shialoom@gmail.com

تلفت نظرنا، بعض المفردات، ونحن في زحمة انشغالاتنا مع الآخر، أو مع أنفسنا، وهذه الالتفاتات التي تحدث، لم تأت من فراغ، بل لأن هناك منبها ذاتيا حرك هذه الالتفاتة أو تلك، لأن المسألة خرجت عن سياقاها الطبيعي، أو لمست شيئا من انتباهات المتلقي، والقضية هنا ليس عند المتلقي الذي يتلقى هذه الإشارات أو الالتفاتات فقط، وإنما عند المرسل، الذي، على ما يبدو، أنه غير منتبه لذاته، وهو في خضم هذه البعثرة، أو الثرثرة، وقد يدرك ذلك، ولكنه في وقت متأخر، بعد أن سجل مجموعة من الإخفاقات، ومجموعة من التقييمات، قد تكون غير إيجابية، من قبل الآخر، ومجموعة مما ما كان يجب أن يفصح عنه، أو أن يغير ترتيباته الأصلية، وحسن النية في كلا الأمرين غير مقبول إطلاقا، وللناس أحكام قاسية عند أي تقييم.

يكثر في هذه البعثرة - وهي المرتبطة أكثر بالجوانب المادية - فبعثر الشيء، أي أخرجه من مكانه، أو وضعه على غير هدى، أو اختلط بعضه ببعض من غير ترتيب متقن مما يثير الانتباه، أو ظهر للآخر على أن هناك شيء ما غير متوافق مع مكونه الأصلي، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، كما أنه يكثر في هذه الثرثرة اختلاط كثير من المفاهيم، والمواقف، وقد تحمل المعاني فوق ما تحتمل، وقد تغرب المعاني عن حقيقتها، أو إدخالها في متون المفاهيم الأخرى التي ليس لها علاقة، أصلا، بما يتجاوز به المتحدث في ثرثرته من خلط، ومن كلام مبالغ فيه، أو مكثر فيه، أو قد لا يحمل أي معنى يمكن أن يستفاد منه، وإنما هو خزينة من الكلام الفاضي، يفرغها المتحدث من حمولته اللغوية، ليلقيها في وجه المتلقي بغض النظر عن قيمتها المعنوية، أو الدلالية، أو المعرفية، المهم أنه يتحدث وفقط، وقد يعجبه الاسترسال، فلا يتيح فرصة للآخر للحديث أيضا.

وفي كلا الحالتين، تدخل الفطرة في الممارستين من بابها الأوسع، فهناك أناس هكذا فطرتهم: يبعثرون، ويثرثرون، ولا يدركون ما يفعلون، وإذا ضاق بك الحال وأردت أن تقيم معهم حوارا منطقيا، أو متوازنا، أو معرفيا، عدوا ذلك إشارة لهم بالنقيصة، أو عدوا ذلك تطاولا عليهم، وهذه إشكالية نفسية، أكثر منها خلقية أو سلوكية يمكن إخضاعها لتنظيم «ميكانيكي» أي تدريب سلوكي يبتع مسلكا متدرجا (1+1=2) إلا الاستثناء، وهذا الاستثناء يحتاج إلى استعداد نفسي وشخصي من صاحبه، لأن يخضع نفسه لتدريب «سلوكي» مقتنع من خلاله بأنه يصوب هذه الفطرة إلى المسارات الصحيحة، التي عليها أغلب الناس من حوله.

هل هذان الأمران (بعثرة/ ثرثرة) يشكلان ظاهرة تحتاج إلى لفت النظر حولها؟ لا أتصور ذلك، على الرغم من ردات الفعل لدى الآخرين من عدم الارتياح للمثرثر «الفوضوي في الحديث» وللمبعثر «الفوضوي في الفعل»، وغالبا هؤلاء لا يشكلون رقما تصاعديا في المجتمع، وكما لاحظت إبان ما كنت في الوظيفة، أن هناك تحفظات على عدم إعطاء مثل هؤلاء مسؤوليات كبيرة، خوف تجاوز الحد في الإفصاح عما ينبغي الإفصاح عنه، أو التجاوز في بعثرة بعض الترتيبات التي توضع «قصدا» لغرض ما. فهل يدرك هؤلاء ذلك وهم يغالبون أنفسهم بالقول وبالفعل؟