ترجمة : قاسم مكي
التهديد بغزو روسيٍّ واسع النطاق لأوكرانيا وَضَعَ الولاياتِ المتحدة وحليفاتها الأوروبيات في حالة استنفار قصوى. أحد أسباب ذلك احتمالُ تعرض سوق الطاقة الأوروبي التي لا تزال تعتمد بشدة على إمدادات النفط والغاز الروسية إلى اختلالات كبرى.
الاعتداء على أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى إلغاء مشروعات معلقة من بينها خط الأنابيب «نورد ستريم 2» الذي ينقل الغاز إلى ألمانيا. في هذه الأثناء، هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتقييد صادرات الطاقة.
وفي مسعى للتخفيف من مثل هذه الأزمة (في حال وقوعها) يقود البيت الأبيض جهودًا لإعادة توجيه إمدادات الطاقة نحو أوروبا. لكن الخبراء يقولون إن أي حل ستكون له تكلفة مؤلمة.
ما هو وضع إمدادات الطاقة الروسية؟
روسيا بلد عملاق في مجال الطاقة، فهي ثالث أكبر منتج للنفط وثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي، وحسب بعض التقديرات تشكل موارد الوقود الأحفوري (النفط والغاز) 14% من الناتج الاقتصادي في روسيا وأكثر من 40% من إيرادات الموازنة الفيدرالية.
في السنوات الأخيرة استخدمت روسيا إيرادات صادراتها من النفط والغاز لتكوين احتياطيات من العملة الصعبة بلغت حوالي 630 بليون دولار. ففي عام 2021 مثلا حقق الكرملين التوازن بين نفقات وإيرادات الموازنة عند توقع منخفض نسبيا لسعر النفط (سعر التعادل) بلغ 45 دولارا للبرميل. وفي ذلك العام اقترب متوسط الأسعار من 70 دولارا للبرميل.
هذه المقاربة المالية المحافظة، كما يشير المؤرخ الاقتصادي آدم تُوز، مكَّنت بوتين إلى حد بعيد من حماية حكومته من آثار العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا بعد ضمها القرم في عام 2014.
يذهب الكثير من الإنتاج الروسي لمقابلة الطلب الأوروبي خصوصا الغاز الطبيعي الذي يصدر عبر شبكة من الأنابيب تعود إلى الحقبة السوفييتية وتعبر أوكرانيا وبلدان شرق أوروبية أخرى.
وسعت موسكو إلى بناء خطوط أنابيب جديدة تتخطى شبكاتها القديمة من بينها نورد ستريم 2 الإشكالي. كما صادقت أيضا على إنشاء خط أنابيب جديد لنقل الغاز إلى الصين على الرغم من أن مبيعاتها هناك لا تزال ضئيلة قياسا بحجم مبيعاتها الأوروبية.
إلى أي حد تعتمد أوروبا على الموارد الروسية؟
يوجد اعتماد متبادل، فالكرملين يعتمد على الإيرادات التي يحصل عليها من أوروبا فيما تعتمد أوروبا على وارداتها من روسيا، لكن محللين عديدين يقولون اعتماد أوروبا يعني أن فرض عقوبات أشد على روسيا يخاطر بالتقليل إلى حد الخطورة من إمداداتها من موارد الطاقة.
إجمالا، تزود روسيا أوروبا بحوالي ثلث استهلاكها من الغاز الطبيعي والذي يستخدم للتدفئة في الشتاء وأيضا في توليد الكهرباء والإنتاج الصناعي. كما يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى روسيا للحصول على أكثر من ربع وارداته النفطية، وهي بذلك تشكل أكبر مصدر منفرد للطاقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
بعض دول الاتحاد الأوروبي أكثر اعتمادا على روسيا من أخرى. فالبرتغال وإسبانيا تستخدمان موارد روسية قليلة فيما تحصل ألمانيا -صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي- من روسيا على أكثر من نصف إمداداتها من الغاز الطبيعي وأكثر من 30% من وارداتها النفطية.
وتحصل فرنسا على معظم استهلاكها من الكهرباء من الطاقة النووية، لكنها رغما عن ذلك تعتمد على الواردات الروسية لمقابلة احتياجاتها من الوقود الأحفوري، ويقول المحللون إن خطط ألمانيا والبلدان الأخرى للتخلي التدريجي عن الطاقة النووية والفحم الحجري قد تزيد من هذا الاعتماد على الواردات الروسية.
كيف يمكن أن يغير خط أنابيب نورد ستريم 2 هذه العلاقة؟
نورد ستريم 2 امتداد لخط الأنابيب نورد ستريم الأصلي الذي اكتمل في عام 2011. وهو ينقل الغاز الطبيعي من شمال غرب روسيا عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا مباشرة.
صادقت حكومة ألمانيا على إنشاء نورد ستريم 2 في عام 2018 واكتمل تشييده في سبتمبر 2021. لكن تدشينه واجه تأجيلات إجرائية ومراجعة سياسية متجددة وسط توترات غربية متصاعدة مع روسيا.
إذا حصل نورد ستريم 2 على التصديق بتشغيله سيسمح بنقل المزيد من صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا دون المرور بأوكرانيا وبلدان العبور الأخرى الحالية. وكان هذا مثارا للجدل منذ البداية، فمنتقدو المشروع بمن فيهم واشنطن حذروا من أنه يعزز من نفوذ روسيا في مواجهة البلدان الأوروبية، ويمكن أن يزيد من حدة الانقسامات السياسية حول كيفية الرد على العدوان الروسي.
كما تشعر بلدان أوروبية شرقية مثل بولندا وأوكرانيا بالقلق من أن نورد ستريم 2 سيحرمها من بلايين الدولارات التي تحصل عليها سنويا في شكل رسوم عبور ويضعها بقدر أكبر تحت رحمة روسيا.
في نظر العديد من المراقبين، تضخمت هذه الأخطار مرة أخرى في أواخر 2021 عندما امتنعت روسيا عن تصدير إمدادات إضافية من الغاز وسط تصاعد الطلب على الطاقة. وكانت النتيجة ارتفاع الأسعار إلى ثلاثة أضعاف واحتمال نقص الإمدادات حول أوروبا. بالنسبة لفرنسا أكدت تلك الواقعة معقولية دفاعها منذ فترة طويلة عن الطاقة النووية
ما الذي سيحدث؟
القادة الأمريكيون والأوروبيون قلقون خصوصًا من أن تلحق اختلالات كبرى بالإمدادات إذا حدث غزو روسي شامل لأوكرانيا. وذكرت الحكومة الألمانية أنها قد تلغي مشروع نورد ستريم 2 تماما في هذه الحال.
لكن مثل هذه الخطوة ستشكل تحديًا كبيرًا. فكيف يمكن الاستمرار في تزويد أوروبا بالوقود وفي ذات الوقت معاقبة روسيا؟
وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بفرض «تكلفة قاسية»على روسيا إذا غزت أوكرانيا بما في ذلك فصل البنوك الروسية عن النظام المالي العالمي. لكن إذا ردَّ بوتين بوقف إمدادات الغاز قد يقود ذلك إلى المزيد من الارتفاع في أسعار الطاقة وإلى تصاعد التضخم وتقويض التعافي الاقتصادي الأوروبي.
الجهود تمضي على قدم وساق لدعم احتياجات الطاقة الأوروبية. فأوروبا لديها ما يغطي حوالي شهر من الغاز الاحتياطي لأوقات الأزمات. وهو أقل كمية من الغاز التي يلزم لأوروبا تخزينها ويمكنها أن تسحب منها في الأحوال الطارئة. إضافة إلى ذلك هنالك الإمدادات التي تغطي طلب 9 أسابيع تقريبا ويحتفظ بها في العادة الموردون التجاريون. كما يقود البيت الأبيض جهودا للحصول على إمدادات إضافية من الغاز الطبيعي. لقد أعانت مقاربة مماثلة على إمداد اليابان باحتياجاتها في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية.
لكن المحللين يقولون إن الإمدادات العالمية في معظمها محجوزة (اتفق على شرائها سلفا) وأنه حتى إذا أمكن لمثل هذه الإجراءات حل الأزمة الحادة في الأجل القصير إلا أن التكلفة ستكون مرتفعة.
ترجِّح آمي مايرز جافي وهي زميلة سابقة بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن «تجد أوروبا حلا» في حال الوقف الكامل لصادرات الغاز الروسي.
تقول جافي يمكن للمنتجين تحويل وجهة بعض شحنات الغاز الطبيعي المسال أو زيادة النسبة التي يشكلها الفحم الحجري أو المصادر الأخرى في مزيج الطاقة. «لكنها تحذر من أن ذلك سيزيد من تكلفة الطاقة للمستهلكين الأوروبيين».
جيمس مكبرايد مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي
التهديد بغزو روسيٍّ واسع النطاق لأوكرانيا وَضَعَ الولاياتِ المتحدة وحليفاتها الأوروبيات في حالة استنفار قصوى. أحد أسباب ذلك احتمالُ تعرض سوق الطاقة الأوروبي التي لا تزال تعتمد بشدة على إمدادات النفط والغاز الروسية إلى اختلالات كبرى.
الاعتداء على أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى إلغاء مشروعات معلقة من بينها خط الأنابيب «نورد ستريم 2» الذي ينقل الغاز إلى ألمانيا. في هذه الأثناء، هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتقييد صادرات الطاقة.
وفي مسعى للتخفيف من مثل هذه الأزمة (في حال وقوعها) يقود البيت الأبيض جهودًا لإعادة توجيه إمدادات الطاقة نحو أوروبا. لكن الخبراء يقولون إن أي حل ستكون له تكلفة مؤلمة.
ما هو وضع إمدادات الطاقة الروسية؟
روسيا بلد عملاق في مجال الطاقة، فهي ثالث أكبر منتج للنفط وثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي، وحسب بعض التقديرات تشكل موارد الوقود الأحفوري (النفط والغاز) 14% من الناتج الاقتصادي في روسيا وأكثر من 40% من إيرادات الموازنة الفيدرالية.
في السنوات الأخيرة استخدمت روسيا إيرادات صادراتها من النفط والغاز لتكوين احتياطيات من العملة الصعبة بلغت حوالي 630 بليون دولار. ففي عام 2021 مثلا حقق الكرملين التوازن بين نفقات وإيرادات الموازنة عند توقع منخفض نسبيا لسعر النفط (سعر التعادل) بلغ 45 دولارا للبرميل. وفي ذلك العام اقترب متوسط الأسعار من 70 دولارا للبرميل.
هذه المقاربة المالية المحافظة، كما يشير المؤرخ الاقتصادي آدم تُوز، مكَّنت بوتين إلى حد بعيد من حماية حكومته من آثار العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا بعد ضمها القرم في عام 2014.
يذهب الكثير من الإنتاج الروسي لمقابلة الطلب الأوروبي خصوصا الغاز الطبيعي الذي يصدر عبر شبكة من الأنابيب تعود إلى الحقبة السوفييتية وتعبر أوكرانيا وبلدان شرق أوروبية أخرى.
وسعت موسكو إلى بناء خطوط أنابيب جديدة تتخطى شبكاتها القديمة من بينها نورد ستريم 2 الإشكالي. كما صادقت أيضا على إنشاء خط أنابيب جديد لنقل الغاز إلى الصين على الرغم من أن مبيعاتها هناك لا تزال ضئيلة قياسا بحجم مبيعاتها الأوروبية.
إلى أي حد تعتمد أوروبا على الموارد الروسية؟
يوجد اعتماد متبادل، فالكرملين يعتمد على الإيرادات التي يحصل عليها من أوروبا فيما تعتمد أوروبا على وارداتها من روسيا، لكن محللين عديدين يقولون اعتماد أوروبا يعني أن فرض عقوبات أشد على روسيا يخاطر بالتقليل إلى حد الخطورة من إمداداتها من موارد الطاقة.
إجمالا، تزود روسيا أوروبا بحوالي ثلث استهلاكها من الغاز الطبيعي والذي يستخدم للتدفئة في الشتاء وأيضا في توليد الكهرباء والإنتاج الصناعي. كما يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى روسيا للحصول على أكثر من ربع وارداته النفطية، وهي بذلك تشكل أكبر مصدر منفرد للطاقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
بعض دول الاتحاد الأوروبي أكثر اعتمادا على روسيا من أخرى. فالبرتغال وإسبانيا تستخدمان موارد روسية قليلة فيما تحصل ألمانيا -صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي- من روسيا على أكثر من نصف إمداداتها من الغاز الطبيعي وأكثر من 30% من وارداتها النفطية.
وتحصل فرنسا على معظم استهلاكها من الكهرباء من الطاقة النووية، لكنها رغما عن ذلك تعتمد على الواردات الروسية لمقابلة احتياجاتها من الوقود الأحفوري، ويقول المحللون إن خطط ألمانيا والبلدان الأخرى للتخلي التدريجي عن الطاقة النووية والفحم الحجري قد تزيد من هذا الاعتماد على الواردات الروسية.
كيف يمكن أن يغير خط أنابيب نورد ستريم 2 هذه العلاقة؟
نورد ستريم 2 امتداد لخط الأنابيب نورد ستريم الأصلي الذي اكتمل في عام 2011. وهو ينقل الغاز الطبيعي من شمال غرب روسيا عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا مباشرة.
صادقت حكومة ألمانيا على إنشاء نورد ستريم 2 في عام 2018 واكتمل تشييده في سبتمبر 2021. لكن تدشينه واجه تأجيلات إجرائية ومراجعة سياسية متجددة وسط توترات غربية متصاعدة مع روسيا.
إذا حصل نورد ستريم 2 على التصديق بتشغيله سيسمح بنقل المزيد من صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا دون المرور بأوكرانيا وبلدان العبور الأخرى الحالية. وكان هذا مثارا للجدل منذ البداية، فمنتقدو المشروع بمن فيهم واشنطن حذروا من أنه يعزز من نفوذ روسيا في مواجهة البلدان الأوروبية، ويمكن أن يزيد من حدة الانقسامات السياسية حول كيفية الرد على العدوان الروسي.
كما تشعر بلدان أوروبية شرقية مثل بولندا وأوكرانيا بالقلق من أن نورد ستريم 2 سيحرمها من بلايين الدولارات التي تحصل عليها سنويا في شكل رسوم عبور ويضعها بقدر أكبر تحت رحمة روسيا.
في نظر العديد من المراقبين، تضخمت هذه الأخطار مرة أخرى في أواخر 2021 عندما امتنعت روسيا عن تصدير إمدادات إضافية من الغاز وسط تصاعد الطلب على الطاقة. وكانت النتيجة ارتفاع الأسعار إلى ثلاثة أضعاف واحتمال نقص الإمدادات حول أوروبا. بالنسبة لفرنسا أكدت تلك الواقعة معقولية دفاعها منذ فترة طويلة عن الطاقة النووية
ما الذي سيحدث؟
القادة الأمريكيون والأوروبيون قلقون خصوصًا من أن تلحق اختلالات كبرى بالإمدادات إذا حدث غزو روسي شامل لأوكرانيا. وذكرت الحكومة الألمانية أنها قد تلغي مشروع نورد ستريم 2 تماما في هذه الحال.
لكن مثل هذه الخطوة ستشكل تحديًا كبيرًا. فكيف يمكن الاستمرار في تزويد أوروبا بالوقود وفي ذات الوقت معاقبة روسيا؟
وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بفرض «تكلفة قاسية»على روسيا إذا غزت أوكرانيا بما في ذلك فصل البنوك الروسية عن النظام المالي العالمي. لكن إذا ردَّ بوتين بوقف إمدادات الغاز قد يقود ذلك إلى المزيد من الارتفاع في أسعار الطاقة وإلى تصاعد التضخم وتقويض التعافي الاقتصادي الأوروبي.
الجهود تمضي على قدم وساق لدعم احتياجات الطاقة الأوروبية. فأوروبا لديها ما يغطي حوالي شهر من الغاز الاحتياطي لأوقات الأزمات. وهو أقل كمية من الغاز التي يلزم لأوروبا تخزينها ويمكنها أن تسحب منها في الأحوال الطارئة. إضافة إلى ذلك هنالك الإمدادات التي تغطي طلب 9 أسابيع تقريبا ويحتفظ بها في العادة الموردون التجاريون. كما يقود البيت الأبيض جهودا للحصول على إمدادات إضافية من الغاز الطبيعي. لقد أعانت مقاربة مماثلة على إمداد اليابان باحتياجاتها في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية.
لكن المحللين يقولون إن الإمدادات العالمية في معظمها محجوزة (اتفق على شرائها سلفا) وأنه حتى إذا أمكن لمثل هذه الإجراءات حل الأزمة الحادة في الأجل القصير إلا أن التكلفة ستكون مرتفعة.
ترجِّح آمي مايرز جافي وهي زميلة سابقة بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن «تجد أوروبا حلا» في حال الوقف الكامل لصادرات الغاز الروسي.
تقول جافي يمكن للمنتجين تحويل وجهة بعض شحنات الغاز الطبيعي المسال أو زيادة النسبة التي يشكلها الفحم الحجري أو المصادر الأخرى في مزيج الطاقة. «لكنها تحذر من أن ذلك سيزيد من تكلفة الطاقة للمستهلكين الأوروبيين».
جيمس مكبرايد مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي