يذهب الفيلسوف الألماني هيجل إلى القول: إن الحرب هي المحرك الجدلي للتاريخ، بعد أن يعتبرها «التجربة العظمى في تاريخ وحياة الشعوب»، والحرب بهذا المعنى تعني استمرار التاريخ وعدم نهايته، عكس نظرية المفكر الأمريكي فرنسيس فوكوياما الذي رأى أن التاريخ قد انتهى بنهاية الحرب الباردة، وأن الإنسان الأخير هو الذي يتسيد النظام العالمي الآن «الديمقراطية الليبرالية». وعودة الحرب ونذرها النووية في أوروبا تسقط نظرية فوكوياما نهائيا وتؤكد استمرار حركة التاريخ وتجدد الفكر الإنساني.

واستعادت الحرب الروسية الأوكرانية التي تدور رحاها الآن الكثير من مقولات الفلاسفة والمفكرين التي تبنى عليها النظريات العسكرية التي تدير رحى الحرب وما يمكن أن تحدثه من تأثيرات في بنية النظام العالمي وفي بنية التفكير الإنساني وتوجهات السياسة التي تعتبر المحرك الأساسي للآلة العسكرية.

ورغم أن الحرب بمعنى من المعاني هي ذروة المأساة التي يمكن أن تعيشها البشرية لكن الكثير من المفكرين والفلاسفة رأوا فيها ضرورة حتمية لسيرورة الحياة، أو أنها خيار لا بدّ منه في الكثير من الأحيان.. وهي قرين أساسي مع «السلم»، فلا سلم إلا بعد حرب.

ويرى المفكر جان جاك روسو أن طبيعة الكون تقتضي أن يوجد صراع دائم، وأن سعادة الواحد دائما ما ترتبط بتعاسة وشقاء آخر في مكان ما! وروسو بذلك يذهب إلى أن الصراع/ الحرب مرتبط بتأثير المجتمع على الإنسان وليس لأن الحرب هي الأصل عكس ما يقوله الفيلسوف هوبز الذي يرى في الكثير من كتاباته أن الوضع الطبيعي عند البشرية ليس السلم وإنما «حالة الحرب» بمعنى أن وجود الحرب مرتبط بشكل كامل بالطبيعة البشرية.

ولأن لا حديث يعلو اليوم على حديث الحرب رأينا أن يكون هذا العدد من «ملحق جريدة عمان الثقافي» مخصصا لثيمة الحرب وتأثيرها على الإنسان، وعلى فكره، وعلى أدبه وإنتاجه المعرفي. دون أن ينزلق الملحق لفكرة الدعايا «الحربية» أو حتى لفكرة «التبشير» بالنظام العالمي الجديد رغم أن استشراف هذا المسار مهم جدا ومن بين مهام الثقافة والمثقفين.

فيكتب المفكر المغربي عبدالسلام بنعبد العال مقالا حول فكرة «العودة إلى مفهوم الحرب العادلة» مستحضرا الرؤى الفلسفية التي أنتجتها مجموعة من الفلاسفة في محاولة إيجاد مقاربة بين فكرة الحرب وبين عدالتها.

وترصد الكاتبة أمل السعيدية معالجة السينما لفكرة الحرب عبر مادة حملت عنوان «السينما وظل الحرب الطويل» محاولة البحث عن الجانب الإنساني وحضور الإنسان في أفلام الحرب. وفي باب الحوار يتحدث الشاعر الأمريكي الأوكراني إيليا كامبنسكي عن مدينته الأوكرانية التي ولد فيها وهي «أوديسا» والتي تحولت الآن إلى ساحة قتال دام مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية.

ولأن الحرب، مرة أخرى، هي المحرك الجدلي للتاريخ فإن وضاح الناصر الهاشمي يسلط الضوء على وضع عُمان في الحرب العالمية الثانية، والتأثيرات المباشرة وغير المباشرة التي أثرت على السياق السياسي والاقتصادي وتأثير كل ذلك على حياة الناس اليومية.

أما الدكتور ناصر الطائي فيرصد تأثير الصراع العثماني ـ النمساوي على الأعمال الأوبرالية والموسيقية وكيف استطاعت الحرب أن تساهم في نتاج أوبرالي متميز.

ويقدم أربعة كتاب شهادات ميدانية عما عايشوه بأنفسهم تحت وطأة حروب وجدوا أنفسهم وسطها: حيث يقدم العراقي لؤي حمزة عباس شهادة عن الحرب في العراق، وسعدية مفرح شهادة عن الغزو العراقي للكويت، وتحسين يقين عن الحياة تحت الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وصدام الزيدي عن الحرب في اليمن. وكل هذه الشهادات تعبق بالحياة رغم ما بها من مرارة وقهر وخوف وخطر.

وفي باب الفن التشكيلي يكتب العراقي فاروق يوسف عن الحرب بين واقعين: الخراب والخيال.

وفي النقد الأدبي يكتب كل من المترجم عن الروسية يوسف نبيل عن «الحروب الروسية» كما وثقها الأدب، ويكتب الروائي السوري نبيل سليمان عن الروايات السورية الصادرة في العقد الماضي وفيها رصد للحرب الدائرة في سوريا. وفي باب الفوتجرافيا يكتب الشاعر العماني عبدالله حبيب عن «الحرب والمأزق التاريخي للذكورة العربية». ويترجم صالح الفلاحي فصلا من كتاب يتناول أصل العنف البشري والعدوانية من ناحية علمية تطورية ويناقش العنف والحرب وعلاقتهما بالجنس المهيمن.

كما يتأمل سليمان المعمري في لعبة كرة القدم ويطرح سؤالا حول ما إذا كانت لعبة محبة أم لعبة كراهية وحروب؟.

وفي باب المراجعات تراجع هدى حمد رواية «ليلة لشبونة»، وإبراهيم فرغلي كتاب «حرب واستراتيجية»، وبشاير السليمية كتاب «لماذا الحرب؟». ويترجم أحمد الرحبي عن الروسية قصة قصيرة بعنوان «لحن تشايكوفيسكي» للكاتب فيكتور أستافيف.

بهذا المعنى يحاول العدد أن يتناول الحرب من زوايا مختلفة تشكل في مجملها إجابة عن بعض أسئلة الحرب الكثيرة ومأساتها الكبرى، ودورها في استمرارية حركة التاريخ.