لا شك أن الادخار في غاية الأهمية، والمال الذي تدخره اليوم أفضل من مال تكسبه غدا، لكن يجب أن لا ننسى الهدف الرئيسي الذي من أجله ندخر، وهو توفير أموال نستطيع صرفها على احتياجاتنا المستقبلية، دون أن ننسى أننا نعيش اليوم، أغلبنا المال مرتبط معه بالأمان، فنحن ندخر حتى نتجنب الحاجة، والاضطرار إلى الاقتراض أو مد أيدينا للآخرين.

من أجل ذلك يدخل البعض في خطط تقشف قاسية، يحرمون أنفسهم وأبنائهم من كثير من مباهج الحياة، متناسين أن هؤلاء الأبناء ضيوفا سيرحلون قريبا، وتلبية احتياجاتهم الضرورية ليست واجبة فحسب، ولكنها تترك في قلوبهم ذكرى جميلة عن الوقت الذي قضوه في بيوتنا، وإذا ما جاء الوقت الذي نحتاج فيه لهم، ستكون هذه الذكريات حافزا لهم ودافعا لمد يد العون لنا أيضا، لكن إذا كانت ذكرياتهم معنا يغلب عليها مشاعر القسوة والحرمان الذي يجعلهم يشعرون بالنقص والعار أمام زملائهم، فقد تولد هذه المشاعر مع الأيام مشاعر قسوة وأقلها لا مبالاة تجاه الوالدين.

لا يعني هذا أن تنفق ببذخ على رغبات مجنونة، ولكن الوعي هنا مطلوب، الحوار ضروري أيضا في الأسرة حول المال، من الملاحظ أن كثير من الأسر تتجنب هذا النقاش مع الصغار على اعتبار أنهم لن يفهموا، أو بحجة عدم الزج بهم في مسائل الكبار، ولكن الطفل إذا لم يعرف من أين يأتي بالمال وكيف ينفقه، ستتولد لديه علاقة غير سوية مع المال قد يترجمها مع الأيام تعلقا على شكل بخل، أو عدم مبالاة على شكل إسراف.

وعلى الجانب الآخر سياسة التقشف المبالغ فيه تأتي بأثر عكسي على صاحبها أيضا، فقد مرت علي الكثير من الحالات تدخر الجزء الأكبر من أموالها إما على شكل نقد أو تجميع أصول لا تدر عليه دخلا، وكلها ادخارا للمستقبل أو اليوم الأسود الذي تعلمنا أن ندخر قرشنا الأبيض له، لكن للأسف على حساب اليوم، يموت البعض قبل أن يرى هذا اليوم الأسود، فتضيع حياته سدى، لا هو استمتع بماله، ولا منح أبناءه حياة كريمة بعض هؤلاء الأبناء الذي عاشوا حرمانا أبديا في حياة والديهم، ولم يتعلموا الثقافة المالية السليمة، قد يحاولون تعويض ذلك الحرمان بصرف كل ما ورثوه في غضون أشهر، أو يعيدون النموذج الذي تربوا عليه فيكدسون هم أيضا الأموال دون أن يستخدموها لما وجدت له.