سأعتبر فكرة الرحلات التي تُنظمها الشركات السياحية واحدة من أجمل الأفكار المنتشرة بصورة كبيرة في بلدان العالم الشاسعة، تلك التي تعتمد على السياحة كمصدر دخل حقيقي لها، حيث يتمتع الغريب بنزهة جيدة رفقة مرشدين مُعَدين بصورة جيدة ويتحدثون بلغتين على الأقل، حول تلك الأماكن التي تراها عين السائح لأول مرّة، فتأسره الأسرار والحكايات والأساطير المُخبأة خلف كل حجر أو مبنى قديم، حول كل إرث أو عادة أو تقليد.
أكثر ما قد يلفتنا في فكرة "التور" السياحي، أنّهم يجعلونك تستمع بالطريق أكثر من الغاية التي أنت ذاهب إليها. ولستُ أبالغ لو قلتُ بأنّهم يخلقون من اللاشيء شيئا مذهلا وجذابا، فتمرُ على محلٍ يُعَدُ الأقدم في بيع الحلوى المحلية، أو يُعِدُ أقدم مطعم للمخبوزات، ستتذوق الشاي والقهوة كضيافة تدفعك لاحقا للشراء، ستتذوق الأطعمة الشعبية التي تحمل نكهة البلد، وستمرر أصابعك على منسوجات حاكتها أيدي نساء كادحات يُؤمن لقمة العيش لعوائلهن.
ستُصْطَحب أثناء "التور" لتُشاهد موسم قطاف الشاي أو الفراولة وبقدر ما سيبدو الأمر عاديا لأهالي البلد، سيكون بالنسبة لك كغريب حدثا استثنائيا، ستلتقط الصور وتوثق اللحظة وستتحدث عن الأمر كأنك دلفت لحدثٍ سحري، ولن تتردد في أن تغامر برفقة عائلتك لدخول الكهوف البعيدة، أو المعابد الأثرية التي شُيدت فوق ارتفاعات شاهقة، لأنّ ثمّة ما يجعل حدثا كهذا أمرا لا يتكرر كل يوم من جهة، ومن جهة أخرى لأنّك تعرف جيدا أنّها مهما بعُدت المسافات، ستكون مُحاطة بالمطاعم والمقاهي ودورات المياه المدفوعة طبعا، كما أنّ الطريق لن يغدو مملا وهو مُعبأ بالمحطات المدروسة سلفا والمخطط لها بعناية. ستقف جوار قصور قديمة لها أبطالها وتفاصيلها الدقيقة، فما الذي سيجعل السائح منتشيا أكثر من قصص تروى له على مهل فيقشعر بدنه! رحلات من هذا النوع وإن كانت تعود بالمتعة على السائح، فهي تعود بالفائدة الكبيرة على المحلات المنتشرة بطول الطريق.
تُعَلّم الأماكن اللافتة في العالم بالقصص والأساطير القديمة لتُصبح جاذبة، ولدينا في عُمان مخزون هائل من الحكايات يرتبط بعضها بالأمكنة والمزارات، ويمكن إعداد الشباب للتحدث عنها بصفتهم مُرشدين سياحيين، ليضفوا على الأماكن المتعة، فليس هدف كل عين أن تنظر بعينها المجردة إلى المرتفعات الخضراء والشلالات، ولكنها تريد أن تقبض على جوهر المكان وسحره. في رحلتي الأخيرة إلى صلالة التقيتُ بكاتبة تدعى ثمنة الجندل، بدت لي كشهرزادة جميلة تخرج من قصص ألف ليلة وليلة، تفيض بالحكي ولا تسكت عن الكلام المباح.. فأخذتُ أفكر: "ماذا كانت ستفعل الحكايات بزائر مُتعطش!".
"فصْلية مواسم السياحة"، هذه هي الإجابة المُعلبة والجاهزة لدى سؤالنا عن عدم وفرة المرافق! بينما البلدان الأخرى لديها مواسم مُحددة للسياحة وسيأتي البرد القارص في مواعيد قادمة، ولكن هذا لم يكن ليمنع أن تجد مقهي ومطعم ودورة مياه على رؤوس الجبال أو وسط الغابات أو قرب الشلالات. المفارقة الأخرى أنّه مهما بدا الاكتظاظ والإقبال الشديدين على وجهتك، ستجد دائما الخدمة، فهنالك دينمو بشري مُتسارع يحاول أن يستفيد من هذا الموسم قدر استطاعته، خصوصا بعد أن تكبد العالم من خسائر فادحة في كوفيد 19، مما يعني أن هذه الدول من العالم تؤمن بالسياحة إيمانا عميقا كونها تدر دخلا هائلا.
في سفرنا الأخير لتركيا، سمعتُ هذه الجملة من أكثر من شخص خليجي وعربي عندما تحادثنا كغرباء في الطرقات: "ماذا تفرق صلالة عن هنا؟"، وكانت الإجابة المتكررة دائما وأبدا تُختصر بكلمة واحدة "الخدمات". بينما يمكن لعُمان لسببين أساسيين أن تتحول لقِبلة سياحية حقيقية في فصلي الصيف والشتاء، الأول يعود لتنوعها الجغرافي المذهل والثاني لأنّه بلد معروف بالأمان، في ظل تزعزع هذا في بلدان أخرى.
لكن ليس علينا أن نجلد أنفسنا ونحن نمضي لنشاهد تجارب الآخرين، ليس علينا عقد مقارنات مجحفة، لاسيما وأننا لمسنا هذا العام أفكارا بدأت تُحركُ المياه الراكدة في بحيرة السياحة الهادئة، ولكننا ما زلنا نُعلق آمالا أكثر جرأة ومغامرة أكثر انفتاحا على تجارب العالم، لا أن تكون أقصى أمانينا دورة مياه !
أكثر ما قد يلفتنا في فكرة "التور" السياحي، أنّهم يجعلونك تستمع بالطريق أكثر من الغاية التي أنت ذاهب إليها. ولستُ أبالغ لو قلتُ بأنّهم يخلقون من اللاشيء شيئا مذهلا وجذابا، فتمرُ على محلٍ يُعَدُ الأقدم في بيع الحلوى المحلية، أو يُعِدُ أقدم مطعم للمخبوزات، ستتذوق الشاي والقهوة كضيافة تدفعك لاحقا للشراء، ستتذوق الأطعمة الشعبية التي تحمل نكهة البلد، وستمرر أصابعك على منسوجات حاكتها أيدي نساء كادحات يُؤمن لقمة العيش لعوائلهن.
ستُصْطَحب أثناء "التور" لتُشاهد موسم قطاف الشاي أو الفراولة وبقدر ما سيبدو الأمر عاديا لأهالي البلد، سيكون بالنسبة لك كغريب حدثا استثنائيا، ستلتقط الصور وتوثق اللحظة وستتحدث عن الأمر كأنك دلفت لحدثٍ سحري، ولن تتردد في أن تغامر برفقة عائلتك لدخول الكهوف البعيدة، أو المعابد الأثرية التي شُيدت فوق ارتفاعات شاهقة، لأنّ ثمّة ما يجعل حدثا كهذا أمرا لا يتكرر كل يوم من جهة، ومن جهة أخرى لأنّك تعرف جيدا أنّها مهما بعُدت المسافات، ستكون مُحاطة بالمطاعم والمقاهي ودورات المياه المدفوعة طبعا، كما أنّ الطريق لن يغدو مملا وهو مُعبأ بالمحطات المدروسة سلفا والمخطط لها بعناية. ستقف جوار قصور قديمة لها أبطالها وتفاصيلها الدقيقة، فما الذي سيجعل السائح منتشيا أكثر من قصص تروى له على مهل فيقشعر بدنه! رحلات من هذا النوع وإن كانت تعود بالمتعة على السائح، فهي تعود بالفائدة الكبيرة على المحلات المنتشرة بطول الطريق.
تُعَلّم الأماكن اللافتة في العالم بالقصص والأساطير القديمة لتُصبح جاذبة، ولدينا في عُمان مخزون هائل من الحكايات يرتبط بعضها بالأمكنة والمزارات، ويمكن إعداد الشباب للتحدث عنها بصفتهم مُرشدين سياحيين، ليضفوا على الأماكن المتعة، فليس هدف كل عين أن تنظر بعينها المجردة إلى المرتفعات الخضراء والشلالات، ولكنها تريد أن تقبض على جوهر المكان وسحره. في رحلتي الأخيرة إلى صلالة التقيتُ بكاتبة تدعى ثمنة الجندل، بدت لي كشهرزادة جميلة تخرج من قصص ألف ليلة وليلة، تفيض بالحكي ولا تسكت عن الكلام المباح.. فأخذتُ أفكر: "ماذا كانت ستفعل الحكايات بزائر مُتعطش!".
"فصْلية مواسم السياحة"، هذه هي الإجابة المُعلبة والجاهزة لدى سؤالنا عن عدم وفرة المرافق! بينما البلدان الأخرى لديها مواسم مُحددة للسياحة وسيأتي البرد القارص في مواعيد قادمة، ولكن هذا لم يكن ليمنع أن تجد مقهي ومطعم ودورة مياه على رؤوس الجبال أو وسط الغابات أو قرب الشلالات. المفارقة الأخرى أنّه مهما بدا الاكتظاظ والإقبال الشديدين على وجهتك، ستجد دائما الخدمة، فهنالك دينمو بشري مُتسارع يحاول أن يستفيد من هذا الموسم قدر استطاعته، خصوصا بعد أن تكبد العالم من خسائر فادحة في كوفيد 19، مما يعني أن هذه الدول من العالم تؤمن بالسياحة إيمانا عميقا كونها تدر دخلا هائلا.
في سفرنا الأخير لتركيا، سمعتُ هذه الجملة من أكثر من شخص خليجي وعربي عندما تحادثنا كغرباء في الطرقات: "ماذا تفرق صلالة عن هنا؟"، وكانت الإجابة المتكررة دائما وأبدا تُختصر بكلمة واحدة "الخدمات". بينما يمكن لعُمان لسببين أساسيين أن تتحول لقِبلة سياحية حقيقية في فصلي الصيف والشتاء، الأول يعود لتنوعها الجغرافي المذهل والثاني لأنّه بلد معروف بالأمان، في ظل تزعزع هذا في بلدان أخرى.
لكن ليس علينا أن نجلد أنفسنا ونحن نمضي لنشاهد تجارب الآخرين، ليس علينا عقد مقارنات مجحفة، لاسيما وأننا لمسنا هذا العام أفكارا بدأت تُحركُ المياه الراكدة في بحيرة السياحة الهادئة، ولكننا ما زلنا نُعلق آمالا أكثر جرأة ومغامرة أكثر انفتاحا على تجارب العالم، لا أن تكون أقصى أمانينا دورة مياه !