يُكابد الكاتب العماني والفنان في السنوات الأخيرة انطفاء هامش الجوائز المحلية بعد أن توقفتْ مهرجانات الشعر والمسرح والملتقيات الأدبية التي كانت تفرز لنا تجارب جديدة وحيوية من عام لآخر، فقد كانت تُشكل حيزًا جيدًا لتلاقي الأفكار والسجالات كما تُشكل بُعدًا ماديًا للفائزين، ولا ندري إن كان ثمّة ارتباط حقيقي بين «كوفيد-19»، وهذا التوقف، إذ يبدو أنّ بعضها -أي الملتقيات والمهرجات- قد توقف قبل الوباء بسنوات!

هنالك من قال: «الكتابة هي المكافأة»، ولعلنا لا نختلف حول ذلك، ولكن الكاتب يبقى أيضا مُنتظرًا لجوائز رصينة تُقدمه لشريحة أوسع من القراء، وتعينه على مشاق الحياة، فلولا الجوائز العالمية والعربية المُهمة لفاتنا أن نعرف العديد من الأسماء والأعمال اللافتة، إذ يبدو الأمر -في شقه الإيجابي- وكأننا ننتشل جوهرة من الوحل.

وإن كنا نتفق على أنّ الجائزة لا تصنع كاتبًا جيدًا ولا فنانا مُحترما، لكنها يمكن أن تُضيء الدرب أمام موهبة مغمورة، ولنا أن نذكر عشرات الأسماء العُمانية الحاضرة اليوم على الساحة باعتبارها نتاج مسابقات، فما أن تفوز حتى يتلقفها الإعلام، ثم المشاركات الخارجية في عملية مُتصلة لا تهدأ.

ويمكن أيضًا للمسابقات والمهرجانات أن تنقذ جيلا من الشباب الجدد من حالة الإحباط والضياع، فبعضهم ليسوا على يقين تام من جدوى اشتغالاتهم، ويتخبطون في العديد من الأسئلة، فيغدو التقاؤهم السنوي مع تجارب أنضج قليلا وأكثر دراية بخبايا الدرب لحظة فارقة ولا تقدر بثمن بالنسبة لهم.

هنالك من يرى الجوائز تقديرًا للأدب الرفيع، وهنالك من يراها قتالا شرسا وعنيفا، هنالك من يراها انتصارًا للجوهري، وهنالك من يراها ترويجًا زائفًا لأنّها في جذرها العميق قائمة على نمط مُعقد من العلاقات والمصالح.

هنالك من يراها شهرة ونجومية على طبق من ذهب، وهنالك من يُرهن ارتباطَها بذوق محدود للجان التحكيم، ولكن بما أنّ أكثر الجوائز قدما ورسوخا مثل «نوبل» لم تسلم من الاتهامات والتشكيك، فالأمر طبيعي كما يبدو.

وإذا استثنينا جائزة السلطان قابوس للآداب والفنون -والتي توقفت هي الأخرى-، فكل ما كان بحوزتنا هي جوائز مُتشرذمة ومتفرقة تقف وراءها المؤسسة الرسمية جوار مؤسسات المجتمع المدني، وأمام تدافع النشر وظهور جيل نشط ومغامر في أشكال الكتابة والفن، نجد أنفسنا في أمس الحاجة لتحريض التنافسية ودينمو الاستمرارية بينهم، فهناك جوائز قدّمت لنا كُتّابا فريدين من نوعهم ربما لم نكن لنلتفت لهم لولا أنّهم حملوا اسم الجائزة فأعطوا الجائزة معنى، وبالمقابل لا ننكر أيضا وجود نوع آخر من الكُتاب الذين يكتبون لأجل الجوائز فحسب، فيظنون أنّها تصنع منهم شيئا! فلطالما لعبتْ الجوائز دورا مُلتبسا بين أن تُظهر لنا الجوهري والعميق، أو أن تسمح للذوق العام أن يضيع وسط الرداءة.

ويبقى أن نتساءل: هل يمكن للأديب أن يتملص من حاجته للجوائز ببعديها المادي والنفسي، وهل يمكنه أن يُشكل قاعدة قرائية دون جوائز؟.

لا نعرف إن كان العماني يميل للخروج من عباءة جائزة عربية أكثر من جائزة محلية، لأسباب تتعلق بحيز الانتشار ولأسباب مرتبطة بالبعد المادي أو لأنّنا لا تتوفر لدينا جوائز محلية سنوية وثابتة للآداب والفنون، تشمل كافة المجالات من قبيل ما يُسمى بجائزة الدولة للكتاب والفنانين الراسخين جوار التجارب الشابة والجديدة.

وكما يبدو تلزمنا خطة متكاملة ورصينة للاشتغال على صناعة الحالة الثقافية، فبحوزتنا ما هو أبقى -وأعني المواهب- ولكن ينقصنا ما ينبغي أن يأتي بعد الموهبة وأعني الانتشال والترويج والتسويق، إذ لا يمكن أن نُرهن الأمر على عمل أفراد كما هو حاصل الآن.

نأمل أن تكون سنوات التوقف هذه هي استراحة المحارب التي تُعيد لنا الملتقيات والمهرجانات الأدبية والفنية بصورة جديدة، تُعيد خارطة الجوائز التي تُحدث فرقا نراهن عليه.