فيصل الحضرمي

سحبت ظلي وجلست عليه

سحبت ظلي وجلست عليه

قلت أنتظر هنا لأراهم يمرون

مرهقاً كنتُ وسالت على صدغي قطرة

يأتون عادةً في مثل هذا الوقت

عاصبين رؤوسهم

قادمين من جهة البحر

قاصدين الجبال

بينهم وبين رؤوسها ثأر

الغبار الذي تثيره أقدامهم يتحاشى الهبوط عليهم

يظل يرتفع إلى أن يجد له أرضا أخرى

وأحيانا ينسى أمر الهبوط تماما

هذا الطريق نحل لكثرة ما نزف من غبار

غارت قدماه

عابروه يصيرون أقصر يوما بعد يوم

أجلس منتظرا مرورهم

لم يتبق منهم إلا القليل

بالأمس بالكاد رأيت شعورهم

كانوا يسيرون على عصابات رؤوسهم دون أن تترك أثرا

الغبار المتصاعد كان أثر خطواتهم الوحيد

ولم أتبعه

بقيت مكاني إلى أن توارت الشمس

المختفون بطيئا لا يعودون قبل حلول المساء

مهمتهم هناك في رؤوس الجبال شاقة وطويلة

ربما كانت أبدية

قيل هو رابع أجيال الموتورين هؤلاء

قيل هو نفس الجيل لكنه لا يشيخ

صيرهم الغضب أبديين كمهمتهم

أما أنا فهرمت

لم يحدث أن لحقت بهم أبدا

قاومت الأمر دائما

واليوم تأخروا

لم يبق من ظلي ما أجلس عليه

هم أيضا لم يبق منهم ما يُرى

ربما مروا قاصدين وجهتهم دون أن يشي بهم الغبار

ربما نزف الطريق كل غباره بالأمس وامّحى

وعلقوا في رؤوس الجبال



عابرون على سبيل الدعابة

عابرون على سبيل الدعابة

زائدون عن حاجة الضوء والظل

الأرض لا تميّز خطونا من دبيب النمل

وتحسب أصواتنا حفيف أشجار

وحين نشقها لدفن إنسانٍ تخالنا نغرس نبتة

الأرض لا علم لها بكل الذين أغلقنا عليهم صرتها وعادوا معنا

ولا بما يفعله أولئك المخاتلون بنا في الليل خصوصا

فائضون عن ذاكرة الحجر والماء

وحين سنختفي أخيرا لن يسمعا بالخبر



الرعاةُ في المخطط السكني الجديد

هذا البساط ستطويه الشمس قريبا

حين نتريض في الشوارع التي تشقه في مربعات

نمر برعاة يعلمون جيدا في أي يومٍ سيقع الأمر

بعضهم فرادى

وبعضهم يتعكز رفيقا أو رفيقةً يهش بها على السأم

ولهم محاجن يحنون بها أغصان الجهات فيرسمون لشياههم دروبها

وعند المغيب يقطفون بها الشمس

فإذا أطال الليل مكثه أطلقوها ليكون صباحٌ ويكون كلأٌ ويكون رعي

الرعاة سادةُ هذا المكان

من قبل أن تكون المزارع التي أجدبت من ثم

وصارت مخططاً سكنيا الآن

من قبل أن تكون لنا هنا أراضٍ وبيوت

من قبل أن نحتاجَ لمَ ليس لأقدامنا من الأرصفة التي تضفف طرقات العالم

وحين يجلس الراعي على حجرٍ ويبدو ساهما في قطيعه

أو مغفيا بعينٍ واحدة كذئب الأسطورة

يكون منغمرا فيما يستحيل علينا

نحن الذين لا نفقه في أمر الرعي عدا التشييع والمراقبة والزجر

وإن أكثر تحايانا اقتضابا حينها،

بل أكثرها لوذا بالصمت واكتفاءً بالابتسام دون افترار،

تبلبل كيانه



أنفاس البلاستيك

مطر غزيرٌ من ضوء الشمس هطل في تلك الظهيرة

أوراق الشجر والأرصفة والطرقات والمارة والقطط والسيارات والنوافذ والمكيفات..

كل الأشياء ابتلت بالضوء وأصيبت بالرشح

كل الأشياء حُمت

الأرصفة سالت، والطرقات

ضوءٌ غزيرٌ هطل يومها سالت على إثره الأرصفة والطرقات

صارت حمما

المارة بلغت درجة حرارتهم ٣٩ درجةً ونصف على السواء

القطط ٣٩ وربع

المكيفات ٨١

النوافذ ١٨

-لأنها مررت ٦٣ درجة لسرير الغريبة

وأصيص زهورها البلاستيكية

وخزانة ملابسها

وصورة محمود درويش بالأبيض والأبيض على الجدار-

ومع ذلك حُمت

النوافذ من زجاج

ظل الناس محتجزين في بيوتهم زمنا

لم تبرد الحمم

هطل الضوء أياما متواصلة

الغريبة لم تشهد شيئا كهذا من قبل

النوافذ لأنها حُمت سالت هي الأخرى

الزجاج من رمل

هذا ما قتل ساكنة المدينة:

أبخرة الحمم

أما الغريبةُ، فالزهور:

أنفاس البلاستيك

فيصل الحضرمي شاعر عماني