أقام الصهاينة دولة لهم في فلسطين بتواطؤ بريطاني تأسس بالقرار المعروف بوعد بلفور في عام ١٩١٧، الذي أعطت بريطانيا بموجبه «ما ليس لها لمن لا يستحقه». وكان هدف بريطانيا والدول الأوروبية عامة من إقامة دولة لليهود في فلسطين هو إيجاد حل لما كان يُعرف حينها بالمشكلة اليهودية في أوروبا، التي نشأت بسبب التمييز الذي كانت تمارسه ضدهم الدول والمجتمعات الأوروبية، وتفاقمت تلك المشكلة مع زيادة إعداد المهاجرين اليهود من روسيا إلى غرب أوروبا في نهايات القرن التاسع عشر. وقد سهلت بريطانيا، أثناء انتدابها من قبل عصبة الأمم لحكم فلسطين، هجرة اليهود إليها ومكنتهم من بناء مؤسسات أهلية ومدنية وعسكرية، إلى أن أصبحت تلك المؤسسات قادرة على فرض سيطرتها على معظم فلسطين حين انسحبت منها بريطانيا، وإعلان قيام ما يسمى «دولة إسرائيل» في الخامس عشر من مايو من عام ١٩٤٨. وأثناء الحرب الأولى التي دارت بعد ذلك مباشرة بينها وبين بعض الدول العربية، تمكنت «إسرائيل» من احتلال معظم أرض فلسطين، بما فيها الجزء الغربي من مدينة القدس. أما الجزء الشرقي من المدينة، والذي يقع فيه المسجد الأقصى، فقد احتلته في عام ١٩٦٧ حين تمكنت من احتلال المناطق التي كانت تحت الحكم الأردني، والتي تضم القدس والضفة الغربية لنهر الأردن، وكذلك قطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية، بالإضافة إلى مرتفعات الجولان السورية. ومنذ ذلك الوقت يقوم الصهاينة بين حين وآخر باقتحام المسجد الأقصى، بزعم أنه مقام على ما يسمونه «جبل الهيكل»، ويقومون بالاعتداء على المصلين فيه وعلى زواره من العرب والمسلمين. وفي شهر أغسطس من عام ١٩٦٩ قام يهودي أسترالي متطرف، يدعى مايكل دنيس روهان، بإحراق جانب من المسجد الأقصى، بعد أن مهدت سلطات الاحتلال الإسرائيلية لذلك بقطع المياه عن بعض الأحياء القريبة من المسجد وأعاقت وصول سيارات الإسعاف إلى المنطقة. وإلى جانب الاعتداء على المسجد الأقصى تقوم القوات الإسرائيلية والمستوطنون الصهاينة باعتداءات مستمرة على المقدسات الأخرى الإسلامية والمسيحيين في القدس ومدن فلسطينية أخرى، سواء بتقسيمها مكانيا، مثل ما حدث في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، بعد المجزرة التي اقترفها فيه اليهودي الأمريكي المتطرف باروخ غولدشتاين عام ١٩٩٤، أو بتقيد حرية الوصول إلى دور العبادة والصلاة فيها، ولم تسلم منهم حتى المقابر من المصادرة أو التدنيس.
من الثابت والمسلّم به أن الدفاع عن المقدسات عقيدة وواجب ديني وأخلاقي ووطني. وحيث أن المسجد الأقصى هو أحد أهم ثلاثة أماكن مقدسة عند العرب والمسلمين، فإن الدفاع عنه واجب يجب أن لا يخضع لضرورات السياسية ولا للمصالح الاقتصادية. والدفاع عن المقدسات يمكن أن يتخذ عدة أشكال ووسائل، منها ما يجب أن تقوم به الدول والحكومات، ومنها ما يمكن أن تقوم به الشعوب كأفراد أو من خلال المنظمات والهيئات المجتمعية. ولماّ كانت الدول والحكومات العربية عاجزة في الوقت الحاضر عن القيام بما يجب لحماية المسجد الأقصى، فضلا عن تحريره من الاحتلال، فإن الشعوب العربية والمسلمين عامة يستطيعون القيام بدور فاعل ومؤثر لحمايته، سوء كان ذلك بصورة فردية أو من خلال المنظمات الأهلية.
إن ما يسمى بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، سواء قام به دول أو أفراد ومنظمات في العالم العربي، هو استخفاف بالمقدسات العربية والإسلامية، وعلى رأسها المسجد الأقصى، وإضاعة للحقوق والحلم العربي في فلسطين، وخذلان للإخوة الفلسطينيين، الذين ما فتئوا يدافعون عن بلادهم وعن مقدسات العرب والمسلمين فيها بأرواحهم ودمائهم وبيوتهم وأموالهم، منذ ما يزيد على مائة سنة. ومن الواضح أن «التطبيع» لم يؤدِ إلى حماية المسجد الأقصى، ولا إلى إيقاف تهويد أحياء مدينة القدس، ولا إلى منع هدم منازل الفلسطينيين، ولا إلى إيقاف بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة. بل إن الأمر يزداد سوء، خاصة في الأشهر الأخيرة، حيث يكاد تقسيم المسجد الأقصى زمانيا، أي ساعات للعرب والمسلمين وساعات لليهود، أن يصبح أمرا واقعا، وذلك لبسط سيطرة الصهاينة عليه بالكامل، تمهيدا لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم مكانه في زمن لاحق.
هناك عدة وسائل تستطيع بها الشعوب العربية والإسلامية الدفاع عن المسجد الأقصى، أبسطها زيارته والصلاة فيه. وقد يعتبر بعضهم زيارة القدس «تطبيعًا» مع «إسرائيل» لأن زيارة القدس وفلسطين عامة تستدعي أن تتم من خلال نقاط الحدود وأنظمة حكومة الاحتلال. إلا أننا نرى أنه لا بأس في ذلك حين يكون الهدف من الزيارة حماية المسجد الأقصى، وليس الدخول في تحالف إقليمي مع دولة الاحتلال، أو المشاركة مع الصهاينة في حفلات موسيقية أو عروض أزياء أو زيارة أماكن اللهو في تل أبيب أو عقد صفقات تجارة واستثمار مع المحتلين، كما يفعل المطبعون في الوقت الحاضر. لقد أثبتت الأحداث التي مرت بها القدس والمسجد الأقصى في السنوات القليلة الماضية، وخاصة في شهر رمضان الماضي، أنه رغم توالي اقتحامات مجموعات من الصهاينة للحرم القدسي فإن احتشاد مئات الآلاف أو عشرات آلاف من الزوار والمصلين في داخل المسجد الأقصى وفي ساحته قد منع أولئك الصهاينة من البقاء هناك والقيام بشعائرهم التلمودية وذبح القرابين فيه. ولما كان الدفاع عن المسجد الأقصى واجب لا يقع عبؤه على الفلسطينيين وحدهم، وشرف يجب أن يناله كل العرب والمسلمين، فإنه يجب على القادرين منهم المشاركة في ذلك.
كثيرون منا يسافرون للسياحة والمتعة خارج أوطانهم، وبعضهم يقوم بذلك سنويا أو أكثر من مرة في السنة، ويتحملون في ذلك تكاليف ومبالغ مالية كبيرة، فلماذا لا تكون السياحة إلى القدس ولو مرة واحدة في العمر. والسياحة إلى القدس فيها أكثر من فائدة دنيوية إلى جانب الثواب والأجر الديني، حيث إنها ستعين أهلها، خاصة المهددين بالطرد من بيوتهم، مثل أهل حي الشيخ جراح وغيره من الأحياء المعرضة للتهويد. ولا شك أنه لو تم تسهيل ذلك لوفدَ إلى القدس سنويا مئات الآلاف من العرب والمسلمين، وسيحتشد عشرات الآلاف منهم يوميا في المسجد الأقصى وساحاته، الأمر الذي سيزيد من أعداد المرابطين للدفاع عنه على مدار الساعة. ومن أجل تسهيل زيادة القدس واستمرار الزيارات خلال العام، من المناسب أن تقوم المؤسسات الخاصة التي تنظم حملات الحج و العمرة بتنظيم حملات مشابهة لزيارة المسجد الأقصى.
هذا الأمر يحتاج إلى تنسيق مع الأردن والسلطة الفلسطينية، وربما كذلك قيام الحكومات العربية التي لها اتصالات، وليس بالضرورة علاقات دبلوماسية، مع «إسرائيل» بالضغط عليها مباشرة أو من خلال الدول الأخرى والمنظمات الدولية، من أجل تسهيل زيارة القدس، وذلك على أساس أن حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة من أجل العبادة حق تكفله القوانين والأعراف الدولية. وإذا ما أصبح بإمكان عشرات الآلاف الاحتشاد كل يوم في المسجد الأقصى وحوله فلن يجرؤ أي متطرف صهيوني، حتى وإن كان تحت حماية قوات الاحتلال، على الاقتراب منه أو تدنيسه.
أختم بالقول إن المسجد الأقصى هو جزء من أرض فلسطين، والدفاع عنه والحفاظ على قدسيته لا يعني أبدًا التسليم باحتلال بقية فلسطين، فكما أن الدفاع عن الأقصى واجب ديني وأخلاقي فإن مساعدة أهل فلسطين على استرداد حقوقهم كاملة هو أيضا واجب.
عبدالملك بن عبدالله الهِنائي باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية
من الثابت والمسلّم به أن الدفاع عن المقدسات عقيدة وواجب ديني وأخلاقي ووطني. وحيث أن المسجد الأقصى هو أحد أهم ثلاثة أماكن مقدسة عند العرب والمسلمين، فإن الدفاع عنه واجب يجب أن لا يخضع لضرورات السياسية ولا للمصالح الاقتصادية. والدفاع عن المقدسات يمكن أن يتخذ عدة أشكال ووسائل، منها ما يجب أن تقوم به الدول والحكومات، ومنها ما يمكن أن تقوم به الشعوب كأفراد أو من خلال المنظمات والهيئات المجتمعية. ولماّ كانت الدول والحكومات العربية عاجزة في الوقت الحاضر عن القيام بما يجب لحماية المسجد الأقصى، فضلا عن تحريره من الاحتلال، فإن الشعوب العربية والمسلمين عامة يستطيعون القيام بدور فاعل ومؤثر لحمايته، سوء كان ذلك بصورة فردية أو من خلال المنظمات الأهلية.
إن ما يسمى بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، سواء قام به دول أو أفراد ومنظمات في العالم العربي، هو استخفاف بالمقدسات العربية والإسلامية، وعلى رأسها المسجد الأقصى، وإضاعة للحقوق والحلم العربي في فلسطين، وخذلان للإخوة الفلسطينيين، الذين ما فتئوا يدافعون عن بلادهم وعن مقدسات العرب والمسلمين فيها بأرواحهم ودمائهم وبيوتهم وأموالهم، منذ ما يزيد على مائة سنة. ومن الواضح أن «التطبيع» لم يؤدِ إلى حماية المسجد الأقصى، ولا إلى إيقاف تهويد أحياء مدينة القدس، ولا إلى منع هدم منازل الفلسطينيين، ولا إلى إيقاف بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة. بل إن الأمر يزداد سوء، خاصة في الأشهر الأخيرة، حيث يكاد تقسيم المسجد الأقصى زمانيا، أي ساعات للعرب والمسلمين وساعات لليهود، أن يصبح أمرا واقعا، وذلك لبسط سيطرة الصهاينة عليه بالكامل، تمهيدا لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم مكانه في زمن لاحق.
هناك عدة وسائل تستطيع بها الشعوب العربية والإسلامية الدفاع عن المسجد الأقصى، أبسطها زيارته والصلاة فيه. وقد يعتبر بعضهم زيارة القدس «تطبيعًا» مع «إسرائيل» لأن زيارة القدس وفلسطين عامة تستدعي أن تتم من خلال نقاط الحدود وأنظمة حكومة الاحتلال. إلا أننا نرى أنه لا بأس في ذلك حين يكون الهدف من الزيارة حماية المسجد الأقصى، وليس الدخول في تحالف إقليمي مع دولة الاحتلال، أو المشاركة مع الصهاينة في حفلات موسيقية أو عروض أزياء أو زيارة أماكن اللهو في تل أبيب أو عقد صفقات تجارة واستثمار مع المحتلين، كما يفعل المطبعون في الوقت الحاضر. لقد أثبتت الأحداث التي مرت بها القدس والمسجد الأقصى في السنوات القليلة الماضية، وخاصة في شهر رمضان الماضي، أنه رغم توالي اقتحامات مجموعات من الصهاينة للحرم القدسي فإن احتشاد مئات الآلاف أو عشرات آلاف من الزوار والمصلين في داخل المسجد الأقصى وفي ساحته قد منع أولئك الصهاينة من البقاء هناك والقيام بشعائرهم التلمودية وذبح القرابين فيه. ولما كان الدفاع عن المسجد الأقصى واجب لا يقع عبؤه على الفلسطينيين وحدهم، وشرف يجب أن يناله كل العرب والمسلمين، فإنه يجب على القادرين منهم المشاركة في ذلك.
كثيرون منا يسافرون للسياحة والمتعة خارج أوطانهم، وبعضهم يقوم بذلك سنويا أو أكثر من مرة في السنة، ويتحملون في ذلك تكاليف ومبالغ مالية كبيرة، فلماذا لا تكون السياحة إلى القدس ولو مرة واحدة في العمر. والسياحة إلى القدس فيها أكثر من فائدة دنيوية إلى جانب الثواب والأجر الديني، حيث إنها ستعين أهلها، خاصة المهددين بالطرد من بيوتهم، مثل أهل حي الشيخ جراح وغيره من الأحياء المعرضة للتهويد. ولا شك أنه لو تم تسهيل ذلك لوفدَ إلى القدس سنويا مئات الآلاف من العرب والمسلمين، وسيحتشد عشرات الآلاف منهم يوميا في المسجد الأقصى وساحاته، الأمر الذي سيزيد من أعداد المرابطين للدفاع عنه على مدار الساعة. ومن أجل تسهيل زيادة القدس واستمرار الزيارات خلال العام، من المناسب أن تقوم المؤسسات الخاصة التي تنظم حملات الحج و العمرة بتنظيم حملات مشابهة لزيارة المسجد الأقصى.
هذا الأمر يحتاج إلى تنسيق مع الأردن والسلطة الفلسطينية، وربما كذلك قيام الحكومات العربية التي لها اتصالات، وليس بالضرورة علاقات دبلوماسية، مع «إسرائيل» بالضغط عليها مباشرة أو من خلال الدول الأخرى والمنظمات الدولية، من أجل تسهيل زيارة القدس، وذلك على أساس أن حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة من أجل العبادة حق تكفله القوانين والأعراف الدولية. وإذا ما أصبح بإمكان عشرات الآلاف الاحتشاد كل يوم في المسجد الأقصى وحوله فلن يجرؤ أي متطرف صهيوني، حتى وإن كان تحت حماية قوات الاحتلال، على الاقتراب منه أو تدنيسه.
أختم بالقول إن المسجد الأقصى هو جزء من أرض فلسطين، والدفاع عنه والحفاظ على قدسيته لا يعني أبدًا التسليم باحتلال بقية فلسطين، فكما أن الدفاع عن الأقصى واجب ديني وأخلاقي فإن مساعدة أهل فلسطين على استرداد حقوقهم كاملة هو أيضا واجب.
عبدالملك بن عبدالله الهِنائي باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية