Twitter:@ashouily
يرن منبه الهاتف للاستيقاظ لصلاة الفجر، وترن معه رسائل الفجر عبر الواتساب، بعين نصف مغمضة أناظر الوقت فأجد أن أذان الفجر لم يُرفع بعد! أساءل نفسي وهي شبه نائمة، هل هذا وقت مناسب للتراسل كي يبدأ الناس صباحهم به؟ أم هي عادة درجت لدى البشر بتطبيق مبدأ التسابق في كل شيء حتى وأن كان التسابق في المذموم؟ أم أنه الإدمان على الهاتف في كل وقت ومحاولة تتبع كل شيء؟
أرى كثيرًا ممن حولي وقد تحولوا إلى مدمنين ومتعاطين لعقارات (السوشيل ميديا) وتطبيقاتها يتنقلون من منصة لأخرى يتصفحون هذا ويردون على ذاك، يدخلون في جدل حول قضية مثارة تشغلهم ليوم أو أقل ثم ينتقلون بعدها إلى قضية أخرى، يشاهدون مقاطع قصيرة لموضوع معين ويصنعون محتوى أيا كان شكله ومضمونه في منصة أخرى، يراقبون كل حركة وإعجاب وتعليق وثناء وذكر، ليمر اليوم بأكمله منذ طلوع الشمس وحتى الغروب في إهدار الوقت والحياة في ما لا يعود في الكثير منه بالفائدة على الذات أو المجتمع.
جربت قضاء يوم كامل في ساحات وحارات (السوشيل ميديا) لاختبار الحياة الافتراضية كيف تكون هذه الحياة؟ وفيما يقضي سكان هذه الحارات يومهم، وما الذي يمكن أن أتعلمه منها؟ وما يمكن أن أتعرض له بقصد أو بغير قصد والفوائد والمساوئ التي يمكن أن أجنيها في ذلك اليوم من بقائي وتنقلي بين تلك المنصات.
عقب هذا اليوم وبعد عودتي من تلك العوالم وجدتني ولوهلة غريبًا عن واقعي الذي أعيشه، عن أصدقائي الذين أعرفهم عن أهلي المحيطين بي عن جيراني. حياة أقل ما توصف بأنها متطرفة في كثير من تفاصيلها، تارة تجدها وردية زاهية براقة، الجميع فيها يظهر أحسن ما فيه ويلبس أحسن ما لديه ويتباهى بأفضل ما يملك، ويتفاخر بما يأكل ويشرب ويسرد تفاصيل يومه مع أهله وأسرته وأطفاله وعمله ويتحدث بلسان عذب جذاب عسلي المنطق.
وتارة أخرى تجدها قاتمة سوداء كل ما فيها مصائب وكوارث ومشاكل وحروب ودمار وخراب وتذمر وتأفف واستهجان وكأن نهاية العالم ستكون غدا، والدنيا قد أصبحت سوداء مظلمة لا يرتجى لضوء خافت أن ينير دروبها. وبين هذا وذاك تتأرجح كفة بعض الحارات وبعض الساكنين بين الواقعية المجردة والفلسفة الطوباوية اليوتوبية التي تتخيل مثالية الإنسان وكماله، وان لم تكن في واقع الحياة الحقيقي لكنها في واقع الحياة الافتراضي.
تعلمت الكثير من هذا اليوم وفي هذا اليوم، تعلمت من الناجحين كيف نجحوا ومن الفاشلين كيف فشلوا أيضا، تعلمت وتعرفت على مهارات لم أكن أعرفها أو أتقنها في يوم ما، تعلمت كثيرا من الفضائل في الأخلاق وفي التربية وفي الذات وفهم الإنسان والحياة، تعلمت كيف أقضي يومي وغدي وكيف أخطط لمستقبلي، وكيف أبني ذاتي بنفسي، وتعلمت أشياء قد لا تتسع هذه الأسطر لذكرها.
غير أن خلاصة تجربة ذلك اليوم أنك كنت ذاتك من يُقرر ماذا يريد، ومتى يريد وكيف يريد فلا سلطان عليك وأنت ساكن في بيوت منصات التواصل، فأنت رقيب ذاتك وتعرف كيف تقطف ثمارًا ما تزرع وكيف تستفيد مما تبحث عنه وتتعرض إليه، وتعرف أيضا كيف تستعد للمستقبل الذي يُخبئ في طياته الكثير من المفاجآت فما نعرفه اليوم من منصات حتما سوف يتغير غدا لتأتي بعده منصات هي أكثر انفتاحا وأكثر واقعية وأكثر تفاعلية كما بشرنا البعض من أن الجيل القادم سيكون جيل الميتافيرس القائم على العالم الثلاثي الأبعاد والبيئات الافتراضية والاتصالات المتطورة وأشياء لا نعلم بعد عنها الكثير.
كاتب عماني ورئيس تحرير جريدة عمان أوبزيرفر
يرن منبه الهاتف للاستيقاظ لصلاة الفجر، وترن معه رسائل الفجر عبر الواتساب، بعين نصف مغمضة أناظر الوقت فأجد أن أذان الفجر لم يُرفع بعد! أساءل نفسي وهي شبه نائمة، هل هذا وقت مناسب للتراسل كي يبدأ الناس صباحهم به؟ أم هي عادة درجت لدى البشر بتطبيق مبدأ التسابق في كل شيء حتى وأن كان التسابق في المذموم؟ أم أنه الإدمان على الهاتف في كل وقت ومحاولة تتبع كل شيء؟
أرى كثيرًا ممن حولي وقد تحولوا إلى مدمنين ومتعاطين لعقارات (السوشيل ميديا) وتطبيقاتها يتنقلون من منصة لأخرى يتصفحون هذا ويردون على ذاك، يدخلون في جدل حول قضية مثارة تشغلهم ليوم أو أقل ثم ينتقلون بعدها إلى قضية أخرى، يشاهدون مقاطع قصيرة لموضوع معين ويصنعون محتوى أيا كان شكله ومضمونه في منصة أخرى، يراقبون كل حركة وإعجاب وتعليق وثناء وذكر، ليمر اليوم بأكمله منذ طلوع الشمس وحتى الغروب في إهدار الوقت والحياة في ما لا يعود في الكثير منه بالفائدة على الذات أو المجتمع.
جربت قضاء يوم كامل في ساحات وحارات (السوشيل ميديا) لاختبار الحياة الافتراضية كيف تكون هذه الحياة؟ وفيما يقضي سكان هذه الحارات يومهم، وما الذي يمكن أن أتعلمه منها؟ وما يمكن أن أتعرض له بقصد أو بغير قصد والفوائد والمساوئ التي يمكن أن أجنيها في ذلك اليوم من بقائي وتنقلي بين تلك المنصات.
عقب هذا اليوم وبعد عودتي من تلك العوالم وجدتني ولوهلة غريبًا عن واقعي الذي أعيشه، عن أصدقائي الذين أعرفهم عن أهلي المحيطين بي عن جيراني. حياة أقل ما توصف بأنها متطرفة في كثير من تفاصيلها، تارة تجدها وردية زاهية براقة، الجميع فيها يظهر أحسن ما فيه ويلبس أحسن ما لديه ويتباهى بأفضل ما يملك، ويتفاخر بما يأكل ويشرب ويسرد تفاصيل يومه مع أهله وأسرته وأطفاله وعمله ويتحدث بلسان عذب جذاب عسلي المنطق.
وتارة أخرى تجدها قاتمة سوداء كل ما فيها مصائب وكوارث ومشاكل وحروب ودمار وخراب وتذمر وتأفف واستهجان وكأن نهاية العالم ستكون غدا، والدنيا قد أصبحت سوداء مظلمة لا يرتجى لضوء خافت أن ينير دروبها. وبين هذا وذاك تتأرجح كفة بعض الحارات وبعض الساكنين بين الواقعية المجردة والفلسفة الطوباوية اليوتوبية التي تتخيل مثالية الإنسان وكماله، وان لم تكن في واقع الحياة الحقيقي لكنها في واقع الحياة الافتراضي.
تعلمت الكثير من هذا اليوم وفي هذا اليوم، تعلمت من الناجحين كيف نجحوا ومن الفاشلين كيف فشلوا أيضا، تعلمت وتعرفت على مهارات لم أكن أعرفها أو أتقنها في يوم ما، تعلمت كثيرا من الفضائل في الأخلاق وفي التربية وفي الذات وفهم الإنسان والحياة، تعلمت كيف أقضي يومي وغدي وكيف أخطط لمستقبلي، وكيف أبني ذاتي بنفسي، وتعلمت أشياء قد لا تتسع هذه الأسطر لذكرها.
غير أن خلاصة تجربة ذلك اليوم أنك كنت ذاتك من يُقرر ماذا يريد، ومتى يريد وكيف يريد فلا سلطان عليك وأنت ساكن في بيوت منصات التواصل، فأنت رقيب ذاتك وتعرف كيف تقطف ثمارًا ما تزرع وكيف تستفيد مما تبحث عنه وتتعرض إليه، وتعرف أيضا كيف تستعد للمستقبل الذي يُخبئ في طياته الكثير من المفاجآت فما نعرفه اليوم من منصات حتما سوف يتغير غدا لتأتي بعده منصات هي أكثر انفتاحا وأكثر واقعية وأكثر تفاعلية كما بشرنا البعض من أن الجيل القادم سيكون جيل الميتافيرس القائم على العالم الثلاثي الأبعاد والبيئات الافتراضية والاتصالات المتطورة وأشياء لا نعلم بعد عنها الكثير.
كاتب عماني ورئيس تحرير جريدة عمان أوبزيرفر