د سيف بن سليمان بن سيف المعني -
Saifalmaani54@gmail.com -
في الآونة الأخير كثر الحديث عن الخصخصة وآلياتها وفوائدها ، وزاد التوجه والحديث عن هذا الجانب وكأنه الحل السحري لكل المشاكل الاقتصادية، الكثير منا لا يعلم ما هي الخصخصة وآلياتها، وهل فعلا لها فوائد على الاقتصادات الوطنية وبالتالي هل هي قالب يمكن أن يطبق على كل دول العالم؟ مع العلم أن الخصخصة هي فقط أداة من أدوات الإصلاح الاقتصادي وليس كل الأدوات، طبقت بعض الدول الغربية الخصخصة في قطاعات مختلفة وفق معايير وضوابط صارمة وقد تتناسب مع ظروف تلك الدول لأسباب أهمها نضوج القطاع الخاص وكفاءته العالية وقد لا تتناسب مع ظروف دول أخرى، لعدم قدرة القطاع الخاص واعتماده على القوى العاملة الوافدة، ووجود التشريعات والضوابط التي تحكم هذا النوع من الخصخصة.
ونظرا لأن هذا الموضوع معقد و يحتاج إلى دراسات معمقة وندوات تخصصية للخوض فيه، سأحاول التطرق إلى أهم الجوانب ذات الصلة به. الخصخصة مصطلح حديث نسبياً، وقد أشارت الكتابات الاقتصادية التي عالجت الخصخصة إلى أكثر من مُسمى منها «الخصخصة» أو «التخصيص» أو «التحول إلى القطاع الخاص»، وكلها مفاهيم تُفيد بإسناد مهام كانت تديرها الحكومة إلى القطاع الخاص، ويرى بعض المنظرين الغربيين أن التوجه للخصخصة هو محاولة لإدخال قوى السوق وآليات العرض والطلب والمنافسة إلى اقتصاد الدولة . إذا ما هي الخصخصة: تعرف الموسوعة الحرة ويكيبيديا الخصخصة بأنها «تحويل للملكية أو الإدارة من القطاع العام إلى القطاع الخاص، بشرط أن تتحقق السيطرة الكاملة للقطاع الخاص، والتي لا تتحقق في الغالب إلاّ بانتقال أغلب ملكية القطاع العام إلى القطاع الخاص. يمكن تعريف الخصخصة بشكل أكثر تحديداً بوصفها مجموعة متكاملة من السياسات والإجراءات، التي تكفل نقل ملكية وإدارة المشاريع العامة أو المشتركة إلى القطاع الخاص، من أجل تحقيق التنمية بالاعتماد على حرية المنافسة، وتشجيع المبادرات الفردية، وتعبئة موارد القطاع الخاص، وإصلاح الجهاز الإداري للدول، وتبسيط الإجراءات الحكومية.
تلجأ الدول إلى الخصخصة كسياسة عامة أحياناً أو كعملية آنية لتحقيق غايات معينة، وتهدف بشكل خاص إلى تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة، إضافة إلى توسيع دور القطاع الخاص وجعله جزءا مهما في العملية الاقتصادية وتوسيع حجم القطاع الخاص ومساهمته في نمو الاقتصاد الوطني، وإعطاء الشركات دور فاعل في الإدارة اليومية للأنشطة التي في الغالب تديرها الحكومة أو القطاع العام من حيث التنظيم والرقابة والإشراف.
تختلف أشكال الخصخصة باختلاف الدول وأهدافها ومدى تقبل الرأي العام الداخلي فيها للخصخصة، ومن هذه الأشكال:
• تخصيص الإدارة مع الإبقاء على ملكية المؤسسة بيد الدولة وذلك عن طريق عقود الإدارة أو عقود الإيجار.
• البيع الجزئي للأسهم أو الحصص والذي يأخذ طابع المرحلة الانتقالية للخصخصة.
• نقل الملكية إلى العاملين في المؤسسة وإدارتها.
• بيع الأسهم في الأسواق المالية وعرضها للاكتتاب على المواطنين .
• البيع الكلي المباشر، وهو الشكل الأكثر انتشاراً ويتم إما عن طريق الحصول على العروض، أو المزادات العلنية، أو البيع بالتراضي أو عن طريق الأسواق المالية، كما يمكن أن يتم البيع أحياناً مقابل الديون الخارجية للدولة.
تهدف برامج الخصخصة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها :
• تحسين مستوى الكفاءة الاقتصادية للمنشآت العامة وخاصة المتعثرة منها والخاسرة وتعزيز التنافسية فيها باعتبار ان الخصخصة هي جزء من عملية الإصلاح الاقتصادي، مثال على ذلك بعض الشركات الحكومية.
• تحسين الأداء في العمل والحد من البيروقراطية التي في الغالب يعاني منها الجهاز الإداري الحكومي.
• توفير عوائد مالية ترفد الاقتصاد الوطني من خلال بيع المنشآت وتقليل النفقات .
• الحصول على التكنولوجيا الحديثة من خلال المشاركة الأجنبية وجذب الاستثمارات.
• تشجيع ما يعرف بالرأسمالية الشعبية من خلال توسيع نطاق ملكية الأصول الاقتصادية للمواطنين، سواء للعاملين أو لغيرهم.
• تعزيز وتطوير وتوسيع السوق المالية، حيث إن الخصخصة تعمل على تنشيط وتنمية تداول الأسهم والسندات في السوق المذكورة.
• تعزيز حالة التنافسية .
إذا كانت هذه هي الأمور التي تدفع الدول إلى الخصخصة، إذا ما هي الجوانب التي تحد من هذا النجاح أو تحقيق هذه الأهداف، الخصخصة ليست مصباح علاء الدين في حل المشاكل الاقتصادية المستعصية، بل هي بقدر ما تخطط لها وتراقب أداءها وتخلق التنافسية بينها سوف تحقق بعض الأهداف، لكن التجارب في هذا المجال أثبتت أن غياب الخطط الجيدة والإجراءات الواضحة والبيئة المناسبة في العديد من برامج الخصخصة أتت بنتائج كارثية، ولم تحقق الأهداف المرجوة منها، لا على مستوى المنشأة المعنية ولا على صعيد الاقتصاد الوطني، وتشير تجارب الخصخصة في العديد من بلدان العالم الى ان هناك عوامل عديدة وعقبات حالت دون تحقيق النجاح وأبرزها :
• غياب الإرادة الحقيقية لتنفيذ هذه البرامج بنجاح، حيث ان العديد من الدول التي طبقت برامج الخصخصة فعلت ذلك تحت وطأة الضغوط والتدخلات الخارجية من المؤسسات المالية الدولية التي فرضت عليها هذه الوصفة الجاهزة وبسرعة وبشكل واسع، وقامت هذه الأخيرة بتنفيذها بسرعة دون أي اعتبار لجدوى العملية أو تهيئة مستلزماتها، ومن المتوقع بأن عملية الخصخصة إذا ما تمت بهذا الشكل فإن النتيجة لن تفضي الى زيادة الإنتاج وخلق فرص العمل وزيادة الدخل، وعلى سبيل المثال خلال عام 1990 قام كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بجعل حزم القروض الممنوحة إلى الإكوادور مشروطة بخصخصة مرافق المياه والتي أدت إلى ارتفاع أسعار الخدمة وزيادة الأرباح مما تسبب بأزمة سياسية أدت الى غلق المنشأة الخاصة المعنية، وفي المكسيك قام البنك الدولي بالضغط لخصخصة الكهرباء رغم المقاومة الشعبية ضد تلك الخطوة، وتتكرر مثل هذه الأمثلة في العديد من الدول .
• انعدام حالة المنافسة وخصوصاَ عند تحويل الشركات العامة الاحتكارية الى شركات احتكارية خاصة، مما يشجع على رفع الأسعار للسلع والخدمات، خدمة لمصالح المالكين وعلى حساب المستهلكين، إن مثل هذا الاحتمال وارد إذا لم تتخذ الحكومة الإجراءات المناسبة لمنع ذلك من خلال الإجراءات القانونية وتشكيل هيئات رقابية.
• مقاومة برامج الخصخصة من قبل منظمات المجتمع المدني والنقابات والإدارات البيروقراطية في العديد من الحالات.
• تفشي حالة الفساد وانعدام الشفافية وتحكم المصالح الفردية والفئوية.
• تقليص أعداد الأيدي العاملة بعد الخصخصة في بلدان تعاني أصلاَ من مشكلة البطالة مما ينتج عنه معارضة واستياء شعبي من هذه البرامج وتجدر الإشارة إلى إن مثل هذا الاحتمال قد لا يتحقق في كل الحالات إذ إن تنامي الاستثمارات من شأنه أن يقود إلى المزيد من فرص العمل.
• عدم توفر الإعداد اللازمة من الاستشاريين والخبراء الذين ينفذون البرامج بشكل ناجح.
• إن برامج الخصخصة قد ينتج عنها في الغالب أعادة توزيع للسلطة والثروة ومنافع للبعض مثل الوسطاء والمحامين المنخرطين في عملية الخصخصة مما قد يمكنهم من وضع اليد على القطاعات المفصلية في الاقتصاد الوطني وإمكانية ظهور الاحتكارات التي تخدم أصحابها وعلى حساب مصالح المستهلكين، الأمر الذي يولد استياء ومعارضة شديدة لعمليات الخصخصة، وهذه أحد أهم الصعوبات التي تعيق الخصخصة في الدول النامية.
• هناك بعض المخاطر الأخلاقية عندما يتم تحويل المؤسسات الحكومية الكبيرة والمهمة الى مؤسسات خاصة، وعلى وجه التحديد تلك التي تقدم خدمات حساسة مثل الخدمات الصحية والتعليم والكهرباء والماء، لان الآثار التي يتركها الفساد والاستغلال وارتفاع الأسعار له مضامين أخلاقية، وعليه فإن تحويل المسؤولية الى الجهات الجديدة قد ينتج عنه بعض المشكلات.
• إن العديد من التقارير الاجتماعية المتعلقة ببرامج الخصخصة تشير أيضاَ الى حالات الفساد التي تتمثل بمحاباة بعض المستثمرين من ذوي العلاقات الذين حصلوا على أصول قّيمة بأقل الأسعار.
باختصار شديد الخصخصة ليست مصباح علاء الدين، فالتحول السريع والمفاجئ قد يضر بالمصالح الوطنية، والمشكلة في الخصخصة في دول لا توجد بها العديد من سبل التنافس والتخصص سوف تصبح محتكرة ويصعب الانتقال من شركة إلى أخرى والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعدد، كما أن الخصخصة عندما تتم يكون من الصعب العودة إلى ما كانت عليه قبل الخصخصة لأن الأصول السابقة قد تم التصرف بها وإعادتها من جديد ستكلف مبالغ مضاعفة .
الخصخصة مفيدة إذا أعد لها الإعداد الجيد ولمؤسسات محددة، وإشراك أكبر عدد من صناع القرار في عملية الإعداد له، ووضع قوانين وجهاز رقابة فاعل بحيث لا تكون رديف للمؤسسة العامة ويكون في مجالس إدارتها من كانوا سببا لتحويلها إلى القطاع الخاص.