وَجَدَت المذكرة السرية التالية المرفوعة من شركة استشارية كبرى إلى زعيم غربي ذائع الصيت طريقها إلى أيدينا: قُـضي الأمر. كخطوة أولى في الرحلة الاستشارية التي بدأناها سويا، نقترح تغيير سِـمَـتـكم المميزة ومحو القديمة من الوجود. نعلم أن هذا سيكون قاسيا عليكم، ولكن لا بديل. يتعين علينا أن نتخلص من "الغرب" كمفهوم. "التحالف الغربي"، و"القيم الغربية" ــ كل هذا يجب أن يرحل. على أية حال، كل ما له علاقة بالغرب كان في طريقه إلى الرحيل من منظور "التسويق"، منذ فترة طويلة من الآن.
لا بأس في استخدام عبارات من قبيل "مستدام"، و"صديق للبيئة"، و"خال من التجارب على الحيوانات"، ولكن لا يجوز لنا أن نصف أيا من ذلك على أنه "غربي". الواقع أن القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى مصطلح "الغرب" جاءت في دافوس. مع كامل الاحترام الواجب، بدا الزعماء الغربيون أمثالك في غاية السـخف وهم يتوسلون إلى الهند وإندونيسيا، وتركيا وجنوب إفريقيا، وغيرها لإقناعها بالانضمام إلى "التحالف الغربي" ضد روسيا. ما عليك إلا أن ترى النظرة الحائرة التي ارتسمت على وجوه زعماء هذه البلدان عندما طرحتم هذه المسألة. كما سمعنا مصادفة العبارات القاسية الفظة التي قالوها عنكم بعد ذلك في الأروقة والمقاهي.
الجغرافيا، على سبيل المثال، كانت ضدكم تماما على طول الخط. كانت اليابان جزءا من الغرب لفترة طويلة، ولكن تصادف أنها تقع في الشرق. ولن تبدو كوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا وكأنها تقع في الغرب من منظورك إلا إذا كنت تعيش في فانكوفر أو منطقة باسيفيك باليساديز. أما من منظور سكان آسيا، فإن أستراليا ونيوزيلندا تقعان في الشرق. فضلا عن ذلك، إذا كنتم متمسكين بالمسميات الحالية، فسوف يكون لزاما عليكم أن توجهوا الدعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الأندية "الغربية" الرئيسية ــ منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي ــ بمجرد انتهاء هذه الواقعة غير السارة مع بوتين. من الواضح أن أوكرانيا تقع في الشرق، أو بالنظر إلى أن كييف تقع على مسافة أبعد إلى الشرق من سانت بطرسبرج، فإذا كانت أوكرانيا تقع في الغرب، فإن هذا ينطبق بالأولى على روسيا. إنها ممارسة غير مجدية على الإطلاق.
أثناء تحرككم لاستئصال تعبير "الغربي" من مفرداتكم، توقعوا بعض المقاومة. لن تأتيكم المشكلة من الفتيان في وايومنج ومونتانا، الذين يرتدون أحذية رعاة البقر الرياضية ويقودون شاحنات مزودة بمساند للأسلحة النارية، والذين سيستمرون في العيش "في الغرب" مهما حدث. بل ستأتيكم الشكاوى من الأمريكيين اللاتينيين، الذين قيل لهم بين الفينة والفينة إنهم ينتمون إلى الغرب، ولكن ليسوا كأعضاء من الدرجة الأولى. صَـدِّقـنا: سوف يستشيط اللاتينيون غضبا. فليس من الممتع أن يُـقال لك إن الديسكو سيغلق أبوابه إلى الأبد بعد أن أمضيت عقودا من الزمن وأنت تحاول الدخول. بل وربما يهددون بحمل أشيائهم مثل خبزهم "الترتية" (خبز مكسيكي) وفول الصويا والتوجه إلى الصين، لكن الرئيس شي جين بينج مشغول للغاية بفرض سياسة صِـفر كوفيد، حتى أنه لن ينتبه إليهم كثيرا. بماذا نستبدل مصطلح "الغرب" إذن؟ إنه سؤال يتطلب فِـكرا استراتيجيا متطلعا إلى المستقبل ومن خارج الصندوق. بعد تشاور مكثف مع أصحاب المصلحة، بات بوسعنا أن نقترح بعض الخيارات: ديمقراطيات العالم. قد يبدو هذا التعبير ثقيلا بعض الشيء، لكنه لا يخلو من طابع أخلاقي، فضلا عن ميزة التركيز على ماهية كيانات مثل الهند وجنوب أفريقيا، ولكن ليس الصين وروسيا.
علاوة على ذلك، من الواضح أن إندونيسيا، وبنجلاديش، والفلبين، والبرازيل، والمكسيك، وكل منها يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة، تتناسب إلى حد كبير مع هذه الفئة. مجتمعات العالم المفتوحة. هذا خيار متين وذكي، وربما يُـفـضي الأخذ به إلى فتح التمويل من مؤسسة أو اثنتين. ولكن ما دامت الهجرة تشكل قضية ساخنة في العديد من الديمقراطيات، فهل ترغب الحكومات حقا في الإيحاء بأنها على استعداد لقبول ملايين المهاجرين؟ من الأفضل استبعاد هذا الخيار. اقتصاديات السوق في العالم. من المؤسف أن هذا مرفوض تماما. فقد تعمل الأسواق على خير ما يرام في التطبيق العملي، ولكن ليس من الناحية النظرية ــ على الأقل ليس في شركة مهذبة. لكي يصبح هذا الاقتراح مناسبا كسمة مميزة، سيكون لزاما عليكم أن تتحدثوا عن اقتصاديات السوق العالمية الشاملة، الشفافة، بعد إعادة الضبط، وبعد التحول العادل والأخضر. وفي هذا إطناب وإطالة.
مجتمعات العالم الرأسمالية. الشيء ذاته. فباستثناء إيلون ماسك وبيتر ثيل، من يريد أن يحمل لقب "رأسمالي" في أيامنا هذه؟ لذا نوصي باختيار تعبير "الديمقراطيات". إنها التسمية الصحيحة لوصف الدول التي يجمع بينها هدف محاربة بوتين. ولكن من المهم كيف يُـقال هذا. الواقع أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يضفي على وصف "ديمقراطيات العالم" مسحة وطيدة لطيفة، وهو ما يأتي مصحوبا بجاذبية كونه يقترب من الثمانين من عمره. كان رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون يحاول جاهدا في الآونة الأخيرة، لكن ابتسامته المتكلفة عندما ينطق بكلمات مثل "الديمقراطية" تُـنـهي المباراة لصالح الخصم على الفور.
لذا عليكم بالعم جو وليس الخال بوريس. لكن المشكلة لا تكمن في مصطلح "الغرب" فحسب. ففي حين قد يكون مصطلح "الجنوب العالمي" أفضل من تعبير "العالم الثالث" الهجومي المهين أو المسمى المخادع المضلل "البلدان النامية"، فإنه لا يخلو من نقاط ضعف حقيقية. في محادثات دافوس الودية غير الرسمية بجانب المدفأة، شكا الناس القادمون من هذه البلدان على نحو متكرر: "من يظن هؤلاء الأمريكيون والأوروبيون أنفسهم حين يجمعوننا معا في فقاعة كبيرة واحدة؟" الواقع أنهم محقون. فبعض بلدان "الجنوب العالمي" فقيرة؛ وبعضها الآخر من البلدان الغنية. بعضها ديمقراطية؛ وبعضها الآخر تتبنى أنظمة استبدادية. وكثير منها ليست حتى في الجنوب.
بصراحة، يبدو تعبير "الجنوب العالمي" أشبه بعض الشيء بأن تقول: "أنتم أيها الشعوب البنية اللطيفة هناك". لا أظن أن أي شخص قد يكون راغبا في أن يُـضبَـط متلبسا بالنطق بمثل هذه العبارات في أيامنا هذه. في دافوس، تكررت بشكل مثير للغثيان عبارة "الديمقراطيات الغربية تحارب الحرب الروسية في حين يجلس الجنوب العالمي على الهامش". من الخطأ الشديد التلفظ بمثل هذه العبارات، ولهذا السبب لم يحقق القادة الغربيون أمثالك إلا أقل القليل. الحق أن مسمى "الغرب" كان له انتصارات وإنجازات في الماضي، ولكن يتعين عليكم الآن إحالة هذه التسمية العتيقة إلى التقاعد. افعلوا ذلك الآن. وانتظروا الفاتورة قريبا.
أندريس فيلاسكو، المرشح الرئاسي السابق ووزير المالية في تشيلي، وعميد كلية السياسة العامة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
خدمة بروجيكت سنديكيت
لا بأس في استخدام عبارات من قبيل "مستدام"، و"صديق للبيئة"، و"خال من التجارب على الحيوانات"، ولكن لا يجوز لنا أن نصف أيا من ذلك على أنه "غربي". الواقع أن القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى مصطلح "الغرب" جاءت في دافوس. مع كامل الاحترام الواجب، بدا الزعماء الغربيون أمثالك في غاية السـخف وهم يتوسلون إلى الهند وإندونيسيا، وتركيا وجنوب إفريقيا، وغيرها لإقناعها بالانضمام إلى "التحالف الغربي" ضد روسيا. ما عليك إلا أن ترى النظرة الحائرة التي ارتسمت على وجوه زعماء هذه البلدان عندما طرحتم هذه المسألة. كما سمعنا مصادفة العبارات القاسية الفظة التي قالوها عنكم بعد ذلك في الأروقة والمقاهي.
الجغرافيا، على سبيل المثال، كانت ضدكم تماما على طول الخط. كانت اليابان جزءا من الغرب لفترة طويلة، ولكن تصادف أنها تقع في الشرق. ولن تبدو كوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا وكأنها تقع في الغرب من منظورك إلا إذا كنت تعيش في فانكوفر أو منطقة باسيفيك باليساديز. أما من منظور سكان آسيا، فإن أستراليا ونيوزيلندا تقعان في الشرق. فضلا عن ذلك، إذا كنتم متمسكين بالمسميات الحالية، فسوف يكون لزاما عليكم أن توجهوا الدعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الأندية "الغربية" الرئيسية ــ منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي ــ بمجرد انتهاء هذه الواقعة غير السارة مع بوتين. من الواضح أن أوكرانيا تقع في الشرق، أو بالنظر إلى أن كييف تقع على مسافة أبعد إلى الشرق من سانت بطرسبرج، فإذا كانت أوكرانيا تقع في الغرب، فإن هذا ينطبق بالأولى على روسيا. إنها ممارسة غير مجدية على الإطلاق.
أثناء تحرككم لاستئصال تعبير "الغربي" من مفرداتكم، توقعوا بعض المقاومة. لن تأتيكم المشكلة من الفتيان في وايومنج ومونتانا، الذين يرتدون أحذية رعاة البقر الرياضية ويقودون شاحنات مزودة بمساند للأسلحة النارية، والذين سيستمرون في العيش "في الغرب" مهما حدث. بل ستأتيكم الشكاوى من الأمريكيين اللاتينيين، الذين قيل لهم بين الفينة والفينة إنهم ينتمون إلى الغرب، ولكن ليسوا كأعضاء من الدرجة الأولى. صَـدِّقـنا: سوف يستشيط اللاتينيون غضبا. فليس من الممتع أن يُـقال لك إن الديسكو سيغلق أبوابه إلى الأبد بعد أن أمضيت عقودا من الزمن وأنت تحاول الدخول. بل وربما يهددون بحمل أشيائهم مثل خبزهم "الترتية" (خبز مكسيكي) وفول الصويا والتوجه إلى الصين، لكن الرئيس شي جين بينج مشغول للغاية بفرض سياسة صِـفر كوفيد، حتى أنه لن ينتبه إليهم كثيرا. بماذا نستبدل مصطلح "الغرب" إذن؟ إنه سؤال يتطلب فِـكرا استراتيجيا متطلعا إلى المستقبل ومن خارج الصندوق. بعد تشاور مكثف مع أصحاب المصلحة، بات بوسعنا أن نقترح بعض الخيارات: ديمقراطيات العالم. قد يبدو هذا التعبير ثقيلا بعض الشيء، لكنه لا يخلو من طابع أخلاقي، فضلا عن ميزة التركيز على ماهية كيانات مثل الهند وجنوب أفريقيا، ولكن ليس الصين وروسيا.
علاوة على ذلك، من الواضح أن إندونيسيا، وبنجلاديش، والفلبين، والبرازيل، والمكسيك، وكل منها يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة، تتناسب إلى حد كبير مع هذه الفئة. مجتمعات العالم المفتوحة. هذا خيار متين وذكي، وربما يُـفـضي الأخذ به إلى فتح التمويل من مؤسسة أو اثنتين. ولكن ما دامت الهجرة تشكل قضية ساخنة في العديد من الديمقراطيات، فهل ترغب الحكومات حقا في الإيحاء بأنها على استعداد لقبول ملايين المهاجرين؟ من الأفضل استبعاد هذا الخيار. اقتصاديات السوق في العالم. من المؤسف أن هذا مرفوض تماما. فقد تعمل الأسواق على خير ما يرام في التطبيق العملي، ولكن ليس من الناحية النظرية ــ على الأقل ليس في شركة مهذبة. لكي يصبح هذا الاقتراح مناسبا كسمة مميزة، سيكون لزاما عليكم أن تتحدثوا عن اقتصاديات السوق العالمية الشاملة، الشفافة، بعد إعادة الضبط، وبعد التحول العادل والأخضر. وفي هذا إطناب وإطالة.
مجتمعات العالم الرأسمالية. الشيء ذاته. فباستثناء إيلون ماسك وبيتر ثيل، من يريد أن يحمل لقب "رأسمالي" في أيامنا هذه؟ لذا نوصي باختيار تعبير "الديمقراطيات". إنها التسمية الصحيحة لوصف الدول التي يجمع بينها هدف محاربة بوتين. ولكن من المهم كيف يُـقال هذا. الواقع أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يضفي على وصف "ديمقراطيات العالم" مسحة وطيدة لطيفة، وهو ما يأتي مصحوبا بجاذبية كونه يقترب من الثمانين من عمره. كان رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون يحاول جاهدا في الآونة الأخيرة، لكن ابتسامته المتكلفة عندما ينطق بكلمات مثل "الديمقراطية" تُـنـهي المباراة لصالح الخصم على الفور.
لذا عليكم بالعم جو وليس الخال بوريس. لكن المشكلة لا تكمن في مصطلح "الغرب" فحسب. ففي حين قد يكون مصطلح "الجنوب العالمي" أفضل من تعبير "العالم الثالث" الهجومي المهين أو المسمى المخادع المضلل "البلدان النامية"، فإنه لا يخلو من نقاط ضعف حقيقية. في محادثات دافوس الودية غير الرسمية بجانب المدفأة، شكا الناس القادمون من هذه البلدان على نحو متكرر: "من يظن هؤلاء الأمريكيون والأوروبيون أنفسهم حين يجمعوننا معا في فقاعة كبيرة واحدة؟" الواقع أنهم محقون. فبعض بلدان "الجنوب العالمي" فقيرة؛ وبعضها الآخر من البلدان الغنية. بعضها ديمقراطية؛ وبعضها الآخر تتبنى أنظمة استبدادية. وكثير منها ليست حتى في الجنوب.
بصراحة، يبدو تعبير "الجنوب العالمي" أشبه بعض الشيء بأن تقول: "أنتم أيها الشعوب البنية اللطيفة هناك". لا أظن أن أي شخص قد يكون راغبا في أن يُـضبَـط متلبسا بالنطق بمثل هذه العبارات في أيامنا هذه. في دافوس، تكررت بشكل مثير للغثيان عبارة "الديمقراطيات الغربية تحارب الحرب الروسية في حين يجلس الجنوب العالمي على الهامش". من الخطأ الشديد التلفظ بمثل هذه العبارات، ولهذا السبب لم يحقق القادة الغربيون أمثالك إلا أقل القليل. الحق أن مسمى "الغرب" كان له انتصارات وإنجازات في الماضي، ولكن يتعين عليكم الآن إحالة هذه التسمية العتيقة إلى التقاعد. افعلوا ذلك الآن. وانتظروا الفاتورة قريبا.
أندريس فيلاسكو، المرشح الرئاسي السابق ووزير المالية في تشيلي، وعميد كلية السياسة العامة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
خدمة بروجيكت سنديكيت