حين يجلس المرء مع كبار السن، تتم المقارنة تلقائيا بين الأمس المنصرم والحاضر الوليد، وتتنوع المقارنات من الحياة المعيشية اليومية لتشمل نظام الحكم والتنوع الثقافي وغيرها من المجالات.
مقالنا اليوم يلقي الضوء على ظاهرة صحية انتشرت في ولايات عديدة في ذلك الزمان -وإن كانت حظوة بعض الولايات أكبر من نظيراتها- وهي المجالس الثقافية والأدبية، والشعرية خصوصا وهي موضوع مقالنا اليوم.
كانت سمائل -ولا تزال كذلك- قبلة الشعراء والأدباء على مر العصور، ولولا ضياع كثير من تاريخنا العماني بسبب اكتفاء المثقفين/المتعلمين بتداول الأدب والتاريخ شفهيا دون تدوينه، لوقفنا على قصائد أجدرُ أن تسمى بمعلقات الشعر العماني.
حتى زمن قريب، كان الشعراء يجتمعون في مجالس أدبية يتداولون فيها جديد الشعر ويناقشون قضاياه بعمق وجدية، دون انفصال عن الحياة اليومية المعاشة من متابعة المزارع -الأموال- والفلج وتربية الماشية، وكان لهذه الحياة وأسلوبها أثر في تقارب الناس وتعارفهم وترابطهم، لإقامتهم الدائمة في مزارعهم وصعوبة التنقل من قرية لأخرى لعدم توفر الوسائل، فبرزت المجالس -السبل- كمنتديات يجتمع فيها ذوو الفضل والحكمة والثقافة، فكانوا يقرؤون كتابا يدور بين يدي كل من يعرف القراءة منهم ليتموا قراءته ثم ينتقلون إلى كتاب آخر، وهكذا دواليك.
في سمائل، برز عدد من العلماء والشعراء وكانوا قبلة لمريدي المعرفة، ومن هؤلاء الشيخ خلفان بن جميل السيابي الذي تخرج على يديه ثلة من الأدباء والشعراء -وهم موضوعنا هنا- فضلا عن الفقهاء والقضاة والمربين. ومن أبرز هؤلاء صاحب الشقائق الشيخ محمد راشد الخصيبي (وهو والد الشاعر أبي معاذ مرشد) وأخوه رشيد والشيخان سعيد بن خلف الخروصي وسالم بن حمود السيابي والأستاذان عبدالله بن سالم بن سلمان الهاشمي صاحب بهجة الطلاب في شرح ملحة الإعراب وموسى بن عيسى البكري صاحب ديوان رائد الأدب والقاضي الشيخ غسان بن سليمان بن سعود المزروعي وله قصائد عذبة، ولو سردت بقية أسماء تلك الكوكبة التي تزامن وقتها ومكانها السمائلي في تلك الحقبة، فلن أنتهي من ذكرها إلا وقد ربت على ثلاثين علما متحققا لهم مكانتهم العالية وقدمهم الراسخة.
وفي تلك الفترة العذبة، كانوا يجتمعون في مجالسهم يتداولون ضروب العلم الديني واللغوي، ولكن الشعر والأدب كان حاضرا بقوة وإن تحول بعضه إلى نظم، فإنما كان ذلك النظم نتاج تلك الفترة الباذخة للجو الأدبي المشبع باللذة المعرفية والتذوق الشعري العالي. واشتهرت في تلك الفترة القراءة العذبة للشعر العماني التي اختصت بها سمائل وتفردت بها وهي ما تعرف بـ"القراءة السمائلية"، ومن أعذب الأصوات التي كانت تشدو بتلك القصائد بالقراءة السمائلية العذبة الوالد علي بن منصور الشامسي والأستاذ موسى بن عيسى البكري والقاضي الشيخ غسان بن سليمان بن سعود المزروعي والشاعر القاضي أبو سرور حميد بن عبدالله الجامعي والشاعر حبراس بن شبيط السليمي والأستاذ نبهان العامري وهذا غيض من فيض مدرار.
هكذا، نجد أن المجالس الأدبية آنذاك كانت زاخرة بكوكبة من الأدباء أسهم في وجودهم وبروزهم وتطورهم كذلك، ذلك اللقاء الدوري الذي يحيونه بينهم وتلك المدارسات في اللغة والمعاني البلاغية والبيانية التي جعلتهم في مقام عالٍ من الشعرية العذبة والرصانة اللغوية البلاغية، وكأنما يمتحون من بئر الوحي الشعري ذاتها.
فلماذا لا تعود تلك المجالس اليوم وقد توفرت السبل والوسائل، واقترب البعيد فلم يعد من مانع يمنع التنقل والتسيار!. وهل يجب أن تتوفر مظلة رسمية لمثل هذه المنتديات؟. هل أثرت الحداثة العالمية في الشعراء فأصبح كل منهم يعيش فردانيته لا ضمن الجماعة، بل تلك الفردانية التي تشبه العزلة والاعتزال!. سؤالات كثيرة تلك التي تحفر العقل، وآمال كبيرة تلوح في أفق الشعر والثقافة، فهل من سبيل لعودة تلك الفترة الذهبية؟ أم سنظل نبكيها ونصيح بحسرة "ليتها ظلت..!".
مقالنا اليوم يلقي الضوء على ظاهرة صحية انتشرت في ولايات عديدة في ذلك الزمان -وإن كانت حظوة بعض الولايات أكبر من نظيراتها- وهي المجالس الثقافية والأدبية، والشعرية خصوصا وهي موضوع مقالنا اليوم.
كانت سمائل -ولا تزال كذلك- قبلة الشعراء والأدباء على مر العصور، ولولا ضياع كثير من تاريخنا العماني بسبب اكتفاء المثقفين/المتعلمين بتداول الأدب والتاريخ شفهيا دون تدوينه، لوقفنا على قصائد أجدرُ أن تسمى بمعلقات الشعر العماني.
حتى زمن قريب، كان الشعراء يجتمعون في مجالس أدبية يتداولون فيها جديد الشعر ويناقشون قضاياه بعمق وجدية، دون انفصال عن الحياة اليومية المعاشة من متابعة المزارع -الأموال- والفلج وتربية الماشية، وكان لهذه الحياة وأسلوبها أثر في تقارب الناس وتعارفهم وترابطهم، لإقامتهم الدائمة في مزارعهم وصعوبة التنقل من قرية لأخرى لعدم توفر الوسائل، فبرزت المجالس -السبل- كمنتديات يجتمع فيها ذوو الفضل والحكمة والثقافة، فكانوا يقرؤون كتابا يدور بين يدي كل من يعرف القراءة منهم ليتموا قراءته ثم ينتقلون إلى كتاب آخر، وهكذا دواليك.
في سمائل، برز عدد من العلماء والشعراء وكانوا قبلة لمريدي المعرفة، ومن هؤلاء الشيخ خلفان بن جميل السيابي الذي تخرج على يديه ثلة من الأدباء والشعراء -وهم موضوعنا هنا- فضلا عن الفقهاء والقضاة والمربين. ومن أبرز هؤلاء صاحب الشقائق الشيخ محمد راشد الخصيبي (وهو والد الشاعر أبي معاذ مرشد) وأخوه رشيد والشيخان سعيد بن خلف الخروصي وسالم بن حمود السيابي والأستاذان عبدالله بن سالم بن سلمان الهاشمي صاحب بهجة الطلاب في شرح ملحة الإعراب وموسى بن عيسى البكري صاحب ديوان رائد الأدب والقاضي الشيخ غسان بن سليمان بن سعود المزروعي وله قصائد عذبة، ولو سردت بقية أسماء تلك الكوكبة التي تزامن وقتها ومكانها السمائلي في تلك الحقبة، فلن أنتهي من ذكرها إلا وقد ربت على ثلاثين علما متحققا لهم مكانتهم العالية وقدمهم الراسخة.
وفي تلك الفترة العذبة، كانوا يجتمعون في مجالسهم يتداولون ضروب العلم الديني واللغوي، ولكن الشعر والأدب كان حاضرا بقوة وإن تحول بعضه إلى نظم، فإنما كان ذلك النظم نتاج تلك الفترة الباذخة للجو الأدبي المشبع باللذة المعرفية والتذوق الشعري العالي. واشتهرت في تلك الفترة القراءة العذبة للشعر العماني التي اختصت بها سمائل وتفردت بها وهي ما تعرف بـ"القراءة السمائلية"، ومن أعذب الأصوات التي كانت تشدو بتلك القصائد بالقراءة السمائلية العذبة الوالد علي بن منصور الشامسي والأستاذ موسى بن عيسى البكري والقاضي الشيخ غسان بن سليمان بن سعود المزروعي والشاعر القاضي أبو سرور حميد بن عبدالله الجامعي والشاعر حبراس بن شبيط السليمي والأستاذ نبهان العامري وهذا غيض من فيض مدرار.
هكذا، نجد أن المجالس الأدبية آنذاك كانت زاخرة بكوكبة من الأدباء أسهم في وجودهم وبروزهم وتطورهم كذلك، ذلك اللقاء الدوري الذي يحيونه بينهم وتلك المدارسات في اللغة والمعاني البلاغية والبيانية التي جعلتهم في مقام عالٍ من الشعرية العذبة والرصانة اللغوية البلاغية، وكأنما يمتحون من بئر الوحي الشعري ذاتها.
فلماذا لا تعود تلك المجالس اليوم وقد توفرت السبل والوسائل، واقترب البعيد فلم يعد من مانع يمنع التنقل والتسيار!. وهل يجب أن تتوفر مظلة رسمية لمثل هذه المنتديات؟. هل أثرت الحداثة العالمية في الشعراء فأصبح كل منهم يعيش فردانيته لا ضمن الجماعة، بل تلك الفردانية التي تشبه العزلة والاعتزال!. سؤالات كثيرة تلك التي تحفر العقل، وآمال كبيرة تلوح في أفق الشعر والثقافة، فهل من سبيل لعودة تلك الفترة الذهبية؟ أم سنظل نبكيها ونصيح بحسرة "ليتها ظلت..!".