يبعث اللقاء الأبوي المفتوح الذي جمع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم " حفظه الله ورعاه " بأبنائه مشايخ ولايات محافظتي الداخلية والوسطى بحصن الشموخ العامر بولاية منح مؤخرًا العديد من الرسائل التي تحمل مضامين مهمة تستهدف جميعها صالح الوطن والمواطن واستدامة رفاهيته وكانت بمثابة خارطة طريق للمرحلة القادمة من عملية التنمية والبناء .

وقد ارتأيت هُنا أن أركز على إحدى تلك الرسائل وهي التي تناولت " دور شبكات التواصل الاجتماعي " وتأثيرها البالغ في تربية الأبناء " وضرب نسيج الأسرة وعدم الإفادة منها بما يصب في صالح المجتمع وخيره .

وقد جاء حديث جلالته " أبقاه الله " في هذا الجانب واضحًا لا لبس فيه إذ اعتبر أن هذه الشبكات " أُستغلت بطريقة سلبية جدًا " وهذا الاستغلال ألقى بظلاله القاتمة على تربية النشء وعلى العادات والتقاليد الأصيلة والترابط الأُسري وطرق التعامل بين الأفراد .

إن التوظيف غير الصحيح وغير الهادف لهذه المنصات المفتوحة له أبعاد غاية في الخطورة، فإلى جانب أنه يدمر الطاقات الذهنية ويبدد الوقت فيما لا طائل منه فإنه يشوش على جدوى الخطط التنموية والمشاريع والرؤى والاستراتيجيات المختلفة عبر إثارة البلبلة والتشكيك في قدرتها على تحقيق أهدافها المنوطة بها .

لا شك أن المتابع للأحداث المتوالية التي عصفت وما زالت تعصف بعدد من الدول العربية منذ العام 2011 م الذي عُرف بالربيع العربي " ولا يبدو أنه كذلك " يمكنه التعرف على نتائج سوء توظيف هذه المنصات وتسخيرها التسخير الأمثل من قبل أفراد غير مستوعبين لهذه النتائج أو جهات مغرضة وغير معروفة إذ أدى إلى أن تصبح تلك الدول " مشلولة " بل و" فاشلة " هي الآن في أمّس الحاجة إلى إعادة البناء الذي قد يستعرق زمنًا طويلًا بإمكانات هائلة كان من الأولى توظيفها لدعم المشاريع الحيوية والاستراتيجية.

إن الدخول إلى هذا العالم الافتراضي بمنصاته المختلفة يتطلب المزيد من الوعي والإدراك، ذلك الوعي الذي يقوم على عدم الإضرار بالأفراد والمجتمع ومقدراته وبالوطن ومنجزاته وبالأمن والاستقرار، كما يتطلب التحلي بالمسؤولية من قبل الجميع ومراعاة القيم الأصلية والمبادىء التى تربى عليه الإنسان والأخلاقيات التي تشربها منذ أن خرج إلى هذه الحياة .

وقد عُرف عن المجتمع العُماني منذ القدم أنه مجتمع مترابط يوقِرُ فيه الصغير الكبير ويستمع فيه الكبير إلى الصغير ضمن علاقة متزنة قوامها الأُلفة والتراحم والتناصح .

كان التعبير عن الرأي بكل شفافية ومباشَرة ولا يزال سمة أصيلة من سمات أفراد المجتمع العُماني فحوار جلالة السلطان المعظم - أيده الله - مع أبنائه بولاية منح تم في جو عائلي تحيطه المودة والسلاسة والبساطة وعدم التكلف وهو دليل لا يقبل الشك في إيمانه - حفظه الله ورعاه - بأهمية سماع وجهات النظر والإفادة منها وتأكيدًا للسمت العُماني الراسخ الذي يعتبر الانصات وقبول الرأي المختلف وتصويب ما يتوجب تصويبه مكون رئيس من مكوناته.

كما أن تبادل الأفكار البناءة والحوار المباشر استمر كسمة تفرد بها المجتمع العُماني عبر منابر متعددة وأهمها مجلسا الدولة والشورى وقبل ذلك كانت السبلة العُمانية والمجالس المفتوحة وهذا إنما يؤكد أن الاستماع للآخر والتعبير الحر المسؤول عن الأفكار ليس بغريب على المواطن العماني الذي يزداد بشخصيته المتزنة نضوجًا ومسؤولية تجاه وطنه وأمته .

أخيرًا، فإن عالم شبكات التواصل الاجتماعي المتاحة للجميع بما يتسم به من تنوع وسرعة إنما هو عالم افتراضي يرتاده أناس من خلفيات وثقافات وتوجهات ومشارب مختلفة لذا يجب أن تعلو فيه الأصوات لصالح الوطن ودفاعًا عن مصالحه وبدافع بنائه ونهضته، أما من يلهثون من أجل تحقيق مآرب ضيقة وصناعة بطولات شخصية فلا حاجة لنا بهم ولن نلتفت إلى نعيقهم وترهاتهم .