بدر العبري
أصبح العالم اليوم يعيش في دول قطريّة لها دساتيرها وأنظمتها الخاصّة، وانتقل من دولة الرّعيّة في أسلوبها التّقليديّ الّذي يغلب عليه الجانب القبليّ أو الدّينيّ أو المذهبيّ البسيط إلى دولة المواطنة المبنية على الحقوق الجامعة في الماهيّة الواحدة، تحت مظلّة الذّات الإنسانيّة.
لهذا تشكلت دولة المواطنة اليوم وفق هوّيّة واحدة تشمل الجميع، هي هوّيّة الدولة القطريّة الجامعة للكل، مع اشتمالها على هوّيّات أثنيّة عرقيّة أو مذهبيّة أو دينيّة أو قبليّة أو مناطقيّة، هنا تتشكل هوّيّة الهوّيّة، والهوّيّات الأقل، ويقصد بهوّيّة الهوّيّة ليس بالشريطة من حيث الأكثريّة، وإن كان الغالب ذلك، ولكن عادة ما تتكئ بعض الأنظمة على هوّيّة دينيّة أو مذهبيّة أو عرقيّة تجد فيها ضمانا لبقائها واستقرارها لفترة أطول.
إلا أنّ دولة المواطنة في تمثلاتها الكبرى هي من توجد دستورا لها مبنيا على الحقوق والقيم الجامعة بين الجميع، لتتشكل هوّيّة الدّولة الوطنيّة الواحدة، وكلما اقتربت الدّولة القطريّة من الماهيّة الجامعة كلّما اقتربت من دولة المواطنة في تمثلها الحقيقيّ والإنسانيّ، وهذا يحدث أكثر استقرارا وتطوّرا على كافّة الأصعدة.
ودولة المواطنة ليست لديها خصومة مع الهوّيّات، بل هي تحافظ على الخصوصيات وتنوعها، وتراها ثروة وطنيّة وقوميّة لها، لكنّها في الوقت نفسه تجعل الجميع على حدّ سواء تحت مظلّة المساواة والعدالة بين الجميع.
من هنا يأتي مفهوم الأقليات باعتباره وصفا دراسيّا إحصائيّا من حيث المكون السّكانيّ العام، على مستوى قطر معين، أو أكثر اتّساعا حسب قوميّة ما، أو محيط جغرافيّ معين، أو حتّى على مستوى العالم، ولكن ليس على حساب المواطنة؛ لأنّ المواطنة تجعل الجميع سواء من حيث المساواة في الذّاتيّة والماهيّة الواحدة، فهي تقترب – أي المواطنة – من الفردانيّة أكثر من اقترابها من الهوّيّات.
ويرى البرت أينشتاين [ت 1955م] في مقالته المنشورة 1934م «أنّ الجميع يسلمون بأنّ الأغلبيّة تعامل الأقليات – على الأخص عندما يتسم أفرادها بعلامات بدنيّة مميزة – معاملة الكائنات الأدنى مرتبة، ومأساة هذا القدر لا تقتصر على المعاملة غير العادلة الّتي تتعرض لها الأقليات اقتصاديّا واجتماعيّا، بل إنّ المأساة الحقيقيّة لهؤلاء المنكوبين هي وقوعهم أنفسهم بالتّأثير الإيحائي للأغلبيّة فريسة لنفس هذا التّحيز، فيعتدون ويعتبرون أنفسهم كائنات أدنى مقاما، وهذا الشّر الوبيل يمكن مداواته عن طريق تنمية الرّوابط، وتربيتها تربية هادفة، وهكذا تنال الأقليات تحرّرها الرّوحي».
بيد أنّ هذا الأصل يجب مجاوزته في دولة المواطنة تلقائيّا، ولكن يظهر أثر ذلك السّلبيّ على الأقليات عندما لا ينشأ مفهوم المواطنة في هذا القطر على أساس قيم الماهيّة الواحدة، وإنّما كما أسلفنا على أساس هويّة الهوّيّة، لا هويّة الدّولة المشتركة والجامعة بين الجميع.
لهذا لا يحبّذ العديد من المعاصرين استخدام لفظة أقليات في ضوء دولة المواطنة، وإنّما يحبّذون استخدام لفظة تعدديّة أو تنوع للمكونات العرقيّة واللّغويّة والدّينيّة والثّقافيّة في هذا الإقليم، وهذا التّنوع في حدّ ذاته ثراء لهذه الدّولة، وكلّما كثر التّنوع كلّما كثر هذا الثّراء، والعكس صحيح.
فالتّنوع مثلا يثري الجانب السّياحيّ والفنيّ والجماليّ لهذا القطر، كما يثري أيضا الجانب المعرفيّ، وتتشكل بذاته لوحة ثقافيّة متعددة الألوان، وهذا يسقط على الجانب الاقتصاديّ للقطر ذاته، عكس أن تتشكل الدّولة على لوحة ذات لون واحد، فلهذا تأثير أقل من ذاك.
كما أنّ بناء دولة المواطنة على أساس التّعدديّة يسهم في وحدة هذه الدّولة القطريّة واستقرارها، فالجميع يشعرون بأنّهم سواء على أساس المواطنة، وبالتّالي استثمار جميع الطّاقات الإبداعيّة في المجتمع، وعدم إهمالها بدعوى الخوف من الآخر المختلف، خصوصا إذا كان هذا الآخر يدخل ضمن الأقليات في هذه الدّولة، فتغيب طاقات أو تهاجر بسبب هذه الرّؤية الضّيقة.
وتشتد الخطورة عندما تحاول هذه الأغلبيّة استغلال دولة المواطنة ليس في تهميش الآخر المختلف فحسب، بل في تذويبه عن طريق الإكراه أو الإغراء، وجعل النّاس على صورة واحدة، لأنّ الوحدة هنا في التّعدد، والتّعدد عندما يبنى على وحدة الماهيّة، والمواطنة الواحدة؛ يساهم تلقائيّا في خلق نسيج وطنيّ متحد يخدم هذا القطر، كما يخدم المجتمع الإنسانيّ ككل.
والعالم العربيّ يعتبر من أكثر العوالم تعدديّة خصوصا من حيث الأجناس والأعراق، واللّغات القديمة كالآراميّة والسّريانيّة والعربيّة والعبريّة والكنعانيّة القديمة والمهريّة والشّحريّة والأمازيغيّة واللّغات المهاجرة كالسّواحيليّة والأورديّة والفارسيّة والتّركيّة وغيرها كثير، بجانب الأديان من الهندوسيّة بمذاهبها، والبوذيّة، والسّيخ، واليهود، والصّابئة المندائين، والكلدانيين الكاثوليك، والسّريان الأرذوكس، والأقباط الأرذوكس، والموارنة، والإنجيليين بمذاهبهم، واليزيديين، والشّبك، والبهائيين، وغيرهم كثير.
بجانب جميع المذاهب الإسلاميّة العقديّة كالمعتزلة والإباضيّة والزّيديّة والإماميّة والصّفاتيّة والأشاعرة والماتريديّة، فضلا عن المذاهب الفقهيّة التّسعة، والأقليات كالدّروز والنّصيريّة والإسماعيّليّة والبهرة والكراميّة والأحمديّة والذّكريّة، وغيرهم.
وكذا الطّرق الصّوفيّة كالقادريّة، والكسنزانيّة، والرّفاعيّة، والنّقشبنديّة، والخضريّة، والنّبهانيّة، والخالديّة، والكركريّة، وغيرها، فضلا عن التّوجهات الإسلاميّة السّياسيّة والحركيّة والدّعويّة، والحركات الفكريّة والأدبيّة المعاصرة، والعلمانيّة، والرّبوبيّة، والبعثيّة، واللّبرالبيّة، والعقلانيّة، والحداثة، والقرآنيين، وغيرهم كثير.
هذا التّنوع الكبير في العالم العربيّ هو عنصر ثراء للهوّيّة العربيّة بشكل خاص، كما أنّه عنصر ثراء للمجتمع الإنسانيّ بشكل عام، وبما أنّ العالم العربيّ اليوم كغيره من العوالم يتشكل في دول قطريّة وطنيّة، فيجب على هذه الدّول أن تحافظ على هذا التّنوع، وتحميه، وتستثمره في خدمة المجتمع الإنسانيّ بشكل أكبر.
لهذا يجب تجاوز مفهوم الأقليات من حيث المواطنة من جهة، حيث الجميع سواء من حيث المواطنة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب تجاوز مرحلة التّخوف من التّنوع، ومن الآخر المختلف، على أن يكون القانون الجامع العادل مساويا بين الجميع، حتّى يطمئن الكل على هوّيّته، ويدرك أنّ قانون المواطنة حافظ لخصوصياته، وأنّ الأغلبيّة لن تتعدى ذلك، وتحاول صهر الجميع في بوتقة واحدة عن طريق الإكراه أو الإغراء.
كما على دولة المواطنة كما أنّها تحافظ على الهوّيّات والخصوصيّات ككل، عليها أن تمنع تعدّي أي فئة على الأخرى، واستخدام السّلطة السّياسيّة في ذلك، وقمع المختلف، وإقصائه، وعدم إعطائه حقوقه الوطنيّة المماثلة بين الجميع، تحت ظل المساواة والعدالة في الماهيّة الواحدة.
إننّا بحاجة أن يتجاوز العقل العربيّ هذا التّفكير المحدود في الخوف من المختلف إلى الجانب البنائيّ والإنسانيّ في الرّقي بالوطن، وخدمة المجتمع الإنسانيّ الكبير، على أنّ يكون ذلك أيضا على مستوى الأفراد، فلابدّ أن يتهذبوا بدولة المواطنة، وأنّ الكل سواء، وأنّها تنطلق من الماهيّة والذّاتيّة، وأنّها تبنى على المشترك في الوطن، وأنّ البناء والولاء الحقيقيّ يبنى على هذا، وليس على مصلحة الهوّيّة كانت أغلبيّة أم أقليّة.
بهذا العقل العربيّ يتجاوز العديد من المشاكل الهوّيّاتيّة خصوصا الماضوّيّة، والّتي جرته إلى صراع عرقيّ، أخّر في بناء الإنسان في هذه المنطقة بشكل كبير جدّا، كما أيضا حرم المجموع الإنسانيّ من هذه التّعدديّة الّتي العديد منها أصبحت تخاف من الظّهور، أو تلجأ إلى الهجرة إلى عالم يسوده القانون الّذي يحمي هذا التّنوع في عالم آخر قد يختلف عنه بصورة أكبر.
كما أنّه لابدّ أن يسود الخطّ الإنسانيّ في دولة المواطنة، وتتوسع حوله أكثر فأكثر، لتشمل الجميع، وتحافظ على الجميع في الوقت ذاته، لأنّ المشتركات الإنسانيّة واحدة، وهي الأساس في دولة المواطنة، وهذا يساهم في الحفاظ على التّعدديّة واستثمارها إيجابيّا في خدمة الوطن القطريّ ذاته، وخدمة المجموع الإنسانيّ بشكل أكبر، كما يساهم في استغلال جميع طاقات الوطن بتنوعه العرقيّ والدّينيّ والثّقافيّ.
أصبح العالم اليوم يعيش في دول قطريّة لها دساتيرها وأنظمتها الخاصّة، وانتقل من دولة الرّعيّة في أسلوبها التّقليديّ الّذي يغلب عليه الجانب القبليّ أو الدّينيّ أو المذهبيّ البسيط إلى دولة المواطنة المبنية على الحقوق الجامعة في الماهيّة الواحدة، تحت مظلّة الذّات الإنسانيّة.
لهذا تشكلت دولة المواطنة اليوم وفق هوّيّة واحدة تشمل الجميع، هي هوّيّة الدولة القطريّة الجامعة للكل، مع اشتمالها على هوّيّات أثنيّة عرقيّة أو مذهبيّة أو دينيّة أو قبليّة أو مناطقيّة، هنا تتشكل هوّيّة الهوّيّة، والهوّيّات الأقل، ويقصد بهوّيّة الهوّيّة ليس بالشريطة من حيث الأكثريّة، وإن كان الغالب ذلك، ولكن عادة ما تتكئ بعض الأنظمة على هوّيّة دينيّة أو مذهبيّة أو عرقيّة تجد فيها ضمانا لبقائها واستقرارها لفترة أطول.
إلا أنّ دولة المواطنة في تمثلاتها الكبرى هي من توجد دستورا لها مبنيا على الحقوق والقيم الجامعة بين الجميع، لتتشكل هوّيّة الدّولة الوطنيّة الواحدة، وكلما اقتربت الدّولة القطريّة من الماهيّة الجامعة كلّما اقتربت من دولة المواطنة في تمثلها الحقيقيّ والإنسانيّ، وهذا يحدث أكثر استقرارا وتطوّرا على كافّة الأصعدة.
ودولة المواطنة ليست لديها خصومة مع الهوّيّات، بل هي تحافظ على الخصوصيات وتنوعها، وتراها ثروة وطنيّة وقوميّة لها، لكنّها في الوقت نفسه تجعل الجميع على حدّ سواء تحت مظلّة المساواة والعدالة بين الجميع.
من هنا يأتي مفهوم الأقليات باعتباره وصفا دراسيّا إحصائيّا من حيث المكون السّكانيّ العام، على مستوى قطر معين، أو أكثر اتّساعا حسب قوميّة ما، أو محيط جغرافيّ معين، أو حتّى على مستوى العالم، ولكن ليس على حساب المواطنة؛ لأنّ المواطنة تجعل الجميع سواء من حيث المساواة في الذّاتيّة والماهيّة الواحدة، فهي تقترب – أي المواطنة – من الفردانيّة أكثر من اقترابها من الهوّيّات.
ويرى البرت أينشتاين [ت 1955م] في مقالته المنشورة 1934م «أنّ الجميع يسلمون بأنّ الأغلبيّة تعامل الأقليات – على الأخص عندما يتسم أفرادها بعلامات بدنيّة مميزة – معاملة الكائنات الأدنى مرتبة، ومأساة هذا القدر لا تقتصر على المعاملة غير العادلة الّتي تتعرض لها الأقليات اقتصاديّا واجتماعيّا، بل إنّ المأساة الحقيقيّة لهؤلاء المنكوبين هي وقوعهم أنفسهم بالتّأثير الإيحائي للأغلبيّة فريسة لنفس هذا التّحيز، فيعتدون ويعتبرون أنفسهم كائنات أدنى مقاما، وهذا الشّر الوبيل يمكن مداواته عن طريق تنمية الرّوابط، وتربيتها تربية هادفة، وهكذا تنال الأقليات تحرّرها الرّوحي».
بيد أنّ هذا الأصل يجب مجاوزته في دولة المواطنة تلقائيّا، ولكن يظهر أثر ذلك السّلبيّ على الأقليات عندما لا ينشأ مفهوم المواطنة في هذا القطر على أساس قيم الماهيّة الواحدة، وإنّما كما أسلفنا على أساس هويّة الهوّيّة، لا هويّة الدّولة المشتركة والجامعة بين الجميع.
لهذا لا يحبّذ العديد من المعاصرين استخدام لفظة أقليات في ضوء دولة المواطنة، وإنّما يحبّذون استخدام لفظة تعدديّة أو تنوع للمكونات العرقيّة واللّغويّة والدّينيّة والثّقافيّة في هذا الإقليم، وهذا التّنوع في حدّ ذاته ثراء لهذه الدّولة، وكلّما كثر التّنوع كلّما كثر هذا الثّراء، والعكس صحيح.
فالتّنوع مثلا يثري الجانب السّياحيّ والفنيّ والجماليّ لهذا القطر، كما يثري أيضا الجانب المعرفيّ، وتتشكل بذاته لوحة ثقافيّة متعددة الألوان، وهذا يسقط على الجانب الاقتصاديّ للقطر ذاته، عكس أن تتشكل الدّولة على لوحة ذات لون واحد، فلهذا تأثير أقل من ذاك.
كما أنّ بناء دولة المواطنة على أساس التّعدديّة يسهم في وحدة هذه الدّولة القطريّة واستقرارها، فالجميع يشعرون بأنّهم سواء على أساس المواطنة، وبالتّالي استثمار جميع الطّاقات الإبداعيّة في المجتمع، وعدم إهمالها بدعوى الخوف من الآخر المختلف، خصوصا إذا كان هذا الآخر يدخل ضمن الأقليات في هذه الدّولة، فتغيب طاقات أو تهاجر بسبب هذه الرّؤية الضّيقة.
وتشتد الخطورة عندما تحاول هذه الأغلبيّة استغلال دولة المواطنة ليس في تهميش الآخر المختلف فحسب، بل في تذويبه عن طريق الإكراه أو الإغراء، وجعل النّاس على صورة واحدة، لأنّ الوحدة هنا في التّعدد، والتّعدد عندما يبنى على وحدة الماهيّة، والمواطنة الواحدة؛ يساهم تلقائيّا في خلق نسيج وطنيّ متحد يخدم هذا القطر، كما يخدم المجتمع الإنسانيّ ككل.
والعالم العربيّ يعتبر من أكثر العوالم تعدديّة خصوصا من حيث الأجناس والأعراق، واللّغات القديمة كالآراميّة والسّريانيّة والعربيّة والعبريّة والكنعانيّة القديمة والمهريّة والشّحريّة والأمازيغيّة واللّغات المهاجرة كالسّواحيليّة والأورديّة والفارسيّة والتّركيّة وغيرها كثير، بجانب الأديان من الهندوسيّة بمذاهبها، والبوذيّة، والسّيخ، واليهود، والصّابئة المندائين، والكلدانيين الكاثوليك، والسّريان الأرذوكس، والأقباط الأرذوكس، والموارنة، والإنجيليين بمذاهبهم، واليزيديين، والشّبك، والبهائيين، وغيرهم كثير.
بجانب جميع المذاهب الإسلاميّة العقديّة كالمعتزلة والإباضيّة والزّيديّة والإماميّة والصّفاتيّة والأشاعرة والماتريديّة، فضلا عن المذاهب الفقهيّة التّسعة، والأقليات كالدّروز والنّصيريّة والإسماعيّليّة والبهرة والكراميّة والأحمديّة والذّكريّة، وغيرهم.
وكذا الطّرق الصّوفيّة كالقادريّة، والكسنزانيّة، والرّفاعيّة، والنّقشبنديّة، والخضريّة، والنّبهانيّة، والخالديّة، والكركريّة، وغيرها، فضلا عن التّوجهات الإسلاميّة السّياسيّة والحركيّة والدّعويّة، والحركات الفكريّة والأدبيّة المعاصرة، والعلمانيّة، والرّبوبيّة، والبعثيّة، واللّبرالبيّة، والعقلانيّة، والحداثة، والقرآنيين، وغيرهم كثير.
هذا التّنوع الكبير في العالم العربيّ هو عنصر ثراء للهوّيّة العربيّة بشكل خاص، كما أنّه عنصر ثراء للمجتمع الإنسانيّ بشكل عام، وبما أنّ العالم العربيّ اليوم كغيره من العوالم يتشكل في دول قطريّة وطنيّة، فيجب على هذه الدّول أن تحافظ على هذا التّنوع، وتحميه، وتستثمره في خدمة المجتمع الإنسانيّ بشكل أكبر.
لهذا يجب تجاوز مفهوم الأقليات من حيث المواطنة من جهة، حيث الجميع سواء من حيث المواطنة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب تجاوز مرحلة التّخوف من التّنوع، ومن الآخر المختلف، على أن يكون القانون الجامع العادل مساويا بين الجميع، حتّى يطمئن الكل على هوّيّته، ويدرك أنّ قانون المواطنة حافظ لخصوصياته، وأنّ الأغلبيّة لن تتعدى ذلك، وتحاول صهر الجميع في بوتقة واحدة عن طريق الإكراه أو الإغراء.
كما على دولة المواطنة كما أنّها تحافظ على الهوّيّات والخصوصيّات ككل، عليها أن تمنع تعدّي أي فئة على الأخرى، واستخدام السّلطة السّياسيّة في ذلك، وقمع المختلف، وإقصائه، وعدم إعطائه حقوقه الوطنيّة المماثلة بين الجميع، تحت ظل المساواة والعدالة في الماهيّة الواحدة.
إننّا بحاجة أن يتجاوز العقل العربيّ هذا التّفكير المحدود في الخوف من المختلف إلى الجانب البنائيّ والإنسانيّ في الرّقي بالوطن، وخدمة المجتمع الإنسانيّ الكبير، على أنّ يكون ذلك أيضا على مستوى الأفراد، فلابدّ أن يتهذبوا بدولة المواطنة، وأنّ الكل سواء، وأنّها تنطلق من الماهيّة والذّاتيّة، وأنّها تبنى على المشترك في الوطن، وأنّ البناء والولاء الحقيقيّ يبنى على هذا، وليس على مصلحة الهوّيّة كانت أغلبيّة أم أقليّة.
بهذا العقل العربيّ يتجاوز العديد من المشاكل الهوّيّاتيّة خصوصا الماضوّيّة، والّتي جرته إلى صراع عرقيّ، أخّر في بناء الإنسان في هذه المنطقة بشكل كبير جدّا، كما أيضا حرم المجموع الإنسانيّ من هذه التّعدديّة الّتي العديد منها أصبحت تخاف من الظّهور، أو تلجأ إلى الهجرة إلى عالم يسوده القانون الّذي يحمي هذا التّنوع في عالم آخر قد يختلف عنه بصورة أكبر.
كما أنّه لابدّ أن يسود الخطّ الإنسانيّ في دولة المواطنة، وتتوسع حوله أكثر فأكثر، لتشمل الجميع، وتحافظ على الجميع في الوقت ذاته، لأنّ المشتركات الإنسانيّة واحدة، وهي الأساس في دولة المواطنة، وهذا يساهم في الحفاظ على التّعدديّة واستثمارها إيجابيّا في خدمة الوطن القطريّ ذاته، وخدمة المجموع الإنسانيّ بشكل أكبر، كما يساهم في استغلال جميع طاقات الوطن بتنوعه العرقيّ والدّينيّ والثّقافيّ.