ـ 1 ـ

نعمة كبرى أن المطر، الذي أتفرج عليه الآن من وراء النافذة، كأنما لأول مرة، ليس سلعة بيد مافيا السلع الاستراتيجية كالوقود والخبز والكهرباء، والضمائر... وإنما بيد السيد الأعلى والأكبر، الذي يجعل غيمة تتمايل في السماء... ثم بضربة رعد، ولمعة برق، تصير مطراً يجعل البطاطا في متناول الفم. ويضع على فم الطفل أغنية قديمة للنهر:

أيها النهر لا تسر وانتظرني لأتبعك

أنا أخبرت والدي أنني ذاهب معك.

ـ 2 ـ

منذ ستة عشر عاماً، غادرنا أحد شعراء سورية الأذكياء. بعد أن ترك على طاولة إبداعه 85 كتاباً، بين الشعر والمسرح والرواية والترجمة، مما جعل، من أوصافه، أنه ورشة كتابة لا تتوقف عن الإبداع....الشاعر ممدوح عدوان.

«كنا في الصحراء، جوعى عطشانين،

نبحث عن قطرة ماء...

حين أتت طائرة الأعداء

قصفتنا... قصفتنا... قصفتنا...

فتفجر نبع الماء.»

ـ 3 ـ

قبل ثماني سنوات، كتبت هذا النص، الذي كان مؤلماً، في تلك الأيام، أكثر من الآن:

«لا تنس أيها العجوز، وأنت تتعكز على عصاك... أنها غصن.

وأنت أيها الراعي، لا تنس، وأنت تقود بها قطيعك... أنها غصن.

لا تنسى أيها المايسترو، وأنت تهش بها على النوتات... أنها غصن.

لا تنسى أيها المعلم، وأنت مقتنع بأن العصا لمن عصا، وأنها من الجنة... هي ابنة جارتك الشجرة المتدلية أغصانها على شبّاك المدرسة.

وصلنا إليك... أيها الجلاد أيضاً:

لا تنس أنها غصن.

ـ الجلاد: نحن لا نستخدم العصا.

بل «كيبل الكهرباء المجدول».

ـ 4 ـ

سيكون بانتظارك... طائر حب، على غصن حور، تحت المطر، في هذا الشتاء، فإن لم تأتي في الصيف، تحت مظلة نعومة المساء، فإن لم تأتي سيقول لك الخريف: تعالي نزخرف، بكل ألوان العالم... أعمارنا.

فإن لم تأتي، في كل الفصول، سيكون بانتظارك الفصل الخامس المستحيل في تقويم الزمن.

ـ 5 ـ

بعد أن دخل الصديق المخرج السينمائي، عبد اللطيف عبد الحميد، إلى غرفة عمليات القلب المفتوح، جلسنا في غرفة الطبيب ننتظر في قلق، وريثما تتم عملية التخدير سألت الجراح:

هناك عشرات الأسباب لاعتلال هذه العضلة النبيلة... القلب. سؤالي: ما نوع تأثير الضغوط النفسية والصدمات الحياتية على القلب؟

أجاب الدكتور فادي محمود: هناك حالة نسميها: «القلب المكسور». وهي تحدث نتيجة صدمة مفاجئة، بتأثير حدث صاعق. مثل فقدان شخص عزيز.

هذه الجملة الشعرية تنطبق على حالة عبد اللطيف: لقد ماتت رفيقة عمره عن خمس وأربعين عاماً. وخلال شهر من الوحدة والوحشة والحزن... صار يتعب من صعود سلم مؤلف من 10 درجات.

بين «القلب المكسور» و«القلب المفتوح» تلك المسافة بين البيت والمشفى.

«ستنجو»... قلت له، وهو يمضي إلى غرفة العمليات.

ـ 6 ـ

من دفتر قديم:

«الشجن يجب ألا يسد فتحات الناي».