لم يعد المقاتلون من أمثال عمر ينامون ملتحفين بنجوم السماء، يتفادون الغارات الجوية ويخططون للأكمنة ضد قوات أجنبية أو حكومة أفغانية مدعومة من الغرب.
بدلا من ذلك، هم يصارعون نفس الصعوبات الاقتصادية التي يعانيها مواطنوهم، ونفس خطر هجمات «داعش» والشوارع الصاخبة المربكة والأزقة الخلفية في مدينة هم عمليا غرباء عنها، أي مدينة كابول ذات الأربعة ملايين ونصف المليون مواطن.
تقيم وحدة ساخي إقامة دائمة بالقرب من الضريح في غرفة خرسانية صغيرة مطلية بالأخضر الساطع فيها مدفأة كهربائية وحيدة. تصطف أسرَّة حديدية ذات طابقين بجانب الجدار، والزينة الوحيدة في الغرفة هي صورة للكعبة.
في أفغانستان، ينتمي كثير من الشيعة إلى أقلية الهزارة العرقية لكن الغرابة البادية في قيام وحدة طالبانية بحراسة مثل هذا الموقع الشيعي الرمزي تنتفي أمام الجدية التي بدا عليها الرجال وهم ينفذون مهمتهم.
قال قائد الوحدة وأكثر أفرادها خبرة (حبيب رحمن انقياد)، البالغ من العمر 25 عاما، «إننا لا نبالي أي جماعة عرقية هي التي نخدمها. ولا نفكر مطلقا هل هؤلاء الناس من البشتون أم الهزارة».
لكن مشاعر انقياد تتناقض مع حكومة طالبان المؤقتة المؤلفة بصورة شبه كاملة من متشددين من البشتون يمثلون جميعا رموزا لحكم الحركة الفظ في تسعينيات القرن الماضي ويعتبرون معادين للهزارة.
فيما كان يتكلم داخل ثكنة الوحدة المزدحمة، كان مسجل يبث في الغالب أغنيات تاراناس الدينية غير المصحوبة بموسيقى والمنتشرة وسط الطالبان.
من الأغنيات المفضلة لدى المجموعة أغنية عن فقدان امرئ رفاقه، ومأساة ضياع الشباب. بصوت رفيع حاد ينشد المغني «يا موت/يا فاطرا فينا القلوب وقاتلا إياها».
في يوم خريفي من العام الماضي، وبينما كانت وحدة ساخي في حالة تأهب، تجمعت الأسر على الأراضي المرصوفة بالبلاط، يشربون الشاي ويتشاركون الأطعمة.
نظر بعضهم بحذر إلى الطالبانيين وهم يحرسون الموقع، وسارعت جماعة من الشبان بإطفاء سجائرهم وهم يقتربون. فالطالبان بصفة عامة يشمئزون من التدخين، وتفرض الوحدة في بعض الأحيان على المدخنين عقوبات بدنية. في يوم آخر، جاء صبيان مراهقان إلى الضريح، مجاهرين بمرافقة صديقتيهما. واجهتهما وحدة ساخي وسألتهما عما يفعلانه. ولما لم تعجبهم إجاباتهما، اقتادوهما إلى غرفتهم لاستجوابهما في هذا الانتهاك. ففي أفغانستان المحافظة، تعتبر هذه الرفقة العلنية من المحرمات، التي تتضاعف حرمتها حين تحدث في موقع مقدس تحرسه طالبان.
في غرفتهم، دار نقاش بين أفراد وحدة ساخي حول كيفية التعامل مع الصبيين: نقاش بين الشرطيين الطيبين والشرطيين الأشرار. اختلف (حكمة الله ساهل) ـ وهو من أفراد الوحدة الأكثر خبرة ـ مع رفاقه. فقد كان يناصر التقريع بالكلام لا التقريع البدني. وغلبه رفاقه.
حينما سمح للصبيين أخيرا بالخروج، وهما يرتعشان من أثر الضرب الذي تلقوه للتو، ناداهما ساهل وطلب منهما أن يرجعا مرة أخرى لكن بغير صاحبتيهما.
تلك الحادثة كانت بمثابة تذكرة لزوار الضريح بأن مقاتلي طالبان، وإن كانوا ودودين بصفة عامة، لا يزالون قادرين على الرجوع إلى الأساليب التي ميزت حكمهم الديني المتشدد في تسعينيات القرن الماضي.
كان التعامل مع غراميات المراهقين ـ بالنسبة إلى المقاتلين الستة في المجموعة ـ إشارة أخرى إلى انصرام أيام حرب العصابات، فهم الآن يقضون وقتهم وهم مشغولون بالاعتبارات الشرطية التافهة، من قبيل اكتشاف المهربين المحتملين (فالمشروبات الكحولية محرمة في أفغانستان)، وتدبر الوقود للشاحنة الخاصة بوحدتهم، والتفكير في قائدهم وما إذا كان سيسمح بالإجازة الأسبوعية.
انضم عمر إلى الوحدة قبل أشهر لا أكثر. قال «انضممت إلى الإمارة الإسلامية لرغبة كبيرة لدي في خدمة ديني وبلدي».
لكن عمر بالنسبة لبعض الطالبانيين يعرف استصغارا لشأنه بـ«لواحد والعشريني»، أي المقاتل الذي لم ينضم إلى الحركة إلا في 2021 وقد بدأ النصر يلوح في الأفق. فهذا الجيل الجديد من الطالبانيين يحمل توقعات جديدة على رأسها الرغبة في راتب.
فهم وغيرهم من المقاتلين النظاميين لم يتلقوا راتبا قط من الحركة. فبرغم استيلاء طالبان على ما قيمته مليارات الدولارات الأمريكية من الأسلحة والخامات تبقى الحركة غير جيدة التجهيز، لذلك يعتمد المقاتلون على قادتهم في إمداداتهم الأساسية، وما يزيد على ذلك فعليهم اختلاسه.
يبلغ ساهل من العمر ثمانية وعشرين عاما، وهو أكبر من أغلب رفاقه، وأكثرهم تحفظا وسيطرة على مشاعره. قضى أربع سنوات يدرس في الجامعة، وعنصرا سريا متفرغا تابعا للحركة. قال «لم يعرف أحد من زملائي في الجامعة أنني أنتمي إلى طالبان». حصل على شهادة في تعليم الفيزياء والرياضيات، لكنه رجع إلى القتال.
برغم ارتياحه إلى انتهاء الحرب، لكنه ورفاقه لا يزالون يفتقدون إحساس الهدف الذي كانوا يجدونه فيها. قال «نحن سعداء بأن بلدنا تحرر وأننا نعيش الآن في سلام» لكنه أضاف قائلا «إننا حزانى جدا على أصدقائنا الذين استشهدوا».
كل بضعة قليلة من الأسابيع يسمح للرجال بزيارة عائلاتهم في ورداك لمدة يومين. في صباح يوم بارد من نوفمبر، جلس انقياد في بيته بوادي مسجد جاردينا، وهو مجموعة جميلة من البساتين والحقول المحاطة بالقمم الجبلية.
أوضح أن عائلات كثيرة في المنطقة فقدت أبناء لها في القتال، وقدَّر أن ثمانين في المائة من أسر المنطقة أنصار للطالبان.
درس انقياد في المدرسة حتى الصف السابع، ثم تحتم عليه تركها. ملأت الدراسات الدينية بعض الفجوات المعرفية لديه. وانضم إلى طالبان وهو في الخامسة عشرة. هو حديث الزواج، ويواجه حاليا تحديات جديدة إذ أصبحت الحركة في السلطة. هو العائل الوحيد المحتمل في أسرته، ويحتاج إلى راتب ليعول زوجته، ووالدته وأخواته، لكنه حتى الآن لا يتلقى راتبا.
بالعودة إلى كابول، استعدت وحدة ساخي لدورية ليلية، بالتزود بالثياب لمواجهة الريح الباردة التي تهب بلا توقف من جبال تطوق المدينة.
اعتلى عمر شاحنة الوحدة وفي حضنه مدفع رشاش ومن حول رقبته أحزمة ذخيرة كأنها زينة احتفال.
ولم يكن ثمة ما يبرر الأسلحة الثقيلة التي تستعمل في صد قوات معادية. كانت منطقة مسؤوليتهم هادئة، وبدا الرجال ضجرين وهم يدورون بالمدينة بينما تطارد قطعان كلاب الشوارع بعضها بعضا، فاتحة أنيابها على إطارات السيارات المارقة.
خدمة نيويورك تايمز «خاص $»
وحدة شرطية أفغانية مكلفة بتأمين ضريح شيعي تقدم صورة لمقاتلي طالبان النظاميين والتحديات التي يواجهها قادة أفغانستان في حكم شعب متنوع الأعراق
وقف مقاتل طالباني شاب يتدلى من أصابعه زوج من الأصفاد يشاهد في حذر تدفق سيارات مقتربة من موقفه أمام مجموعة متاريس حديدية. كانت صلاة الجمعة توشك أن تبدأ في مسجد ساخي شاهمردان، وهو مزار شيعي مقدس في وسط كابول يقوم هذا المقاتل الشاب بحراسته.
شهدت الشهور الأخيرة في أفغانستان تفجيرين لمسجدين شيعيين نفذهما تنظيم «داعش» وأسفرا عن مصرع العشرات، وهذا المقاتل الطالباني محمد خالد عمر، البالغ من العمر ثمانية عشر عاما، لم يكن يستهين بأي احتمال.
يمثل هو ووحدته الشرطية المؤلفة من خمسة أفراد، والمعروفة في اللغة الدارجة بوحدة ساخي وفقا لاسم الضريح الذي تدافع عنه، طليعة طالبان في كفاحهم الأحدث بعد استيلاء الجماعة المبهر على البلد في أغسطس: لقد انتصروا في الحرب، لكن هل بوسعهم أن يضمنوا السلام في بلد متعدد الأعراق أضنته أربعون سنة من العنف؟
قضى صحفيون من نيويورك تايمز اثني عشر يوما من الخريف الماضي مع هذه الوحدة الطالبانية الصغيرة، مرافقين إياها في العديد من مهام الدوريات في منطقتها، وهي المقاطعة الشرطية 3، ومسافرين مع أفرادها إلى بيوتهم في مقاطعة ورداك، وهي منطقة جبلية مجاورة.
حتى الآن، يتسم النهج الحكومي الجديد المتبع في الأداء الشرطي بالتغير بحسب الغرض: فالوحدات الطالبانية المحلية تولت الدور في نقاط التفتيش في عموم البلد، أما في المدن الكبيرة مثل كابول فتم استجلاب مقاتلي طالبان من المقاطعات المحيطة.
وبرغم قلة عدد أفراد وحدة ساخي فإنها تقدم صورة دالة لطالبان، سواء من حيث أولئك الذين يمثلون نواة مقاتليهم أو من حيث أكبر التحديات التي تواجههم بوصفهم حكام أفغانستان الجدد: فحركة التمرد التي كانت ذات يوم ريفية في الأساس باتت الآن مرغمة على القبول بالحكم وتأمين مراكز مدنية لا تألفها وظلت ممنوعة عليها طوال عقود.
بدلا من ذلك، هم يصارعون نفس الصعوبات الاقتصادية التي يعانيها مواطنوهم، ونفس خطر هجمات «داعش» والشوارع الصاخبة المربكة والأزقة الخلفية في مدينة هم عمليا غرباء عنها، أي مدينة كابول ذات الأربعة ملايين ونصف المليون مواطن.
تقيم وحدة ساخي إقامة دائمة بالقرب من الضريح في غرفة خرسانية صغيرة مطلية بالأخضر الساطع فيها مدفأة كهربائية وحيدة. تصطف أسرَّة حديدية ذات طابقين بجانب الجدار، والزينة الوحيدة في الغرفة هي صورة للكعبة.
في أفغانستان، ينتمي كثير من الشيعة إلى أقلية الهزارة العرقية لكن الغرابة البادية في قيام وحدة طالبانية بحراسة مثل هذا الموقع الشيعي الرمزي تنتفي أمام الجدية التي بدا عليها الرجال وهم ينفذون مهمتهم.
قال قائد الوحدة وأكثر أفرادها خبرة (حبيب رحمن انقياد)، البالغ من العمر 25 عاما، «إننا لا نبالي أي جماعة عرقية هي التي نخدمها. ولا نفكر مطلقا هل هؤلاء الناس من البشتون أم الهزارة».
لكن مشاعر انقياد تتناقض مع حكومة طالبان المؤقتة المؤلفة بصورة شبه كاملة من متشددين من البشتون يمثلون جميعا رموزا لحكم الحركة الفظ في تسعينيات القرن الماضي ويعتبرون معادين للهزارة.
فيما كان يتكلم داخل ثكنة الوحدة المزدحمة، كان مسجل يبث في الغالب أغنيات تاراناس الدينية غير المصحوبة بموسيقى والمنتشرة وسط الطالبان.
من الأغنيات المفضلة لدى المجموعة أغنية عن فقدان امرئ رفاقه، ومأساة ضياع الشباب. بصوت رفيع حاد ينشد المغني «يا موت/يا فاطرا فينا القلوب وقاتلا إياها».
في يوم خريفي من العام الماضي، وبينما كانت وحدة ساخي في حالة تأهب، تجمعت الأسر على الأراضي المرصوفة بالبلاط، يشربون الشاي ويتشاركون الأطعمة.
نظر بعضهم بحذر إلى الطالبانيين وهم يحرسون الموقع، وسارعت جماعة من الشبان بإطفاء سجائرهم وهم يقتربون. فالطالبان بصفة عامة يشمئزون من التدخين، وتفرض الوحدة في بعض الأحيان على المدخنين عقوبات بدنية. في يوم آخر، جاء صبيان مراهقان إلى الضريح، مجاهرين بمرافقة صديقتيهما. واجهتهما وحدة ساخي وسألتهما عما يفعلانه. ولما لم تعجبهم إجاباتهما، اقتادوهما إلى غرفتهم لاستجوابهما في هذا الانتهاك. ففي أفغانستان المحافظة، تعتبر هذه الرفقة العلنية من المحرمات، التي تتضاعف حرمتها حين تحدث في موقع مقدس تحرسه طالبان.
في غرفتهم، دار نقاش بين أفراد وحدة ساخي حول كيفية التعامل مع الصبيين: نقاش بين الشرطيين الطيبين والشرطيين الأشرار. اختلف (حكمة الله ساهل) ـ وهو من أفراد الوحدة الأكثر خبرة ـ مع رفاقه. فقد كان يناصر التقريع بالكلام لا التقريع البدني. وغلبه رفاقه.
حينما سمح للصبيين أخيرا بالخروج، وهما يرتعشان من أثر الضرب الذي تلقوه للتو، ناداهما ساهل وطلب منهما أن يرجعا مرة أخرى لكن بغير صاحبتيهما.
تلك الحادثة كانت بمثابة تذكرة لزوار الضريح بأن مقاتلي طالبان، وإن كانوا ودودين بصفة عامة، لا يزالون قادرين على الرجوع إلى الأساليب التي ميزت حكمهم الديني المتشدد في تسعينيات القرن الماضي.
كان التعامل مع غراميات المراهقين ـ بالنسبة إلى المقاتلين الستة في المجموعة ـ إشارة أخرى إلى انصرام أيام حرب العصابات، فهم الآن يقضون وقتهم وهم مشغولون بالاعتبارات الشرطية التافهة، من قبيل اكتشاف المهربين المحتملين (فالمشروبات الكحولية محرمة في أفغانستان)، وتدبر الوقود للشاحنة الخاصة بوحدتهم، والتفكير في قائدهم وما إذا كان سيسمح بالإجازة الأسبوعية.
انضم عمر إلى الوحدة قبل أشهر لا أكثر. قال «انضممت إلى الإمارة الإسلامية لرغبة كبيرة لدي في خدمة ديني وبلدي».
لكن عمر بالنسبة لبعض الطالبانيين يعرف استصغارا لشأنه بـ«لواحد والعشريني»، أي المقاتل الذي لم ينضم إلى الحركة إلا في 2021 وقد بدأ النصر يلوح في الأفق. فهذا الجيل الجديد من الطالبانيين يحمل توقعات جديدة على رأسها الرغبة في راتب.
فهم وغيرهم من المقاتلين النظاميين لم يتلقوا راتبا قط من الحركة. فبرغم استيلاء طالبان على ما قيمته مليارات الدولارات الأمريكية من الأسلحة والخامات تبقى الحركة غير جيدة التجهيز، لذلك يعتمد المقاتلون على قادتهم في إمداداتهم الأساسية، وما يزيد على ذلك فعليهم اختلاسه.
يبلغ ساهل من العمر ثمانية وعشرين عاما، وهو أكبر من أغلب رفاقه، وأكثرهم تحفظا وسيطرة على مشاعره. قضى أربع سنوات يدرس في الجامعة، وعنصرا سريا متفرغا تابعا للحركة. قال «لم يعرف أحد من زملائي في الجامعة أنني أنتمي إلى طالبان». حصل على شهادة في تعليم الفيزياء والرياضيات، لكنه رجع إلى القتال.
برغم ارتياحه إلى انتهاء الحرب، لكنه ورفاقه لا يزالون يفتقدون إحساس الهدف الذي كانوا يجدونه فيها. قال «نحن سعداء بأن بلدنا تحرر وأننا نعيش الآن في سلام» لكنه أضاف قائلا «إننا حزانى جدا على أصدقائنا الذين استشهدوا».
كل بضعة قليلة من الأسابيع يسمح للرجال بزيارة عائلاتهم في ورداك لمدة يومين. في صباح يوم بارد من نوفمبر، جلس انقياد في بيته بوادي مسجد جاردينا، وهو مجموعة جميلة من البساتين والحقول المحاطة بالقمم الجبلية.
أوضح أن عائلات كثيرة في المنطقة فقدت أبناء لها في القتال، وقدَّر أن ثمانين في المائة من أسر المنطقة أنصار للطالبان.
درس انقياد في المدرسة حتى الصف السابع، ثم تحتم عليه تركها. ملأت الدراسات الدينية بعض الفجوات المعرفية لديه. وانضم إلى طالبان وهو في الخامسة عشرة. هو حديث الزواج، ويواجه حاليا تحديات جديدة إذ أصبحت الحركة في السلطة. هو العائل الوحيد المحتمل في أسرته، ويحتاج إلى راتب ليعول زوجته، ووالدته وأخواته، لكنه حتى الآن لا يتلقى راتبا.
بالعودة إلى كابول، استعدت وحدة ساخي لدورية ليلية، بالتزود بالثياب لمواجهة الريح الباردة التي تهب بلا توقف من جبال تطوق المدينة.
اعتلى عمر شاحنة الوحدة وفي حضنه مدفع رشاش ومن حول رقبته أحزمة ذخيرة كأنها زينة احتفال.
ولم يكن ثمة ما يبرر الأسلحة الثقيلة التي تستعمل في صد قوات معادية. كانت منطقة مسؤوليتهم هادئة، وبدا الرجال ضجرين وهم يدورون بالمدينة بينما تطارد قطعان كلاب الشوارع بعضها بعضا، فاتحة أنيابها على إطارات السيارات المارقة.
خدمة نيويورك تايمز «خاص $»
وحدة شرطية أفغانية مكلفة بتأمين ضريح شيعي تقدم صورة لمقاتلي طالبان النظاميين والتحديات التي يواجهها قادة أفغانستان في حكم شعب متنوع الأعراق
وقف مقاتل طالباني شاب يتدلى من أصابعه زوج من الأصفاد يشاهد في حذر تدفق سيارات مقتربة من موقفه أمام مجموعة متاريس حديدية. كانت صلاة الجمعة توشك أن تبدأ في مسجد ساخي شاهمردان، وهو مزار شيعي مقدس في وسط كابول يقوم هذا المقاتل الشاب بحراسته.
شهدت الشهور الأخيرة في أفغانستان تفجيرين لمسجدين شيعيين نفذهما تنظيم «داعش» وأسفرا عن مصرع العشرات، وهذا المقاتل الطالباني محمد خالد عمر، البالغ من العمر ثمانية عشر عاما، لم يكن يستهين بأي احتمال.
يمثل هو ووحدته الشرطية المؤلفة من خمسة أفراد، والمعروفة في اللغة الدارجة بوحدة ساخي وفقا لاسم الضريح الذي تدافع عنه، طليعة طالبان في كفاحهم الأحدث بعد استيلاء الجماعة المبهر على البلد في أغسطس: لقد انتصروا في الحرب، لكن هل بوسعهم أن يضمنوا السلام في بلد متعدد الأعراق أضنته أربعون سنة من العنف؟
قضى صحفيون من نيويورك تايمز اثني عشر يوما من الخريف الماضي مع هذه الوحدة الطالبانية الصغيرة، مرافقين إياها في العديد من مهام الدوريات في منطقتها، وهي المقاطعة الشرطية 3، ومسافرين مع أفرادها إلى بيوتهم في مقاطعة ورداك، وهي منطقة جبلية مجاورة.
حتى الآن، يتسم النهج الحكومي الجديد المتبع في الأداء الشرطي بالتغير بحسب الغرض: فالوحدات الطالبانية المحلية تولت الدور في نقاط التفتيش في عموم البلد، أما في المدن الكبيرة مثل كابول فتم استجلاب مقاتلي طالبان من المقاطعات المحيطة.
وبرغم قلة عدد أفراد وحدة ساخي فإنها تقدم صورة دالة لطالبان، سواء من حيث أولئك الذين يمثلون نواة مقاتليهم أو من حيث أكبر التحديات التي تواجههم بوصفهم حكام أفغانستان الجدد: فحركة التمرد التي كانت ذات يوم ريفية في الأساس باتت الآن مرغمة على القبول بالحكم وتأمين مراكز مدنية لا تألفها وظلت ممنوعة عليها طوال عقود.