في أواخر 2018 كان لي شرف المشاركة في "منتدى الشباب في المنطقة العربية" والذي عقد في مدينة أصيلة المغربية، وركز على مهمة وضع نموذج جديد متصور وسردية حول إشراك الشباب في تحقيق السلام والأمن في المنطقة العربية، وأتذكر جيدًا تركيز المحاورات والنقاشات المضمنة في المنتدى وهامشه على ثلاثة عناصر أساسية في عملية إشراك الشباب في مشهد التنمية العربية بشكل عام وهي (الفهم، الثقة، ردم الفجوة). فالشباب من مختلف الأقطار العربية – وإن تفاوتت الأوضاع التنموية والسياسية – في منطقة لا يمكن في اللحظة التاريخية الراهنة الحكم على تماثلها، إلا أن تركيبة التفكير الشبابي، وطبيعة "النموذج" الذي يرى فيه الشباب واقعهم المعيش، وتطلعهم إلى مستقبل التنمية في بلدانهم تكاد تكون متماثلة، ومتسقة. وبالعودة إلى الثلاثية السابقة، فإنها تعبر عن الأعطاب الرئيسية التي يرى الشباب أنها تشكل عائقًا أمام إشراكهم أو مشاركتهم في السياسات العمومية، وفي المشهد السياسي، وبإدماجهم في العمل التنموي عمومًا.

جاء توجيه عاهل البلاد المفدى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – أيده الله – في 12 أكتوبر 2021 خلال ترؤس جلالته اجتماع مجلس الوزراء، بضرورة الاستماع إلى الشباب، والتماس وجهات نظرهم بما يفعل دورهم المحوري في التنمية، تأكيدًا على الإرادة السياسية نحو إعادة موضعة الدور الشبابي في العقد التنموي الراهن، وبلا شك أن هذه الإرادة تبنى على عدة معطيات أهمها الممكنات التي أصبحت الثروة الشابة الفتية في تركيبة المجتمع بسلطنة عُمان تحظى بها، ومنها ناتج عقود من التنمية البشرية وانعكاس ثمارها على هذه الفئة، وتحول البلاد إلى ما يعرف بالفرصة الديموغرافية "الهبة الديموغرافية"، وأهمية الاستثمار في العائد الديموغرافي من خلالها، عوضًا عن روح المبادرة والتعبير عن الذات التي يمكن أن نلحظها من خلال واقع الشباب في حقول فاعليتهم المختلفة، سواء في الأعمال الرسمية التي يقومون بها، أو نشاطهم المجتمعي، أو في قدرتهم على التعبير عن الذات الثقافية للمجتمع في منصات عدة أو من خلال إثباتهم لامتلاك مستويات جيدة من الوعي المؤسس لمشاركة عامة موزونة ومثمرة.

وعليه فإننا نفترض في أي حراك مؤسسي ينشد الاستماع إلى الشباب أو إشراكهم في رسم السياسات العامة أن ينبني ويتأسس على هذه الممكنات وينطلق منها، سواء كان من خلال مؤسسات الدولة المركزية، أو من خلال المحافظات، تعبيرًا عن اللامركزية، وأن يسعى لتحقيق المتطلبات الثلاث التالية:

- زيادة الفهم بالواقعة الشبابية، وذلك من خلال معرفة طرائق التفكير، الأولويات، التصورات، ممكنات الفعل التنموي لدى الشباب، والنظرة العامة التي يحوزها الشباب إزاء مشهد التنمية.

- إيجاد منهجية واضحة ومحددة لتبني رؤى الشباب وإدماج وجهات نظرهم حيال المشهد التنموي، ومتابعة ما يطرأ على هذه الرؤى والآليات التي يتم تبني بعضها من خلال المؤسسات الرسمية.

- إدماج الشباب في عملية تنفيذ أفكارهم ورؤاهم من خلال بعض المبادرات والمشاريع وتحويلها إلى واقع ملموس بإدارة الشباب أنفسهم، وبمتابعتهم أنفسهم.

بلا شك أنه في المرحلة المقبلة قد نشاهد مبادرات من قبل المحافظات لإشراك الشباب والاستماع إليهم، خاصة في ضوء الإعلان عن "برنامج تنمية المحافظات"، والتوجه إلى تمكين موارد المحافظات، وهو ما يشكل مقومات شبه متكاملة لأن يكون نتاج الجلسات وطرائق الوصل بالشباب والمنصات التي يقام عبرها الحوار مع الشباب ممكنة وقابلة للتطبيق في آجال متوسطة على أقل تقدير، ولعل أجندة العمل التي يمكن أن تركز عليها المحافظات في تقديرنا خلال حوارها مع الشباب هي أجندة من قبيل:

- آليات موطنة القدرات الشبابية داخل المحافظات أنفسها، والحد من الحراك نحو المركزية، من خلال اقتراح المشاريع المموطنة لهذه القدرات والجاذبة لها، ومن خلال استثمار أفكار الشباب في تعزيز جاذبية المحافظات أنفسها.

- محددات الاستثمار التنافسي في المزايا النسبية للمحافظات، وخاصة تلك المزايا المرتبطة بالموارد غير الملموسة (المزايا الثقافية، السمات العامة للمحافظة، أنماط الحياة...) وتحويلها إلى موارد اقتصادية جنبًا إلى جنب مع الموارد الطبيعة والموارد الملموسة.

- آليات تفعيل الكيانات والبنى والمؤسسات الشبابية القائمة والتشغيل الكامل لها وفق جداول زمنية محددة، ووفق رسائل تخاطب مختلف اهتمامات الشباب وتطلعاتهم، والأهم أنها تدمجهم في تجمعات شبابية ضامنة لنقل الخبرات والمعارف والعلوم وتلاقح الأفكار.

في أطروحته حول"الشباب والحكم الجيد والحريات" يتحدث علي الصاوي عن نقطة بالغة الأهمية في مسألة إشراك الشباب، بالقول إن هذا الإشراك ينبغي أن يتأسس على فرضية "الثقة في اختيار الشباب وأن نترك لهم تحديد أولوياتهم، اقتناعا بأن الخبرة تأتي مع الممارسة وأن الصبر على الشباب ضروري لكي نعطيهم الفرصة لإجادة التجريب والتعلم من الأخطاء.. والسؤال الذي ينبغي طرحه ليس هو "ماذا نريد للشباب؟" ولكن هو "ماذا يريد الشباب لأنفسهم؟" ويترتب على هذا التزام بالرجوع إلى الشباب بكافة الطرق "المباشرة" الممكنة لمعرفة أولوياتهم وقياس قدراتهم وتنمية مهاراتهم". وفي تقديرنا فإن التمكين الذي يبدأ من المحافظات قبل المؤسسات المركزية من الممكن أن يشكل حقلًا عامًا تختبر فيه العديد من نماذج التمكين والمشاركة والحوار مع الشباب، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة اكتمال البنية المعلوماتية والمعرفية حول الشباب في كل محافظة من خلال قواعد البيانات وحقول البحث والدراسة التجريبية لواقع الشباب في المحافظات، لمعرفة النماذج الأكثر مناسبة وجدوى للتعامل معهم والاستماع إليهم وإشراكهم. بما يخدم تفعيل دورهم في التنمية الوطنية.