الادخار هو استقطاع جزء من الدخل من أجل استخدامه في المستقبل، وقد يبقى الجزء المستقطع نقدا سائلا أو يودع في حساب مصرفي أو يستخدم لشراء أسهم أو سندات أو صكوك أو غيرها من الأدوات القابلة للتسييل عند الحاجة. والادخار إما أن يكون اختياريا، أي أن يبادر الفرد باقتطاع جزء من دخله من أجل أن يدخره، أو يكون إجباريا عن طريق القانون وتفرضه الدولة، مثل الاستقطاع لصناديق التقاعد أو للتأمين الصحي أو ما شابه ذلك من استقطاعات. ويكون الادخار على المستوى الفردي أو العائلي household saving، كما يكون على المستوى الكلي أي المستوى المحلي domestic saving أو القومي national saving.
اهتم الاقتصاديون بالادخار منذ آدم سميث وديفيد ريكاردو ومن جاء بعدهما، وأكدوا أهمية تنميته من أجل استخدامه في الاستثمار والتنمية. ويفرق الاقتصاديون بين الادخار saving والاكتناز hoarding، الذي هو جمع المال ومراكمته في صورة سائلة أو في حسابات مصرفية لفترة غالبا ما تكون طويلة دون إنفاقه، بينما الادخار هو استقطاع من الدخل من أجل إعادة إنفاقه، سواء في صورة إنفاق استهلاكي أو إنفاق استثماري.
يتطرق هذا المقال إلى أهمية الادخار على المستوى الكلي وأهميته في الاستثمار والتنمية بشكل عام، ولكنه سيركز على الادخار على مستوى الفرد والأسرة وأهميته في التعليم، خاصة عندما يصعب إلحاق الأبناء والبنات بمؤسسات تعليم عالي الجودة أو يتعذّر حصولهم على منح للدراسة الجامعية وما فوقها.
أما الاستثمار فهو استخدام النقود في شراء وامتلاك أصول أو وحدات مالية بهدف تحقيق ربح، سواء كان الربح في صورة دخل مباشر منها أو في صورة ارتفاع في قيمتها. وكان الاقتصاديون الكلاسيكيون يرون أن المدخرات تتجه تلقائيا إلى الاستثمار. وحسب نظرية التوازن العام general equilibrium theory فإن الادخار يجب أن يكون مساويا للاستثمار. لكن هذه النظرية تطورت في وقت لاحق، ووجد الاقتصاديون المتأخرون أن الدوافع على الادخار هي غير الدوافع على الاستثمار، وأن الأشخاص الذين يدخرون هم غير الذين يستثمرون.
حسب إحصاءات عام ٢٠١٩ بلغ الادخار المحلي الإجمالي في عمان ما نسبته حوالي ٣٤٪ من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة تقل عما أوصى به البنك الدولي قبل بضع سنوات وهي أن لا تقل عن ٣٩٪. لكن هذه النسبة تختلف من بلد إلى آخر بحسب موارده الاقتصادية والبشرية وحسب النمو المستهدف فيه. ولذلك من الضروري إيجاد الأدوات والسبل اللازمة لتحفيز الادخار. ومن تلك الأدوات والوسائل سعر الفائدة على الودائع في البنوك، لأن تدني سعر الفائدة على الودائع عن حدود معينة يؤدي إلى زيادة الاستهلاك وربما يؤدي أيضاً إلى هروب رؤوس الأموال إلى بلدان أخرى. لكن في المقابل يؤدي ارتفاع سعر الفائدة على القروض إلى تثبيط الاستثمار وإضعاف النمو الاقتصادي.
ومن أدوات تشجيع الادخار أيضا وجود أسواق نشطة للأسهم والأوراق المالية، كما أن الإصدارات الأولية IOPs سواء للأسهم أو للسندات والصكوك تشجع على حشد المدخرات للاستثمار فيها. وفي الجانب الآخر لا بد لتشجيع الادخار من كبح جماح التضخم في الأسعار، لأن التضخم يؤدي إلى استنزاف المدخرات.
وكما أن الادخار المحلي أو الكلي عامل مهم للاستثمار ولتحقيق معدل النمو الاقتصادي المستهدف على المستوى الوطني، فإن الادخار على مستوى الفرد والأسرة له أهمية كبيرة لمواجهة متطلبات وحاجات المستقبل، لا سيما للاستثمار في تعليم الأبناء والبنات، بل إن الادخار من أجل التعليم أصبح ضرورة ملحّة في ظل محدودية المنح الدراسية الحكومية المخصصة للتعليم الجامعي وما فوق الجامعي.
لسنا هنا للإطناب في شرح اقتصاديات وأهمية التعليم، سواء للدولة أو للمجتمع والأفراد، فذلك معلوم وقد قيل فيه الكثير. لكن التراجع في عدد المنح الدراسية والموارد التي تخصص لها في الميزانية العامة ينذر بتراجع في مستوى الموارد البشرية المؤهلة وفي قدرة الاقتصاد على التجاوب مع التطورات في العلوم والتقانة. لذلك يقترح البعض إنشاء وقف endowment يخصص للتعليم العالي، على غرار الوقف الصحي الذي أنشئ قبل سنتين. ولا شك أن لهذا المقترح وجاهته، حيث إن أكبر جامعات العالم وأشهرها لديها وقفيات تغطي جانباً كبيرا من تكاليف التدريس والبحث العلمي فيها. هذا بالإضافة إلى أن إنشاء الوقفيات هو في حد ذاته تشجيع على الادخار، على شرط أن يدار الوقف بطريقة مهنية وكفؤة، سواء من حيث استخدامه أو من حيث استثماره من أجل تنميته وتطوير موارده. المعلوم أن للوقف في عمان تاريخا طويلا يمتد لأكثر من ألف عام، وهو مخصص لأغراض كثيرة، منها التعليم بما في ذلك الأوقاف المخصصة للمدارس، أو للإنفاق على «المتعلمين»، لذلك يجب إحياؤه وتطوير إدارته.
إن التعليم أصبح ضرورة من ضرورات الحياة الكريمة للفرد و يجب تسخير الموارد اللازمة له، سواء في الميزانية العامة أو من الوقفيات التي يؤسسها المجتمع أو من خلال الادخار العائلي. وكلما ارتفع مستوى التعليم لدى الفرد زادت قدرته على كسر حلقات الشعور بالدونية، وهي حلقات الجهل والفقر وتدني المكانة الاجتماعية، لأن العلم كما قيل عنه «يرفع الله بها أقواما».
ويبدو واضحا خاصة في الزمن الحاضر أن الفروق في مستويات معيشة الأفراد والأسر مرتبطة بشكل كبير جدا بالمستوى التعليمي الذي وصل إليه أفراد الأسرة. كما أنه أصبح من المؤكد أن استثمار الأسرة في تعليم أبنائها وبناتها هو استثمار له عائد مباشر، خاصة في سد الاحتياجات اليومية للأسرة أو لإعانة الأبوين مع تقدم العمر.
صحيح أنه من المعروف عند الاقتصاديين أنه كلما انخفض الدخل ارتفع «الميل الحدي للاستهلاك»، أي أنه من الصعب على الأسر منخفضة أو متوسطة الدخل التوفير أو الادخار من دخولها، لأن الجزء الأكبر منها يذهب لسد مصروفات الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والكهرباء والماء. لكن التعليم أصبح أيضا من الحاجات الأساسية، والحد الأدنى منه لم يعد مجرد محو أمية القراءة والكتابة ولا التعليم الأساسي، وإنما الدرجة الجامعية الأولى أو ما يعادلها، وربما أعلى منها. لذلك على الأسر وضع خطط ادخار لكل طفل يولد لديها منذ ولادته، لأن «العلم أبقى من لجين وذهب».
*باحث في الاقتصاد السياسي و قضايا التنمية
اهتم الاقتصاديون بالادخار منذ آدم سميث وديفيد ريكاردو ومن جاء بعدهما، وأكدوا أهمية تنميته من أجل استخدامه في الاستثمار والتنمية. ويفرق الاقتصاديون بين الادخار saving والاكتناز hoarding، الذي هو جمع المال ومراكمته في صورة سائلة أو في حسابات مصرفية لفترة غالبا ما تكون طويلة دون إنفاقه، بينما الادخار هو استقطاع من الدخل من أجل إعادة إنفاقه، سواء في صورة إنفاق استهلاكي أو إنفاق استثماري.
يتطرق هذا المقال إلى أهمية الادخار على المستوى الكلي وأهميته في الاستثمار والتنمية بشكل عام، ولكنه سيركز على الادخار على مستوى الفرد والأسرة وأهميته في التعليم، خاصة عندما يصعب إلحاق الأبناء والبنات بمؤسسات تعليم عالي الجودة أو يتعذّر حصولهم على منح للدراسة الجامعية وما فوقها.
أما الاستثمار فهو استخدام النقود في شراء وامتلاك أصول أو وحدات مالية بهدف تحقيق ربح، سواء كان الربح في صورة دخل مباشر منها أو في صورة ارتفاع في قيمتها. وكان الاقتصاديون الكلاسيكيون يرون أن المدخرات تتجه تلقائيا إلى الاستثمار. وحسب نظرية التوازن العام general equilibrium theory فإن الادخار يجب أن يكون مساويا للاستثمار. لكن هذه النظرية تطورت في وقت لاحق، ووجد الاقتصاديون المتأخرون أن الدوافع على الادخار هي غير الدوافع على الاستثمار، وأن الأشخاص الذين يدخرون هم غير الذين يستثمرون.
حسب إحصاءات عام ٢٠١٩ بلغ الادخار المحلي الإجمالي في عمان ما نسبته حوالي ٣٤٪ من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة تقل عما أوصى به البنك الدولي قبل بضع سنوات وهي أن لا تقل عن ٣٩٪. لكن هذه النسبة تختلف من بلد إلى آخر بحسب موارده الاقتصادية والبشرية وحسب النمو المستهدف فيه. ولذلك من الضروري إيجاد الأدوات والسبل اللازمة لتحفيز الادخار. ومن تلك الأدوات والوسائل سعر الفائدة على الودائع في البنوك، لأن تدني سعر الفائدة على الودائع عن حدود معينة يؤدي إلى زيادة الاستهلاك وربما يؤدي أيضاً إلى هروب رؤوس الأموال إلى بلدان أخرى. لكن في المقابل يؤدي ارتفاع سعر الفائدة على القروض إلى تثبيط الاستثمار وإضعاف النمو الاقتصادي.
ومن أدوات تشجيع الادخار أيضا وجود أسواق نشطة للأسهم والأوراق المالية، كما أن الإصدارات الأولية IOPs سواء للأسهم أو للسندات والصكوك تشجع على حشد المدخرات للاستثمار فيها. وفي الجانب الآخر لا بد لتشجيع الادخار من كبح جماح التضخم في الأسعار، لأن التضخم يؤدي إلى استنزاف المدخرات.
وكما أن الادخار المحلي أو الكلي عامل مهم للاستثمار ولتحقيق معدل النمو الاقتصادي المستهدف على المستوى الوطني، فإن الادخار على مستوى الفرد والأسرة له أهمية كبيرة لمواجهة متطلبات وحاجات المستقبل، لا سيما للاستثمار في تعليم الأبناء والبنات، بل إن الادخار من أجل التعليم أصبح ضرورة ملحّة في ظل محدودية المنح الدراسية الحكومية المخصصة للتعليم الجامعي وما فوق الجامعي.
لسنا هنا للإطناب في شرح اقتصاديات وأهمية التعليم، سواء للدولة أو للمجتمع والأفراد، فذلك معلوم وقد قيل فيه الكثير. لكن التراجع في عدد المنح الدراسية والموارد التي تخصص لها في الميزانية العامة ينذر بتراجع في مستوى الموارد البشرية المؤهلة وفي قدرة الاقتصاد على التجاوب مع التطورات في العلوم والتقانة. لذلك يقترح البعض إنشاء وقف endowment يخصص للتعليم العالي، على غرار الوقف الصحي الذي أنشئ قبل سنتين. ولا شك أن لهذا المقترح وجاهته، حيث إن أكبر جامعات العالم وأشهرها لديها وقفيات تغطي جانباً كبيرا من تكاليف التدريس والبحث العلمي فيها. هذا بالإضافة إلى أن إنشاء الوقفيات هو في حد ذاته تشجيع على الادخار، على شرط أن يدار الوقف بطريقة مهنية وكفؤة، سواء من حيث استخدامه أو من حيث استثماره من أجل تنميته وتطوير موارده. المعلوم أن للوقف في عمان تاريخا طويلا يمتد لأكثر من ألف عام، وهو مخصص لأغراض كثيرة، منها التعليم بما في ذلك الأوقاف المخصصة للمدارس، أو للإنفاق على «المتعلمين»، لذلك يجب إحياؤه وتطوير إدارته.
إن التعليم أصبح ضرورة من ضرورات الحياة الكريمة للفرد و يجب تسخير الموارد اللازمة له، سواء في الميزانية العامة أو من الوقفيات التي يؤسسها المجتمع أو من خلال الادخار العائلي. وكلما ارتفع مستوى التعليم لدى الفرد زادت قدرته على كسر حلقات الشعور بالدونية، وهي حلقات الجهل والفقر وتدني المكانة الاجتماعية، لأن العلم كما قيل عنه «يرفع الله بها أقواما».
ويبدو واضحا خاصة في الزمن الحاضر أن الفروق في مستويات معيشة الأفراد والأسر مرتبطة بشكل كبير جدا بالمستوى التعليمي الذي وصل إليه أفراد الأسرة. كما أنه أصبح من المؤكد أن استثمار الأسرة في تعليم أبنائها وبناتها هو استثمار له عائد مباشر، خاصة في سد الاحتياجات اليومية للأسرة أو لإعانة الأبوين مع تقدم العمر.
صحيح أنه من المعروف عند الاقتصاديين أنه كلما انخفض الدخل ارتفع «الميل الحدي للاستهلاك»، أي أنه من الصعب على الأسر منخفضة أو متوسطة الدخل التوفير أو الادخار من دخولها، لأن الجزء الأكبر منها يذهب لسد مصروفات الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والكهرباء والماء. لكن التعليم أصبح أيضا من الحاجات الأساسية، والحد الأدنى منه لم يعد مجرد محو أمية القراءة والكتابة ولا التعليم الأساسي، وإنما الدرجة الجامعية الأولى أو ما يعادلها، وربما أعلى منها. لذلك على الأسر وضع خطط ادخار لكل طفل يولد لديها منذ ولادته، لأن «العلم أبقى من لجين وذهب».
*باحث في الاقتصاد السياسي و قضايا التنمية