د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي
في تقرير صدر قبل أكثر من خمسة عشر عاما وصفت إحدى المؤسسات أو اللجان التابعة للبنك الدولي سلطنة عمان بأنها واحدة من بين عدد قليل من الدول التي حققت ما وصفه التقرير «بمعجزة اقتصادية».
والسبب في ذلك - حسب التقرير- أن الاقتصاد العماني حقق نموا متواصلا على مدى عدة خطط خمسية، وإن كان ذلك النمو بنسب متفاوتة بين سنة وأخرى. ورغم أن الاقتصاد العماني عانى في السنوات الخمس الأخيرة من بعض المصاعب إلا أن نموه بقي موجبا، ما عدا في سنة ٢٠٢٠ التي وصفها تقرير الحسابات الختامية، الصادر عن وزارة المالية قبل ثلاثة أسابيع، بأنها كانت «سنة استثنائية»، إذ أظهر التقرير انكماش الاقتصاد العماني بنسبة ١٥٪، و هو وضع أخرج عجلة التنمية عن مسارها. لا شك أن السبب الرئيس لذلك الانكماش يعودُ إلى التراجع الذي شهده الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كورونا، لكن هناك في نظري أسباب أخرى محلية تعود إلى السياسات التقشفية التي اتبعت وكان هدفها سد العجز في الميزانية العامية، فقد اتُّخذ عدد من الإجراءات التقشفية ومنها تقليل الإنفاق بشقيه الجاري والإنمائي وفرض أو زيادة الرسوم على بعض الخدمات التي تقدمها الحكومة، ثم إدخال ضريبة القيمة المضافة في العام الحالي. وكان صندوق النقد الدولي قد أشاد بالخطوات التي اتخذتها الحكومة لإصلاح العجز في الميزانية وتخفيض حجم الدين العام، وكذلك فعلت وكالة التصنيف الدولية SP حين حسنت من التصنيف الائتماني للسلطنة، وذلك لأن الصندوق ووكالات التصنيف الدولية معنية بالدرجة الأولى بالاستقرار المالي أكثر من اهتمامها بالتنمية ومؤشراتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
إن الحالة المدارية وإعصار شاهين الذي ضرب بعض الولايات في عمان قد فرضت واقعا جديدا يحتم على المعنيين بالسياسات الاقتصادية والمالية التعجيل بإعادة عجلة التنمية إلى مسارها وجعلها أولوية تسير جنبا إلى جنب مع الجهود المبذولة للسيطرة على العجز في الميزانية وكبح تزايد الدَين العام، خاصة وأنه يبدو أنه قد تم إلى حد كبير احتواء التزايد في الإنفاق الجاري في الميزانية العامة، كما عاد سعر النفط إلى وضع مريح للحكومة. لقد أحدث إعصار شاهين خسائر في الأرواح ودمارا في المساكن والممتلكات، خاصة في الأنشطة التجارية و الزراعية والصناعية في المنطقة التي ضربها مباشرة. كما تسبب في أضرار كبيرة بالبنية الأساسية، لاسيما في الطرق وأبراج الاتصالات وخطوط نقل وتوزيع الكهرباء. ورغم أنه لا تتوفر حتى الآن إحصاءات عن حجم الأضرار وتكاليفها المالية لكن يبدو أنها كبيرة، مما يعني الحاجة إلى ضخ مزيد من الإنفاق الحكومي والخاص في الاقتصاد.
وحيث إن سنة ٢٠٢٠، كما عرضها ووصفها تقرير الحسابات الختامية للدولة، كانت «سنة استثنائية»، لأن الاقتصاد قد انكمش خلالها بنسبة كبيرة، إلى درجة يمكن معها القول أنها أخرجت عجلة التنمية عن مسارها الذي كان يتميز بنمو متواصل على مدى أكثر من أربعين عاما وبتحسن وتوسع في تقديم الخدمات الأساسية؛ لذلك ومن أجل أن تبقى التنمية شاملة ولكي تعود عجلتها إلى مسارها فإن السياسات الاقتصادية التي تُتبع يجب أن تراعي من جديد الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لها وليس الجوانب المالية وحدها، مع الأخذ في الاعتبار المستجدات، سواء من حيث بناء اقتصاد متنوع مولد لفرص العمل للعمانيين أو من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة الإنتاجية وتحسين جودة الخدمات العامة، لاسيما في مجالات الصحة والتعليم والخدمات البلدية. ولا بد من التأكيد هنا أن التنويع الاقتصادي لا يعني فقط تنوعا وزيادة إيرادات الميزانية العامة، وإنما الأهم من ذلك أن يكون الاقتصاد قائما على عدد من القطاعات، بما فيها قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات بفروعها المختلفة إلى جانب النفط. كما أن التنويع يعني تمكين القطاع الخاص لكي يسهم مع الحكومة في النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وذلك بنسب تحددها ظروف كل مرحلة.
أما الميزانية العامة فإنه لا يمكن استدامة وتنويع إيراداتها من دون تعدد القطاعات التي ترفد الاقتصاد. وإذا لم يتم ذلك فإن الحكومة ستضطر إلى فرض المزيد من الرسوم والضرائب، وفي ذلك مخاطر اجتماعية واقتصادية وسياسية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الوضع الذي أدت إليه الحالة المدارية الأخيرة يتطلب من واضعي السياسات الاقتصادية والمخططين مراعاة حسن التخطيط الحضري والعمراني وعدم الجور على البيئة. وبصفة عامة يجب إعادة النظر في جميع المباني والمشروعات التي أقيمت في مسارات ومجاري الأودية أو على شاطئ البحر، إذ ثبت بما لا يدع مجالا للتشكيك أو إبداء الأعذار والتبريرات أن ذلك قد تسبب خلال السنوات الأخيرة في خسائر في الأرواح والممتلكات، سواء الخاصة أو العامة، فلا تكاد تمر حالة مدارية أو سيول قوية في منطقة من المناطق دون أن تزهق أرواحا أو تحدث أضرارا كبيرة.
غير أنه بالإرادة وحسن التدبير يمكن تحويل المحن التي ألمّت بالإنسان والخسائر التي لحقت بالممتلكات إلى فرصة لإحياء الاقتصاد وتحريك عجلة التنمية لتعود إلى مسارها. وفي هذا الصدد يجب أن لا يغيب عن صناع القرار أن عمان دولة نامية، وأن التنمية الشاملة والنمو الاقتصادي فيها ما زالت تعتمد إلى حد كبير على الإنفاق الحكومي، لاسيما الإنفاق التنموي منه، ولا يمكن للقطاع الخاص مهما كانت موارده وإسهاماته التعويض في ذلك عن الإنفاق الحكومي؛ لذا يجب الإسراع في تدبير الموارد اللازمة، ليس فقط لإصلاح الأضرار التي وقعت وإنما أيضا لإعادة تخطيط المناطق المتضررة أو المعرضة لخطر السيول والأعاصير، وإعادة إعمارها بصورة تجنبها أن يتكرر ما حدث فيها من أضرار، خاصة وأن الحالات المدارية والأعاصير قد تكررت في أكثر من منطقة في عمان خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وهنا أذكّر بما قلته في مقال سابق لي نشرته جريدة عمان، وهو أنه من المناسب في هذه المرحلة تعليق بعض الضرائب والرسوم وتخفيض بعضها الآخر لمدة عامين من أجل مساعدة الاقتصاد على التعافي؛ لأن في تعافي الاقتصاد مصلحة الأطراف.
قد يرى البعض أن التخلي عن سياسة التقشف المتبعة حاليا وعودة الحكومة إلى التوسع في الإنفاق قد يؤدي إلى زيادة العجز في الميزانية العامة، مما يؤدي إلى ارتفاع حجم الدَين العام. وفي رأيي أنه لا ضير من الاستدانة إذا كانت لمشروعات تنموية لها ضرورة اجتماعية أو جدوى اقتصادية. بل إن الاستدانة لتمويل مشروعات تنموية هو جزء من عملية التنمية، ولا يمكن لأي دولة تسعى من أجل التقدم ولحماية اقتصادها من التراجع والتآكل الاستغناء عن الاقتراض، بما ذلك في الدول الغنية الكبرى. وهذا السياق أود الإشارة إلى مناشدة الرئيس الأمريكي بايدن للكونغرس في الأسبوع الماضي ودعوته له إلى الموافقة على رفع سقف الدَين العام ليسمح للحكومة بمزيد من الاقتراض، وقال بايدن إن رفع السقف الذي حدده الكونغرس للديون أصبح ضروريًا لحماية الاقتصاد الأمريكي وتحسين إنتاجيته. المعلوم أن أغلب الإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة الأمريكية يذهب لتمويل بناء وتجديد البنية الأساسية، مثل الطرق والجسور، وكذلك لتطوير وحماية نظم المعلومات وفي البحث العلمي والتطوير.
إن المطلوب في الوقت الحاضر استئناف عجلة التنمية لمسارها، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا من خلال جهد تقوده الحكومة بزيادة الإنفاق الإنمائي وبتعاون القطاع الخاص؛ ليكون الهدف تحفيز النمو المولد لفرص العمل وتحسين القدرة الشرائية وزيادة القيمة المضافة في الاقتصاد من خلال استعمال المنتجات والموارد المحلية في المشروعات التي ستقام. ولتكن البداية في ذلك بالمناطق المتضررة من إعصار شاهين ثم تمتد إلى مناطق وقطاعات أخرى. وإذا لم تكن الموارد المالية المتاحة كافية لمزيد من الإنفاق فيمكن الاستفادة من التقارير الإيجابية الصادرة عن صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الأولية في الحصول على قروض بشروط أفضل من السابق. وبالنظر إلى الحالة التي وصل إليها الاقتصاد في السنتين الأخيرتين فإنه يجب تجنب السياسات التي تؤدي إلى انكماشه؛ لأن انكماش الاقتصاد يؤدي إلى أضرار بكل الأطراف، بما فيها الحكومة التي تنخفض إيراداتها في حالات ضعف النمو ، خاصة الإيرادات غير النفطية، على عكس السياسات التوسعية التي تؤدي في الغالب إلى زيادة الإيرادات الحكومية. ومع أن النمو الاقتصادي السريع قد يوسع ويزيد من الفروق في الدخول والثروات لصالح الفئات عالية الدخل، لكنه يمكن التخفيف من ذلك ببعض السياسات الضريبية. وفيما يتعلق بالمخاوف من ارتفاع الدَين العام فقد يكون من المناسب وضع سقف له كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن زيادة الناتج المحلي الإجمالي وتحسين مستوى المعيشة للناس يحتاج بدوره إلى زيادة الإنفاق التنموي من خلال قروض تخصص حسب الأولويات الاجتماعية وحسب الجدوى الاقتصادية للمشروعات.
خلاصة القول، إن عجلة التنمية لا بد أن تعود إلى مسارها، وأن النمو الاقتصادي ضروري، وأن الإنفاق الحكومي ما زال هو أداة النمو، إلا أنه من المهم أن يكون نموا في الاتجاه الذي يعمم المنافع ويجنب المضار، وتلك هي الصَنعة.
* باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية
في تقرير صدر قبل أكثر من خمسة عشر عاما وصفت إحدى المؤسسات أو اللجان التابعة للبنك الدولي سلطنة عمان بأنها واحدة من بين عدد قليل من الدول التي حققت ما وصفه التقرير «بمعجزة اقتصادية».
والسبب في ذلك - حسب التقرير- أن الاقتصاد العماني حقق نموا متواصلا على مدى عدة خطط خمسية، وإن كان ذلك النمو بنسب متفاوتة بين سنة وأخرى. ورغم أن الاقتصاد العماني عانى في السنوات الخمس الأخيرة من بعض المصاعب إلا أن نموه بقي موجبا، ما عدا في سنة ٢٠٢٠ التي وصفها تقرير الحسابات الختامية، الصادر عن وزارة المالية قبل ثلاثة أسابيع، بأنها كانت «سنة استثنائية»، إذ أظهر التقرير انكماش الاقتصاد العماني بنسبة ١٥٪، و هو وضع أخرج عجلة التنمية عن مسارها. لا شك أن السبب الرئيس لذلك الانكماش يعودُ إلى التراجع الذي شهده الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كورونا، لكن هناك في نظري أسباب أخرى محلية تعود إلى السياسات التقشفية التي اتبعت وكان هدفها سد العجز في الميزانية العامية، فقد اتُّخذ عدد من الإجراءات التقشفية ومنها تقليل الإنفاق بشقيه الجاري والإنمائي وفرض أو زيادة الرسوم على بعض الخدمات التي تقدمها الحكومة، ثم إدخال ضريبة القيمة المضافة في العام الحالي. وكان صندوق النقد الدولي قد أشاد بالخطوات التي اتخذتها الحكومة لإصلاح العجز في الميزانية وتخفيض حجم الدين العام، وكذلك فعلت وكالة التصنيف الدولية SP حين حسنت من التصنيف الائتماني للسلطنة، وذلك لأن الصندوق ووكالات التصنيف الدولية معنية بالدرجة الأولى بالاستقرار المالي أكثر من اهتمامها بالتنمية ومؤشراتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
إن الحالة المدارية وإعصار شاهين الذي ضرب بعض الولايات في عمان قد فرضت واقعا جديدا يحتم على المعنيين بالسياسات الاقتصادية والمالية التعجيل بإعادة عجلة التنمية إلى مسارها وجعلها أولوية تسير جنبا إلى جنب مع الجهود المبذولة للسيطرة على العجز في الميزانية وكبح تزايد الدَين العام، خاصة وأنه يبدو أنه قد تم إلى حد كبير احتواء التزايد في الإنفاق الجاري في الميزانية العامة، كما عاد سعر النفط إلى وضع مريح للحكومة. لقد أحدث إعصار شاهين خسائر في الأرواح ودمارا في المساكن والممتلكات، خاصة في الأنشطة التجارية و الزراعية والصناعية في المنطقة التي ضربها مباشرة. كما تسبب في أضرار كبيرة بالبنية الأساسية، لاسيما في الطرق وأبراج الاتصالات وخطوط نقل وتوزيع الكهرباء. ورغم أنه لا تتوفر حتى الآن إحصاءات عن حجم الأضرار وتكاليفها المالية لكن يبدو أنها كبيرة، مما يعني الحاجة إلى ضخ مزيد من الإنفاق الحكومي والخاص في الاقتصاد.
وحيث إن سنة ٢٠٢٠، كما عرضها ووصفها تقرير الحسابات الختامية للدولة، كانت «سنة استثنائية»، لأن الاقتصاد قد انكمش خلالها بنسبة كبيرة، إلى درجة يمكن معها القول أنها أخرجت عجلة التنمية عن مسارها الذي كان يتميز بنمو متواصل على مدى أكثر من أربعين عاما وبتحسن وتوسع في تقديم الخدمات الأساسية؛ لذلك ومن أجل أن تبقى التنمية شاملة ولكي تعود عجلتها إلى مسارها فإن السياسات الاقتصادية التي تُتبع يجب أن تراعي من جديد الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لها وليس الجوانب المالية وحدها، مع الأخذ في الاعتبار المستجدات، سواء من حيث بناء اقتصاد متنوع مولد لفرص العمل للعمانيين أو من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة الإنتاجية وتحسين جودة الخدمات العامة، لاسيما في مجالات الصحة والتعليم والخدمات البلدية. ولا بد من التأكيد هنا أن التنويع الاقتصادي لا يعني فقط تنوعا وزيادة إيرادات الميزانية العامة، وإنما الأهم من ذلك أن يكون الاقتصاد قائما على عدد من القطاعات، بما فيها قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات بفروعها المختلفة إلى جانب النفط. كما أن التنويع يعني تمكين القطاع الخاص لكي يسهم مع الحكومة في النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وذلك بنسب تحددها ظروف كل مرحلة.
أما الميزانية العامة فإنه لا يمكن استدامة وتنويع إيراداتها من دون تعدد القطاعات التي ترفد الاقتصاد. وإذا لم يتم ذلك فإن الحكومة ستضطر إلى فرض المزيد من الرسوم والضرائب، وفي ذلك مخاطر اجتماعية واقتصادية وسياسية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الوضع الذي أدت إليه الحالة المدارية الأخيرة يتطلب من واضعي السياسات الاقتصادية والمخططين مراعاة حسن التخطيط الحضري والعمراني وعدم الجور على البيئة. وبصفة عامة يجب إعادة النظر في جميع المباني والمشروعات التي أقيمت في مسارات ومجاري الأودية أو على شاطئ البحر، إذ ثبت بما لا يدع مجالا للتشكيك أو إبداء الأعذار والتبريرات أن ذلك قد تسبب خلال السنوات الأخيرة في خسائر في الأرواح والممتلكات، سواء الخاصة أو العامة، فلا تكاد تمر حالة مدارية أو سيول قوية في منطقة من المناطق دون أن تزهق أرواحا أو تحدث أضرارا كبيرة.
غير أنه بالإرادة وحسن التدبير يمكن تحويل المحن التي ألمّت بالإنسان والخسائر التي لحقت بالممتلكات إلى فرصة لإحياء الاقتصاد وتحريك عجلة التنمية لتعود إلى مسارها. وفي هذا الصدد يجب أن لا يغيب عن صناع القرار أن عمان دولة نامية، وأن التنمية الشاملة والنمو الاقتصادي فيها ما زالت تعتمد إلى حد كبير على الإنفاق الحكومي، لاسيما الإنفاق التنموي منه، ولا يمكن للقطاع الخاص مهما كانت موارده وإسهاماته التعويض في ذلك عن الإنفاق الحكومي؛ لذا يجب الإسراع في تدبير الموارد اللازمة، ليس فقط لإصلاح الأضرار التي وقعت وإنما أيضا لإعادة تخطيط المناطق المتضررة أو المعرضة لخطر السيول والأعاصير، وإعادة إعمارها بصورة تجنبها أن يتكرر ما حدث فيها من أضرار، خاصة وأن الحالات المدارية والأعاصير قد تكررت في أكثر من منطقة في عمان خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وهنا أذكّر بما قلته في مقال سابق لي نشرته جريدة عمان، وهو أنه من المناسب في هذه المرحلة تعليق بعض الضرائب والرسوم وتخفيض بعضها الآخر لمدة عامين من أجل مساعدة الاقتصاد على التعافي؛ لأن في تعافي الاقتصاد مصلحة الأطراف.
قد يرى البعض أن التخلي عن سياسة التقشف المتبعة حاليا وعودة الحكومة إلى التوسع في الإنفاق قد يؤدي إلى زيادة العجز في الميزانية العامة، مما يؤدي إلى ارتفاع حجم الدَين العام. وفي رأيي أنه لا ضير من الاستدانة إذا كانت لمشروعات تنموية لها ضرورة اجتماعية أو جدوى اقتصادية. بل إن الاستدانة لتمويل مشروعات تنموية هو جزء من عملية التنمية، ولا يمكن لأي دولة تسعى من أجل التقدم ولحماية اقتصادها من التراجع والتآكل الاستغناء عن الاقتراض، بما ذلك في الدول الغنية الكبرى. وهذا السياق أود الإشارة إلى مناشدة الرئيس الأمريكي بايدن للكونغرس في الأسبوع الماضي ودعوته له إلى الموافقة على رفع سقف الدَين العام ليسمح للحكومة بمزيد من الاقتراض، وقال بايدن إن رفع السقف الذي حدده الكونغرس للديون أصبح ضروريًا لحماية الاقتصاد الأمريكي وتحسين إنتاجيته. المعلوم أن أغلب الإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة الأمريكية يذهب لتمويل بناء وتجديد البنية الأساسية، مثل الطرق والجسور، وكذلك لتطوير وحماية نظم المعلومات وفي البحث العلمي والتطوير.
إن المطلوب في الوقت الحاضر استئناف عجلة التنمية لمسارها، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا من خلال جهد تقوده الحكومة بزيادة الإنفاق الإنمائي وبتعاون القطاع الخاص؛ ليكون الهدف تحفيز النمو المولد لفرص العمل وتحسين القدرة الشرائية وزيادة القيمة المضافة في الاقتصاد من خلال استعمال المنتجات والموارد المحلية في المشروعات التي ستقام. ولتكن البداية في ذلك بالمناطق المتضررة من إعصار شاهين ثم تمتد إلى مناطق وقطاعات أخرى. وإذا لم تكن الموارد المالية المتاحة كافية لمزيد من الإنفاق فيمكن الاستفادة من التقارير الإيجابية الصادرة عن صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الأولية في الحصول على قروض بشروط أفضل من السابق. وبالنظر إلى الحالة التي وصل إليها الاقتصاد في السنتين الأخيرتين فإنه يجب تجنب السياسات التي تؤدي إلى انكماشه؛ لأن انكماش الاقتصاد يؤدي إلى أضرار بكل الأطراف، بما فيها الحكومة التي تنخفض إيراداتها في حالات ضعف النمو ، خاصة الإيرادات غير النفطية، على عكس السياسات التوسعية التي تؤدي في الغالب إلى زيادة الإيرادات الحكومية. ومع أن النمو الاقتصادي السريع قد يوسع ويزيد من الفروق في الدخول والثروات لصالح الفئات عالية الدخل، لكنه يمكن التخفيف من ذلك ببعض السياسات الضريبية. وفيما يتعلق بالمخاوف من ارتفاع الدَين العام فقد يكون من المناسب وضع سقف له كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن زيادة الناتج المحلي الإجمالي وتحسين مستوى المعيشة للناس يحتاج بدوره إلى زيادة الإنفاق التنموي من خلال قروض تخصص حسب الأولويات الاجتماعية وحسب الجدوى الاقتصادية للمشروعات.
خلاصة القول، إن عجلة التنمية لا بد أن تعود إلى مسارها، وأن النمو الاقتصادي ضروري، وأن الإنفاق الحكومي ما زال هو أداة النمو، إلا أنه من المهم أن يكون نموا في الاتجاه الذي يعمم المنافع ويجنب المضار، وتلك هي الصَنعة.
* باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية