في أكتوبر2015، كنت بدار الأوبرا السلطانيّة بمسقط مدعوّا مع مجموعة من الإعلاميين لمؤتمر صحفي نظّمته الدار لصنّاع أوبرا «توراندوت» للموسيقار الإيطالي بوتشيني، بحضور عدد من أبطال العرض، والموسيقيين، والفنيّين، وكان مخرج العرض الكبير يبلغ من العمر (92) فظننا من الصعب عليه حضور المؤتمر، ولم نبدأ، ولم يطل انتظارنا، فقد أطلّ رجل أشيب، بلغ من العمر عتيّا، يتربّع على كرسيّ متحرّك، وسط هالة من الأضواء، والتصفيق الحار، وحين وصل المنصّة، بطل العجب، فلم يكن ذلك الرجل الأسطوري سوى المخرج السينمائي والمسرحي الإيطالي الكبير فرانكو زفيريللي، المعروف عالميّا كواحد من أهمّ المخرجين في دور الأوبرا، والمسرح، والسينما التي أخرج لها الكثير من الأفلام من بينها مسرحيات شكسبير التي قدّمها للسينما، وهذا يعود إلى تأثير سنوات طفولته، فبعد أن فقد والدته، كما ورد بسيرته، ربّته خالة له، وسيدة بريطانية كانت تحبّ أعمال شكسبير، والأوبرا، فأخذ هذا الشغف منها، وأبرز أعماله السينمائية «ترويض النمرة» مع اليزابيث تايلور وريتشارد بيرتون 1966، و«روميو وجولييت» مع ليونارد وايتينج واوليفيا هاسييا 1969، و«الحب الأبدي» مع بروك شيلدز ومارتن هيويت 1981، و«عطيل» 1986، و«هاملت» مع ميل جيبسون، وجلين كلوز 1991، و«جين آير» مع شارلوت جاينسبورج، ووليام هيرت، وجيرالدين شابلن 1994، و «كالاس للأبد» مع فاني أردانت، وجيريمي آيرونز 2002، وكذلك أنتج للسينما أوبرا «باجلياتشي»1981، و«المرأة اللعوب» 1982، و«عطيل» 1986، وأعمالا أخرى، وخاض مجال التمثيل، وكذلك الكتابة، فكتب للتلفزيون مسلسل « يسوع الناصري» (1976- 1977)، الذي أخرجه أيضا، وشاهده ما يزيد عن مليار شخص ونصف المليار في مختلف أنحاء العالم، وعمل مصمّما للمناظر والملابس، وقد انعكس هذا على الأعمال التي أخرجها، فتميّزت ببراعة تصميم المناظر، وفخامة الديكورات التي تضفي متعة، وتفاصيل بصريّة لعروضه، كما لاحظنا ذلك في العروض التي شاهدنا له، وعرضتها الدار.
في ذلك المؤتمر الصحفي، لم يكثر الكبير زفيريللي من الكلام، ولم يطل بيننا المقام إلّا بما يسمح سنّه، فخفّفنا عليه من طرح الأسئلة، بدأ حديثه عن أوبرا «توراندوت» التي أخرجها وصمّمها، وعرضت في حفل افتتاح الدار في 12 أكتوبر 2011، برعاية سامية من لدن المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- ونال عنه المخرج وسام التكريم من الدرجة الأولى، وعاد في عام 2015 ليعرضها ثانية، وقال: إن الهدف الذي يسعى إليه هو «تعزيز العمل الثقافي في البلدان التي قدّم بها هذا العمل، وإن المشاركين في العرض بعثوا رسالة إنسانية للعالم كله تقول هذه الرسالة إننا نعمل معا بعيدا عن كلّ ما يعكر صفو الجمال وسنستمر في السير على هذا الطريق خدمة للفن، والجمال، والإنسانية جمعاء».
وأضاف بعد صمت قصير: «لنسعَ إلى تحقيق السلام العالمي، ولننسَ خلافاتنا السياسيّة، والثقافيّة، وسلطنة عمان هي الدولة العربية الأولى التي سعتْ إلى هذا التقارب بين دول العالم من خلال الموسيقى، وكلّ شيء يبدو رائعا بوجود المواهب الكبيرة»، وكانت يومها تشغلنا الأزمة الاقتصاديّة، فكان لابدّ لنا أن نسأله عن تأثيرها على فن الأوبرا، فأجاب «لقد أثّرت الأزمة على الفنون حتى أنّ دور أوبرا كثيرة في أمريكا أغلقت لكن هذا لن يؤثر على الأوبرا كفن له امتداد تاريخي طويل، والدليل افتتاح دار الأوبرا السلطانية في مسقط، وهناك دور أخرى عديدة قيد الإنشاء»، وأشار إلى ضرورة بناء جمهور يحبّ الأوبرا في عمان، فهذه رسالة مهمّة لهذه الدار، لذا على الجميع الاستفادة من الخبراء العالميين والعروض التي تقدّم»، وعن دور المسرح في حياة الإنسان المعاصر قال: «رسالة المسرح كبيرة، وخطيرة، فعندما يكون هناك مسرح نمتلك القدرة على تغيير العالم، وهذا هدف كلّ فنان».
استدعيت كلّ تلك التفاصيل، خلال حضوري عرض أوبرا «ريغوليتو» آخر أعمال زفيريللي الإخراجية الذي لم يره على المسرح، إذ غادر عالمنا عام2019، وعرض على مسرح دار الأوبرا السلطانيّة، للمرّة الأولى، وهو من إنتاجها، فقاد الفريق المخرج المشارك ستيفانو تريسبيدي، وقبل مشاهدتنا العرض، تجوّلنا في المعرض الفني الذي أقامته الدار في دار الفنون الموسيقيّة عن حياته، وأعماله، وضمّ صورا، ومقاطع فيديو، والأزياء الأوبرالية، ومقتنيات المخرج الكبير الشخصية التي يُعرض أغلبها للمرة الأولى، فكان حاضرا معنا بفنّه الخالد، ولم يكن، بالطبع، يتربّع على كرسيّ متحرّك !
عبدالرزاق الربيعي شاعر وكاتب مسرحي
نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي
في ذلك المؤتمر الصحفي، لم يكثر الكبير زفيريللي من الكلام، ولم يطل بيننا المقام إلّا بما يسمح سنّه، فخفّفنا عليه من طرح الأسئلة، بدأ حديثه عن أوبرا «توراندوت» التي أخرجها وصمّمها، وعرضت في حفل افتتاح الدار في 12 أكتوبر 2011، برعاية سامية من لدن المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- ونال عنه المخرج وسام التكريم من الدرجة الأولى، وعاد في عام 2015 ليعرضها ثانية، وقال: إن الهدف الذي يسعى إليه هو «تعزيز العمل الثقافي في البلدان التي قدّم بها هذا العمل، وإن المشاركين في العرض بعثوا رسالة إنسانية للعالم كله تقول هذه الرسالة إننا نعمل معا بعيدا عن كلّ ما يعكر صفو الجمال وسنستمر في السير على هذا الطريق خدمة للفن، والجمال، والإنسانية جمعاء».
وأضاف بعد صمت قصير: «لنسعَ إلى تحقيق السلام العالمي، ولننسَ خلافاتنا السياسيّة، والثقافيّة، وسلطنة عمان هي الدولة العربية الأولى التي سعتْ إلى هذا التقارب بين دول العالم من خلال الموسيقى، وكلّ شيء يبدو رائعا بوجود المواهب الكبيرة»، وكانت يومها تشغلنا الأزمة الاقتصاديّة، فكان لابدّ لنا أن نسأله عن تأثيرها على فن الأوبرا، فأجاب «لقد أثّرت الأزمة على الفنون حتى أنّ دور أوبرا كثيرة في أمريكا أغلقت لكن هذا لن يؤثر على الأوبرا كفن له امتداد تاريخي طويل، والدليل افتتاح دار الأوبرا السلطانية في مسقط، وهناك دور أخرى عديدة قيد الإنشاء»، وأشار إلى ضرورة بناء جمهور يحبّ الأوبرا في عمان، فهذه رسالة مهمّة لهذه الدار، لذا على الجميع الاستفادة من الخبراء العالميين والعروض التي تقدّم»، وعن دور المسرح في حياة الإنسان المعاصر قال: «رسالة المسرح كبيرة، وخطيرة، فعندما يكون هناك مسرح نمتلك القدرة على تغيير العالم، وهذا هدف كلّ فنان».
استدعيت كلّ تلك التفاصيل، خلال حضوري عرض أوبرا «ريغوليتو» آخر أعمال زفيريللي الإخراجية الذي لم يره على المسرح، إذ غادر عالمنا عام2019، وعرض على مسرح دار الأوبرا السلطانيّة، للمرّة الأولى، وهو من إنتاجها، فقاد الفريق المخرج المشارك ستيفانو تريسبيدي، وقبل مشاهدتنا العرض، تجوّلنا في المعرض الفني الذي أقامته الدار في دار الفنون الموسيقيّة عن حياته، وأعماله، وضمّ صورا، ومقاطع فيديو، والأزياء الأوبرالية، ومقتنيات المخرج الكبير الشخصية التي يُعرض أغلبها للمرة الأولى، فكان حاضرا معنا بفنّه الخالد، ولم يكن، بالطبع، يتربّع على كرسيّ متحرّك !
عبدالرزاق الربيعي شاعر وكاتب مسرحي
نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي