في صباح يوم الخميس الماضي أصدر الرئيس جو بايدن إعلانا احتفاليا بأن الحاج عبدالله، قائد جماعة داعش الإرهابية، قد مات في غارة نفذتها قوات العمليات الخاصة الأمريكية في شمال غرب سوريا. قال بايدن إن الغارة "تشهد على طول يد أمريكا وقدرتها على استئصال التهديدات الإرهابية مهما يكن الموضع الذي تحاول الاختباء فيه". لكن ليس من الواضح أن قتل الزعيم المتمرد سوف يتسبب في عجز لجماعته. فقائد داعش السابق، أبو بكر البغدادي، قتل قبل سنتين في غارة أمريكية أخرى، وخلفه الحاج عبدالله ـ المعروف أيضا بأبي ابراهيم القرشي، وقد قام هذا القائد بهجمة جريئة ومذهلة الشهر الماضي.

في مدينة الحسكة، بشمال شرق سوريا، استهدفت سيارتان مفخختان المنطقة القريبة من سجن (الصناعة)، ممهدة الطريق أمام قوة من مقاتلي داعش يبدو أن عددها يتجاوز المئات. اقتحم المتمردون السجن، في محاولة لتحرير نحو ثلاثة آلاف من سجناء داعش الخاضعين لسيطرة (قوات سوريا الديمقراطية)، وهي ميلشيا كردية مدعومة من الولايات المتحدة. يقع السجن في منطقة حضرية، ومع ذلك تمكنت قوات داعش من التسلل متجاوزة نقاط التفتيش التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، بما يشي بأن المتمردين قد استطاعوا اختراق الصفوف الكردية. وما كادت تصل إلى المكان حتى بادرت بمهاجمة السجن من عدة اتجاهات.

دام الحصار ـ الذي انقسم إلى فترات من القتال والتفاوض ـ طوال سبعة أيام، وأسفر عن نزوح آلاف المدنيين من المنطقة. بدا أن داعش لديها هدف يتجاوز تحرير مقاتليها السجناء. فقد كان في السجن نحو سبعمائة صبي ـ تتراوح أعمار أغلبهم في ما بين العاشرة والسابعة عشرة ـ نشأوا في مناطق داعش، ويشار إليهم أحيانا في الأدبيات المتشددة بـ "أشبال الخلافة". وقد أخبرتني جينيفر كافاريلا ـ كبيرة زملاء معهد دراسات الحرب بواشنطن ـ بأن المتمردين أكدوا خلال التفاوض بصفة خاصة على الصبية، محاولين مقايضتهم بأسرى أكراد لدى داعش.

في النهاية، ساعدت القوات الجوية الأمريكية قوات سوريا الديمقراطية في استرداد السجن، ولقي ثلاثمائة شخص متصلين بداعش مصرعهم. لكن قوات المتمردين الدواعش نجحت في استرداد عدد غير قليل من رفاقهم، وبرغم إعادة القبض على بعض الصبية، لكن منهم من أفلتوا. كانت تلك أجرأ هجمة حتى الآن تنفذها داعش منذ طردها من معقلها السابق، أي بلدة الباغوز في شرق سوريا قبل سنتين. قال تشارلز ليتسر ـ مدير مكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط في واشنطن ـ إن "تلك كانت صيحة تنبيه بأن داعش تتعافى، ربما ببطء، لكن بثبات أيضا".

"ثقبا أسود"

منذ قام الجيش الأمريكي بالرحيل إلى حد كبير عن سوريا في عام 2019، أتيحت لداعش مساحة شاسعة لإعادة الترتيب والتجنيد. اعتبارا من يناير، كان أقل من ألف من القوات الأمريكية هو الذي لم يزل يساعد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، مع حضور أقل للولايات المتحدة في أماكن أخرى. قالت كافاريلا إن "سوريا تمثل، من وجهة النظر المخابراتية، ثقبا أسود". وقد قدَّرت الأمم المتحدة، قبل سنتين، أن في المنطقة أكثر من عشرة آلاف مقاتل ناشط تابع لداعش، لكن الرقم الفعلي غير مؤكد. ففي المساحات الشاسعة الخارجة عن سيطرة الحكم والتي تمتد في ما بين حدود العراق وسوريا، لديهم وفرة من الأماكن الصالحة للاختباء. "وليست لدينا قوات لفرض ضغوط عليهم في سوريا والعراق".

بعد إحدى عشرة سنة من الثورة على الرئيس السوري بشار الأسد والحرب الأهلية الكارثية التي أسفرت عنها، تظل سوريا بلدا مفككا خاضعا لسيطرة ميلشيات وجيوش متحاربة. فالجيش التركي في صراع مع أعدائه الأكراد، والقوات الروسية والإيرانية تعمل على مساندة الحكومة السورية وتقاتلها جماعات متشددة مختلفة. وقد قام أفراد إحدى هذه الجماعات، وهي هيئة تحرير الشام، بإطلاق النار على مروحية أمريكية في غارة هذا الأسبوع قبل أن يرد الأمريكيون بإطلاق النار وقتل ما لا يقل عن اثنين منهم.

تخاطر أي هجمة على قائد لمتمردين، وبخاصة حينما تتم في منقطقة مضطربة على هذا النحو، بإلهام غيره بالنهوض بقضيته. يوم الخميس قال مسؤولان رفيعان في إدارة بايدن للصحفيين إن الهجوم على عبدالله استغرق شهورا من التخطيط المضني، وذلك جزئيا لاجتناب قتل مدنيين. كان عبد الله يستقر في الطابقين العلويين من مبنى سكني لم يغامر بالخروج منه مطلقا، مكتفيا بالتواصل من خلال رسل. وكانت أسرة سورية عادية تحتل الطابق الأرضي. وخشي المخططون من أن عبدالله قد يلجأ ـ عند محاصرته ـ إلى تفجير المبنى كله معه.

يبدو أن الجهود الرامية إلى اجتناب وقوع أي خسائر إضافية في الأرواح لم تنجح إلا جزئيا. فحينما حاصر الأمريكيون الشقة، هربت أسرة الطابق الأرضي إلى الأمان، قبل لحظات من تفجير عبدالله للقنبلة ربما في نفسه وربما بداخل الشقة. أدى التفجير إلى تحطيم الطابق الثالث بالكامل، مما أسفر عن مقتل عبدالله وآخرين منهم زوجته وعدة أبناء. في الطابق الثاني، قاوم مساعد لعبد الله وزوجته اعتقالهما فلقيا مصرعهما على يد القوات الأمريكية. وبدا أن ما لا يقل عن ستة أطفال قد ماتوا في القتال حسب ليستر.

هل سيبطئ موت القرشي من حركة داعش؟ ربما ليس إلى حد كبير. فلو أن لنا في الماضي دليلا، فإن قائدا جديدا سوف يحل محله، وقد لا ينقضي وقت كبير قبل أن تقدر داعش من جديد على القيام بعمل فتاك بقدر عملية السجن. في الوقت نفسه لا تبدي إدارة بايدن أو حلفاؤها الأوروبيون أي رغبة في الرجوع إلى سوريا. قالت كافريلا "إن بوسع عمليات مكافحة إرهاب من هذا النوع أن تعطل تمردا، لكنها غير قادرة على إلحاق الهزيمة بتمرد".

نشر التقرير في ذي نيويوركر في 4 فبراير 2022