صعقت وأنا أجد طقم الشاي الجديد ملقيا في فناء المنزل وسط معدات البناء لعمال الصيانة الذين كانوا يعملون في منزلي، توجهت على الفور للمطبخ باحثة عن تفسير من (توما) عن سبب وجوده هناك، أجابت بكل براءة قدمت فيه الشاي للعمال كما وجهتيني، أجبت بأنني طلبت منك تقديم الشاي لهم لكن ليس في طقم الضيوف الجديد، شددت طبعا عليها بعدم إخراج الطقم الفاخر هذا إلا بإذن مني وانصرفت.

(توما) طبعًا ليست من العاملات اللائي من الممكن أن تفوت أمرا بدون أن تعرف السبب وراؤه، والدفاع عن وجهة نظرها، لذا وجدت في هاتفي وقبل وصولي لغرفتي رسالة صوتية طويلة تبرر فيها ما فعلت قائلة: قلت لي أن هذا الطقم للضيوف، وأمي علمتني بأن لا أفرق بين الضيوف، ما أدراك أن الله لم يتجسد لنا على هيئة عامل بسيط ليمتحن إيماننا، وإخلاصنا في العطاء، الضيف ليس ضيفك هو ضيف الله.

«إذا عرف السبب بطل العجب» نحن نقف في زوايا مختلفة للمشهد أحيانا، ويتوجب أن نرى الصورة من الزاوية التي يقف فيها الطرف الثاني، هذا الدرس ودروس أخرى علمتني إياها النساء اللائي يعملن في منزلي عبر عقود من الزمن.

كلانا تبدر منا تصرفات تبدو للأخرى (غبية) لأن كل منا تقف في زاوية مختلفة من المشهد، وتبني حكمها بناء على ثقافة ومعتقد وتجارب مختلفة تماما، نحن نأتي بهؤلاء النساء من مجتمعات بعيدة كل البعد عن مجتمعاتنا، وعادات مختلفة عن عاداتنا، بدءًا من ثقافة الملبس والمأكل وحتى التعاملات مع الآخر، شخصيا تعلمت بعد إخفاقات كثيرة هذا الدرس، وأن عليّ أن أشرح السبب وراء كل التعليمات التي أعطيها للعاملة، حتى أدفع عن نفسي تهمة الغباء بالدرجة الأولى، عندما أطلب منها تنفيذ أعمال غير منطقية بالنسبة لها، مثل ارتداء الملابس المحتشمة أمام الضيوف وخاصة العمال، أو الهدف من تنظيف الغبار من على الأثاث الذي أغضب (فيونا) يوما مني، وجعلها تشتكيني إلى زوجي بتهمة محاولة تعجيزها بإجبارها على نفض الغبار الذي في كل الأحوال سيعود غدا، حتى لو طردته.

هذا يسري على كل التعاملات مع الناس، حتى تمضي بنا الحياة، يتوجب أن نجد للآخر العذر قبل إصدار أحكامنا القاسية عليه، من أجل أن تسير عربة الحياة بدون مطبات لكلانا، درس ما فتئت تعلمنيه الحياة، وما زلت أرسب فيه أحيانا رغم مذاكرتي المستمرة.

حمده بنت سعيد الشامسية

hamdahus@yahoo.com