نوف السعيدية
هل تستخدم النساء اللغة على نحو يخالف استخدام الرجال لها؟ عادة ما أتجاهل أسئلة كهذه على اعتبار سهولتها: أي أنه ما من سبب يدعونا للاعتقاد بالتمايز اللغوي بين الجنسين، هذا أولا، وثانيا، لا بد وأن يكون منهج دراسة الظاهرة غير معقد. إلا أنني مؤخرا ومع دراسة مقرر «اللغة والجندر»، تفاجأت بأن الأغلبية لا تستخف بالسؤال، ولا تفترض سهولة الإجابة ولا وضوح منهج المعالجة.
ما لفت انتباهي بشكل خاص ملاحظة إحدى المعلمات ضمن المجموعة حول العلاقة بين النمو وتباين استخدام اللغة. إذ تقول إنها لاحظت فرقا في التعبير اللغوي لدى الأطفال. ليس هذا فحسب، لكنها أيضا تُشير إلى نقطة فارقة في حياة الأطفال، حيث يظهر الفرق في استخدام اللغة بيّنًا، وذلك - كما لك أن تتخيل - مع بدء علامات المراهقة. تقول - نصف مازحة: «كانوا في الصف الرابع مجرد أطفال، وهاهم مع انتقالهم للصف الخامس، يفاجئني الذكور منهم باستخدام المفرادات التي تُشدد على انتمائهم للمجموعة». مفردات مثل «برو/يا خي»، «دوود/ صاحبي». لا تكاد تخلو أي مادة - تناقش الموضوع أو تحاول الكشف عن العلاقات والتنافرات المحتملة في لغة الجنسين - من الإشارة إلى دراسة لاكوف للتمايز اللغوي. بل ويعزى لها بداية هذا الشكل من الدراسات في اللغويات الاجتماعية والدراسات الجندرية. في كتابها المعنون بـ «اللغة وموقع المرأة»، تُحدد روبن لاكوف مجموعة من سمات هذا الاختلاف. الجدير بالذكر أن طريقة المعالجة اعتمدت بشكل كبير على الحدس، والتجارب الشخصية. البيانات المستخدمة لاستخراج هذه العناصر، مكونة من الملاحظات الشخصية للكاتبة «إن كان لنفسها، للنساء من حولها، أو الشخصيات العامة في وسائل الإعلام».
ترى لاكوف أن نموذج اللغة الذي تستخدمه النساء، هو نموذج معتل. بمعنى أنه يُنظر إلى لغة الرجل على أنها اللغة المعيارية، وهكذا تحيد النساء عن المعيار القياسي للحديث. إذ مثلما يتحدث المنتمون إلى طبقات مختلفة (العاملة مقارنة بالمتوسطة مثلا) مستوًا مختلف من اللغة يُطلق عليها اللهجة الاجتماعية، كذلك يتحدث المنتمون لجنس ما «لهجة جندرية» خاصة.
لغة المرأة - حسب لاكوف - تختلف عن الرجل في عدة سمات أساسية:
1. التعابير المتحفظة: استخدام كلمات وتراكيب تُلطف أو تُضعف قوة التصريح، مثل: ربما، على الأغلب، تقريبا.
2. النعوت الفارغة: مثل حلو، لطيف، حبوب، وهي مفردات إيجابية إلا أنها غير محددة.
3. التهذيب: استخدام شكلا مهذبا من الحديث.
4. كثرة الاعتذار
5. قلة الكلام/ الاقتصاد. فيما الرجل في الغالب يُقاطع أكثر، ويُهيمن على المحادثة.
6. تجنب الشتائم أو القسم (الحلف)
7. الأسئلة الملحقة: «الجو حار. أليس كذلك؟»، «السوبرماركت مغلق، صح؟»، «الطقس حلو، لاه؟». وحتى موسيقى الحديث، يُصبح الصوت أعلى قليلا في نهاية الجملة. كما لو كان سؤالا.
8. المبالغة في دقة استخدام القواعد اللغوية، واستخدام مفردات متخصصة في بعض المجالات. كوصف الألوان. فيما يستخدم الرجل لغة غير معيارية، أو مصطلحات غير دقيقة. إنه مثلا «يستعبط dumb down» في حديثة، كوسيلة لتعزيز الترابط. سعي الرجل وراء البرستيج أو الهيبة خفي نوعا ما، مقارنة بالمرأة، يعود ذلك - حسبما ترى لاكوف - لأن الرجل لم ولا يحتاج لإثبات أي شيء.
9. الطلب غير المباشر: تحويل تصريح ما إلى سؤال. «أغلقتَ الباب؟» بدلا من «أغلق الباب». بينما الرجل في المقابل أكثر مباشرة، وأكثر استخداما لصيغ الأمر. «أعطني المقص»، بدلا من «ممكن تعطيني المقص؟».
10. التحدث بالإيتاليك أو وضع المفردات بين قوسين: التشديد على كلمات محددة أثناء الحديث.
11. افتقار الفكاهة أو خفة الدم. فيما يبدي الرجل - حسب اعتقاد لاكوف - حسا عاليا بالفكاهة، ويضمن نكات أكثر، وفي المجمل يتحدث بطرافة أكبر.
12. التعابير المُكثفة: مثل قطعا، تماما، جدا
الثيمة العامة لهذه الاتجاهات تعكس التردد، عدم الثقة بالنفس، والحاجة لموافقة تصديق واستساغة الآخرين لمحتوى الحديث. وهو كنتيجة يُضعف موقعها كامرأة. كلها عوامل تجعل النساء يبدين أقل سلطة. والاستمرار في استخدام لغة الاستلاب هذه يعزز دور المرؤوس، ويستبقِ المرأة في مكانة أدنى.
نتاج لاكوف بالطبع كان باكورة جهد متزايد، وأبحاث أكثر منهجية لتحليل الاختلافات الجندرية في استخدام اللغة. وصل بعضهم لنتائج تخالف لاكوف تماما. إن كان بسبب استخدامهم وسائل بحث كمية، ومناهج أدق، أو لكون التغييرات الاجتماعية - منذ نشر الكتاب في السبعينيات - مؤثرة بما يكفي لتقليل الفوارق اللغوية بالتوازي مع التآم الهوة بين الذكور والنساء إن كان في الفرص والحظوظ أو في الطريقة التي يعبرون بها عن أنفسهم.
على سبيل المثال تتبع كل من وليام م. أوبار وبومان ك. اتكينز في صيف 1974 عينة من المتحدثين الرجال والنساء. حيث درسوا وحللوا 150 ساعة من المحاكمات في نورث كارولينا. وبالرغم من أن معظم المحامين كانوا ذكورا، إلا أن الشهود توزعوا بين الجنسين على نحو متساوٍ تقريبا. وبتتبع أنماط الحديث التي وصفتها لاكوف، استطاع الباحثان اكتشاف بعضها في العينة. باستثناء الخصائص التي لامكان لها في المحكمة مثل الحديث الطريف والأسئلة الملحقة. وجدوا أن خصائص الحديث العاجز هذه ليست حكرا على النساء أولا، وأنها - ثانيا - ترتبط بالمكانة الاجتماعية أكثر من ارتباطها بالجنس. الفارق أنه متى ما ظهرت في النساء، فإنها تظهر على نحو أقوى. المستوى العلمي، الوظيفة، وموقع الشخص في السلم الوظيفي، كلها عوامل تساعد في ظهور أو انحسار خصائص لاكوف. وكما هو متوقع، فالمتعلمون، وأصحاب الوظائف الأرفع بدوا أكثر ارتياحا في المحكمة، وأقل إظهار لخصائص الاستلاب. اقترح الباحثان في النهاية أن مصطلح «لغة المرأة» ليس دقيقا، وأن «لغة الاستلاب» هي وصف أشفى للظاهرة. كما اقترحوا إنه، إذا ما ظهرت هذه الخصائص لدى النساء، فإن ذلك لا يعود لجنسهن، بل لحقيقة أنهن في العموم يشغلن موقعا اجتماعيا أدنى. فالذكور في الغالب يشغلون مواقعا قيادية، يمتلكون النصيب الأعلى من الثروات. وهكذا فتحدثهم من موقع قوة له سمات تختلف عن سمات التسليم التي قد يمتاز بها العاملون لديهم.
دراسة مثل هذه الظواهر على نحو ممنهج تُساهم في دحض الصور النمطية حول الجنسين. من المهم أن تُعزى الظواهر للأسباب الحقيقية. وحده الفحص المعمق قادر على أن يُرشدنا للأسباب الكامنة، عوضا عن الأسباب الظاهرية التي تقابل المتلقي أول الأمر. فالفحص السطحي يُشير فعلا إلى اختلاف استخدام اللغة بين الرجال والنساء، إلا أن الجنس ليس السبب. ما من فارق جوهري في الجنس بحد ذاته. الفارق هو في الظروف الاجتماعية والثقافية لكلا الجنسين. وشغل الرجال لفترة من الزمن مرتبة أعلى من المرأة في الذهنية العامة. إذا ما كان تحليل أوبار واتكينز صحيحا فهذا سيعني أن هذا التمايز سيختفي مع الوقت.
هل تستخدم النساء اللغة على نحو يخالف استخدام الرجال لها؟ عادة ما أتجاهل أسئلة كهذه على اعتبار سهولتها: أي أنه ما من سبب يدعونا للاعتقاد بالتمايز اللغوي بين الجنسين، هذا أولا، وثانيا، لا بد وأن يكون منهج دراسة الظاهرة غير معقد. إلا أنني مؤخرا ومع دراسة مقرر «اللغة والجندر»، تفاجأت بأن الأغلبية لا تستخف بالسؤال، ولا تفترض سهولة الإجابة ولا وضوح منهج المعالجة.
ما لفت انتباهي بشكل خاص ملاحظة إحدى المعلمات ضمن المجموعة حول العلاقة بين النمو وتباين استخدام اللغة. إذ تقول إنها لاحظت فرقا في التعبير اللغوي لدى الأطفال. ليس هذا فحسب، لكنها أيضا تُشير إلى نقطة فارقة في حياة الأطفال، حيث يظهر الفرق في استخدام اللغة بيّنًا، وذلك - كما لك أن تتخيل - مع بدء علامات المراهقة. تقول - نصف مازحة: «كانوا في الصف الرابع مجرد أطفال، وهاهم مع انتقالهم للصف الخامس، يفاجئني الذكور منهم باستخدام المفرادات التي تُشدد على انتمائهم للمجموعة». مفردات مثل «برو/يا خي»، «دوود/ صاحبي». لا تكاد تخلو أي مادة - تناقش الموضوع أو تحاول الكشف عن العلاقات والتنافرات المحتملة في لغة الجنسين - من الإشارة إلى دراسة لاكوف للتمايز اللغوي. بل ويعزى لها بداية هذا الشكل من الدراسات في اللغويات الاجتماعية والدراسات الجندرية. في كتابها المعنون بـ «اللغة وموقع المرأة»، تُحدد روبن لاكوف مجموعة من سمات هذا الاختلاف. الجدير بالذكر أن طريقة المعالجة اعتمدت بشكل كبير على الحدس، والتجارب الشخصية. البيانات المستخدمة لاستخراج هذه العناصر، مكونة من الملاحظات الشخصية للكاتبة «إن كان لنفسها، للنساء من حولها، أو الشخصيات العامة في وسائل الإعلام».
ترى لاكوف أن نموذج اللغة الذي تستخدمه النساء، هو نموذج معتل. بمعنى أنه يُنظر إلى لغة الرجل على أنها اللغة المعيارية، وهكذا تحيد النساء عن المعيار القياسي للحديث. إذ مثلما يتحدث المنتمون إلى طبقات مختلفة (العاملة مقارنة بالمتوسطة مثلا) مستوًا مختلف من اللغة يُطلق عليها اللهجة الاجتماعية، كذلك يتحدث المنتمون لجنس ما «لهجة جندرية» خاصة.
لغة المرأة - حسب لاكوف - تختلف عن الرجل في عدة سمات أساسية:
1. التعابير المتحفظة: استخدام كلمات وتراكيب تُلطف أو تُضعف قوة التصريح، مثل: ربما، على الأغلب، تقريبا.
2. النعوت الفارغة: مثل حلو، لطيف، حبوب، وهي مفردات إيجابية إلا أنها غير محددة.
3. التهذيب: استخدام شكلا مهذبا من الحديث.
4. كثرة الاعتذار
5. قلة الكلام/ الاقتصاد. فيما الرجل في الغالب يُقاطع أكثر، ويُهيمن على المحادثة.
6. تجنب الشتائم أو القسم (الحلف)
7. الأسئلة الملحقة: «الجو حار. أليس كذلك؟»، «السوبرماركت مغلق، صح؟»، «الطقس حلو، لاه؟». وحتى موسيقى الحديث، يُصبح الصوت أعلى قليلا في نهاية الجملة. كما لو كان سؤالا.
8. المبالغة في دقة استخدام القواعد اللغوية، واستخدام مفردات متخصصة في بعض المجالات. كوصف الألوان. فيما يستخدم الرجل لغة غير معيارية، أو مصطلحات غير دقيقة. إنه مثلا «يستعبط dumb down» في حديثة، كوسيلة لتعزيز الترابط. سعي الرجل وراء البرستيج أو الهيبة خفي نوعا ما، مقارنة بالمرأة، يعود ذلك - حسبما ترى لاكوف - لأن الرجل لم ولا يحتاج لإثبات أي شيء.
9. الطلب غير المباشر: تحويل تصريح ما إلى سؤال. «أغلقتَ الباب؟» بدلا من «أغلق الباب». بينما الرجل في المقابل أكثر مباشرة، وأكثر استخداما لصيغ الأمر. «أعطني المقص»، بدلا من «ممكن تعطيني المقص؟».
10. التحدث بالإيتاليك أو وضع المفردات بين قوسين: التشديد على كلمات محددة أثناء الحديث.
11. افتقار الفكاهة أو خفة الدم. فيما يبدي الرجل - حسب اعتقاد لاكوف - حسا عاليا بالفكاهة، ويضمن نكات أكثر، وفي المجمل يتحدث بطرافة أكبر.
12. التعابير المُكثفة: مثل قطعا، تماما، جدا
الثيمة العامة لهذه الاتجاهات تعكس التردد، عدم الثقة بالنفس، والحاجة لموافقة تصديق واستساغة الآخرين لمحتوى الحديث. وهو كنتيجة يُضعف موقعها كامرأة. كلها عوامل تجعل النساء يبدين أقل سلطة. والاستمرار في استخدام لغة الاستلاب هذه يعزز دور المرؤوس، ويستبقِ المرأة في مكانة أدنى.
نتاج لاكوف بالطبع كان باكورة جهد متزايد، وأبحاث أكثر منهجية لتحليل الاختلافات الجندرية في استخدام اللغة. وصل بعضهم لنتائج تخالف لاكوف تماما. إن كان بسبب استخدامهم وسائل بحث كمية، ومناهج أدق، أو لكون التغييرات الاجتماعية - منذ نشر الكتاب في السبعينيات - مؤثرة بما يكفي لتقليل الفوارق اللغوية بالتوازي مع التآم الهوة بين الذكور والنساء إن كان في الفرص والحظوظ أو في الطريقة التي يعبرون بها عن أنفسهم.
على سبيل المثال تتبع كل من وليام م. أوبار وبومان ك. اتكينز في صيف 1974 عينة من المتحدثين الرجال والنساء. حيث درسوا وحللوا 150 ساعة من المحاكمات في نورث كارولينا. وبالرغم من أن معظم المحامين كانوا ذكورا، إلا أن الشهود توزعوا بين الجنسين على نحو متساوٍ تقريبا. وبتتبع أنماط الحديث التي وصفتها لاكوف، استطاع الباحثان اكتشاف بعضها في العينة. باستثناء الخصائص التي لامكان لها في المحكمة مثل الحديث الطريف والأسئلة الملحقة. وجدوا أن خصائص الحديث العاجز هذه ليست حكرا على النساء أولا، وأنها - ثانيا - ترتبط بالمكانة الاجتماعية أكثر من ارتباطها بالجنس. الفارق أنه متى ما ظهرت في النساء، فإنها تظهر على نحو أقوى. المستوى العلمي، الوظيفة، وموقع الشخص في السلم الوظيفي، كلها عوامل تساعد في ظهور أو انحسار خصائص لاكوف. وكما هو متوقع، فالمتعلمون، وأصحاب الوظائف الأرفع بدوا أكثر ارتياحا في المحكمة، وأقل إظهار لخصائص الاستلاب. اقترح الباحثان في النهاية أن مصطلح «لغة المرأة» ليس دقيقا، وأن «لغة الاستلاب» هي وصف أشفى للظاهرة. كما اقترحوا إنه، إذا ما ظهرت هذه الخصائص لدى النساء، فإن ذلك لا يعود لجنسهن، بل لحقيقة أنهن في العموم يشغلن موقعا اجتماعيا أدنى. فالذكور في الغالب يشغلون مواقعا قيادية، يمتلكون النصيب الأعلى من الثروات. وهكذا فتحدثهم من موقع قوة له سمات تختلف عن سمات التسليم التي قد يمتاز بها العاملون لديهم.
دراسة مثل هذه الظواهر على نحو ممنهج تُساهم في دحض الصور النمطية حول الجنسين. من المهم أن تُعزى الظواهر للأسباب الحقيقية. وحده الفحص المعمق قادر على أن يُرشدنا للأسباب الكامنة، عوضا عن الأسباب الظاهرية التي تقابل المتلقي أول الأمر. فالفحص السطحي يُشير فعلا إلى اختلاف استخدام اللغة بين الرجال والنساء، إلا أن الجنس ليس السبب. ما من فارق جوهري في الجنس بحد ذاته. الفارق هو في الظروف الاجتماعية والثقافية لكلا الجنسين. وشغل الرجال لفترة من الزمن مرتبة أعلى من المرأة في الذهنية العامة. إذا ما كان تحليل أوبار واتكينز صحيحا فهذا سيعني أن هذا التمايز سيختفي مع الوقت.