(1)
حنان لموسيقى الحجرة: أنتِ، وهو، وهي، وأنا، وكل الآلات الوتريَّة التي في النسيان.
(2)
لا تغيثوه، لا تفسدوه، لا تنتظروا، لا تخترقوه، لا تنظروا: الرصاصة لا تزال تحترق.
(3)
الجسور رغبة بعيدة في رضاب البحر.
(4)
ريح، قواقع، وإسفنجة. ظمأ هو كل ما غير ذلك.
(5)
لم يَقُلْهُ البحر، هو الأخرس في الأجراس.
(6)
كل هذا الطين الَّلدن في يدٍ مقطوعة.
(7)
ليس الموت مشكلة كبيرة حين تكون الحياة وافرة.
(8)
عليك الثقة بأن الآخر يفهمك جيدًا حين تبدأ أعراض الكف عن الاستماع.
(9)
لأن الفضيحة كبيرة زرعوا الباسقات من حولها.
(10)
كل ما في رهان الفكر سيُتجاوز غدًا. كل ما هو رهين الغد في الفن، والإبداع، والأدب سيُتجاوز بعد الغد، شيء واحد فقط لا يمكن تجاوزه أبدًا: الإنسان الذي يتفنن دومًا في صنيعة أوهامه.
(11)
صارت السينما مثل الشِّعر والنثر، مثل البحر، مثل الحب والحياد والرماد، مثل الجيران وأقساط البنك، مثل الضجر واليأس، والجِياد وناطحات السحاب، مثل الصخر والهواء الفاتر، مثل السيرك ومعارض السيارات والأرواح المستعمَلة: "إنك تستهلك حيواتك التسع بسرعة كبيرة"، عودة أبو تايه مخاطبًا لورَنس العرب في فيلم "لورَنس العرب" لديفِد لين.
(12)
لقد أفسد التلفزيون كل شيء، بما في ذلك الطبيعة التي نرى سحرها على شاشاته.
(13)
سيبقى الحب دوما أكثر الحالات كثافة، تماما مثل الموت.
(14)
مخيلتي ضعيفة، ولذلك ألجأ إلى الكتابة (في ضعف آخر).
(15)
كل ما هو سعيد لا يجلب السعادة، بل يخفف الاكتئاب ولو قليلاً فقط، ولا أدري إذا كان هذا هو الدور المنوط بالسعادة.
(16)
لا أعرف كيف أكون ممثلاً، وأتحدث عن الأفلام.
(17)
أليس غريبًا تعمُّد هذه التُّفاحة: رفع ستارة النافذة في الصباح، القراءة و/ الكتابة، مشاهدة فيلم في الليل، وتأجيل الريح، إلخ.
(18)
هناك مقولة شهيرة لروبير بريسون في "ملاحظات في السينماتوغرافيا" يذهب فيها إلى أنه: "لا يبدع المرء بالإضافة، بل بالحذف".
شخصيًا، أحب هذه المقولة دومًا وأحاول دومًا أن أقتبسها في محاولاتي الكتابيَّة (ووضعتها، من باب أولى في ضئيلي "أصابع: فيلم شخصي" حيث تنبغي مكافحة الزوائد في فيلم قصير أصلًا).
لكن، مع ذلك لماذا يشعر المرء أحيانًا أن حذف كلمة أو عبارة معينة من نصَّه، ومع أن ذلك لصالح النص وقوَّته، فإنه يحس بأنه بصدد بتر أحد أعضائه، يحدث ذلك في الغالب لأن المحذوف يشكِّل نقطة جوهرية وشخصيَّة في البوح يخاف عليها الكاتب كما يخاف على كَبَدِه وكبِده، ولكنه لا يستطيع أن يقنع أحدًا بذلك.
يا إلهي، هنا أيضا، كيف يمكننا فصل الشخص من النص؟ فلأنوِّع على بريسون من جهة بعيدة، إذا، هكذا: كتابة كلمة أو عبارة تعذِّب، والإبقاء عليها عذاب، وحذفها هو التعذيب.
(19)
بمناسبة الكشف عن أعمق صورة للكون: ثمَّة بين الماضي والحنين بون شاسع: الماضي (بالتعريفات الفيزيائية وحتى الشِّعرية) لحظة حدثت قبل أن يجيء الحاضر (ولاحقا المستقبل). الفلاسفة يدلون بدلو أكثر تعقيدًا من هذه البداهة بكثير، أما الحنين فهو شيء آخر: إنه اللحظة الدائمة التي انبثقت من الماضي لتستوطن القادم، يقول قاسم حدَّاد: "انتبهوا/ الماضي قادم" (حتى ولو قال العبارة في سياق قد لا يعني كثيرًا علماء تلسكوب جيمس ويب أو، على الأقل، ليس بصورة مباشرة).
وبالمناسبة أيضًا: خطوتُ اليوم صعودًا على ذلك السلم الإسمنتي المتهالك والغربان والحمامات تُكَلِّلني، وحين وصلت إلى الغيوم رأيتكِ، فأصابني خوفٌ شديد، وحنانٌ كبير، وفقدٌ عظيم، وما يشبه السديم.
ثم انهار السُّلَّم، وكانت السماء زرقاء، سوداء، خضراء، زرقاء، بيضاء "حليب الصباح الأسود نشربك في الليالي/ نشربك عند الظهر وفي الصباحات/ نشربك في الليل/ نشرب ونشرب/ رجل يسكن في بيتٍ يلعبُ مع الأفاعي ويكتب"، بول سيلان، “Death Fugue”.
(20)
لا أحد سيبكي، لا أحد سيضحك، ستمضي الجنازة مثلما تمر الطيور في فيلم السيد الجليل أَلْفْرِد هِتْشْكُكْ "الطيور".
(21)
أراودكِ، وأكتفي، ولا يكفيني أنك السراب.
(22)
أنتِ القُطن، ونهدك اللوعة.
(23)
في السينما تحدث نفس الخطيئة دومًا: المقعد الذي تغادره بعد أن شاهدت الفيلم سيجلس عليه بطل الفيلم التالي.
(24)
الكراهية والمقت أعظم بكثير من الحب، لكن يبقى هذا مجرد كسل لغوي.
(25)
في مهرجانات السينما هناك المُعيدي أيضا.
(26)
يتذكرون يوسف، وأنا لا أنسى القميص الذي شقَّقته الروح في الريح.
(27)
مثل الموت، يحدث الحب مرة واحدة فقط (الباقي مجرد تدريبات إنعاش ميداني لطلبة وطالبات كليات الطب). أما ما حدث قبل ليال فإنه لا يريد كل الحذافير.
(28)
سيذهب الثوريون دوما إما إلى النصر، أو إلى الهزيمة، أو إلى شيء من هذا وشيء من ذاك، وسيمضي الكاتب إلى ما هو أسوأ بكثير من ذلك (دومًا، أيضًا).
(29)
الطفولة هي الشيء الوحيد الذي توقن وأنت تمضي إلى نهايات العمر أنه ما كان ينبغي له أبدًا أن يحدث.
(30)
في المرة الأولى أحببتك، وفي المرة الثانية لم يكن لي زَنْدٌ ولا أصابع، أما في المرة الثالثة فقد كان الحب ساميًا، ومتعاليًا، خارج اليقين.
(31)
أيها الشهيد: أشرقت الشمس اليوم أيضًا من قبرك المجهول وكانت الأشجار، والظلال، والمواقد، حتى كادت الأرض أن تكاد.
(32)
أنا السَّهو، كأنني السَّهو (حين أكتب هذا خاصَّة).
(33)
دثِّريني دثِّريني، زمِّليني زمِّليني، كَذِّبيني كَذِّبيني، وخذي العشب من على الكتاب.
(34)
لا يعنيني الغد أبدا (ففيه سيكون كُثرٌ غيري)، بل أنا مسكون بالأمس (ففيه كنتُ وحدي).
(35)
منذ عدة أيام لم أقرأ الصحف، ولم أفتح التلفزيون، ولم أرد على مكالمات الهاتف، ولم أدخل على "النت"، ولم أغادر شقتي أصلًا.
الغريب هو أن القيامة لم تحدث.
(36)
لا تغادريني، حتى هذه الشجرة مجرد كذبة.
حنان لموسيقى الحجرة: أنتِ، وهو، وهي، وأنا، وكل الآلات الوتريَّة التي في النسيان.
(2)
لا تغيثوه، لا تفسدوه، لا تنتظروا، لا تخترقوه، لا تنظروا: الرصاصة لا تزال تحترق.
(3)
الجسور رغبة بعيدة في رضاب البحر.
(4)
ريح، قواقع، وإسفنجة. ظمأ هو كل ما غير ذلك.
(5)
لم يَقُلْهُ البحر، هو الأخرس في الأجراس.
(6)
كل هذا الطين الَّلدن في يدٍ مقطوعة.
(7)
ليس الموت مشكلة كبيرة حين تكون الحياة وافرة.
(8)
عليك الثقة بأن الآخر يفهمك جيدًا حين تبدأ أعراض الكف عن الاستماع.
(9)
لأن الفضيحة كبيرة زرعوا الباسقات من حولها.
(10)
كل ما في رهان الفكر سيُتجاوز غدًا. كل ما هو رهين الغد في الفن، والإبداع، والأدب سيُتجاوز بعد الغد، شيء واحد فقط لا يمكن تجاوزه أبدًا: الإنسان الذي يتفنن دومًا في صنيعة أوهامه.
(11)
صارت السينما مثل الشِّعر والنثر، مثل البحر، مثل الحب والحياد والرماد، مثل الجيران وأقساط البنك، مثل الضجر واليأس، والجِياد وناطحات السحاب، مثل الصخر والهواء الفاتر، مثل السيرك ومعارض السيارات والأرواح المستعمَلة: "إنك تستهلك حيواتك التسع بسرعة كبيرة"، عودة أبو تايه مخاطبًا لورَنس العرب في فيلم "لورَنس العرب" لديفِد لين.
(12)
لقد أفسد التلفزيون كل شيء، بما في ذلك الطبيعة التي نرى سحرها على شاشاته.
(13)
سيبقى الحب دوما أكثر الحالات كثافة، تماما مثل الموت.
(14)
مخيلتي ضعيفة، ولذلك ألجأ إلى الكتابة (في ضعف آخر).
(15)
كل ما هو سعيد لا يجلب السعادة، بل يخفف الاكتئاب ولو قليلاً فقط، ولا أدري إذا كان هذا هو الدور المنوط بالسعادة.
(16)
لا أعرف كيف أكون ممثلاً، وأتحدث عن الأفلام.
(17)
أليس غريبًا تعمُّد هذه التُّفاحة: رفع ستارة النافذة في الصباح، القراءة و/ الكتابة، مشاهدة فيلم في الليل، وتأجيل الريح، إلخ.
(18)
هناك مقولة شهيرة لروبير بريسون في "ملاحظات في السينماتوغرافيا" يذهب فيها إلى أنه: "لا يبدع المرء بالإضافة، بل بالحذف".
شخصيًا، أحب هذه المقولة دومًا وأحاول دومًا أن أقتبسها في محاولاتي الكتابيَّة (ووضعتها، من باب أولى في ضئيلي "أصابع: فيلم شخصي" حيث تنبغي مكافحة الزوائد في فيلم قصير أصلًا).
لكن، مع ذلك لماذا يشعر المرء أحيانًا أن حذف كلمة أو عبارة معينة من نصَّه، ومع أن ذلك لصالح النص وقوَّته، فإنه يحس بأنه بصدد بتر أحد أعضائه، يحدث ذلك في الغالب لأن المحذوف يشكِّل نقطة جوهرية وشخصيَّة في البوح يخاف عليها الكاتب كما يخاف على كَبَدِه وكبِده، ولكنه لا يستطيع أن يقنع أحدًا بذلك.
يا إلهي، هنا أيضا، كيف يمكننا فصل الشخص من النص؟ فلأنوِّع على بريسون من جهة بعيدة، إذا، هكذا: كتابة كلمة أو عبارة تعذِّب، والإبقاء عليها عذاب، وحذفها هو التعذيب.
(19)
بمناسبة الكشف عن أعمق صورة للكون: ثمَّة بين الماضي والحنين بون شاسع: الماضي (بالتعريفات الفيزيائية وحتى الشِّعرية) لحظة حدثت قبل أن يجيء الحاضر (ولاحقا المستقبل). الفلاسفة يدلون بدلو أكثر تعقيدًا من هذه البداهة بكثير، أما الحنين فهو شيء آخر: إنه اللحظة الدائمة التي انبثقت من الماضي لتستوطن القادم، يقول قاسم حدَّاد: "انتبهوا/ الماضي قادم" (حتى ولو قال العبارة في سياق قد لا يعني كثيرًا علماء تلسكوب جيمس ويب أو، على الأقل، ليس بصورة مباشرة).
وبالمناسبة أيضًا: خطوتُ اليوم صعودًا على ذلك السلم الإسمنتي المتهالك والغربان والحمامات تُكَلِّلني، وحين وصلت إلى الغيوم رأيتكِ، فأصابني خوفٌ شديد، وحنانٌ كبير، وفقدٌ عظيم، وما يشبه السديم.
ثم انهار السُّلَّم، وكانت السماء زرقاء، سوداء، خضراء، زرقاء، بيضاء "حليب الصباح الأسود نشربك في الليالي/ نشربك عند الظهر وفي الصباحات/ نشربك في الليل/ نشرب ونشرب/ رجل يسكن في بيتٍ يلعبُ مع الأفاعي ويكتب"، بول سيلان، “Death Fugue”.
(20)
لا أحد سيبكي، لا أحد سيضحك، ستمضي الجنازة مثلما تمر الطيور في فيلم السيد الجليل أَلْفْرِد هِتْشْكُكْ "الطيور".
(21)
أراودكِ، وأكتفي، ولا يكفيني أنك السراب.
(22)
أنتِ القُطن، ونهدك اللوعة.
(23)
في السينما تحدث نفس الخطيئة دومًا: المقعد الذي تغادره بعد أن شاهدت الفيلم سيجلس عليه بطل الفيلم التالي.
(24)
الكراهية والمقت أعظم بكثير من الحب، لكن يبقى هذا مجرد كسل لغوي.
(25)
في مهرجانات السينما هناك المُعيدي أيضا.
(26)
يتذكرون يوسف، وأنا لا أنسى القميص الذي شقَّقته الروح في الريح.
(27)
مثل الموت، يحدث الحب مرة واحدة فقط (الباقي مجرد تدريبات إنعاش ميداني لطلبة وطالبات كليات الطب). أما ما حدث قبل ليال فإنه لا يريد كل الحذافير.
(28)
سيذهب الثوريون دوما إما إلى النصر، أو إلى الهزيمة، أو إلى شيء من هذا وشيء من ذاك، وسيمضي الكاتب إلى ما هو أسوأ بكثير من ذلك (دومًا، أيضًا).
(29)
الطفولة هي الشيء الوحيد الذي توقن وأنت تمضي إلى نهايات العمر أنه ما كان ينبغي له أبدًا أن يحدث.
(30)
في المرة الأولى أحببتك، وفي المرة الثانية لم يكن لي زَنْدٌ ولا أصابع، أما في المرة الثالثة فقد كان الحب ساميًا، ومتعاليًا، خارج اليقين.
(31)
أيها الشهيد: أشرقت الشمس اليوم أيضًا من قبرك المجهول وكانت الأشجار، والظلال، والمواقد، حتى كادت الأرض أن تكاد.
(32)
أنا السَّهو، كأنني السَّهو (حين أكتب هذا خاصَّة).
(33)
دثِّريني دثِّريني، زمِّليني زمِّليني، كَذِّبيني كَذِّبيني، وخذي العشب من على الكتاب.
(34)
لا يعنيني الغد أبدا (ففيه سيكون كُثرٌ غيري)، بل أنا مسكون بالأمس (ففيه كنتُ وحدي).
(35)
منذ عدة أيام لم أقرأ الصحف، ولم أفتح التلفزيون، ولم أرد على مكالمات الهاتف، ولم أدخل على "النت"، ولم أغادر شقتي أصلًا.
الغريب هو أن القيامة لم تحدث.
(36)
لا تغادريني، حتى هذه الشجرة مجرد كذبة.