جاءني أحد الأشخاص طالبا مساعدة في قرار مصيري كان على وشك اتخاذه، أو بالأحرى مرت عليه سنوات يدرسه ويعيد دراسته، في كل مرة يصل إلى قرار يتراجع، عرض علي ملفا إلكترونيا طويلا يتضمن حسابات دقيقة لـ20 سنة قادمة من حياته، حسب بدقة متناهية، تضمن الكشف تدرج الدخل انخفاضا بعد التقاعد بتأثير التضخم، ومصروفات تفصيلية.

«لا اشعر بأنني مستعد للتقاعد بعد، فأنا خائف لكنني لا أستطيع الاستمرار في العمل أيضا» جلسنا مطولا نتناقش في القصص التي كان بارعا في تأليفها لتخويف نفسه بها عن فترة التقاعد.

جميعا وبدون استثناء نتفنن في تخويف ذواتنا بقصص وسيناريوهات عن أحداث نتوقع حدوثها في المستقبل ما أنزل الله بها من سلطان، المال بالذات موضوع حساس جدا بالنسبة لنا، ويحظى بنصيب الأسد من مخاوفنا وقلقنا حوله.

حتى أولئك المستقرين ماليا، ولديهم دخل ثابت تجدهم يعيشون حالة من القلق بأن أمرا ما سيحدث ويزعزع هذا الاستقرار، هذا القلق مؤشر على سوء الظن بالله الذي نشعر بأنه يمكن أن يخذلنا عند ضعفنا، ويوقف بالتالي تدفق الوفرة في حياتنا، أما من لديه يقين تام وحسن ظن بالله أنه سيبارك له في رزقه وسيعيش الوفرة مدى الحياة، نجده يعيش إحساسًا كبيرًا بالأمان.

ثق بأن الله سيسخر لك من يعتني بك، وينفق عليك، وسيفتح لك أبواب رزق لم تكن حتى تعرف أنها موجودة، مع السعي طبعا والتوكل على الله، «وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»

خططك مهما كانت دقيقة، ومهما بنيت على أسس علمية ثابتة، لن تكون خططا واقعية، فنحن نعيش زمنا سريع التغيير، ولك في الجائحة الأخيرة خير مثال، فلا أحد على الإطلاق توقع ما حدث خلال الشهور الماضية، ولم تصمد خطة مهما كانت محكمة أمام الأحداث الغريبة، التي واجهناها كأفراد ومؤسسات ودول

لذا خطط، وخذ بالأسباب، لكن ثق بالله، وضع يقينك به وحده، ولا تقنع نفسك بأنك من (يكسب) ومن (يضمن) مستقبل أبنائك، نحن وأرباب العمل، وشركات التأمين، وصناديق التقاعد والحكومات ماهي إلا أسباب بيد مسبب الأسباب، فاعقلها وتوكل، وإن عزمت اتخاذ أية خطوة في حياتك المهنية، اعزم وتوكل على الله، فما أغلقت خلفك بابا إلا فتح لك عوضا عنه أبوابا.