أثناء زيارتي لجنيف فترة تمثيلي لسلطنة عمان في الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي، لفت انتباهي مشهد جميل لن أنساه لأطفال صغار لا تتجاوز أعمارهم الرابعة يعبرون الشارع عند إشارات المرور مع امرأة، لاحظ السائق نظراتي التي تابعتهم فترة طويلة فشرح لي بأنهم أطفال حضانة، وهذه إحدى الحصص المعتمدة في المنهج، بعد ذلك تكررت المشاهد للأطفال في مختلف المراحل العمرية الذين كنت أصادفهم في الحدائق العامة والمتنزهات، يتسلقون الأشجار و يتراكضون فيما يبدو أنه لعب اعتيادي، حتى انتبهت إلى وجود أشخاص بالغين معهم.

كثيرا أيضا ما صادفت أطفالا في الصالات الفنية، والمعارض، عرفت أن كل هذا هو جزء من منهجهم الدراسي، تخيلت هؤلاء الأطفال يعودون في اليوم التالي يناقشون معا ملاحظاتهم، وما تعلموه من تلك التجربة، كل يروي تجربته من زاوية مختلفة، تجعلهم يدركون نعمة الاختلاف، وثراء التجارب، وأنهم ليسوا الوحيدين في هذا العالم.

من هنا أيضا يكتسب الصغار التفكير النقدي والمهارات البحثية، فمن سمع ليس كمن رأى، تظل المعارف التي نقرأ عنها في الكتب ناقصة حتى نراها، ونجربها، بإمكانك أن تشرح لصغيرك كيف أن الشاي الساخن من الممكن أن يؤلمه، لكن حتى يجرب لسعته لن يتوقف عن محاولة الوصول إليه.

أستذكر شخصيا طفولتي في القرية، حيث كانت الحارة هي المدرسة الأولى التي ترسخت منها أهم وأقوى دروس الحياة، حيث كان أبناء جيلي يعيشون في بيوت بدون أسوار، وحركة بدون قيود من عمر الثالثة، تؤهلهم للاحتكاك مع مختلف المراحل العمرية، يخوضون تجارب حياتية مختلفة، يبقى تأثيرها مدى الحياة.

صحيح أننا وعلى مدى ما يزيد عن ثمانية عشر عاما من التحصيل الدراسي لدى البعض، اكتسبنا كما هائلا من المعارف من خلال الكتب الدراسية والمناهج، لكن عندما أحاول استذكار ما تعلمته من الكتب شخصيا خلال تلك العقود، أكاد لا أذكر شيئا مقابل التجارب التي عشتها.

الأمر الذي يجعلني دائمة التساؤل هل النظام التعليمي فاعل في بناء إنسان فاعل؟، وما الذي نحتاجه لتغيير نظام التعليم القائم على حشو الأدمغة بمعلومات حتما ستنسى سريعا، شخصيا لا أعتقد أن ما ينقصنا الموارد المالية، كل ما نحتاجه هو تغيير فكر.