يحل مصطلح الـ«منقذ» في الذاكرة الجمعية، كأول ما يتبادر إلى الذهن للبحث عن حل لأمر ما، فالذاكرة تذهب إلى فلان من الناس، من يملك الحل والعقد في شأن من شؤون الحياة، وهناك من يستحضر المكان، فيقال: لو ذهبت إلى المكان الفلاني لوجدت ضالتك، ومنهم من يتجاوز المعنى المباشر لهذا المفهوم حيث يسقطه على حكمة، أو موقف، أو قناعة معينة، وهذه في معناه الضمني؛ وليس المباشر، وعلى الرغم من معناه الظاهر البسيط، مجرد فرد يقدم خدمة ما، إلا أن المسألة تأخذ أبعادًا مختلفة في الممارسة، يدخل فيها: الاستغلال، والمن والأذى، ورد الجميل، والظلم، والاستعباد، وتجاوز القانون، وتسريبات ما تحت الطاولة، والواسطة، وقد تلحق بها العنصرية، وقضايا الجندرة، «وما خفي كان أعظم»، وفي كل هذه المناخات من الممارسات البشرية، يكون هناك بطل واحد فاعل لا غيره، والخطورة أكثر عندما يشعر هذا الـ «منقذ» نفسه أنه بهذه المكانة، عندها ينحاز إلى تجاذباته الخاصة فيقع ويوقع غيره في المحظور من الأفعال والممارسات، والخروج عن المألوف والمتوقع.
هناك من يحصر الـ «منقذ» في الشخصية الدينية، وهناك من يحصره في الشخصية السياسية، ومنهم من يحصره في الشخصية الاجتماعية «الوجاهية»، ومنهم من يحصره في الشخصية المهنية « طبيب» أو « مهندس» أو «صحفي/ إعلامي» أو خبير، وفي العصر الحديث قد يحصره البعض في مشاهير التواصل الاجتماعي؛ الذين بدأوا التوغل بين جنبات المجتمع وخصوصياته، وليس فقط في الجوانب التجارية العامة؛ حيث يُنظر إلى خدماتهم على أنها تجسير لما أشكل بين ضفتي النهر، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، فالمسألة لا تخرج كثيرًا عن ثقافة الشعوب، والأمكنة، والمحصلة الكبيرة للقيم الإنسانية المتوارثة بين الأجيال، وهذا يعني أن مفهوم الـ«منقذ» لن يكون محصورًا بعصر ما دون آخر، ولو بجغرافية دون أخرى، ولا بدين، ولا بقبيلة، ولا بمستويات إدارية دون غيرها، فتاريخ المنقذ؛ تاريخ متجذر، واستيعاب مفهومه واضح عند الجميع، وإلا لما روج له هذا الترويج؛ بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتكون صورة فعله واضحة أكثر في البيئة التي يُغَيَّبْ فيها القانون، كثير من الأحيان يتجاوز الـ «منقذ» سلطة القانون، فيصبح هو القانون بفعل ممارساته، ولذلك يكون نشاطه واهنا وضعيفا في البيئة القانونية الفاعلة، ومن يكون نشاطه متوافقا مع القانون؛ فذلك هو من يحق له أن يطلق عليه صفة الـ «منقذ» وفي كل أحواله لن تخرج ممارساته عن أن هناك أناسا ضعفاء في شخصياتهم، مترددين في قراراتهم، ولذلك هم محتاجون لأن يكون لهم سندًا يأخذ بأيديهم ليس إلا.
ينسب نجاح الرسالة الدينية؛ في كثير من الثقافات - غير الإسلامية - إلى ما يسمى بـ «المخلص» أو المنقذ؛ كما جاء في النص التالي: " تتبنى معظم الأديان فكرة "المخلّص"، التي تدّعي باختصار أن العالم سيبقى ملئ بالشر والفساد حتى ظهور 'المنقذ" الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً" ويضيف ذات المصدر: " لربما مشكلتنا على هذه الأرض هي أن معظم الناس تنتظر من سيأتي لإصلاح مجتمعاتها، بدلاً من أن يقوموا هم بأنفسهم بذلك !!!" - انتهى النص - وهذه من المفاهيم الناقصة، ففكرة المخلص؛ وفق واقع الحياة؛ يتجاوز هذه المساحة الضيقة "الجانب الديني" وإنما يتوغل في كل مفاصل الحياة، وتترسخ القناعة عند كثير من الناس، أن حقيقة الـ "المنقذ أو المخلص" حاضرة، وبقوة الممارسة عند البشر، والمسألة لا تخرج عن كونها ثقافة مجتمعية لا أكثر؛ ولأنها ثقافة مجتمعية متوارثة؛ فيمكن الخروج عليها أو عنها بتغليب المحفزات الذاتية من الاعتماد على النفس، وتسليم الأمر والتوكل على الله، فالبشرية ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وإن اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، كما هو ثابت في النص النبوي، ومن يراهن على غير ذلك؛ فرهانه خاسر بصورة مطلقة، ويبقى هنا موضع اليقين بهذه الحقيقة، واليقين أمره ليس هينا، ولا يسيرا، ولكنه متاحا لمن يوفقه الله عليه.
ولعل ما يقوض صورة الـ "منقذ" هي حقيقة "خيبة الظن" عندما تكون خاتمة لمجموعة الآمال والطموحات الموقوفة على من نظر إليه على أن يكون المنقذ، وذلك بعد الوصول إلى الحدود الأخيرة لمساحة الإشتغال المتاحة لعمل المنقذ، مع أن المسألة ليست موقوفة على شخصية ما من شخصيات المجتمع لإحداث طفرة نوعية في مجال ما من مجالات الحياة، فالمسألة فيها تجاوز عن الواقع، والواقع يقول أن كل فرد يمكن أن يكون منقذًا لذاته في المجال الذي يعمل فيه، ولذلك يأتي مفهوم المنقذ كنوع من التنصل عن تحمل المسؤولية، والرغبة الجامحة في إلقاء اللوم على غيره في حالة الفشل، ومن هنا يأتي شيوع هذه المفهوم، ففي واقع الحياة لا يوجد هناك من يحمل "عصى سحرية" فيحول التراب إلى ذهب، ويحول الماء إلى نار ملتهبة إطلاقا، وإنما هناك عزم، وتأكيد، وتأصيل، وتمكين، وهذه كلها صناعات ذاتية يجدها الإنسان في نفسه، ويجدد تصاريح مزاولتها بين كل فترة وأخرى، حيث يعيد إنتاجها، فيحولها إلى مشاريع عمل، وإنتاج، وبالتالي فالإنسان "منقذ" نفسه، قبل أن يرتجي من الآخرين إنقاذه، فالتسليم المطلق للآخر فيه خطورة كبيرة؛ يأتي في مقدمتها مواضع الاستغلال التي يقع فيها كثير من الناس، عن غير قصد، فقط لأنهم سلموا أنفسهم لمارد شيطاني خسيس نظروا إليه على أنه الـ "منقذ" فاستطاع ترويض مشاعرهم، واستسلامهم إلى حد الاستغلال، وكم من القصص التي تتوارد إلينا يقع فيها من سلموا أمرهم كاملا لآخر؛ توقعوا فيها الشهامة والرجولة، والعفة، والصدق والنقاء.
من يبحث عن مسببات الاستغلال على سبيل المثال، يجد أن الطرف المستغل "المغلوب على أمره" لا يخرج عن كونه إلا أنه احتواه مفهوم الـ "منقذ" إلى درجة تكبلت فيه طموحاته، ومعززاته الفطرية الذاتية، فأركنها جانبا، وانتظر الـ "منقذ" لكي ينتزعه من مجموعات الفشل التي يعيشها، ليس إلا، ومن هنا يجد المستغلون سوقا رائجة في خضم هذه الثقافة الانهزامية التي يبديها الكثير من الناس، عندما ينظرون إلى الأشخاص على أنهم حبل نجاتهم في كل الظروف، وهذا موقف خاطئ إلى درجة كبيرة، فليس هناك منقذ بقدر ما هناك مستغل للظروف، يعطي بيد القليل القليل، ويأخذ باليد الأخرى الكثير الكثير، وهذه من الإشكاليات الثقافية في الذاكرة الجمعية، ولو أن كل إنسان استغنى بنفسه لنفسه، لانعدمت الكثير من القضايا، ولسلمت الكثير من الوجوه عن إرقاة دمائها على أرصفة الذل والمهانة، ولاعتز الناس بأنفسهم، وبشخصياتهم، وبمواقفهم، ولم يصبحوا صيد سهل تقتنصه أية سنارة نظر إليها على أنها الـ "منقذ" ولربما لحالة الضعف التي يعيشها الإنسان تذهب به إلى النظر إلى الـ "منقذ" على أنه بيده الكثير فعله، وبالتالي يجب التسليم له، وعقد الآمال الكبار عليه، وهذا من الخطأ الفاحش في العلاقة القائمة بين الناس، وخطورة هذه الصورة أكثر أنه مع تقديم أية خدمة ولو كانت يسيرة؛ سوف تجر وراءها حملا ثقيلا عنوانه "رد الجميل" ومتى حل هذا "الجميل" على الذاكرة، فإنه يصبح من الصعوبة جدا التخلص منه، وإعفاء النفس منه، حتى وإن تم تقديم الكثير من الخدمات للطرف الأول، فإن النظرة تظل قائمة على أن الطرف الثاني - الذي أسديت إليه خدمة في يوم من الأيام - أن عليه "جميلا" ليس يسيرا سداد دينه، وهذا من المن المفرط، والضارب للعلاقات الإنسانية في مقتلها؛ لأن المبدأ الإنساني أن يكون هناك تعاون وتوافق، وفق ما يرضي الله، فإن خرج الفعل عن هذه الصورة المثالية النسبية، فقد حاد عن الطريق السليم، ووقع في المحظور.
هناك من يحصر الـ «منقذ» في الشخصية الدينية، وهناك من يحصره في الشخصية السياسية، ومنهم من يحصره في الشخصية الاجتماعية «الوجاهية»، ومنهم من يحصره في الشخصية المهنية « طبيب» أو « مهندس» أو «صحفي/ إعلامي» أو خبير، وفي العصر الحديث قد يحصره البعض في مشاهير التواصل الاجتماعي؛ الذين بدأوا التوغل بين جنبات المجتمع وخصوصياته، وليس فقط في الجوانب التجارية العامة؛ حيث يُنظر إلى خدماتهم على أنها تجسير لما أشكل بين ضفتي النهر، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، فالمسألة لا تخرج كثيرًا عن ثقافة الشعوب، والأمكنة، والمحصلة الكبيرة للقيم الإنسانية المتوارثة بين الأجيال، وهذا يعني أن مفهوم الـ«منقذ» لن يكون محصورًا بعصر ما دون آخر، ولو بجغرافية دون أخرى، ولا بدين، ولا بقبيلة، ولا بمستويات إدارية دون غيرها، فتاريخ المنقذ؛ تاريخ متجذر، واستيعاب مفهومه واضح عند الجميع، وإلا لما روج له هذا الترويج؛ بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتكون صورة فعله واضحة أكثر في البيئة التي يُغَيَّبْ فيها القانون، كثير من الأحيان يتجاوز الـ «منقذ» سلطة القانون، فيصبح هو القانون بفعل ممارساته، ولذلك يكون نشاطه واهنا وضعيفا في البيئة القانونية الفاعلة، ومن يكون نشاطه متوافقا مع القانون؛ فذلك هو من يحق له أن يطلق عليه صفة الـ «منقذ» وفي كل أحواله لن تخرج ممارساته عن أن هناك أناسا ضعفاء في شخصياتهم، مترددين في قراراتهم، ولذلك هم محتاجون لأن يكون لهم سندًا يأخذ بأيديهم ليس إلا.
ينسب نجاح الرسالة الدينية؛ في كثير من الثقافات - غير الإسلامية - إلى ما يسمى بـ «المخلص» أو المنقذ؛ كما جاء في النص التالي: " تتبنى معظم الأديان فكرة "المخلّص"، التي تدّعي باختصار أن العالم سيبقى ملئ بالشر والفساد حتى ظهور 'المنقذ" الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً" ويضيف ذات المصدر: " لربما مشكلتنا على هذه الأرض هي أن معظم الناس تنتظر من سيأتي لإصلاح مجتمعاتها، بدلاً من أن يقوموا هم بأنفسهم بذلك !!!" - انتهى النص - وهذه من المفاهيم الناقصة، ففكرة المخلص؛ وفق واقع الحياة؛ يتجاوز هذه المساحة الضيقة "الجانب الديني" وإنما يتوغل في كل مفاصل الحياة، وتترسخ القناعة عند كثير من الناس، أن حقيقة الـ "المنقذ أو المخلص" حاضرة، وبقوة الممارسة عند البشر، والمسألة لا تخرج عن كونها ثقافة مجتمعية لا أكثر؛ ولأنها ثقافة مجتمعية متوارثة؛ فيمكن الخروج عليها أو عنها بتغليب المحفزات الذاتية من الاعتماد على النفس، وتسليم الأمر والتوكل على الله، فالبشرية ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وإن اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، كما هو ثابت في النص النبوي، ومن يراهن على غير ذلك؛ فرهانه خاسر بصورة مطلقة، ويبقى هنا موضع اليقين بهذه الحقيقة، واليقين أمره ليس هينا، ولا يسيرا، ولكنه متاحا لمن يوفقه الله عليه.
ولعل ما يقوض صورة الـ "منقذ" هي حقيقة "خيبة الظن" عندما تكون خاتمة لمجموعة الآمال والطموحات الموقوفة على من نظر إليه على أن يكون المنقذ، وذلك بعد الوصول إلى الحدود الأخيرة لمساحة الإشتغال المتاحة لعمل المنقذ، مع أن المسألة ليست موقوفة على شخصية ما من شخصيات المجتمع لإحداث طفرة نوعية في مجال ما من مجالات الحياة، فالمسألة فيها تجاوز عن الواقع، والواقع يقول أن كل فرد يمكن أن يكون منقذًا لذاته في المجال الذي يعمل فيه، ولذلك يأتي مفهوم المنقذ كنوع من التنصل عن تحمل المسؤولية، والرغبة الجامحة في إلقاء اللوم على غيره في حالة الفشل، ومن هنا يأتي شيوع هذه المفهوم، ففي واقع الحياة لا يوجد هناك من يحمل "عصى سحرية" فيحول التراب إلى ذهب، ويحول الماء إلى نار ملتهبة إطلاقا، وإنما هناك عزم، وتأكيد، وتأصيل، وتمكين، وهذه كلها صناعات ذاتية يجدها الإنسان في نفسه، ويجدد تصاريح مزاولتها بين كل فترة وأخرى، حيث يعيد إنتاجها، فيحولها إلى مشاريع عمل، وإنتاج، وبالتالي فالإنسان "منقذ" نفسه، قبل أن يرتجي من الآخرين إنقاذه، فالتسليم المطلق للآخر فيه خطورة كبيرة؛ يأتي في مقدمتها مواضع الاستغلال التي يقع فيها كثير من الناس، عن غير قصد، فقط لأنهم سلموا أنفسهم لمارد شيطاني خسيس نظروا إليه على أنه الـ "منقذ" فاستطاع ترويض مشاعرهم، واستسلامهم إلى حد الاستغلال، وكم من القصص التي تتوارد إلينا يقع فيها من سلموا أمرهم كاملا لآخر؛ توقعوا فيها الشهامة والرجولة، والعفة، والصدق والنقاء.
من يبحث عن مسببات الاستغلال على سبيل المثال، يجد أن الطرف المستغل "المغلوب على أمره" لا يخرج عن كونه إلا أنه احتواه مفهوم الـ "منقذ" إلى درجة تكبلت فيه طموحاته، ومعززاته الفطرية الذاتية، فأركنها جانبا، وانتظر الـ "منقذ" لكي ينتزعه من مجموعات الفشل التي يعيشها، ليس إلا، ومن هنا يجد المستغلون سوقا رائجة في خضم هذه الثقافة الانهزامية التي يبديها الكثير من الناس، عندما ينظرون إلى الأشخاص على أنهم حبل نجاتهم في كل الظروف، وهذا موقف خاطئ إلى درجة كبيرة، فليس هناك منقذ بقدر ما هناك مستغل للظروف، يعطي بيد القليل القليل، ويأخذ باليد الأخرى الكثير الكثير، وهذه من الإشكاليات الثقافية في الذاكرة الجمعية، ولو أن كل إنسان استغنى بنفسه لنفسه، لانعدمت الكثير من القضايا، ولسلمت الكثير من الوجوه عن إرقاة دمائها على أرصفة الذل والمهانة، ولاعتز الناس بأنفسهم، وبشخصياتهم، وبمواقفهم، ولم يصبحوا صيد سهل تقتنصه أية سنارة نظر إليها على أنها الـ "منقذ" ولربما لحالة الضعف التي يعيشها الإنسان تذهب به إلى النظر إلى الـ "منقذ" على أنه بيده الكثير فعله، وبالتالي يجب التسليم له، وعقد الآمال الكبار عليه، وهذا من الخطأ الفاحش في العلاقة القائمة بين الناس، وخطورة هذه الصورة أكثر أنه مع تقديم أية خدمة ولو كانت يسيرة؛ سوف تجر وراءها حملا ثقيلا عنوانه "رد الجميل" ومتى حل هذا "الجميل" على الذاكرة، فإنه يصبح من الصعوبة جدا التخلص منه، وإعفاء النفس منه، حتى وإن تم تقديم الكثير من الخدمات للطرف الأول، فإن النظرة تظل قائمة على أن الطرف الثاني - الذي أسديت إليه خدمة في يوم من الأيام - أن عليه "جميلا" ليس يسيرا سداد دينه، وهذا من المن المفرط، والضارب للعلاقات الإنسانية في مقتلها؛ لأن المبدأ الإنساني أن يكون هناك تعاون وتوافق، وفق ما يرضي الله، فإن خرج الفعل عن هذه الصورة المثالية النسبية، فقد حاد عن الطريق السليم، ووقع في المحظور.