في ثمانينيات القرن الماضي، أراد الأولاد أن يكونوا كائنات خرافية خارقة أو أمراء مُنقذين، وحَلُمت الفتيات بأن يصبحن جميلات فوق العادة وتعيسات في آن، ليأتي الفرسان على أحصنة مُتخيلة، فقد غذّت أفلام الكرتون هذه الأماني وجعلتها السبيل الوحيد لتحقق الفرد على نحوٍ مثالي.
ومن مكان خفي، غذّى الآباء والأمهات أبناءهم برغبات عميقة، بأهمية أن يحوزوا على "معجزات"، على صعيد الدراسة والحياة والتفوق، فهم ينشدون أبناء أكثر اكتمالا، أكثر تجاوزا لإخفاقاتهم الشخصية، دون أن يخطر ببالهم للحظة أنّ العثرات تقوي، وأنّ الإخفاقات تُضيء بداخلهم كهوفا مظلمة.
استيقظت هذه الأفكار وأنا أشاهد برفقة أبنائي فيلم الأنيميشن "Encanto"، ومنذ الوهلة الأولى تأكدتُ أنّه فيلم للمخرج جاريد بوش، الذي قدّم لنا من قبل فيلما لا يقل جمالا "Moana"، كما أنّ الأغاني الثمان التي أضفتْ وهجا من البهجة العارمة، كانت أيضا للمؤلف نفسه "لين مانويل ميراندا".
تقطنُ "ميرابيل" ذات الخمس عشرة عاما في بيت يرتعشُ بالسحر، حيث يحظى كل فرد منهم بهِبةٍ ما، بقوى سحرية تخصه دون الآخرين. الجميع.. العمّات والخالات والأقرباء، فهنالك من جعل الزهور تتفتح، هنالك من تحلّى بقوى عضلية، أو بقدرة على علاج الناس من خلال الأطعمة، أو التحكم بالطقس، أمّا الذي نظر لمستقبل العائلة، فقد لزم بعضٌ من الوقت لنفهم سبب اختفائه.
بدأ الأمر عندما حصلت الجدّة "آبويلا" على معجزة تجلتْ على هيئة شمعة وبيت سحري، فقدّست الجدّة المعجزات، لكن حفيدتها "ميرابيل" لم تحصل على واحدة، لم تكن لها هِبة خاصة بها، ويبدو من الذكاء اختيار فتاة في سن المراهقة، لتجسد الدور في الفيلم، هذا السن الذي يعي فيه الأبناء والبنات أنفسهم إزاء الآخر الذي هم في موضع مقارنة دائمة معه، حيث يُشير الآباء والأمهات بسباباتهم القاتلة نحو ما يتمتع به الأقران ويُفتقد في أبنائهم.
في مكان بعيد من روح "ميرابيل" يكمن ذلك الإحساس الذي عبرنا يوما ما بطرق مختلفة. ذلك السؤال: حول جدوى وضعنا ضمن تصنيفات مُحددة، وكيف أنّ "هِبات" مُحددة ستجعلنا الأفضل في نظر أحبتنا!
ندركُ جيدا بأنّه لا يوجد شر مُطلق، فـنوايا الجدّة "آبويلا" كانت كنوايا أغلب الآباء والأمهات، الإخلاص في حماية العائلة، وحماية الهِبات من الانطفاء، حتى وإن بدت تلك الحماية هشّة ومتعالية أحيانا، ففي حقيقة الأمر احتكرت الجدّة حياتهم جميعا، حتى أصحاب الهِبات لم يكونوا سعداء كما قد نظن، كانوا يُعانون لأنّه ينبغي عليهم دوما أن يكونوا بمستوى المتوقع منهم، وعلى درجة من المثالية، وهو نموذج متوفر في الحياة ولا تخطئه عين.. أعني أولئك الذين يستميتون كيلا تُصوب نحوهم السبّابات القاتلة.
تظن الكثير من الأسر أنّ الأبناء سيكبرون لملء قوالب جاهزة ومُعدّة سلفا لأجلهم، بينما هم في حقيقة الأمر يُعدون أنفسهم لشيء مُغاير بقوة دوافعهم التي تولد من داخلهم، لا من سحر خارجي.
تحاول Disney الخروج من التنميط، بعد أن انتقدت لفترة طويلة بسبب الصورة التي قدّمت فيها الفتيات المُنتظرات لأمير مُخلص، كما نلحظ تنوعا في ألوان البشرة، والأجسام بين هزالها وسمنتها، والقوة النفسية المُدخرة في روح "ميرابيل".
تظهر الحياة الكولومبية، ببهاء عمارتها، بألوان ثيابها، صخب الأغاني والرقص، وقيمة العائلة. وقد قرأتُ أيضا أنّ الفراشات الصفراء التي ظهرت هي رمز يرجع للكاتب الكولومبي الشهير ماركيز وروايته "مئة عام من العزلة".
تخبرهم "ميرابيل" بأنّ البيت السحري مُهدد بالتشقق، إلا أنّ أحدا لم يكن ليصدق حدسها، ظنوا بأنّها تغار من هِباتهم. لكن الأمر لم يكن ليدفعها لأن تصبح جاحدة للعائلة، بدت لنا مُتعاطفة ومحبة.
نعي في نهاية الفيلم بأنّه لا ينبغي أن نكون من ذوي "الهِبات" الخارقة، لنترك أثرا في هذه الحياة، فقد وقف أصحاب المعجزات عاجزين إزاء تشقق البيت، لكن الفتاة العادية مضتْ لتصنع شيئا مغايرا، تستمد قواها من حبّ العائلة، وهي الفكرة التي عمد الفيلم لإضاءتها بصورة لافتة، شريطة أن تكون العائلة قادرة على تقبل أبنائها على اختلاف هِباتهم، فلكل منا هبّة، لكن ليس بالضرورة أن تكون مرئية دائمًا للجميع.
ومن مكان خفي، غذّى الآباء والأمهات أبناءهم برغبات عميقة، بأهمية أن يحوزوا على "معجزات"، على صعيد الدراسة والحياة والتفوق، فهم ينشدون أبناء أكثر اكتمالا، أكثر تجاوزا لإخفاقاتهم الشخصية، دون أن يخطر ببالهم للحظة أنّ العثرات تقوي، وأنّ الإخفاقات تُضيء بداخلهم كهوفا مظلمة.
استيقظت هذه الأفكار وأنا أشاهد برفقة أبنائي فيلم الأنيميشن "Encanto"، ومنذ الوهلة الأولى تأكدتُ أنّه فيلم للمخرج جاريد بوش، الذي قدّم لنا من قبل فيلما لا يقل جمالا "Moana"، كما أنّ الأغاني الثمان التي أضفتْ وهجا من البهجة العارمة، كانت أيضا للمؤلف نفسه "لين مانويل ميراندا".
تقطنُ "ميرابيل" ذات الخمس عشرة عاما في بيت يرتعشُ بالسحر، حيث يحظى كل فرد منهم بهِبةٍ ما، بقوى سحرية تخصه دون الآخرين. الجميع.. العمّات والخالات والأقرباء، فهنالك من جعل الزهور تتفتح، هنالك من تحلّى بقوى عضلية، أو بقدرة على علاج الناس من خلال الأطعمة، أو التحكم بالطقس، أمّا الذي نظر لمستقبل العائلة، فقد لزم بعضٌ من الوقت لنفهم سبب اختفائه.
بدأ الأمر عندما حصلت الجدّة "آبويلا" على معجزة تجلتْ على هيئة شمعة وبيت سحري، فقدّست الجدّة المعجزات، لكن حفيدتها "ميرابيل" لم تحصل على واحدة، لم تكن لها هِبة خاصة بها، ويبدو من الذكاء اختيار فتاة في سن المراهقة، لتجسد الدور في الفيلم، هذا السن الذي يعي فيه الأبناء والبنات أنفسهم إزاء الآخر الذي هم في موضع مقارنة دائمة معه، حيث يُشير الآباء والأمهات بسباباتهم القاتلة نحو ما يتمتع به الأقران ويُفتقد في أبنائهم.
في مكان بعيد من روح "ميرابيل" يكمن ذلك الإحساس الذي عبرنا يوما ما بطرق مختلفة. ذلك السؤال: حول جدوى وضعنا ضمن تصنيفات مُحددة، وكيف أنّ "هِبات" مُحددة ستجعلنا الأفضل في نظر أحبتنا!
ندركُ جيدا بأنّه لا يوجد شر مُطلق، فـنوايا الجدّة "آبويلا" كانت كنوايا أغلب الآباء والأمهات، الإخلاص في حماية العائلة، وحماية الهِبات من الانطفاء، حتى وإن بدت تلك الحماية هشّة ومتعالية أحيانا، ففي حقيقة الأمر احتكرت الجدّة حياتهم جميعا، حتى أصحاب الهِبات لم يكونوا سعداء كما قد نظن، كانوا يُعانون لأنّه ينبغي عليهم دوما أن يكونوا بمستوى المتوقع منهم، وعلى درجة من المثالية، وهو نموذج متوفر في الحياة ولا تخطئه عين.. أعني أولئك الذين يستميتون كيلا تُصوب نحوهم السبّابات القاتلة.
تظن الكثير من الأسر أنّ الأبناء سيكبرون لملء قوالب جاهزة ومُعدّة سلفا لأجلهم، بينما هم في حقيقة الأمر يُعدون أنفسهم لشيء مُغاير بقوة دوافعهم التي تولد من داخلهم، لا من سحر خارجي.
تحاول Disney الخروج من التنميط، بعد أن انتقدت لفترة طويلة بسبب الصورة التي قدّمت فيها الفتيات المُنتظرات لأمير مُخلص، كما نلحظ تنوعا في ألوان البشرة، والأجسام بين هزالها وسمنتها، والقوة النفسية المُدخرة في روح "ميرابيل".
تظهر الحياة الكولومبية، ببهاء عمارتها، بألوان ثيابها، صخب الأغاني والرقص، وقيمة العائلة. وقد قرأتُ أيضا أنّ الفراشات الصفراء التي ظهرت هي رمز يرجع للكاتب الكولومبي الشهير ماركيز وروايته "مئة عام من العزلة".
تخبرهم "ميرابيل" بأنّ البيت السحري مُهدد بالتشقق، إلا أنّ أحدا لم يكن ليصدق حدسها، ظنوا بأنّها تغار من هِباتهم. لكن الأمر لم يكن ليدفعها لأن تصبح جاحدة للعائلة، بدت لنا مُتعاطفة ومحبة.
نعي في نهاية الفيلم بأنّه لا ينبغي أن نكون من ذوي "الهِبات" الخارقة، لنترك أثرا في هذه الحياة، فقد وقف أصحاب المعجزات عاجزين إزاء تشقق البيت، لكن الفتاة العادية مضتْ لتصنع شيئا مغايرا، تستمد قواها من حبّ العائلة، وهي الفكرة التي عمد الفيلم لإضاءتها بصورة لافتة، شريطة أن تكون العائلة قادرة على تقبل أبنائها على اختلاف هِباتهم، فلكل منا هبّة، لكن ليس بالضرورة أن تكون مرئية دائمًا للجميع.