مثلما يمكن لكل دارس لمبادئ علم النحو العربي إدراك سهولة الخطأ النحوي بمجرد قول قائل بلحن في إعراب أواخر الكلمات، تبدو اليوم ثمة إشكالات كثيرة في طرق التفكير المتصلة بالتخلف، وتعكس باستمرار لامتناهٍ، إعادة إنتاج قوالب نسقية عقيمة ومُدوَّرة في الجدل العمومي، فيما هي تتضح بجلاء لكل دارس لعلم المنطق كونها أخطاء غير مرئية للجاهلين به، فيكون ذلك كفخ يعيق باستمرار القدرة على تطوير ثمرة الجدل في القضايا العامة.
بالطبع، ثمة ضرورة للنقاش والحوار في قضايا الشأن العام، لكن هذه الضرورة إذا أصبحت بمثابة إعاقة دائمة لإمكانية الفهم الموضوعي سيصبح الإشكال كامن في أصول أساليب النقاش وطرائق القول السجالي الذي إذا كف عن كونه قائمًا على قواعد منطقية متماسكة وناظمة لأُطر التفكير كف عن كونه منتجًا للمعنى وأصبح كاللغو الذي ظاهره عبارة عن ألفاظ منمقة.
فحين يناقشك أحدهم على خلفية عقدة معينة ومستحكمة تلحظها في طبيعة اللحن الخطابي لسجاله، وحين يعارضك أحدهم في النقاش بحدة (فقط كرد فعل على طبيعتك الحادة في النقاش الجاد مثلًا) دون القدرة على أن يتفهم نقاط كلامك فهمًا موضوعيًا، وحين يجادلك أحدهم وهو لا يعرف الفرق بين الحكم الذاتي والموضوعي (ناهيك عن إدراك الفرق الموضوعي بين حكم القيمة وحكم الواقع) وحين يخلط أحدهم بين معرفة حدود النظري والتطبيقي في فهم الواقع! ثم على الخصوص، حين يعيد أحدهم في نقاشه معك تأكيد البديهيات باستمرار بمناسبة ودون مناسبة، سيبدو لك واضحًا أن ما يعيق تقدم النقاش السليم المفضي إلى فائدة الجدل وثمرة الحوار، إنما هو غياب منهج تعليمي معرفي لتدريس المبادئ الأولية لعلم المنطق الذي يمسك المعاني ويكيّف طبيعة الفروق بين التصورات والمفاهيم والحجج، ومن ثم يحسم ذلك المنهج التعليمي لعلم المنطق جدلَ المقولات العمومية للنقاشات ويجعل منها معلوما من الوعي بالضرورة.
وحين تقول القاعدة المنطقية الشهيرة، (الحكم على الشيء فرع عن تصوره) كضابط منطقي يقدح في الذهن القدرة على تصور الأشياء قبل الحكم عليها، فهذا سيعني أن الحكم الموضوعي هو الحكم الذي يتفق عليه جميع الناس الذين يملكون ملكات سليمة وكامنة للتعلم في النفس البشرية. فللحكم على شكل الدائرة بأنه دائرة لا بد أولًا من تصور ذهني لشكل الدائرة، وهذا التصور يمنع الذهن من الخلط والتشويش بحيث يطلق شكل الدائرة على شكل المربع مثلًا!
ووفق المعرفة المنطقية التي تجعل من ذهن الفرد، عبر تعلم المنطق، قادرًا على الاستدلال والاستنتاج، وقادرًا على التفريق بين الأدلة الخطابية والأدلة البرهانية، وقادرًا على معرفة أوليات المبادئ الفلسفية المتصلة بعلم المنطق، كمبدأ الهوية، ومبدأ السببية، ومبدأ الثالث المرفوع (برهان عدم التناقض) قد لا ينجو اليوم إلا القليل جدًا بين من يتنطعون لنقاشات المعرفة السجالية العامة، وهم خلوٌ من تلك المبادئ الأولية للمنطق الأرسطي!
ستجد أحدهم يجادلك في مفهوم «الطبيعة» مثلًا لينقض بها براهين غير قابلة للنقد كمبدأ السببية، أو مبدأ الهوية، أو برهان الثالث المرفوع، وهو لا يدرك أن مفهوم «الطبيعة» لا يمكن الاستدلال به على شيء من حيث كونه تصورًا ذهنيًا لا وجود له في الواقع، وإنما هناك وجود لأفراده: كالشجر والبحر والحجر والسماء والأرض والإنسان، فإذا نسب شخص لا يدرك المعنى الذهني لمفهوم الطبيعة، شيئًا ما إلى الطبيعة كالقدرات الخارقة مثلًا فكيف يمكن فهم تصور النقاش معه، أولًا، وفق مبادئ العقل؟ إن من أسباب الجدل النسقي الذي يدور كثيرون حوله، والذي يمكننا أن نجد تمثيلاته في مقولات عمومية يعاد تكرارها، بسبب وبغير سبب، في سجالات المجال العام، هو غياب التفكير المنطقي ومبادئه التي يمكنها أن تساعد كثيرًا في تهيئة ووعي المفاهيم العقلية من التصورات، والموضوعات من المحمولات، وغير ذلك مفردات وقواعد علم المنطق.
ذلك أن علاقة اللغة بالتفكير هي جزء من بنية الكلام البشري، فكل جملة مفيدة فيما نحن نتحدث بها سنستصحب بالضرورة فكرة مطابقة لمعناها في الذهن، في الوقت ذاته الذي نتحدث فيه.
يمكننا أن نمارس باستمرار ممل، إعادة اكتشاف العجلة في العود والبدء عبر سجالات عقيمة دون أن نصل إلى ثمرة الحوار وفائدة النقاش، فنحسب أن ذلك العطب جزء من حرية النقاش، فيما جهل بالمنطق!
بالطبع، ثمة ضرورة للنقاش والحوار في قضايا الشأن العام، لكن هذه الضرورة إذا أصبحت بمثابة إعاقة دائمة لإمكانية الفهم الموضوعي سيصبح الإشكال كامن في أصول أساليب النقاش وطرائق القول السجالي الذي إذا كف عن كونه قائمًا على قواعد منطقية متماسكة وناظمة لأُطر التفكير كف عن كونه منتجًا للمعنى وأصبح كاللغو الذي ظاهره عبارة عن ألفاظ منمقة.
فحين يناقشك أحدهم على خلفية عقدة معينة ومستحكمة تلحظها في طبيعة اللحن الخطابي لسجاله، وحين يعارضك أحدهم في النقاش بحدة (فقط كرد فعل على طبيعتك الحادة في النقاش الجاد مثلًا) دون القدرة على أن يتفهم نقاط كلامك فهمًا موضوعيًا، وحين يجادلك أحدهم وهو لا يعرف الفرق بين الحكم الذاتي والموضوعي (ناهيك عن إدراك الفرق الموضوعي بين حكم القيمة وحكم الواقع) وحين يخلط أحدهم بين معرفة حدود النظري والتطبيقي في فهم الواقع! ثم على الخصوص، حين يعيد أحدهم في نقاشه معك تأكيد البديهيات باستمرار بمناسبة ودون مناسبة، سيبدو لك واضحًا أن ما يعيق تقدم النقاش السليم المفضي إلى فائدة الجدل وثمرة الحوار، إنما هو غياب منهج تعليمي معرفي لتدريس المبادئ الأولية لعلم المنطق الذي يمسك المعاني ويكيّف طبيعة الفروق بين التصورات والمفاهيم والحجج، ومن ثم يحسم ذلك المنهج التعليمي لعلم المنطق جدلَ المقولات العمومية للنقاشات ويجعل منها معلوما من الوعي بالضرورة.
وحين تقول القاعدة المنطقية الشهيرة، (الحكم على الشيء فرع عن تصوره) كضابط منطقي يقدح في الذهن القدرة على تصور الأشياء قبل الحكم عليها، فهذا سيعني أن الحكم الموضوعي هو الحكم الذي يتفق عليه جميع الناس الذين يملكون ملكات سليمة وكامنة للتعلم في النفس البشرية. فللحكم على شكل الدائرة بأنه دائرة لا بد أولًا من تصور ذهني لشكل الدائرة، وهذا التصور يمنع الذهن من الخلط والتشويش بحيث يطلق شكل الدائرة على شكل المربع مثلًا!
ووفق المعرفة المنطقية التي تجعل من ذهن الفرد، عبر تعلم المنطق، قادرًا على الاستدلال والاستنتاج، وقادرًا على التفريق بين الأدلة الخطابية والأدلة البرهانية، وقادرًا على معرفة أوليات المبادئ الفلسفية المتصلة بعلم المنطق، كمبدأ الهوية، ومبدأ السببية، ومبدأ الثالث المرفوع (برهان عدم التناقض) قد لا ينجو اليوم إلا القليل جدًا بين من يتنطعون لنقاشات المعرفة السجالية العامة، وهم خلوٌ من تلك المبادئ الأولية للمنطق الأرسطي!
ستجد أحدهم يجادلك في مفهوم «الطبيعة» مثلًا لينقض بها براهين غير قابلة للنقد كمبدأ السببية، أو مبدأ الهوية، أو برهان الثالث المرفوع، وهو لا يدرك أن مفهوم «الطبيعة» لا يمكن الاستدلال به على شيء من حيث كونه تصورًا ذهنيًا لا وجود له في الواقع، وإنما هناك وجود لأفراده: كالشجر والبحر والحجر والسماء والأرض والإنسان، فإذا نسب شخص لا يدرك المعنى الذهني لمفهوم الطبيعة، شيئًا ما إلى الطبيعة كالقدرات الخارقة مثلًا فكيف يمكن فهم تصور النقاش معه، أولًا، وفق مبادئ العقل؟ إن من أسباب الجدل النسقي الذي يدور كثيرون حوله، والذي يمكننا أن نجد تمثيلاته في مقولات عمومية يعاد تكرارها، بسبب وبغير سبب، في سجالات المجال العام، هو غياب التفكير المنطقي ومبادئه التي يمكنها أن تساعد كثيرًا في تهيئة ووعي المفاهيم العقلية من التصورات، والموضوعات من المحمولات، وغير ذلك مفردات وقواعد علم المنطق.
ذلك أن علاقة اللغة بالتفكير هي جزء من بنية الكلام البشري، فكل جملة مفيدة فيما نحن نتحدث بها سنستصحب بالضرورة فكرة مطابقة لمعناها في الذهن، في الوقت ذاته الذي نتحدث فيه.
يمكننا أن نمارس باستمرار ممل، إعادة اكتشاف العجلة في العود والبدء عبر سجالات عقيمة دون أن نصل إلى ثمرة الحوار وفائدة النقاش، فنحسب أن ذلك العطب جزء من حرية النقاش، فيما جهل بالمنطق!