عادتْ الحياة لتدبّ في أعيادنا من جديد، بعد أن تجاوزنا مسلسل الإغلاقات الصارمة في السنتين الماضيتين. مضتْ الناس تُحضر صنوف طعامها وشرابها وملبسها مستعيدة ما افتقدته من حلاوة التفاصيل، فاشتعلت الأسواق بوهج زبائنها طوال أسابيع رمضان، واستعاد الخياطون حيوية مركزيتهم المؤكدة في حدثٍ كهذا، وتحركتْ الحلوى تحت قوة الأيدي الماهرة مُحدثة دوائر متداخلة تُصيرها لشيء بالغ اللذة، وعُلقت الشياه من عراقيبها وسُلخت، لتصنع منها النساء المُمتلئات بشغف العيد "عرسية" أو "هريسا" يُذهلك طعمه.
عُمال وعاملات صالونات التجميل والحلاقة، الذين سمعنا في السنتين الماضيتين قصصا مُؤثرة عن تضاؤل مردودهم المالي أو انعدامه، استعادوا هم أيضا جداولهم الممتلئة بالزبائن حتى أنّك قد تُكابد مُشقة هائلة في الحصول على دور.
الصغار الذين حُبسوا في بيوت صغيرة -في أحسن الأحوال- أو في شقق دون متنفس أيام حظر التجول، وقالوا متذمرين: "إنّه ليس كالعيد.. فلا عيدية ولا ركض نحو الدكان"، سيخرجون هذا العيد بصحبة محافظهم الجديدة، ولكل واحد منهم أحلام ورغبات، سينفق عيدته لقاء تحقيقها.
لقد تأكدنا من استعادة العيد، عندما أصبح من الصعب علينا أن نمضي في الشوارع بسلاسة، فالناس كأنّما تنبثق من أمكنة مجهولة، فتملأ الشوارع والمحلات بالضجيج، والحقيقة أنّنا افتقدنا حتى هذا الضجيج الذي يحمل دلالة واحدة.. أنّ الحياة عادت إلى سيرتها الأولى.
كنا نتساءل: هل سنعود إلى ما كنا عليه قبل أن يزورنا شبح كوفيد 19، وذلك بسبب النسيان الذي جُبلنا عليه، أمّ ثمّة احتمالية لاستلهام الدروس التي لقننا إياها الضيف الثقيل؟
بقليل من الصدق والتأمل -ورغم وجه كوفيد 19 البشع- إلا أنّنا لا نستطيع إنكار أنّه أعطى الناس وجهة نظر جديدة، طرقا مختلفة في العيش والفرح. "لقد تغيرنا" هذا ما كنا نردده بيننا وبين أنفسنا، فعندما اضطررنا في السنتين الماضيتين للانفصال نوعا ما عن عوائلنا الأمّ، بدا ذلك في الوهلة الأولى أشبه باقتلاعنا من جذورنا، ولكننا اكتشفنا -فيما بعد- إمكانية أن نكتفي بدوائر أصغر من العلاقات، أن نكتفي بالقليل من الملابس الجديدة، القليل من اللحوم والطعام، ودربنا مهاراتنا على تجهيز تفاصيل العيد بأيدينا التي تفتقد الخبرة الكافية.
الجملة التي سمعتها من أكثر من عائلة: "لقد وفرنا المال، فالإغلاقات جعلتنا نكتفي بالقليل".
يبدو كبار السن أكثر خوفا من اندثار تاريخ مسلماتهم، فقد اعتادوا أن تدور تفاصيل حياتهم في جموع من الناس، ابتداء من الهبطة والعيود والشواء والزيارات الكثيفة لبعضهم البعض، ولذا تجدهم راغبين بعودة الأشياء إلى ما كانت عليه، ربما أكثر من الجيل الشاب، الذي يمكنه التكيف مع تقلبات الزمان، ويمكنه ابتكار حلول جديدة مستفيدا من التقنية الحديثة التي تُسهل عليه شؤون حياته.
ليس كوفيد 19 هو الذي غيرنا على نحوٍ ما، فالحروب التي تطحن العالم أيضا والاقتصاد المُتعثر.. كلّها ظروف تتآمر لتغير سعة العيش التي يتمتع بها الإنسان، وأكثر من ذلك تسلبه إحساسه بالأمان.
ولكننا عوض أن ننكأ الجراح في يوم كهذا، سنتذكرُ تلك الأغنية الآسرة لأم كلثوم، المُحملة بجرعة كبيرة من التفاؤل، لنتجاوز هموم العالم التي لا تنتهي:
"يا ليلة العيد آنستينا .. وجددتي الأمل فينا"
عُمال وعاملات صالونات التجميل والحلاقة، الذين سمعنا في السنتين الماضيتين قصصا مُؤثرة عن تضاؤل مردودهم المالي أو انعدامه، استعادوا هم أيضا جداولهم الممتلئة بالزبائن حتى أنّك قد تُكابد مُشقة هائلة في الحصول على دور.
الصغار الذين حُبسوا في بيوت صغيرة -في أحسن الأحوال- أو في شقق دون متنفس أيام حظر التجول، وقالوا متذمرين: "إنّه ليس كالعيد.. فلا عيدية ولا ركض نحو الدكان"، سيخرجون هذا العيد بصحبة محافظهم الجديدة، ولكل واحد منهم أحلام ورغبات، سينفق عيدته لقاء تحقيقها.
لقد تأكدنا من استعادة العيد، عندما أصبح من الصعب علينا أن نمضي في الشوارع بسلاسة، فالناس كأنّما تنبثق من أمكنة مجهولة، فتملأ الشوارع والمحلات بالضجيج، والحقيقة أنّنا افتقدنا حتى هذا الضجيج الذي يحمل دلالة واحدة.. أنّ الحياة عادت إلى سيرتها الأولى.
كنا نتساءل: هل سنعود إلى ما كنا عليه قبل أن يزورنا شبح كوفيد 19، وذلك بسبب النسيان الذي جُبلنا عليه، أمّ ثمّة احتمالية لاستلهام الدروس التي لقننا إياها الضيف الثقيل؟
بقليل من الصدق والتأمل -ورغم وجه كوفيد 19 البشع- إلا أنّنا لا نستطيع إنكار أنّه أعطى الناس وجهة نظر جديدة، طرقا مختلفة في العيش والفرح. "لقد تغيرنا" هذا ما كنا نردده بيننا وبين أنفسنا، فعندما اضطررنا في السنتين الماضيتين للانفصال نوعا ما عن عوائلنا الأمّ، بدا ذلك في الوهلة الأولى أشبه باقتلاعنا من جذورنا، ولكننا اكتشفنا -فيما بعد- إمكانية أن نكتفي بدوائر أصغر من العلاقات، أن نكتفي بالقليل من الملابس الجديدة، القليل من اللحوم والطعام، ودربنا مهاراتنا على تجهيز تفاصيل العيد بأيدينا التي تفتقد الخبرة الكافية.
الجملة التي سمعتها من أكثر من عائلة: "لقد وفرنا المال، فالإغلاقات جعلتنا نكتفي بالقليل".
يبدو كبار السن أكثر خوفا من اندثار تاريخ مسلماتهم، فقد اعتادوا أن تدور تفاصيل حياتهم في جموع من الناس، ابتداء من الهبطة والعيود والشواء والزيارات الكثيفة لبعضهم البعض، ولذا تجدهم راغبين بعودة الأشياء إلى ما كانت عليه، ربما أكثر من الجيل الشاب، الذي يمكنه التكيف مع تقلبات الزمان، ويمكنه ابتكار حلول جديدة مستفيدا من التقنية الحديثة التي تُسهل عليه شؤون حياته.
ليس كوفيد 19 هو الذي غيرنا على نحوٍ ما، فالحروب التي تطحن العالم أيضا والاقتصاد المُتعثر.. كلّها ظروف تتآمر لتغير سعة العيش التي يتمتع بها الإنسان، وأكثر من ذلك تسلبه إحساسه بالأمان.
ولكننا عوض أن ننكأ الجراح في يوم كهذا، سنتذكرُ تلك الأغنية الآسرة لأم كلثوم، المُحملة بجرعة كبيرة من التفاؤل، لنتجاوز هموم العالم التي لا تنتهي:
"يا ليلة العيد آنستينا .. وجددتي الأمل فينا"