منذ عدة أشهر يأخذ سعر النفط اتجاها تصاعديا، وقد وصل خلال الأسبوع الحالي إلى مائة دولار أو يزيد، ولا يُعرف بالضبط أين سيقف تصاعده ومتى سيتراجع وعلى أي سعر سيستقر؟
ويعود الاتجاه التصاعدي في سعر النفط حاليا إلى عاملين هما: زيادة الطلب على النفط بفضل التعافي التدريجي للاقتصاد العالمي من آثار جائحة كورونا، والتوتر الكبير في العلاقات الدولية الناتج عن الأزمة الحالية في أوكرانيا، ولا شك أن هذا السبب الأخير هو الأكثر تأثيرا من تأثير التعافي الاقتصادي التدريجي من جائحة كورونا. ومع أنه من المهم أن يكون سعر النفط عادلا ومنصفا للدول المصدرة له، لكن تصاعده بشكل متسارع إلى مستوى مبالغ فيه ستكون له آثار ليست كلها إيجابية، خاصة في الدول التي تستورد معظم احتياجاتها من الخارج. ومن ذلك ما قد يؤدي إليه السعر المبالغ فيه من أثر سلبي على مستوى معيشة الفئات الاجتماعية متوسطة ومنخفضة الدخل. لذلك فإنه لا بد من اتخاذ سياسات مناسبة تسمح بالاستفادة من ارتفاع السعر من جهة، وتجنب تلك الفئات من الناس الآثار السلبية له من جهة أخرى.
كثير من الناس في منطقتنا ينظرون بارتياح إلى أي ارتفاع في سعر النفط، ويرون لارتفاعه منافع مطلقة على اقتصادات المنطقة. مما هو معروف أن تدني سعر النفط في النصف الثاني من العقد الماضي قد أدى إلى تراجع في معدلات النمو الاقتصادي وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي أدى بدوره إلى تراجع في متوسط الدخل الفردي وفي مستوى معيشة جزء كبير من سكان دول المنطقة.
ويعود التراجع في مستوى المعيشة فيما أرى إلى سببين: أحدهما تراجع الفرص الاقتصادية وفرص العمل، وثانيهما السياسات التي اتخذتها الحكومات للحد من الإنفاق، ولزيادة المداخيل الحكومية من خلال زيادة الضرائب والرسوم من أجل التعويض عن الانخفاض في الإيرادات النفطية.
ولسوء الحظ، حدث ذلك التراجع في فترة تتزايد فيها المطالب الشعبية بإيجاد مزيد من فرص العمل للشباب وتحسين جودة الخدمات والبُنى الأساسية، لاسيما في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات البيئية والبلدية. ولذلك لجأت بعض الدول إلى الاقتراض لسد العجز في ميزانيتها مما أدى إلى ارتفاع كبيرة في مديونياتها، وأصبحت تشكل نسبة عالية من الناتج المحلي الإجمالي فيها، الأمر الذي اعتبره البعض خطرا على الاقتصاد وعلى الأمن والاستقرار. وقد كان من نتائج ارتفاع الدين العام ارتفاع المبالغ المخصصة لخدمته في الميزانيات العامة، في مقابل تخفيض أو جمود المبالغ المخصصة للإنفاق التنموي، الأمر الذي أدى إلى آثار عكسية تمثلت في تراجع أو ضعف النمو الاقتصادي وفي الحد من فرص العمل في كافة القطاعات الاقتصادية.
وبينما يرى بعض واضعي السياسات المالية في ارتفاع سعر النفط فرصة لاستخدام عوائده لتخفيض الدَين العام، يرى أصحاب الأعمال والمستثمرون أن ارتفاع سعر النفط قد أحيا آملهم بعودة النشاط والنمو الاقتصادي. ويرى هؤلاء أن ذلك يجب أن يتم من خلال إيقاف السياسات التقشفية وزيادة الإنفاق الإنمائي الحكومي، وعدم فرض المزيد من الرسوم والضرائب.
وحيث إن ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي وزيادة المبالغ المخصصة لخدمته في الميزانية العامة أصبح من الأمور التي تشغل المخططين وواضعي السياسات المالية، فقد جعلوا معالجة ذلك أولوية تسبق أهمية النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. ويحتج المؤيدون للتعجيل بسداد الدَين العام بما يرون أن نسبته من الناتج المحلي قد تجاوزت ٨٠٪ ويعتبرونها نسبة عالية جدا وخطيرة. غير أن آخرين، ومنهم كاتب هذه السطور، يرون أن تلك نسبة معهودة ومألوفة سواء في الدول الصناعية أو النامية، خاصة وأن هذه النسبة تتأرجح صعودا وهبوطا مع الزيادة أو التراجع في الناتج المحلي الإجمالي.
لذلك فإنه في عمان مثلا سيشهد عام ٢٠٢٢ تراجعا في نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي، ليس فقط بسبب سداد جزء منه إلى المقرضين، وإنما السبب الأكثر أهمية هو ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بسبب ارتفاع سعر النفط.
وفي رأيي أن عدم استخدام الزيادة في الإيرادات النفطية، أي عدم زيادة الإنفاق التنموي، سيعني استمرار ضعف النمو الاقتصادي، وسيكبح طموح وآمال رواد الأعمال والعاملين لحسابهم، وسيحد من توليد فرص العمل في القطاعين الحكومي والخاص. أما الاقتراض فهو في رأيي جزء من إدارة التنمية، ويجب أن يستمر لأغراض تنموية ومالية.
إن الارتفاع المفرط في سعر النفط سيؤدي قطعا إلى ارتفاع بنسبة أعلى في أسعار كثير من السلع والخدمات، لاسيما السلع المصنعة. وفي الغالب سيبقى سعر هذه السلع مرتفعا ولن ينخفض في الأمد المنظور، حتى ولو هوى سعر النفط إلى الحضيض. ذلك لأن ارتفاعه بصورة حادة سيؤدي إليه ارتفاع حاد وزيادة كبيرة في تكاليف الإنتاج والشحن، وستكون لذلك آثار سلبية، خاصة في البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من الخارج. وسيطال ذلك كثيرا من السلع، سواء كانت غذائية أواستهلاكية، أو سلعا معمرة مثل السيارات والمعدات والأجهزة المنزلية، أو مواد البناء، مما سيزيد من معاناة الأسر متوسطة الدخل.
في عمان يشكل أصحاب الدخول المتوسطة، الغالبية العظمى من السكان، ويضاف إليهم الباحثون عن عمل الذين يعتمدون في تدبير احتياجاتهم اليومية على أسرهم أو على الاقتراض من أصدقائهم. ولتأكيد رأينا أن هذه الفئة من المواطنين ستكون الأكثر تأثرا بسلبيات ارتفاع سعر النفط، نرجع إلى بعض الإحصاءات عن عام ٢٠٢٠، حسبما وردت في النشرات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. تذكر تلك الإحصاءات أن الناتج المحلي الإجمالي بلغ حوالي ٣٣.٧ مليار ريال عماني، وبلغ متوسط نصيب الفرد منه ٦.٣ ألف ريال عماني سنويا. وحيث إن الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص والمتقاعدين يشكلون الغالبية العظمى من فئة أصحاب الدخول المتوسطة، فإنه من المفيد هنا النظر إلى بعض المعلومات والمؤشرات الإحصائية عنهم، فقد بلغ إجمالي عدد العاملين في القطاعين حوالي ٤٣١ ألف موظف وعامل، ولا تتوفر لدينا تفاصيل عن إجمالي أجورهم ورواتبهم. أما المتقاعدون من القطاعين الحكومي والخاص فإن عددهم حوالي ١٢٠ ألف متقاعد، وبلغت جملة معاشاتهم التقاعدية السنوية حوالي ٦٦٢ مليون ريال عماني، أي أن متوسط الراتب الشهري للمتقاعد كان حوالي ٤٦٠ ريالا عمانيا أو يزيد قليلا.
أن الأكثرية من الموظفين والعمال والمتقاعدين يعتمدون بشكل كبير-إن لم يكن بشكل كلي- على أجورهم ورواتبهم، وأنهم بالإضافة إلى إعالة أسرهم فإن بعضهم يقدم العون لأقاربهم. ولما كانت الدخول منخفضة والإعالة كبيرة، فإنه لا بد من إيجاد بعض الحلول، التي منها توجيه جزء مهم من "الفائض" في الميزانية نحو مزيد من الإنفاق التنموي. وأقصد بالفائض الزيادة في الإيرادات الفعلية عما كان مخططا لها عند وضع الميزانية، كما أقصد بالإنفاق التنموي ذلك الذي يوجه نحو المشاريع التي لها أثر مضاعف كبير ومولدة لفرص العمل، وكذلك لتحسين بعض الخدمات الأساسية، حتى لا يزيد عدد المواطنين من ذوي الدخول المتوسطة والمنخفضة الذين يضطرون إلى اللجوء إلى المؤسسات الخاصة، مثل المستشفيات والمدارس الخاصة وهي مؤسسات بعضها يقدم خدمات بتكاليف باهظة. وفي كل الأحوال فإن قرار توجيه الفوائض النفطية يجب أن يبنى على دراسة دقيقة لآثارها الاقتصادية والاجتماعية وليس فقط على اجتهادات تنصب على الجوانب المالية من أجل سداد الديون.
وبالإضافة إلى أهمية توجيه المزيد من الموارد نحو المشاريع الإنمائية، فإنه يجب التخفيف من الإجراءات المفروضة لترخيص الأعمال، وكذلك تخفيض الرسوم خاصة في بعض القطاعات الأساسية، مثل قطاع الزراعة، وكذلك تسهيل التمويل للمشاريع الجادة، من أجل مساعدة المواطنين على تحسين مستوى معيشتهم. وبدون ذلك لن يكون لارتفاع سعر النفط آثار إيجابية على المجتمع، بل قد يكون نصيب غالبية المواطنين منها الغلاء وارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية.
د. عبدالملك بن عبدالله الهنائي باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية.
ويعود الاتجاه التصاعدي في سعر النفط حاليا إلى عاملين هما: زيادة الطلب على النفط بفضل التعافي التدريجي للاقتصاد العالمي من آثار جائحة كورونا، والتوتر الكبير في العلاقات الدولية الناتج عن الأزمة الحالية في أوكرانيا، ولا شك أن هذا السبب الأخير هو الأكثر تأثيرا من تأثير التعافي الاقتصادي التدريجي من جائحة كورونا. ومع أنه من المهم أن يكون سعر النفط عادلا ومنصفا للدول المصدرة له، لكن تصاعده بشكل متسارع إلى مستوى مبالغ فيه ستكون له آثار ليست كلها إيجابية، خاصة في الدول التي تستورد معظم احتياجاتها من الخارج. ومن ذلك ما قد يؤدي إليه السعر المبالغ فيه من أثر سلبي على مستوى معيشة الفئات الاجتماعية متوسطة ومنخفضة الدخل. لذلك فإنه لا بد من اتخاذ سياسات مناسبة تسمح بالاستفادة من ارتفاع السعر من جهة، وتجنب تلك الفئات من الناس الآثار السلبية له من جهة أخرى.
كثير من الناس في منطقتنا ينظرون بارتياح إلى أي ارتفاع في سعر النفط، ويرون لارتفاعه منافع مطلقة على اقتصادات المنطقة. مما هو معروف أن تدني سعر النفط في النصف الثاني من العقد الماضي قد أدى إلى تراجع في معدلات النمو الاقتصادي وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي أدى بدوره إلى تراجع في متوسط الدخل الفردي وفي مستوى معيشة جزء كبير من سكان دول المنطقة.
ويعود التراجع في مستوى المعيشة فيما أرى إلى سببين: أحدهما تراجع الفرص الاقتصادية وفرص العمل، وثانيهما السياسات التي اتخذتها الحكومات للحد من الإنفاق، ولزيادة المداخيل الحكومية من خلال زيادة الضرائب والرسوم من أجل التعويض عن الانخفاض في الإيرادات النفطية.
ولسوء الحظ، حدث ذلك التراجع في فترة تتزايد فيها المطالب الشعبية بإيجاد مزيد من فرص العمل للشباب وتحسين جودة الخدمات والبُنى الأساسية، لاسيما في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات البيئية والبلدية. ولذلك لجأت بعض الدول إلى الاقتراض لسد العجز في ميزانيتها مما أدى إلى ارتفاع كبيرة في مديونياتها، وأصبحت تشكل نسبة عالية من الناتج المحلي الإجمالي فيها، الأمر الذي اعتبره البعض خطرا على الاقتصاد وعلى الأمن والاستقرار. وقد كان من نتائج ارتفاع الدين العام ارتفاع المبالغ المخصصة لخدمته في الميزانيات العامة، في مقابل تخفيض أو جمود المبالغ المخصصة للإنفاق التنموي، الأمر الذي أدى إلى آثار عكسية تمثلت في تراجع أو ضعف النمو الاقتصادي وفي الحد من فرص العمل في كافة القطاعات الاقتصادية.
وبينما يرى بعض واضعي السياسات المالية في ارتفاع سعر النفط فرصة لاستخدام عوائده لتخفيض الدَين العام، يرى أصحاب الأعمال والمستثمرون أن ارتفاع سعر النفط قد أحيا آملهم بعودة النشاط والنمو الاقتصادي. ويرى هؤلاء أن ذلك يجب أن يتم من خلال إيقاف السياسات التقشفية وزيادة الإنفاق الإنمائي الحكومي، وعدم فرض المزيد من الرسوم والضرائب.
وحيث إن ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي وزيادة المبالغ المخصصة لخدمته في الميزانية العامة أصبح من الأمور التي تشغل المخططين وواضعي السياسات المالية، فقد جعلوا معالجة ذلك أولوية تسبق أهمية النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. ويحتج المؤيدون للتعجيل بسداد الدَين العام بما يرون أن نسبته من الناتج المحلي قد تجاوزت ٨٠٪ ويعتبرونها نسبة عالية جدا وخطيرة. غير أن آخرين، ومنهم كاتب هذه السطور، يرون أن تلك نسبة معهودة ومألوفة سواء في الدول الصناعية أو النامية، خاصة وأن هذه النسبة تتأرجح صعودا وهبوطا مع الزيادة أو التراجع في الناتج المحلي الإجمالي.
لذلك فإنه في عمان مثلا سيشهد عام ٢٠٢٢ تراجعا في نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي، ليس فقط بسبب سداد جزء منه إلى المقرضين، وإنما السبب الأكثر أهمية هو ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بسبب ارتفاع سعر النفط.
وفي رأيي أن عدم استخدام الزيادة في الإيرادات النفطية، أي عدم زيادة الإنفاق التنموي، سيعني استمرار ضعف النمو الاقتصادي، وسيكبح طموح وآمال رواد الأعمال والعاملين لحسابهم، وسيحد من توليد فرص العمل في القطاعين الحكومي والخاص. أما الاقتراض فهو في رأيي جزء من إدارة التنمية، ويجب أن يستمر لأغراض تنموية ومالية.
إن الارتفاع المفرط في سعر النفط سيؤدي قطعا إلى ارتفاع بنسبة أعلى في أسعار كثير من السلع والخدمات، لاسيما السلع المصنعة. وفي الغالب سيبقى سعر هذه السلع مرتفعا ولن ينخفض في الأمد المنظور، حتى ولو هوى سعر النفط إلى الحضيض. ذلك لأن ارتفاعه بصورة حادة سيؤدي إليه ارتفاع حاد وزيادة كبيرة في تكاليف الإنتاج والشحن، وستكون لذلك آثار سلبية، خاصة في البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من الخارج. وسيطال ذلك كثيرا من السلع، سواء كانت غذائية أواستهلاكية، أو سلعا معمرة مثل السيارات والمعدات والأجهزة المنزلية، أو مواد البناء، مما سيزيد من معاناة الأسر متوسطة الدخل.
في عمان يشكل أصحاب الدخول المتوسطة، الغالبية العظمى من السكان، ويضاف إليهم الباحثون عن عمل الذين يعتمدون في تدبير احتياجاتهم اليومية على أسرهم أو على الاقتراض من أصدقائهم. ولتأكيد رأينا أن هذه الفئة من المواطنين ستكون الأكثر تأثرا بسلبيات ارتفاع سعر النفط، نرجع إلى بعض الإحصاءات عن عام ٢٠٢٠، حسبما وردت في النشرات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. تذكر تلك الإحصاءات أن الناتج المحلي الإجمالي بلغ حوالي ٣٣.٧ مليار ريال عماني، وبلغ متوسط نصيب الفرد منه ٦.٣ ألف ريال عماني سنويا. وحيث إن الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص والمتقاعدين يشكلون الغالبية العظمى من فئة أصحاب الدخول المتوسطة، فإنه من المفيد هنا النظر إلى بعض المعلومات والمؤشرات الإحصائية عنهم، فقد بلغ إجمالي عدد العاملين في القطاعين حوالي ٤٣١ ألف موظف وعامل، ولا تتوفر لدينا تفاصيل عن إجمالي أجورهم ورواتبهم. أما المتقاعدون من القطاعين الحكومي والخاص فإن عددهم حوالي ١٢٠ ألف متقاعد، وبلغت جملة معاشاتهم التقاعدية السنوية حوالي ٦٦٢ مليون ريال عماني، أي أن متوسط الراتب الشهري للمتقاعد كان حوالي ٤٦٠ ريالا عمانيا أو يزيد قليلا.
أن الأكثرية من الموظفين والعمال والمتقاعدين يعتمدون بشكل كبير-إن لم يكن بشكل كلي- على أجورهم ورواتبهم، وأنهم بالإضافة إلى إعالة أسرهم فإن بعضهم يقدم العون لأقاربهم. ولما كانت الدخول منخفضة والإعالة كبيرة، فإنه لا بد من إيجاد بعض الحلول، التي منها توجيه جزء مهم من "الفائض" في الميزانية نحو مزيد من الإنفاق التنموي. وأقصد بالفائض الزيادة في الإيرادات الفعلية عما كان مخططا لها عند وضع الميزانية، كما أقصد بالإنفاق التنموي ذلك الذي يوجه نحو المشاريع التي لها أثر مضاعف كبير ومولدة لفرص العمل، وكذلك لتحسين بعض الخدمات الأساسية، حتى لا يزيد عدد المواطنين من ذوي الدخول المتوسطة والمنخفضة الذين يضطرون إلى اللجوء إلى المؤسسات الخاصة، مثل المستشفيات والمدارس الخاصة وهي مؤسسات بعضها يقدم خدمات بتكاليف باهظة. وفي كل الأحوال فإن قرار توجيه الفوائض النفطية يجب أن يبنى على دراسة دقيقة لآثارها الاقتصادية والاجتماعية وليس فقط على اجتهادات تنصب على الجوانب المالية من أجل سداد الديون.
وبالإضافة إلى أهمية توجيه المزيد من الموارد نحو المشاريع الإنمائية، فإنه يجب التخفيف من الإجراءات المفروضة لترخيص الأعمال، وكذلك تخفيض الرسوم خاصة في بعض القطاعات الأساسية، مثل قطاع الزراعة، وكذلك تسهيل التمويل للمشاريع الجادة، من أجل مساعدة المواطنين على تحسين مستوى معيشتهم. وبدون ذلك لن يكون لارتفاع سعر النفط آثار إيجابية على المجتمع، بل قد يكون نصيب غالبية المواطنين منها الغلاء وارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية.
د. عبدالملك بن عبدالله الهنائي باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية.