نوف السعيدية

يسهل في أيام الأداء الحاسمة - إن كانت اختبارات أو اجتماعات عمل - أن تلاحظ تفاوت أدائك من يوم لآخر. بعض هذه التفاوت لا تُعزى للمزاج وحده. شيء ما كامن قد يؤدي بك لأن تؤدي على نحو مثالي تارة، ولأن يعتل أداؤك في حالات أخرى. خصوصا إن كنت تنتمي لمجموعة لها صورها النمطية الخاصة، أو أقلية من الأقليات.

تهديد الصورة النمطية

ظاهرة تهديد الصورة النمطية، يمكن أن توصف بأنها تأثر أداء الفرد عند القيام بمهمة ما، إذا ما كانت البيئة المحيطة تُحفز تفكير الفرد في نفسه باعتباره ينتمي لمجموعة تُعرف - وفق الصورة النمطية عن المجموعة - بضعف أدائها في ذلك المجال. ضعف الأداء هذا يأتي من وعي الفرد بأنه يُختبر في مجال يعتقد المراقبون بعدم جدارة الفرد فيه. هذا الوعي غالبا ما يتسبب بقلق وتشتت انتباه، يحدو بالفرد إلى أن لا يؤدي بالمستوى الذي قد يؤدي به في حال غابت المحفزات التي تدفعه للتفكير النمطي. يتلو ضعف الأداء - أيضا - شعور بالخيبة لأن الفرد ساهم في تأكيد الصورة النمطية عن مجموعته.

نظرة الآخر

النظرة أو التحديقة هي وعي الفرد بأنه يُعاين من قبل الآخرين. فكرة طورتها الفلسفة الوجودية والظواهرتية "الفينومينولوجيا" واهتمت بها فروع العلم الأخرى مثل علم النفس وعلم الاجتماع. وتتجلى في وعينا الدائم بأننا مُراقبون، وأننا مُعرضون لحكم الآخرين علينا، معرضون لأن نُثبَّت عبر تحديق الآخرين في صورة وحيدة، في انطباع محسوم. هذه الفكرة قد تضيء شيئا حول ظاهرة التهديد النمطي. حكم الآخر قد يؤثر في طبيعتنا. فجأة تُصبح المهام التلقائية موضوع اختبار، وما تعرفه عن نفسك محل شك.

إننا نقوم بشيء ما أول مرة - كقيادة سيارة - فينصب كل انتباهنا على إتمام المهمة بين يدينا، مع استمرار التمارين تُصبح القيادة أشبه بالعادة، إنك تقود من مقر عملك إلى البيت، متجاوزا، متوقفا عند كل إشارة حمراء، لكن دون أن تعي أنك تقود. لا تُساهم العادات في جعل الأمور أسهل فحسب، بل إن التفكير الواعي في المهمة المعتادة قد يؤثر في دقة القيام بها. مثلا تفكيرك الواعي بالرقم السري أمام آلة الصرافة لا يُساعد في تذكره، تلقائية ضرب الأصابع على أزرار الآلة في نمط معتاد هو ما يُساعد، وكأن عضلاتك هي التي تتذكر. الوعي بتحديق الآخر - في المقابل - يزج بالوعي في منتصف المهمة، مُجردا إياك من عاداتك التلقائية، من ذاكرتك العضلية، ومُخلا بأدائك مجملا.

الأدلة التجريبية

تُشير صفحة الموضوع على ويكيبيديا إلى أن أكثر من 300 دراسة تمت في الموضوع. وأن البعض يعزو الفجوة في الأداء بين الذكور والإناث في الرياضيات، أو بين البيض والسود عموما، لهذه الظاهرة.

عادة ما تُختبر هذه الظاهرة بمقارنة أداء مجموعتين، واحدة في بيئة محايدة، والأخرى في بيئة تُفعل فيها الصور النمطية. مثلا، أن يُشعر المدروسون أن التجربة تقيس الفروق الجندرية في مقابل إشعار المجموعة الأخرى أنه مجرد اختبار قدرات، أو تملأ جدران المكان بصور ذكور يحلون مسائل الرياضيات، وهكذا.

في مقال بعنوان "أثر التهديد النمطي على أداء البيض والسود الرياضي" منشورة على مجلة "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي"، يصف الباحثون تجربة تضمنت لعبة جولف. تمت التجربة بنسختين، شُرح للمشاركين في الأولى أنها تقيس القدرات الجسدية الطبيعية، فكانت النتيجة أن أدى الأمريكان الأفارقة أداء أفضل من الأمريكان الأوروبيين. حين وصف الاختبار - في المقابل - باعتباره مصمما لقياس الذكاء الرياضي قدم الأمريكان الأوربيون أداء أفضل من الأمريكان الأفارقة.

يمكن تفسير هذه الظاهرة بلغة علم الأعصاب، على النحو نفسه الذي يُفسر به القلق عموما. الدماغ القلق يكون في حالة الكر أو الفر fight-or-flight استجابة لأبسط المحفزات: كل ما عليك هو تقديم عرض مرئي أمام المجموعة لكن ضربات قلبك تتسارع، إنك تتعرق وكأن نمرا يوشك على الانقضاض عليك. في حالات القلق هذه لا يُتخذ القرار عادة في الفص الجبهي من الدماغ، بل في جزء أكثر بدائية: اللوزة الدماغية. ردود الفعل في هذه الحال ليست بالضرورة مدروسة، وهي أقرب للاستجابة التلقائية.

ما المثير في هذه الظاهرة؟

تضيء الظاهرة منطقة مهمة في موضوع العدالة والمساواة بين الأنواع الجندرية، وبين الأعراق. إنها تُشير لصعوبة فصل السبب عن النتيجة. فمع أن أنثى ما قد تؤدي بشكل سيئ في اختبار الرياضيات فهذا غير نابع بالضرورة من فروق بيولوجية جندرية، بل فقط لأن هذه السردية تتوافق مع الصورة النمطية التي تُعرف عن جنسها. ليس علينا أن نتوقع أن تؤدي الفتيات على نحو مثالي من أجل أن نغير صورتنا النمطية عنهن، بل علينا تغيير الصورة النمطية حتى نرفع عنهن هذا الثقل. التمثيل المتوازن قد يكون أيضا أحد الحلول العملية لمكافحة الفارق الذي يتسبب به التهديد النمطي. مثلا أن يرى الملونون من يُمثلهم في المراتب العليا، وأن ترى الفتيات من يُمثلهن في مجالات الرياضيات وعلوم الكمبيوتر.

يضع التهديد النمطي على عاتقنا - خصوصا التربويين في مؤسسات التعليم، والموارد البشرية في أماكن العمل، وصناع القرار منا أينما كانوا - مهمة جعل بيئة الدراسة، أو العمل، أو التفاعل عموما محايدة قدر الإمكان، والتأكد من خلوها من أي "مفاتيح" قد تُحفز الصور النمطية.