يتفاؤل الكثير خيرا بعد اجتماع الرّياض بمساعي خليجيّة ويمنيّة بشأن الوضع السّياسيّ في اليمن، والانتقال إلى ما بعد الحرب، الّتي دامت لأكثر من ثمان سنوات، حيث دمرت البنيّة التّحتيّة لليمن، ونقلتهم إلى حالة غير إنسانيّة من البؤس والفقر والتّشريد والاحتراب والقتل والمجاعة، فضلا عن الجهل وانتشار المرض.
لقد بذلت سلطنة عمان مثلا منذ فترة مبكرة من بداية الحرب في حلّ الأزمة سلميّا، والجلوس على طاولة الحوار وليس الاحتراب، واليوم بعد هذه السّنوات العجاف أدرك الجميع أنّ ضعف الجانب السّياسيّ والأمني في اليمن بات يهدد المنطقة ككل؛ لأنّ اليمن جزء لا ينفصل عن المنطقة، لما تشكله اليمن من تأثير جغرافيّ وبشريّ واقتصاديّ ومعرفيّ وحضاريّ مرتبط بالمنطقة ككل.
لمّا بدأت الحرب اليمنيّة كتبت مقالة فيسبوكيّة بعنوان «الحرب على اليمن درس عربي آخر»، وممّا قلته فيه: «لقد ظَلَمَ اليمن اثنان: أبناؤه وجيرانه، أمّا عن الأول فالألم يزداد عندما تجد هذا مع شعب اليمن وهم من أعرق دول المنطقة فكرا وحضارة؛ نجدهم يتصارعون فيما بينهم، فما دخل العدو إلا بسبب شقاقهم وفرقتهم، مع تقدّمهم السّياسيّ، إلا أنّهم لم يحسنوا التّعامل خاصّة في الوقت الرّاهن، فنهبت ثرواتهم، وجعلت من الفقر سوسا ينخر ما بقي فيها من كرامة وعرض وإنسانيّة.
وأمّا من جيرانها فالأمر واضح للعيان، فبلاد الجوار لم يهتّموا بالإنسان اليمنيّ كإنسان بقدر ما اهتّموا بمصالحهم السّياسيّة والطّائفيّة، وهذه مشكلتنا في الحقيقة، تقديم المصالح السّياسيّة والمذهبيّة على ذات الإنسان، مع أنّ دول الجوار بإمكانها رفع ذات الإنسان اليمنيّ، والوقوف معه منذ فترة طويلة».
واليوم ونحن بعد هذا الدّرس من الاحتراب ما زلنا ندرك ذات الدّرس، المتمثل في جزئه الأول من داخل التّربة اليمنيّة ذاتها، فعلى اليمنيين أن يتعقّلوا قليلا، ويدركوا أن قوّتهم في وحدتهم، ونهضتهم تنطلق من ذاتهم، فلا ينقص اليمن شيئا، فما زال العقل اليمنيّ أكثر خصوبة في المنطقة، لما يملكه من حضارة ضاربة في القدم، وكثافة سكانيّة تولّد من الطّاقات الإبداعيّة المتنوعة، فكلّما كثر السّكان كلّما كثر تنوّع الإبداعات، بجانب التّنوّع الجغرافيّ الّذي يسهم في ولادة تنوّع بشريّ فكريّا ومعرفيّا، فضلا عن التّنوّع الدّينيّ والمذهبيّ، وفي اللّغات والعادات والتّقاليد، وهي حالة طبيعيّة أيضا في موقع جغرافيّ بذاته متنوّع من الجبل إلى السّهل والبحر، ومن الشّمال إلى الجنوب.
لقد أكلت الطّائفيّة اليمن في العديد من أجزائه، وجعلته يعيش في جوّ من الاحتراب الفكريّ، وأحيانا يمتدّ إلى الاحتراب العمليّ، وما قاله لي الشّيخ أبو الحسن مجد الدّين بن الحسن المؤيدي في لقائي معه كتابيّا عام 2014م: «وقد تضرّرت اليمَن بعد أن كانَت تعيش جوًّا يسودُه الاحترام المَذهبيّ بين الشّافعيّة والزّيديّة لكثرَة اختلاطهِم، أصبح اليوم يفورُ بالعصبيّة والمذهبيّة والعياذُ بالله، كلّ ذلك بسبَب الإقصَاء الفِكريّ الّذي يعيشُ الآخَر، والتّكفير والتّبديع بناءً على الظّن».
وامتدّ الصّراع من الاتّجاهات والتّشكلات المعاصرة، وهذا ما جعل عصام القيسيّ اليمنيّ مثلا في الدّعوة إلى الخروج من أزمة الصّراع المذهبيّ إلى العقل، فألف كتابه عودة العقل، كما أنّه قدّم نظريّة توافقيّة سمّاها بالعلمانيّة الثّالثة، فيرى الانتقال من الدّولة الطّائفيّة المتنازعة إلى الدّولة المشتركة الواحدة في الخطّ المشترك بين الجميع أي القرآن الكريم، إلا «أنّ معظم الخطاب القرآني ينصرف إلى القصص والأخبار (العقائد)، والنّسبة الباقية منه موزعة على توجيهات أخلاقيّة لضمير الفرد والجماعة، وأحكام قانونيّة للفرد وللجماعة، فأمّا النّسبة الكبيرة من خطاب القصص والأخبار، فلا علاقة له - مباشرة -بسياسات الدّولة وقانونها الدّستوريّ، ويسري هذا الحكم - أيضًا - على الخطاب الأخلاقيّ للقرآن، وأمّا القسم الثّالث من الخطاب القرآنيّ (الأحكام القانونيّة)، فالأمر فيه على تفصيل: ما كان منه قطعي الدّلالة يمضي بوصفه قانونًا شرعيّا ملزما بحكم الدّستور الّذي سلّم بالمرجعيّة العليا للدّين الإسلاميّ، وما كان منه قابلا للتّأويل على أكثر من دلالة، يبقى نصّا ملزما على وجه الإجمال فقط، ويختار المشرع المدنيّ بعد ذلك التّأويل الّذي يراه مناسبا، على أن يعد التّأويل المختار منتجا وضعيّا لا قداسة له».
هذه الرّؤية الّتي قدّمها القيسيّ أقرب إلى العلمانيّة الجزئيّة كما عند المسيريّ «ت 2008م»، إلا أنّها أضيق في الجانب اللّاهوتيّ، بيد أنّها تقدّم علاجا لمرحلة تعاني من اضطراب طائفيّ في بقعة ما، بيد أنّ هذا على مستوى الدّولة والحكامة؛ إلا أنّه على مستوى الخطاب والوعيّ، فينبغي لليمنيين أن يتجاوزوا هذه المرحلة، وإن كانت صغيرة ليست بذاك أمام العقليّة اليمنيّة المتعايشة والمتسامحة بفطرتها، إلا أنّ الصّراخ كبير من هذه الفئة المتعصّبة طائفيّا، واستثمرت من الخارج نتيجة الضّعف السّياسيّ الّذي يعيشه اليمن في الدّاخل.
هذا الاحتراب الطّائفيّ ولو على السّبيل الفكريّ والخطابيّ، إلا أنّ الزّمن تجاوزه إلى بناء الإنسان والدّولة المتعددة، والّتي تفصل بين المشترك المرضيّ حكما، وبين التّوجهات الفرديّة والهوّيّاتيّة كانت قبليّة أم مذهبيّة أم توجهات فكريّة، ولا يحدث ذلك إلا إذا أدرك اليمنيون ذلك من داخلهم، ولم يفرض عليهم من خارجهم، وما ذلك على اليمن ببعيد، فهي بلد الحكمة، والحكمة يمانيّة، فلا ينبغي أن نرى اليمن اليوم المصدّر للحكمة المبنيّة على الألفة والتّعايش والمحبّة، أن يكون طريقا إلى تصدير الكراهيّة والعنف، فهذا لا يتناسب والتّربة اليمنيّة.
وأمّا من الخارج، أي من دول الجوار خصوصا، وما قرر في اجتماع الرّياض من الانتقال من لغة الاحتراب إلى لغة الإحياء، فدول المنطقة بحاجة أن تتعاون اليوم أكثر ممّا مضى، وبعد تجربة الحرب، وما قبل الحرب؛ أن تتعاون في إحياء اليمن، وليس اليمن فحسب بل المجتمع العربيّ ككل؛ فبحاجة أن نتجاوز لغة الاعتداد والتّميز القُطريّ، ومحاولة التّرؤس على الآخر، وكأننا نعيش تلك القبائل المتناحرة، والمعتدّة بذاتها.
إنّ إحياء أي جزء عربيّ هو إحياء للمنطقة ككل، ولا يمكن الإحياء للبنيان والطّرق والجسور قبل إحياء الإنسان، وبما أنّ اليمن اليوم من أشدّ الدّول العربيّة ظلما وتراجعا؛ لزم أن تكون لغة الإحياء هي السّائدة اليوم في التّعاون إيجابيّا في تعزيز الوحدة السّياسيّة لهذا البلد، والوقوف معه إيجابا للانتقال إلى حالة الاستقرار والبناء والنّهضة كغيره من دول المنطقة.
والمستفيد من استقرار اليمن هي المنطقة ككل، وليس اليمن وحدها فحسب، والاستفادة تتعدى الاستفادة الأمنيّة إلى الاستفادة الاقتصاديّة والسّياحيّة والمعرفيّة والمواهبيّة الإبداعيّة، فضلا عن الطّاقة البشريّة اليمنيّة، والّتي بذاتها عنصر ثراء؛ ليس لليمن فحسب، بل للمنطقة جميعا، خصوصا مع المشترك التّأريخيّ والثّقافيّ والحضاريّ مع اليمن، والّذي لا يتمايز مع دول الجوار، إلا في بعض الخصوصيّات المشكلة للتّعدديّة، وهي عنصر ثراء في ذاتها أيضا.
أنني متفاؤل كثيرا بمستقبل اليمن القريب، بعد هذه التّجربة المرة الّتي مر بها هذا القطر، بيد أنّ التّفاؤل بمعزل عن العمل لا قيمة له، لهذا على العقلاء في اليمن ابتداء، وفي المنطقة عموما، أن يتعاونوا في الانتقال إلى مرحلة الإحياء، ابتداء من قلم المثقف والكاتب والشّاعر والعالم قبل السّياسيّ، لما يشكله هذا القلم إذا استقل بذاته من ثقل في الواقع السّياسيّ ذاته.
إنني أرجو بعد اجتماع الرّياض لا أن تكون مرحلة هدنة بقدر ما هي مرحلة انتقال من حال الاحتراب إلى حال الإحياء، وأرجو أن أرى اليمن من شمالها إلى جنوبها كما عهدت وهي مفخرة العرب في التّنوّع الحضاريّ والفنيّ والثّقافي والجغرافيّ والسّياحيّ، فلا أقل أن نعيش هذا اليوم ونرى الإنسان اليمنيّ مكرما معزّزا بذاته اليمنيّة الواحدة، المبنيّة على ذاته وماهيّته الإنسانيّة كغيره تماما، وما ذلك على اليمن السّعيد ببعيد.
بدر العبري مهتم بقضايا التقارب الإنساني ومؤلف كتاب «فقه التطرف»
لقد بذلت سلطنة عمان مثلا منذ فترة مبكرة من بداية الحرب في حلّ الأزمة سلميّا، والجلوس على طاولة الحوار وليس الاحتراب، واليوم بعد هذه السّنوات العجاف أدرك الجميع أنّ ضعف الجانب السّياسيّ والأمني في اليمن بات يهدد المنطقة ككل؛ لأنّ اليمن جزء لا ينفصل عن المنطقة، لما تشكله اليمن من تأثير جغرافيّ وبشريّ واقتصاديّ ومعرفيّ وحضاريّ مرتبط بالمنطقة ككل.
لمّا بدأت الحرب اليمنيّة كتبت مقالة فيسبوكيّة بعنوان «الحرب على اليمن درس عربي آخر»، وممّا قلته فيه: «لقد ظَلَمَ اليمن اثنان: أبناؤه وجيرانه، أمّا عن الأول فالألم يزداد عندما تجد هذا مع شعب اليمن وهم من أعرق دول المنطقة فكرا وحضارة؛ نجدهم يتصارعون فيما بينهم، فما دخل العدو إلا بسبب شقاقهم وفرقتهم، مع تقدّمهم السّياسيّ، إلا أنّهم لم يحسنوا التّعامل خاصّة في الوقت الرّاهن، فنهبت ثرواتهم، وجعلت من الفقر سوسا ينخر ما بقي فيها من كرامة وعرض وإنسانيّة.
وأمّا من جيرانها فالأمر واضح للعيان، فبلاد الجوار لم يهتّموا بالإنسان اليمنيّ كإنسان بقدر ما اهتّموا بمصالحهم السّياسيّة والطّائفيّة، وهذه مشكلتنا في الحقيقة، تقديم المصالح السّياسيّة والمذهبيّة على ذات الإنسان، مع أنّ دول الجوار بإمكانها رفع ذات الإنسان اليمنيّ، والوقوف معه منذ فترة طويلة».
واليوم ونحن بعد هذا الدّرس من الاحتراب ما زلنا ندرك ذات الدّرس، المتمثل في جزئه الأول من داخل التّربة اليمنيّة ذاتها، فعلى اليمنيين أن يتعقّلوا قليلا، ويدركوا أن قوّتهم في وحدتهم، ونهضتهم تنطلق من ذاتهم، فلا ينقص اليمن شيئا، فما زال العقل اليمنيّ أكثر خصوبة في المنطقة، لما يملكه من حضارة ضاربة في القدم، وكثافة سكانيّة تولّد من الطّاقات الإبداعيّة المتنوعة، فكلّما كثر السّكان كلّما كثر تنوّع الإبداعات، بجانب التّنوّع الجغرافيّ الّذي يسهم في ولادة تنوّع بشريّ فكريّا ومعرفيّا، فضلا عن التّنوّع الدّينيّ والمذهبيّ، وفي اللّغات والعادات والتّقاليد، وهي حالة طبيعيّة أيضا في موقع جغرافيّ بذاته متنوّع من الجبل إلى السّهل والبحر، ومن الشّمال إلى الجنوب.
لقد أكلت الطّائفيّة اليمن في العديد من أجزائه، وجعلته يعيش في جوّ من الاحتراب الفكريّ، وأحيانا يمتدّ إلى الاحتراب العمليّ، وما قاله لي الشّيخ أبو الحسن مجد الدّين بن الحسن المؤيدي في لقائي معه كتابيّا عام 2014م: «وقد تضرّرت اليمَن بعد أن كانَت تعيش جوًّا يسودُه الاحترام المَذهبيّ بين الشّافعيّة والزّيديّة لكثرَة اختلاطهِم، أصبح اليوم يفورُ بالعصبيّة والمذهبيّة والعياذُ بالله، كلّ ذلك بسبَب الإقصَاء الفِكريّ الّذي يعيشُ الآخَر، والتّكفير والتّبديع بناءً على الظّن».
وامتدّ الصّراع من الاتّجاهات والتّشكلات المعاصرة، وهذا ما جعل عصام القيسيّ اليمنيّ مثلا في الدّعوة إلى الخروج من أزمة الصّراع المذهبيّ إلى العقل، فألف كتابه عودة العقل، كما أنّه قدّم نظريّة توافقيّة سمّاها بالعلمانيّة الثّالثة، فيرى الانتقال من الدّولة الطّائفيّة المتنازعة إلى الدّولة المشتركة الواحدة في الخطّ المشترك بين الجميع أي القرآن الكريم، إلا «أنّ معظم الخطاب القرآني ينصرف إلى القصص والأخبار (العقائد)، والنّسبة الباقية منه موزعة على توجيهات أخلاقيّة لضمير الفرد والجماعة، وأحكام قانونيّة للفرد وللجماعة، فأمّا النّسبة الكبيرة من خطاب القصص والأخبار، فلا علاقة له - مباشرة -بسياسات الدّولة وقانونها الدّستوريّ، ويسري هذا الحكم - أيضًا - على الخطاب الأخلاقيّ للقرآن، وأمّا القسم الثّالث من الخطاب القرآنيّ (الأحكام القانونيّة)، فالأمر فيه على تفصيل: ما كان منه قطعي الدّلالة يمضي بوصفه قانونًا شرعيّا ملزما بحكم الدّستور الّذي سلّم بالمرجعيّة العليا للدّين الإسلاميّ، وما كان منه قابلا للتّأويل على أكثر من دلالة، يبقى نصّا ملزما على وجه الإجمال فقط، ويختار المشرع المدنيّ بعد ذلك التّأويل الّذي يراه مناسبا، على أن يعد التّأويل المختار منتجا وضعيّا لا قداسة له».
هذه الرّؤية الّتي قدّمها القيسيّ أقرب إلى العلمانيّة الجزئيّة كما عند المسيريّ «ت 2008م»، إلا أنّها أضيق في الجانب اللّاهوتيّ، بيد أنّها تقدّم علاجا لمرحلة تعاني من اضطراب طائفيّ في بقعة ما، بيد أنّ هذا على مستوى الدّولة والحكامة؛ إلا أنّه على مستوى الخطاب والوعيّ، فينبغي لليمنيين أن يتجاوزوا هذه المرحلة، وإن كانت صغيرة ليست بذاك أمام العقليّة اليمنيّة المتعايشة والمتسامحة بفطرتها، إلا أنّ الصّراخ كبير من هذه الفئة المتعصّبة طائفيّا، واستثمرت من الخارج نتيجة الضّعف السّياسيّ الّذي يعيشه اليمن في الدّاخل.
هذا الاحتراب الطّائفيّ ولو على السّبيل الفكريّ والخطابيّ، إلا أنّ الزّمن تجاوزه إلى بناء الإنسان والدّولة المتعددة، والّتي تفصل بين المشترك المرضيّ حكما، وبين التّوجهات الفرديّة والهوّيّاتيّة كانت قبليّة أم مذهبيّة أم توجهات فكريّة، ولا يحدث ذلك إلا إذا أدرك اليمنيون ذلك من داخلهم، ولم يفرض عليهم من خارجهم، وما ذلك على اليمن ببعيد، فهي بلد الحكمة، والحكمة يمانيّة، فلا ينبغي أن نرى اليمن اليوم المصدّر للحكمة المبنيّة على الألفة والتّعايش والمحبّة، أن يكون طريقا إلى تصدير الكراهيّة والعنف، فهذا لا يتناسب والتّربة اليمنيّة.
وأمّا من الخارج، أي من دول الجوار خصوصا، وما قرر في اجتماع الرّياض من الانتقال من لغة الاحتراب إلى لغة الإحياء، فدول المنطقة بحاجة أن تتعاون اليوم أكثر ممّا مضى، وبعد تجربة الحرب، وما قبل الحرب؛ أن تتعاون في إحياء اليمن، وليس اليمن فحسب بل المجتمع العربيّ ككل؛ فبحاجة أن نتجاوز لغة الاعتداد والتّميز القُطريّ، ومحاولة التّرؤس على الآخر، وكأننا نعيش تلك القبائل المتناحرة، والمعتدّة بذاتها.
إنّ إحياء أي جزء عربيّ هو إحياء للمنطقة ككل، ولا يمكن الإحياء للبنيان والطّرق والجسور قبل إحياء الإنسان، وبما أنّ اليمن اليوم من أشدّ الدّول العربيّة ظلما وتراجعا؛ لزم أن تكون لغة الإحياء هي السّائدة اليوم في التّعاون إيجابيّا في تعزيز الوحدة السّياسيّة لهذا البلد، والوقوف معه إيجابا للانتقال إلى حالة الاستقرار والبناء والنّهضة كغيره من دول المنطقة.
والمستفيد من استقرار اليمن هي المنطقة ككل، وليس اليمن وحدها فحسب، والاستفادة تتعدى الاستفادة الأمنيّة إلى الاستفادة الاقتصاديّة والسّياحيّة والمعرفيّة والمواهبيّة الإبداعيّة، فضلا عن الطّاقة البشريّة اليمنيّة، والّتي بذاتها عنصر ثراء؛ ليس لليمن فحسب، بل للمنطقة جميعا، خصوصا مع المشترك التّأريخيّ والثّقافيّ والحضاريّ مع اليمن، والّذي لا يتمايز مع دول الجوار، إلا في بعض الخصوصيّات المشكلة للتّعدديّة، وهي عنصر ثراء في ذاتها أيضا.
أنني متفاؤل كثيرا بمستقبل اليمن القريب، بعد هذه التّجربة المرة الّتي مر بها هذا القطر، بيد أنّ التّفاؤل بمعزل عن العمل لا قيمة له، لهذا على العقلاء في اليمن ابتداء، وفي المنطقة عموما، أن يتعاونوا في الانتقال إلى مرحلة الإحياء، ابتداء من قلم المثقف والكاتب والشّاعر والعالم قبل السّياسيّ، لما يشكله هذا القلم إذا استقل بذاته من ثقل في الواقع السّياسيّ ذاته.
إنني أرجو بعد اجتماع الرّياض لا أن تكون مرحلة هدنة بقدر ما هي مرحلة انتقال من حال الاحتراب إلى حال الإحياء، وأرجو أن أرى اليمن من شمالها إلى جنوبها كما عهدت وهي مفخرة العرب في التّنوّع الحضاريّ والفنيّ والثّقافي والجغرافيّ والسّياحيّ، فلا أقل أن نعيش هذا اليوم ونرى الإنسان اليمنيّ مكرما معزّزا بذاته اليمنيّة الواحدة، المبنيّة على ذاته وماهيّته الإنسانيّة كغيره تماما، وما ذلك على اليمن السّعيد ببعيد.
بدر العبري مهتم بقضايا التقارب الإنساني ومؤلف كتاب «فقه التطرف»