بدر العبري
الحضارة مرتبطة بالإنسان، ونتيجة طبيعيّة للتّفاعل مع سنن الكون بالبحث والسّير والنّظر والكشف، ترتبط أصالة بقيم الإنسان الكبرى الّتي تتولد منها مصاديق ترتبط بالثّقافة، فالحضارة تؤثر على الثّقافات، وليس بالشّريطة أن تساهم الثّقافات المتعددة في صنع الحضارة، فقد يعوق بعضها ذلك، خصوصا إذا كانت نظرتها ماورائيّة محدودة، تنظر إلى الحضارة من زاوية ضيقة.
وما نراه اليوم من سيطرة بعض الثّقافات في ظلّ العولمة أو الكوكبة؛ فهذا شيء طبيعيّ مرتبط بأسباب مختلفة على رأسها القوّة في المال والإعلام والذّات، فالقويّ يؤثر على الضّعيف، ولكن تعدد الثّقافات كانت دينيّة أو اجتماعيّة حالة صحيّة، والأصل أن تنقل حواراتها من خصوصيّات الثّقافة إلى قيم الحضارة؛ لأنّ الحضارة مرتبطة بالفضاء الواسع من خلال ذاتيّة الإنسان وكرامته ومكانته الوجوديّة.
لهذا في السّابق لسبب البعد الجغرافيّ تتشكل أكثر من حضارة في وقت واحد، وترتبط عادة بدين أو عرق أو مكان، وهذا ليس بالشّريطة من باب صلاحيّة الثّقافة الأغلب، ولكن من باب التّغليب الدّينيّ أو العرقيّ أو المكانيّ، فلمّا نقول مثلا الحضارة العربيّة ليس بالشّريطة عدم مساهمة غير العرب في صناعتها، بل مساهماتهم كبيرة جدّا، وهكذا لمّا نقول الحضارة الإسلاميّة فهناك من اليهود والمسيحيين والصّابئة وغيرهم من ساهموا في بناء هذه الحضارة أيضا.
وكما أنّ الثّقافات تتقابس من بعضها، وتتأثر من الأخرى، فكذلك الحضارة، بيد أنّ الحضارات ترتبط بكليات سنن الكون والإنسان والحياة، وكلما اقتربت من العقل والعلم والإنسان كلّما اقتربت من الحضارة، فالحضارات لا ترجع إلى الخلف، ولكنها ترث ما وصل إليه عالم الإنسان وتطوّره، بينما الثّقافات قد تجمد على صور نمطيّة معينة يراه العديد خصوصيّات دينيّة أو اجتماعيّة أو عرقيّة.
واليوم لم تعد تلك الحضارات الّتي يغلب عليها ثقافة أو هوّيّة محددة ولو على سبيل التّغليب لا الشّموليّة، بل إنّ هناك عالما واحدا يتشكل يوما بعد يوم، وهو عالم الإنسان، فلم تعد تلك الحضارة الّتي يغلب عليها جانب الشّرق أو الغرب، بقدر ما هي حضارة إنسانيّة منفتحة على الجميع؛ حيث أصبح العالم يعيش في قرية واحدة.
لقد استطاع عصر الأنوار أن يصرف النّاس إلى قيم الإنسان الكبرى، وإلى صنع عالم جديد مرتبط بالإنسان ومحقق لكرامته من جهة، وينزع إلى القيم الماهيّة المعززة للفردانيّة الإنسانيّة، تخضع لها مواثيق الدّول، ونظم الحياة، وتحترمها جميع الثّقافات، لتتشكل مساحة كبيرة للإنسان، ليشكل حضارة غربيّة تغليبا تؤثر على جميع الأمم.
بيد أنّ هذه الحضارة أوصلت العقل البشريّ، والمجتمعات الإنسانيّة، بتقدّمها ابتداء من اختراع الطّباعة 1440م الّذي سهل انتشار الكتاب والمعرفة، ليتبعه ظهور الصّحف والمجلات، ثمّ تطور النّقل الّذي تزامن مع الثّورة الصّناعيّة بعد 1840م، لينتقل إلى استخدام وسيلة القطار والسّيارة، وتطور وسائل النّقل البحريّ، وظهور السّفن الكبيرة العملاقة، ثمّ اختراع الطّائرة، وكذا الحال بعد اكتشاف الإذاعة والتّلفزيون، لينصهر العالم اليوم في عصر الإعلام الرّقميّ والاجتماعيّ في عالم واحد مصغر.
لكن اليوم لم تعد المعرفة الحضاريّة محصورة في زاوية أو ثقافة غربيّة، فالصّين وكوريا وروسيا والهند وتركيا وإيران وغيرها تساهم كما يساهم العقل الغربيّ في ذلك، فأصبح العالم يتنافس في اكتشاف ما في الوجود، واستثماره الحضاريّ.
بيد أنّ هذا الجانب الطّبيعيّ والكشفيّ الّذي يساهم فيه الجميع اليوم لا يمكن أن ينشأ بعيدا عن الإنسان وقيمه الكبرى، ليكون غاية وجوديّة مهمّة في الوجود، ويكون الإنسان الواحد شرقا وغربا، وإلا سيتحول هذا النّتاج الماديّ الطّبيعيّ بدلا من بناء الإنسان إلى عالم التّنافر والصّراع، كما حدث مع الحربين العالميتين الأولى والثّانية في بداية القرن العشرين بعد الثّورة الصّناعيّة.
لهذا ينبغي أن يتزامن مع التّطور الطبيعيّ والسّننيّ للوجود، الذي أصبح مشتركا في العالم اليوم، ومتاحا للجميع؛ أن يتزامن مع عالم الإنسان الواحد وقيمه الكبرى، وهذا لا يتشكل إلا بوجود قناعة علمائيّة وفلسفيّة ودينيّة تؤمن بالانطلاقة الإنسانيّة الواحدة في العالم، لكي لا يقع العالم في صراعات السّياسيين، والّذين لأسباب ضيقة يقودون العالم إلى الحروب والصّراع والدّمار، فلابدّ أن تتطور النّظريات الإنسانيّة لتشكل فكرا أكبر، ويتمدد أفقيّا في العالم، ويسقط قيمه الكبرى كالكرامة والحريّة والعدل والمساواة على جميع البشر.
كما أنّه لا بّد أن يتجاوز العالم استغلال ما يتوصل إليه الإنسان في صراعات ثقافيّة ضيقة، كصراعات ماورائيّة لا تقدّم ولا تؤخر، فضلا عن التّعصب للون والعرق والبيئة الجغرافيّة، بحيث تتهذب هذه الهّوّيّات والثّقافات بقيم الإنسان الكبرى، والموحدة بين البشر، في عالم يكون الكشف والاختراع خادما لعالم الإنسان الواحد، ومساهما في بنائه ورقيه.
لقد مرت أوروبا مع تزامن عصر الأنوار بحروب دامية مع حرب الثّلاثين عاما، والصّراعات الأهليّة، والحربين العالميتين، مع وجود نظريات تقترب من الإنسان، وتضعه محورا مهمّا في تحقيق كرامته وإنسانيّته، هذه النّظريّات في الجملة خلقت وعيا أفقيّا كان لها تأثيرها، وإن كانت تخيب في فترات أمام وجود ساسة أو مصلحين في الخطّ الثّقافي والدّيني يقودون الأمم والمجتمعات إلى عالم الصّراع والحروب، ويريدون العيش في وهم الذّات والأنا والثّقافة الضّيقة واستعمار الآخر.
إلا أنّ تشكل وعي عالميّ أكبر في العالم أجمع، يؤمن بقيمة الإنسان الواحدة، ويتجاوز القطر والثّقافات الضّيقة؛ سوف يساهم بلا شك في صهر العالم إيجابيّا، بحيث يوسع من دائرة منافع المصاديق للقيم الكبرى الواحدة بين البشر، كالمساواة في الحقوق والتّوزيع والعدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وليتحرر العقل من هيمنة القطر والجنس والثّقافة المحدودة.
وعلى المستوى العمليّ فالعالم اليوم يعيش في دول قطريّة، هذه الدّول القطريّة دول إجرائيّة تنظيميّة، كما أنّ هناك الأديان الكبرى المشكلة للعقل الجميع في مذاهب تندرج تحتها، بعضها أشبه بالدّين المستقل لتميزه حتّى عن الدّين في تشكله الأول، كما أنّ هناك توجهات دينيّة ولا دينيّة أخرى تحت نظريّات وثقافات متباينة، فضلا عن آلاف الثّقافات والعادات والاختلاف الاجتماعيّ والعرقيّ. فجميع هذه الثّقافات والأقطار المتباينة لابدّ أن تتهذب بالحضارة الإنسانيّة الواحدة، وأن تساهم في صناعة الإنسان وتحقيق كرامته، وهذا لا يتشكل إلا بوجود أمّة شرقيّة وغربيّة تؤمن بعالم الإنسان الواحد، متجانس مع أرقى ما توصل إليه العقل الإنسانيّ في الجانب الحضاريّ، والسّنن الطبيعيّة والكونيّة.وليس هدف هذا العالم أن يتشكل في هوّيّة ضيقة تخلق صراعا من زاوية أخرى، كما أنّه ليس هدفه أن يلغي الأديان والمذاهب والتّنوع الاجتماعيّ والعرقيّ، لكن غايته الكبرى أن يستثمر هذا التّنوع في صناعة الإنسان وتقدّمه ورقيّه، بحيث يكون التّنوع حالة كسبيّة طبيعيّة مساهمة في بناء الإنسان، ومتهذبة بالقيم الكبرى، لا أن تخلق صراعا وهميّا، أو تكون مساندة للصّراعات الوهميّة، لتحقيق أكبر قدر من المنافع الدّنيويّة لصالح الذّات، لا لصالح الإنسان. لهذا تشكل حضارة إنسانيّة واحدة، والتّخلص من عقدة الذّات، والتّعصب للهوّيّات الكسبيّة، هو المستشرف مستقبلا، ولكن لا يعني هذا بحال عدم طغيان البعض لأجل منافع قاصرة، مستغلا ما توصل إليه العلم في تحقيق مراده، أو محرّفا أيضا للنّظريّات الإنسانيّة الكبرى كما حرّفت الأديان سابقا، لهذا يجب أن تتشكل نظريّات أوسع، تتجاوز الحدود القطريّة والفئويّة، في ضوء وثيقة حقوقيّة إنسانية مصانة بالعقل الإنسانيّ الواحد، ومتجاوزة الاتكاء السّياسيّ والعرقيّ، بحيث تكون ثمرتها واضحة في شرق الأرض وغربها، ينعم بها الإنسان، ويعيش في ظلّها حرّا كريما معززا، لا يخاف على نفسه من ظلم بني جنسه، واستغلال حاجته، وحرمانه من حقوقه الوجوديّة.
الحضارة مرتبطة بالإنسان، ونتيجة طبيعيّة للتّفاعل مع سنن الكون بالبحث والسّير والنّظر والكشف، ترتبط أصالة بقيم الإنسان الكبرى الّتي تتولد منها مصاديق ترتبط بالثّقافة، فالحضارة تؤثر على الثّقافات، وليس بالشّريطة أن تساهم الثّقافات المتعددة في صنع الحضارة، فقد يعوق بعضها ذلك، خصوصا إذا كانت نظرتها ماورائيّة محدودة، تنظر إلى الحضارة من زاوية ضيقة.
وما نراه اليوم من سيطرة بعض الثّقافات في ظلّ العولمة أو الكوكبة؛ فهذا شيء طبيعيّ مرتبط بأسباب مختلفة على رأسها القوّة في المال والإعلام والذّات، فالقويّ يؤثر على الضّعيف، ولكن تعدد الثّقافات كانت دينيّة أو اجتماعيّة حالة صحيّة، والأصل أن تنقل حواراتها من خصوصيّات الثّقافة إلى قيم الحضارة؛ لأنّ الحضارة مرتبطة بالفضاء الواسع من خلال ذاتيّة الإنسان وكرامته ومكانته الوجوديّة.
لهذا في السّابق لسبب البعد الجغرافيّ تتشكل أكثر من حضارة في وقت واحد، وترتبط عادة بدين أو عرق أو مكان، وهذا ليس بالشّريطة من باب صلاحيّة الثّقافة الأغلب، ولكن من باب التّغليب الدّينيّ أو العرقيّ أو المكانيّ، فلمّا نقول مثلا الحضارة العربيّة ليس بالشّريطة عدم مساهمة غير العرب في صناعتها، بل مساهماتهم كبيرة جدّا، وهكذا لمّا نقول الحضارة الإسلاميّة فهناك من اليهود والمسيحيين والصّابئة وغيرهم من ساهموا في بناء هذه الحضارة أيضا.
وكما أنّ الثّقافات تتقابس من بعضها، وتتأثر من الأخرى، فكذلك الحضارة، بيد أنّ الحضارات ترتبط بكليات سنن الكون والإنسان والحياة، وكلما اقتربت من العقل والعلم والإنسان كلّما اقتربت من الحضارة، فالحضارات لا ترجع إلى الخلف، ولكنها ترث ما وصل إليه عالم الإنسان وتطوّره، بينما الثّقافات قد تجمد على صور نمطيّة معينة يراه العديد خصوصيّات دينيّة أو اجتماعيّة أو عرقيّة.
واليوم لم تعد تلك الحضارات الّتي يغلب عليها ثقافة أو هوّيّة محددة ولو على سبيل التّغليب لا الشّموليّة، بل إنّ هناك عالما واحدا يتشكل يوما بعد يوم، وهو عالم الإنسان، فلم تعد تلك الحضارة الّتي يغلب عليها جانب الشّرق أو الغرب، بقدر ما هي حضارة إنسانيّة منفتحة على الجميع؛ حيث أصبح العالم يعيش في قرية واحدة.
لقد استطاع عصر الأنوار أن يصرف النّاس إلى قيم الإنسان الكبرى، وإلى صنع عالم جديد مرتبط بالإنسان ومحقق لكرامته من جهة، وينزع إلى القيم الماهيّة المعززة للفردانيّة الإنسانيّة، تخضع لها مواثيق الدّول، ونظم الحياة، وتحترمها جميع الثّقافات، لتتشكل مساحة كبيرة للإنسان، ليشكل حضارة غربيّة تغليبا تؤثر على جميع الأمم.
بيد أنّ هذه الحضارة أوصلت العقل البشريّ، والمجتمعات الإنسانيّة، بتقدّمها ابتداء من اختراع الطّباعة 1440م الّذي سهل انتشار الكتاب والمعرفة، ليتبعه ظهور الصّحف والمجلات، ثمّ تطور النّقل الّذي تزامن مع الثّورة الصّناعيّة بعد 1840م، لينتقل إلى استخدام وسيلة القطار والسّيارة، وتطور وسائل النّقل البحريّ، وظهور السّفن الكبيرة العملاقة، ثمّ اختراع الطّائرة، وكذا الحال بعد اكتشاف الإذاعة والتّلفزيون، لينصهر العالم اليوم في عصر الإعلام الرّقميّ والاجتماعيّ في عالم واحد مصغر.
لكن اليوم لم تعد المعرفة الحضاريّة محصورة في زاوية أو ثقافة غربيّة، فالصّين وكوريا وروسيا والهند وتركيا وإيران وغيرها تساهم كما يساهم العقل الغربيّ في ذلك، فأصبح العالم يتنافس في اكتشاف ما في الوجود، واستثماره الحضاريّ.
بيد أنّ هذا الجانب الطّبيعيّ والكشفيّ الّذي يساهم فيه الجميع اليوم لا يمكن أن ينشأ بعيدا عن الإنسان وقيمه الكبرى، ليكون غاية وجوديّة مهمّة في الوجود، ويكون الإنسان الواحد شرقا وغربا، وإلا سيتحول هذا النّتاج الماديّ الطّبيعيّ بدلا من بناء الإنسان إلى عالم التّنافر والصّراع، كما حدث مع الحربين العالميتين الأولى والثّانية في بداية القرن العشرين بعد الثّورة الصّناعيّة.
لهذا ينبغي أن يتزامن مع التّطور الطبيعيّ والسّننيّ للوجود، الذي أصبح مشتركا في العالم اليوم، ومتاحا للجميع؛ أن يتزامن مع عالم الإنسان الواحد وقيمه الكبرى، وهذا لا يتشكل إلا بوجود قناعة علمائيّة وفلسفيّة ودينيّة تؤمن بالانطلاقة الإنسانيّة الواحدة في العالم، لكي لا يقع العالم في صراعات السّياسيين، والّذين لأسباب ضيقة يقودون العالم إلى الحروب والصّراع والدّمار، فلابدّ أن تتطور النّظريات الإنسانيّة لتشكل فكرا أكبر، ويتمدد أفقيّا في العالم، ويسقط قيمه الكبرى كالكرامة والحريّة والعدل والمساواة على جميع البشر.
كما أنّه لا بّد أن يتجاوز العالم استغلال ما يتوصل إليه الإنسان في صراعات ثقافيّة ضيقة، كصراعات ماورائيّة لا تقدّم ولا تؤخر، فضلا عن التّعصب للون والعرق والبيئة الجغرافيّة، بحيث تتهذب هذه الهّوّيّات والثّقافات بقيم الإنسان الكبرى، والموحدة بين البشر، في عالم يكون الكشف والاختراع خادما لعالم الإنسان الواحد، ومساهما في بنائه ورقيه.
لقد مرت أوروبا مع تزامن عصر الأنوار بحروب دامية مع حرب الثّلاثين عاما، والصّراعات الأهليّة، والحربين العالميتين، مع وجود نظريات تقترب من الإنسان، وتضعه محورا مهمّا في تحقيق كرامته وإنسانيّته، هذه النّظريّات في الجملة خلقت وعيا أفقيّا كان لها تأثيرها، وإن كانت تخيب في فترات أمام وجود ساسة أو مصلحين في الخطّ الثّقافي والدّيني يقودون الأمم والمجتمعات إلى عالم الصّراع والحروب، ويريدون العيش في وهم الذّات والأنا والثّقافة الضّيقة واستعمار الآخر.
إلا أنّ تشكل وعي عالميّ أكبر في العالم أجمع، يؤمن بقيمة الإنسان الواحدة، ويتجاوز القطر والثّقافات الضّيقة؛ سوف يساهم بلا شك في صهر العالم إيجابيّا، بحيث يوسع من دائرة منافع المصاديق للقيم الكبرى الواحدة بين البشر، كالمساواة في الحقوق والتّوزيع والعدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وليتحرر العقل من هيمنة القطر والجنس والثّقافة المحدودة.
وعلى المستوى العمليّ فالعالم اليوم يعيش في دول قطريّة، هذه الدّول القطريّة دول إجرائيّة تنظيميّة، كما أنّ هناك الأديان الكبرى المشكلة للعقل الجميع في مذاهب تندرج تحتها، بعضها أشبه بالدّين المستقل لتميزه حتّى عن الدّين في تشكله الأول، كما أنّ هناك توجهات دينيّة ولا دينيّة أخرى تحت نظريّات وثقافات متباينة، فضلا عن آلاف الثّقافات والعادات والاختلاف الاجتماعيّ والعرقيّ. فجميع هذه الثّقافات والأقطار المتباينة لابدّ أن تتهذب بالحضارة الإنسانيّة الواحدة، وأن تساهم في صناعة الإنسان وتحقيق كرامته، وهذا لا يتشكل إلا بوجود أمّة شرقيّة وغربيّة تؤمن بعالم الإنسان الواحد، متجانس مع أرقى ما توصل إليه العقل الإنسانيّ في الجانب الحضاريّ، والسّنن الطبيعيّة والكونيّة.وليس هدف هذا العالم أن يتشكل في هوّيّة ضيقة تخلق صراعا من زاوية أخرى، كما أنّه ليس هدفه أن يلغي الأديان والمذاهب والتّنوع الاجتماعيّ والعرقيّ، لكن غايته الكبرى أن يستثمر هذا التّنوع في صناعة الإنسان وتقدّمه ورقيّه، بحيث يكون التّنوع حالة كسبيّة طبيعيّة مساهمة في بناء الإنسان، ومتهذبة بالقيم الكبرى، لا أن تخلق صراعا وهميّا، أو تكون مساندة للصّراعات الوهميّة، لتحقيق أكبر قدر من المنافع الدّنيويّة لصالح الذّات، لا لصالح الإنسان. لهذا تشكل حضارة إنسانيّة واحدة، والتّخلص من عقدة الذّات، والتّعصب للهوّيّات الكسبيّة، هو المستشرف مستقبلا، ولكن لا يعني هذا بحال عدم طغيان البعض لأجل منافع قاصرة، مستغلا ما توصل إليه العلم في تحقيق مراده، أو محرّفا أيضا للنّظريّات الإنسانيّة الكبرى كما حرّفت الأديان سابقا، لهذا يجب أن تتشكل نظريّات أوسع، تتجاوز الحدود القطريّة والفئويّة، في ضوء وثيقة حقوقيّة إنسانية مصانة بالعقل الإنسانيّ الواحد، ومتجاوزة الاتكاء السّياسيّ والعرقيّ، بحيث تكون ثمرتها واضحة في شرق الأرض وغربها، ينعم بها الإنسان، ويعيش في ظلّها حرّا كريما معززا، لا يخاف على نفسه من ظلم بني جنسه، واستغلال حاجته، وحرمانه من حقوقه الوجوديّة.