقائع يومنا هذا أهم من إجاباته المفترضة بكثير؛ فهناك حقائق يفيض بها الواقع الموضوعي بما يدعونا جميعًا لإنتاج ثقافة نقدية ومعرفية أولًا وأخيرًا!
فموقع المثقف الهامشي من السلطة هو الذي يسمح له بالاستقلالية والتأمل. ذلك أن (دور المثقف: أن يتحمل هامشيته) كما قال، رولان بارت، لأن النظر الثقافي والمعرفي يقتضي من المثقف نقد خطاب السلطة بعيدا عن مركزها.
ودور المثقف في نقد خطاب السلطة لا يكون عن طريق العداء المجاني، بل عن طريق المعرفة التي هي أهم حيثية تقوم عليها الأفكار المتماسكة.
عمل المثقف يستدعي التأمل ويطرح الأسئلة التي تخترق الواقع بضوء المعرفة وصولا إلى تشكيلاته الأولى وما تنطوي عليه من بذور التناقضات، وبالتالي ستكون أفكار المثقف التي تحفرها عميقا في سبر المشكلات آخر ما ينتبه له السياسي.
من هنا، تحديدًا، تكمن حساسية المثقف تجاه السلطة؛ فالمثقف هو في الأصل كائن هامشي لا بالمعنى السلبي وإنما بمعنى: أن الإصغاء لأفكاره يحتاج زمنا طويلا. لكن هذا طبعًا لا يمنع المثقف من الانخراط في الحياة السياسية، ولا حتى في التنظيم السياسي، بشرط أن يفرق، كمثقف، تفريقًا واعيًا بين دوره كمثقف معني بإنتاج الأفكار والمفاهيم النقدية، لوطنه وشعبه، وبين انتمائه السياسي.
والحقيقة أن هذه المهمة في الحياة الحزبية تقتضي من المثقف قدرةً على القفز من فوق المطبات والعوائق دون الوقوع فيها. فإذا كان المثقف الأوروبي قد أنتج صيرورة لحياة سياسية سوية بحيث سمحت له تلك التحولات العميقة لصيرورة مجتمعه لممارسة السياسة كعلم وبنية تحتية، مع القدرة، في الوقت ذاته، على الانتماء للتنظيم (فكرة المثقف العضوي لدى أنطونيو غرامشي) وإنتاج الأفكار؛ فإن المثقف العربي، للأسف، لم يحقق هذا الفرز. أي أن الواقع السياسي العربي لا يزال يحتاج إلى بنية تحتية غير ناجزة، وبالتالي على المثقف إنجاز هذه البنية معرفيا -وهي مهمة ذات طابع استراتيجي- قد لا تسمح له بالانخراط في التيارات الفكرية السياسية.
إن البنية الداخلية والعميقة لخطابات مثقفي الاستقطاب عصر السياسي للتيارات الفكرية خلال الحرب الباردة، كانت تنطوي على نظم إدراك أوتوقراطية مضمرة أسلوب القبيلة والطائفة، فالذي يظهر تلك النزعات من أعماقها بالرغم من غلالتها الظاهرية في الخطابات الخادعة للمثقف؛ هو التخلف الذي كشفت عنه مفاعيل ثورة المعلوماتية والاتصال، حيث أن انفجار المعرفة اليوم عرّى تلك البنيات التقليدية الأوتوقراطية المضمرة في ظاهر خطاب المثقف وكشف عن حاجة المثقف الحقيقية إلى المعرفة بدلا من الأيديولوجيا، وإلى إعادة تعريف حقيقي وجديد لمعاني مثل: الطبقة الوسطى، مفهوم الدولة، مفهوم الشعب، وبالجملة إلى إعادة التساؤل حول مجملة منظومة الحداثة وما إذا كانت هذه المنظومة تعكس معاني حقيقية للحداثة والدولة والمواطنة والديمقراطية في واقعه العربي أم هي ترسيمات تعريف مضللة ومعلبة، لا تعكس نموذجًا تفسيريًا لحقائق المفاهيم التي تم استهلاكها طويلًا في حقل الثقافة السياسية.
لقد اكتشفت المجتمعات العربية فجأة - مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي - أنها مجتمعات أوتوقراطيه وغير حديثة، في حين لم تكن هناك مفاجأة بقدر ما كان هناك قصورا في الإدراك المعرفي والحقيقي لمعنى الحداثة والديمقراطية في ذهنية للمثقف تفرز لتلك المجتمعات تأويلاً للمصطلحات على نحو موضوعي.
لذا فاليوم حاجتنا إلى ثقافة معرفية نقدية تنزع وتفكك كل تلك الآفات الأوتوقراطية التي يحتجب خلفها نظام مركب ومعقد من التعبيرات المضللة بفعل وهم انخراط مجتمعاتنا في صيرورات العالم الحديث، فيما واقع هذه المجتمعات وحقيقتها لا تقول بذلك بل تعكس وهمًا يحتاج من المثقف إلى اكتشافه عبر اختبار معايير حقيقية للفكر والإبداع والنقد.
وعلى ضوء هذه المقاربة النقدية والمعرفية لحقيقة المثقف العربي لا بد أن تكون أسئلته التي يختبر بها حقيقة واقع ووقائع يومنا هذا أهم من إجاباته المفترضة بكثير؛ فهناك حقائق يفيض بها الواقع الموضوعي بما يدعونا جميعًا لإنتاج ثقافة نقدية ومعرفية أولًا وأخيرًا!