ـ 1 ـ

قال شارلي شابلن: اشتغلت مخرجًا مسرحيًا، لأكسب 35 قرشًا سويسريًا، وقدحًا من القهوة.

كممثل، لم يكن هدفي الأول إضحاك الناس، أو تحويل الشخصية إلى رمز. لم أكن أهدف إلى أكثر من إضحاك "ماك سينيت" رب عملي القديم. الذي أخرج لي فيلمي الأول 1914.

شارلو في شيخوخته كان يتمشى مع زوجته في أحد أسواق جنيف، شاهدته طفلتان سويسريتان، فأسرعتا إلى دكان بيع الزهور، واشترتا باقة، وقدمتا الباقة إلى شارلي العجوز. وقالت إحداهما: "شكرًا، شكرًا لأنك أضحكتنا كثيرًا".

بقي شارلي جامدًا في مكانه، استند إلى ذراع زوجته، وبكى بصمت.

ـ 2 ـ

افتقد الرئيس جمال عبد الناصر، بعد الثورة (1952) صوت أم كلثوم في إذاعة صوت العرب، وعندما سئل وزير الإعلام عن السبب في اختفاء أغانيها، قال: سيدي إنها مغنية من العهد الملكي، قد أزلناها من البرنامج العام.

غضب عبد الناصر، وقال ساخرًا: ما رأيك بإزالة الإهرامات؟ الإهرامات هي من العهد الفرعوني؟

ـ 3 ـ

بعد سنتين قررت زيارتها.

كانت جميلة، وتعرف كيف تجعل مريضها أفضل حالًا. بسبب ابتسامة غريبة كلها إشارات عافية وتمنيات طيبة، وآمال لا تهزم.

كانت تمسك بنظارتها وتبدأ بمسحها وتضعها على وجهها، ثم تتفقد كمية الرضا التي ينبغي أن ترسلها إلى وجه المريض، وتؤكد له، كأنها تعرف قبل الفحص، شكواه، وأنه سيتمطى ويقوم وينزل عن سرير الفحص، بخفة المعافى، وتكتب له وصفة قصيرة خاتمة واثقة: ليس هناك مرض، هناك مريض" ثم تتجه أناملها إلى إبداع لمستها الأخيرة.

هذه الطبيبة الصديقة فاجأت الحياة بذبول الحياة في عينيها، وذوبان العسل في ابتسامتها، وهزيمة اللون الذكي في خديها.

للكلام أحيانا قيمة زائلة لخلوها من الوعد.

أمس الأول لم أذهب إلى العيادة لإزالة اللوحات، حسب وصيتها، عن جدار البنى. ترددت، وعزمت على إبقاء اللوحات علامة على بقاء الوهم الأليف، وعلى الذاكرة أن تتدبر أمور الخلود.

رحلت هذه الطبيبة بمريولها الأخضر، وابتسامتها الزهرية. وقالت:

"إذا ما تأملت الزمان وصرفه تيقنت أن الموت نوع من القتل".

ـ 3 ـ

اعترافات متأخرة:

معظم قادة الحروب والسياسيين والعسكريين يتفضلون بالاعترافات المتأخرة بذنوب القرار وتنفيذه ونتائجه:

وزير دفاع أمريكا الجنرال مكنمارا، بعد قيادته للحرب في فيتنام لمدة خمس سنوات، قال بعد انتهاء الحرب: "لم تكن ضرورية، وإنها لخطأ كبير ارتكبناه..." وتغري الأرقام بإشاعة بعض الأرقام لكي نعتبر: الحرب الأهلية الروسية 9 ملايين. الحرب العالمية الأولى 20 مليون، والثانية 100 مليون.

ـ 4 ـ

من دفتر قديم: لمحمود درويش.

"لي حكمة المحكوم بالإعدام... لا أشياء أملكها فتملكني".