استحوذ طفل في الخامسة من عمره ولمدة خمسة أيام متتالية على انتباه العالم. طفلٌ جعل الناس تنام وتنهض على ذكره، بعد أن بثّ ألما كونيا في أشخاص لم يلمسوا جسده، لم يسمعوا ضحكته ولا حكاياته، ولم يكونوا أهله ولا جيرانه. بدا مشهد التآزر ذاك كثيف الإنسانية، لكن الكائن الذي ترقبنا نجاته بأمل غير مشروط، عبر الدنيا تاركا أثرا لا يُنسى، وإن تجلى عبوره اللافت في عذاباته وآلامه!
رافق «ريان» العالم في ذلك المضي البطيء للخلاص. بدا الأمر وكأن أحدنا يمشي على رمش عينه، وعلى كثرة القضايا التي عبرت مؤخرا لم أر انشغالا من هذا النوع. الجدّات والأجداد ممن لم يتابعوا البث المباشر كانوا حريصين على السؤال عنه والدعاء له. الأطفال الصغار لم يفارق وجوههم التجهم وإن حاصرتهم المُلهيات الكثيرة. طفلان من الجزائر أثرت بنا رسالتهما كثيرا: «نحن نشاهد الجزيرة لنرى إنقاذك، ولا نشاهد سبيستون، لأنّك في البئر ولا تشاهد، عندما تخرج تعال العب معنا».
هكذا لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا خطيرا في توجيه الرأي العام، فبعد أن انشغلنا لأيام طويلة بالآراء المتناقضة حول فيلم «أصحاب ولا أعز» تحول «ريان» لأيقونة العالم وكابوسه المرير.
أعرف أنّ الأطفال في وطننا العربي والعالم يموتون يوميا لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، موت بعضهم يذهب إلى النسيان السريع وبعضهم يخلدون في أبعد نقطة من وجداننا، وكنتُ أتساءل حقا: لماذا لا يتمكن الإعلام من لعب دور مُشابه ضد الموت الآخر الذي يكتنف الأطفال في بقاع شتى من وطننا العربي دون أن يرف لموتهم جفن؟! ما الذي حوّل «ريان» لأيقونة تُحرض المشاعر لأيام متوالية، وما الذي يجعل موت البقية باردا وعاديا!
أجد مرد الأمر راجعا لسطوة الإعلام والصورة الفوتوغرافية، فمن منا يمكنه أن ينسى صورة الطفل السوري «آلان الكردي» وهو مُكب على وجهه، وكأنّه يسجل رفضه للعالم البائس في 2015، عندما عُثر عليه ميتا على شاطئ بودروم في تركيا. كان يمكن أن يكون موته أيضا نسيا منسيا لولا الصورة التي التقطتها المصورة التركية نيلوفير ديمير فخلدته.
فمن الموت الوفير والمجاني يمكن لقصّة واحدة أن تنحفر عميقا في الوعي الجمعي، فكم طفل فلسطيني قُتل، ولكننا سنتذكر أكثر الشهيد محمد الدرة، ربما بسبب المشهد الذي التقطه المصور الفرنسي شارل إندرلان عام 2000، مشهد احتماء الدرة بوالده ونحيبه المتواصل، تلك اللقطة التي استمرت لمدة دقيقة وسط وابل من الرصاص والنار، فأقامت العالم ولم تقعده.
«ريان» الذي لم يمت لحظة سقوطه، رغم العمق الذي قدر بـ 30 مترا، والمتابعة الحثيثة لحظة بلحظة، جعلتنا نبدو وكأننا ندخل كواليس فيلم سينمائي واقعي طويل، حرّض مشاعر قلقنا العارم، وكأنّ الذي سقط يخصنا جميعا بدرجة ما. إنّها الحالة الفيلمية.. إن صح لي القول، تلك التي تجعلنا أمام أبطال خارقين لا نريد لمقاومتهم من أجل البقاء على قيد الحياة إلا أن تنتهي نهاية سعيدة ككل الأفلام التي شاهدناها من قبل.
تذكرتُ «توم هانكس» وحيداً على جزيرة نائية في المحيط الهادي في فيلم «cast away»، حيث قدّم لنا إمكانية البقاء المستحيلة، في وقت كان يتنامى بداخلنا كمشاهدين إحساس كثيف بالعجز وقلّة الحيلة. كما تذكرتُ أيضا فيلم «33» المأخوذ عن قصّة حقيقية، والذي تناول واحدا من أكثر الأحداث شهرة بجمهورية تشيلي، عندما انهار أحد مناجم الذهب والنحاس، فعشنا كمشاهدين رعبا هائلا رفقة 33 عاملا محبوسا تحت الأرض مدة 69 يوما، وكانت تلفزيونات العالم آنذاك تبثُ الحدث وتنقل عملية البحث مباشرة وتؤثر في المتابعين. لا يمكننا أيضا تجاهل فيلم بعنوان «127 ساعة»، الذي عالج قصة حقيقية لمتسلق الجبال الذي حوصر بواسطة صخرة في وادٍ معزول، الأمر الذي اضطره لكسر عظم ذراعه ومن ثم بترها، ناهيك عن دخولنا معه حيز هلاوسه الرهيبة.
كنا بكل ما فينا من محبة نأمل أن يعيش «ريان» كبطل حقيقي، يروي لنا عندما يكبر عن تجربته المذهلة، لكن الله اختار أن يخرج من ضيق البئر لاتساع الحياة الأخرى. فيا طائرنا الصغير حلق من ظلمة الدنيا إلى نور الله.
رافق «ريان» العالم في ذلك المضي البطيء للخلاص. بدا الأمر وكأن أحدنا يمشي على رمش عينه، وعلى كثرة القضايا التي عبرت مؤخرا لم أر انشغالا من هذا النوع. الجدّات والأجداد ممن لم يتابعوا البث المباشر كانوا حريصين على السؤال عنه والدعاء له. الأطفال الصغار لم يفارق وجوههم التجهم وإن حاصرتهم المُلهيات الكثيرة. طفلان من الجزائر أثرت بنا رسالتهما كثيرا: «نحن نشاهد الجزيرة لنرى إنقاذك، ولا نشاهد سبيستون، لأنّك في البئر ولا تشاهد، عندما تخرج تعال العب معنا».
هكذا لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا خطيرا في توجيه الرأي العام، فبعد أن انشغلنا لأيام طويلة بالآراء المتناقضة حول فيلم «أصحاب ولا أعز» تحول «ريان» لأيقونة العالم وكابوسه المرير.
أعرف أنّ الأطفال في وطننا العربي والعالم يموتون يوميا لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، موت بعضهم يذهب إلى النسيان السريع وبعضهم يخلدون في أبعد نقطة من وجداننا، وكنتُ أتساءل حقا: لماذا لا يتمكن الإعلام من لعب دور مُشابه ضد الموت الآخر الذي يكتنف الأطفال في بقاع شتى من وطننا العربي دون أن يرف لموتهم جفن؟! ما الذي حوّل «ريان» لأيقونة تُحرض المشاعر لأيام متوالية، وما الذي يجعل موت البقية باردا وعاديا!
أجد مرد الأمر راجعا لسطوة الإعلام والصورة الفوتوغرافية، فمن منا يمكنه أن ينسى صورة الطفل السوري «آلان الكردي» وهو مُكب على وجهه، وكأنّه يسجل رفضه للعالم البائس في 2015، عندما عُثر عليه ميتا على شاطئ بودروم في تركيا. كان يمكن أن يكون موته أيضا نسيا منسيا لولا الصورة التي التقطتها المصورة التركية نيلوفير ديمير فخلدته.
فمن الموت الوفير والمجاني يمكن لقصّة واحدة أن تنحفر عميقا في الوعي الجمعي، فكم طفل فلسطيني قُتل، ولكننا سنتذكر أكثر الشهيد محمد الدرة، ربما بسبب المشهد الذي التقطه المصور الفرنسي شارل إندرلان عام 2000، مشهد احتماء الدرة بوالده ونحيبه المتواصل، تلك اللقطة التي استمرت لمدة دقيقة وسط وابل من الرصاص والنار، فأقامت العالم ولم تقعده.
«ريان» الذي لم يمت لحظة سقوطه، رغم العمق الذي قدر بـ 30 مترا، والمتابعة الحثيثة لحظة بلحظة، جعلتنا نبدو وكأننا ندخل كواليس فيلم سينمائي واقعي طويل، حرّض مشاعر قلقنا العارم، وكأنّ الذي سقط يخصنا جميعا بدرجة ما. إنّها الحالة الفيلمية.. إن صح لي القول، تلك التي تجعلنا أمام أبطال خارقين لا نريد لمقاومتهم من أجل البقاء على قيد الحياة إلا أن تنتهي نهاية سعيدة ككل الأفلام التي شاهدناها من قبل.
تذكرتُ «توم هانكس» وحيداً على جزيرة نائية في المحيط الهادي في فيلم «cast away»، حيث قدّم لنا إمكانية البقاء المستحيلة، في وقت كان يتنامى بداخلنا كمشاهدين إحساس كثيف بالعجز وقلّة الحيلة. كما تذكرتُ أيضا فيلم «33» المأخوذ عن قصّة حقيقية، والذي تناول واحدا من أكثر الأحداث شهرة بجمهورية تشيلي، عندما انهار أحد مناجم الذهب والنحاس، فعشنا كمشاهدين رعبا هائلا رفقة 33 عاملا محبوسا تحت الأرض مدة 69 يوما، وكانت تلفزيونات العالم آنذاك تبثُ الحدث وتنقل عملية البحث مباشرة وتؤثر في المتابعين. لا يمكننا أيضا تجاهل فيلم بعنوان «127 ساعة»، الذي عالج قصة حقيقية لمتسلق الجبال الذي حوصر بواسطة صخرة في وادٍ معزول، الأمر الذي اضطره لكسر عظم ذراعه ومن ثم بترها، ناهيك عن دخولنا معه حيز هلاوسه الرهيبة.
كنا بكل ما فينا من محبة نأمل أن يعيش «ريان» كبطل حقيقي، يروي لنا عندما يكبر عن تجربته المذهلة، لكن الله اختار أن يخرج من ضيق البئر لاتساع الحياة الأخرى. فيا طائرنا الصغير حلق من ظلمة الدنيا إلى نور الله.