قبل مرحلة عدم الاستقرار في بعض بلدان المنطقة العربية, كان الرأي العام العربي يعقد آمالا على الانتخابات العامة والرئاسية كلما حل أوانها في هذا البلد أو ذاك, على أساس أنها مظهر للمشاركة الشعبية في صنع القرار واتخاذه على المستوى الوطني, ولكن على مدى السنوات الأخيرة أصبحت الانتخابات موضع جدل في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية أو غير المستقرة سياسيا وتعاني اقتصاديا, وذلك من حيث التساؤل حول مدى جدواها, أو تطابق الآمال التي كانت معقودة عليها مع النتائج التي قادت إليها, فما هي المؤشرات على ذلك, وما هي الأسباب التي أدت إليها؟.
وحتى لا ينصرف الفهم من البداية إلى أن المنطقة العربية تنفرد وحدها بهذا الوضع, فإنه من المؤكد أنها ظاهرة عامة على المستوى العالمي وتحديدا في أكبر الدول عراقة في العمل بالانتخابات كآلية لإقامة حياة برلمانية ناجحة ومزدهرة, وما حدث في الانتخابات الأمريكية الأخيرة خير دليل على المثالب التي باتت تحيط بممارسة هذه الآلية حتى بات بعض الخبراء يشككون الآن في جدوى الحياة النيابية ذاتها ويطالبون بالعودة إلى أسلوب الاستفتاء العام من وقت إلى آخر تجاه قضايا مصيرية قائمة لا تجد حلا لها نتيجة حالة الشلل التي تصيب نشاط عديد البرلمانيات بسبب اللدد في الخصومة بين القوى السياسية.
نقول إن هذا يحدث في أعرق التجارب, ولم تكن الانتخابات الأمريكية وحدها المثال الأقوى, وإنما علينا أن نتذكر الخلافات الحادة التي وقعت داخل البرلمان البريطاني بخصوص البريكست, وانتهت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي, وهي خطوة تركت بلا شك أضرارا ليس على بريطانيا وحدها وإنما على الاتحاد الأوروبي أيضا.
ولا يعني هذا أن العالم سيتخلى يوما عن الانتخابات العامة, ولا عن الديمقراطية النيابية, فهما من إرث تقدم الفكر الإنساني الحديث, ولكن هناك عقبات باتت تواجه العمل بهذه الآلية لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية لم تكن قائمة في الماضي القريب واستجدت في الزمن المعاصر بما يدفع إلى ضرورة المراجعة وطرح وجهات نظر جديدة تجاه العمل بهذه الآلية بهدف استعادة الأمل في التمكن من حصد نتائجها الإيجابية.
وإذا كان هذا هو حال العالم المتقدم, فلا غرابة أن يكون مثله في منطقتنا العربية التي هي أقل خبرة وأصعب من حيث الظروف كافة. وينطبق الأمر تحديدا على البلدان التي تمر بمرحلة انتقال بعد تعرضها لرياح التغيير في 2011, لأن مثل هذه المرحلة تنطوي في حد ذاتها على تحديات جمة فيما يتعلق بتفعيل الآليات والمؤسسات التي ارتضاها الفكر الإنساني المعاصر للإصلاح السياسي. إلا أن التجربة على مدى عشر سنوات وأكثر تقريبا أصابت الرأي العام العربي بقدر من الإحباط فيما يتعلق بمدى الاستفادة من أخطاء الآخرين لعدم تكرارها, أو تجنب السير على نفس طريقهم الذي لم يعد آمنا. وما يمكن رصده دون أي تجني على الحقيقة أن النتائج لم تأت متسقة مع المقدمات, أو بمعنى آخر ليس هناك ما يبشر بأن مراحل الانتقال تكتمل أو في طريقها إلى الوفاء بالوعود.
في هذا الإطار يمكن رصد 6 تجارب تندرج تحت تعبير مرحلة الانتقال بعضها يواجه عقبات صعبة للغاية والآخر يواجه تعثرا, وكلها بالمناسبة تعتمد على الانتخابات كإجراء مهم من خريطة الطريق لتجاوز مرحلة الانتقال بسلام. فلدينا انتخابات عامة من المفترض أن تجرى في ليبيا في ديسمبر المقبل, ويتم التعويل عليها من المجتمع الدولي المشارك في حل الأزمة السياسية هناك. ومع أنه لم يتبق سوى أربعة أشهر على هذا الموعد, إلا أنه لم يتم الاتفاق بعد على الخطوات التي تقود إلى إجراء الانتخابات بشكل هادئ ونزيه. والجدل قائم حول ضرورة إيجاد ما يسمى بقاعدة دستورية تتم على ضوئها الانتخابات.
وبرغم تقديم أربعة مقترحات على ملتقى الحوار الوطني, إلا أنه لم يتم الاتفاق على أي منها. والسبب أن الوضع الليبي عموما بالغ التعقيد داخليا وخارجيا, فضلا عن عدم حسم الموقف من مصير الميليشيات المسلحة التي من الواضح أنها من العوامل الحاسمة في نجاح أو فشل الانتخابات القادمة لو كان مقدرا لها أن تتم في الموعد المحدد. ولدينا انتخابات عامة أيضا من المقرر أن تجرى في العراق في أكتوبر المقبل. ولكن برغم تأكيد المسؤولين المعنيين بأنه تم الانتهاء من كل اللوجستيات المطلوبة لإجراء الانتخابات, وبرغم التشديد على أنها ستتم في موعدها وتوافر دعم دولي لذلك, إلا أن خلافات القوى السياسية العراقية وفي مقدمتها القوى الشيعية صاحبة النفوذ الأقوى, لا تزال تلقي بظلالها على المشهد بما يؤشر إلى تعطيل الانتخابات, هذا بالإضافة إلى تجدد المخاطر الإرهابية برغم الدعم الذي تجده الحكومة من الإدارة الأمريكية. وفيما يتعلق برصد انتخابات جرت بالفعل لدينا انتخابات جرت في الجزائر في يونيو الماضي وأخرى جرت في تونس منذ عامين. والأولى شارك فيها عدد قليل من الناخبين وسط عدم رضا من جانب ما يسمى بالحراك الوطني الذي قاد احتجاجات يومية استمرت زمنا طويلا مطالبا بتغيير أسس النظام الجزائري القائم منذ الاستقلال, وقد تم تفسير نتائج الانتخابات من جانب الحراك على أنها امتداد للماضي, أي لم تحقق تغييرا. وأما تونس فقد صدمت الجميع بتطوراتها الدراماتيكية منذ يونيو الماضي بعد أن اصطدم الرئيس التونسي بقيادة البرلمان والحكومة واتخذ ما اتخذ من قرارات وضعت البلاد في مرحلة انتقالية جديدة بعد مرحلة لم تكتمل أصلا!. وفي فلسطين كان من المفترض إجراء الانتخابات العامة في مايو الماضي ولكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرر تأجيلها إلى أن توافق إسرائيل على إجرائها أيضا داخل القدس المحتلة وهو ما لم يحدث ولن يحدث!. وأخيرا نحن على موعد مع الانتخابات عامة في السودان أواخر العام المقبل أي بعد عام تقريبا من الآن وذلك كأحد استحقاقات مرحلة الانتقال بعد سقوط نظام البشير ولإنهاء مشاركة العسكريين للمدنيين في الحكم. ولكن برغم البريق الذي أحاط بهذه التجربة الأحدث في تجارب التغيير العربية, إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة من ناحية وخطوات العودة للمجتمع الدولي والانفتاح حتى على إسرائيل من ناحية ثانية, والانشغال بتصفية ميراث المرحلة القديمة من الناحيتين الأمنية والسياسية من ناحية ثالثة لا يزال يعطل الاتفاق على كيفية إجراء الانتخابات العامة بالقدر الذي يفي بمطالب من قادوا التغيير في البلاد, حيث لم تظهر حتى الآن مؤشرات على الخطوات اللازمة لهذه الانتخابات.
والسؤال المحوري هنا هو هل المشكلة في آلية الانتخابات في حد ذاتها أم في عدم توافر المقدمات الأساسية اللازمة لكي تحقق الأهداف المرجوة منها؟. وفي الواقع وفقا للتجارب سواء في الخارج أو في بلدان التغيير يمكن القول أن آلية الانتخابات عالميا باتت موضع شك من حيث الحرص على تطبيق قواعدها الصارمة, أو مصدرا للانقسام السياسي والمجتمعي, وذلك بسبب تأثير وسائل التواصل الإلكترونية أو التدخل عبرها من الخارج, وقد بات الاتهام بالتدخلات بهذه الطرق أمرا مكررا في الحملات الانتخابية وعمليات الانتخابات ذاتها في قلب العواصم الغربية. ومن جهة أخرى ساعد صعود اليمين المتطرف سياسيا على تشويه سمعة الانتخابات هناك. وفي الحالة العربية المقصودة في هذا الصدد لم تسلم الانتخابات العامة من بعض هذه المثالب التي أصابت الممارسة في الغرب. وربما كان أمرا كهذا متوقعا بعد أن أصبحت وسائل التدخل الإلكترونية متاحة للكل ولا سبيل لمنعها, وما كان يجري على صفحات التواصل الاجتماعي ولا يزال قائما خير شاهد على أن عمليات الانتخابات ليست نزيهة كما ينبغي, وقد لعب ما يسمى بالمال السياسي دورا شريرا في هذا الوضع. وفي الحالة العربية المقصودة أضافت ظروف مرحلة الانتقال التي هي متقلبة بطبيعتها ويسود الشك بين قياداتها فضلا عن عدم اليقين من جانب عموم الشعب أسبابا إضافية ألقت بمزيد من الظلال على جدوى الانتخابات العامة. وحتى لو افترضنا عدم تأثر بعض التجارب بمثل هذه المثالب, فإن طبيعة مراحل الانتقال القلقة والمضطربة قضت بأن تكون هناك تحالفات انتخابية تنتهي بدخول البرلمان لتتكون بعدها تحالفات أخرى مختلفة عنها داخل البرلمان لضمان الأغلبية. ولا يخفى أن طبيعة التحالفات أيا كانت تفترض إمكانية الاختلاف في عديد القضايا عند الممارسة وهو ما حدث في التجربة التونسية بوجه خاص.
آلية الانتخابات لم تعد بنفس قيمها كما عرفناها في الماضي القريب بسبب المستجدات السالف الإشارة إليها, وتحتاج إلى أفكار إصلاحية لاستعادة جدواها على النحو المنشود إما بالعمل على استخدام آلية الاستفتاء من وقت إلى آخر, أو تعديل القوانين لمنع أشكال التدخل والتلاعب بتصويت المواطنين, أو اللجوء إلى مؤسسات موازية يتم اختيار جانب كبير من أعضائها بالتعيين استنادا إلى معايير دقيقة تعبر عن الكفاءة والالتزام الوطني وطهارة اليد. وفي كل الأحوال فإنها في ذاتها ليست الحل السحري برغم الاتفاق على أنها أبسط الطرق للنيابة عن الشعب, وإنما تعكس الحال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي سلبا كان أم إيجابا. والتجارب الناجحة قامت في بلدان مستقرة سياسيا واقتصاديا أولا وقبل كل شيء, وليس في بلدان مضطربة وتعاني من ضائقة اقتصادية.
** ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
وحتى لا ينصرف الفهم من البداية إلى أن المنطقة العربية تنفرد وحدها بهذا الوضع, فإنه من المؤكد أنها ظاهرة عامة على المستوى العالمي وتحديدا في أكبر الدول عراقة في العمل بالانتخابات كآلية لإقامة حياة برلمانية ناجحة ومزدهرة, وما حدث في الانتخابات الأمريكية الأخيرة خير دليل على المثالب التي باتت تحيط بممارسة هذه الآلية حتى بات بعض الخبراء يشككون الآن في جدوى الحياة النيابية ذاتها ويطالبون بالعودة إلى أسلوب الاستفتاء العام من وقت إلى آخر تجاه قضايا مصيرية قائمة لا تجد حلا لها نتيجة حالة الشلل التي تصيب نشاط عديد البرلمانيات بسبب اللدد في الخصومة بين القوى السياسية.
نقول إن هذا يحدث في أعرق التجارب, ولم تكن الانتخابات الأمريكية وحدها المثال الأقوى, وإنما علينا أن نتذكر الخلافات الحادة التي وقعت داخل البرلمان البريطاني بخصوص البريكست, وانتهت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي, وهي خطوة تركت بلا شك أضرارا ليس على بريطانيا وحدها وإنما على الاتحاد الأوروبي أيضا.
ولا يعني هذا أن العالم سيتخلى يوما عن الانتخابات العامة, ولا عن الديمقراطية النيابية, فهما من إرث تقدم الفكر الإنساني الحديث, ولكن هناك عقبات باتت تواجه العمل بهذه الآلية لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية لم تكن قائمة في الماضي القريب واستجدت في الزمن المعاصر بما يدفع إلى ضرورة المراجعة وطرح وجهات نظر جديدة تجاه العمل بهذه الآلية بهدف استعادة الأمل في التمكن من حصد نتائجها الإيجابية.
وإذا كان هذا هو حال العالم المتقدم, فلا غرابة أن يكون مثله في منطقتنا العربية التي هي أقل خبرة وأصعب من حيث الظروف كافة. وينطبق الأمر تحديدا على البلدان التي تمر بمرحلة انتقال بعد تعرضها لرياح التغيير في 2011, لأن مثل هذه المرحلة تنطوي في حد ذاتها على تحديات جمة فيما يتعلق بتفعيل الآليات والمؤسسات التي ارتضاها الفكر الإنساني المعاصر للإصلاح السياسي. إلا أن التجربة على مدى عشر سنوات وأكثر تقريبا أصابت الرأي العام العربي بقدر من الإحباط فيما يتعلق بمدى الاستفادة من أخطاء الآخرين لعدم تكرارها, أو تجنب السير على نفس طريقهم الذي لم يعد آمنا. وما يمكن رصده دون أي تجني على الحقيقة أن النتائج لم تأت متسقة مع المقدمات, أو بمعنى آخر ليس هناك ما يبشر بأن مراحل الانتقال تكتمل أو في طريقها إلى الوفاء بالوعود.
في هذا الإطار يمكن رصد 6 تجارب تندرج تحت تعبير مرحلة الانتقال بعضها يواجه عقبات صعبة للغاية والآخر يواجه تعثرا, وكلها بالمناسبة تعتمد على الانتخابات كإجراء مهم من خريطة الطريق لتجاوز مرحلة الانتقال بسلام. فلدينا انتخابات عامة من المفترض أن تجرى في ليبيا في ديسمبر المقبل, ويتم التعويل عليها من المجتمع الدولي المشارك في حل الأزمة السياسية هناك. ومع أنه لم يتبق سوى أربعة أشهر على هذا الموعد, إلا أنه لم يتم الاتفاق بعد على الخطوات التي تقود إلى إجراء الانتخابات بشكل هادئ ونزيه. والجدل قائم حول ضرورة إيجاد ما يسمى بقاعدة دستورية تتم على ضوئها الانتخابات.
وبرغم تقديم أربعة مقترحات على ملتقى الحوار الوطني, إلا أنه لم يتم الاتفاق على أي منها. والسبب أن الوضع الليبي عموما بالغ التعقيد داخليا وخارجيا, فضلا عن عدم حسم الموقف من مصير الميليشيات المسلحة التي من الواضح أنها من العوامل الحاسمة في نجاح أو فشل الانتخابات القادمة لو كان مقدرا لها أن تتم في الموعد المحدد. ولدينا انتخابات عامة أيضا من المقرر أن تجرى في العراق في أكتوبر المقبل. ولكن برغم تأكيد المسؤولين المعنيين بأنه تم الانتهاء من كل اللوجستيات المطلوبة لإجراء الانتخابات, وبرغم التشديد على أنها ستتم في موعدها وتوافر دعم دولي لذلك, إلا أن خلافات القوى السياسية العراقية وفي مقدمتها القوى الشيعية صاحبة النفوذ الأقوى, لا تزال تلقي بظلالها على المشهد بما يؤشر إلى تعطيل الانتخابات, هذا بالإضافة إلى تجدد المخاطر الإرهابية برغم الدعم الذي تجده الحكومة من الإدارة الأمريكية. وفيما يتعلق برصد انتخابات جرت بالفعل لدينا انتخابات جرت في الجزائر في يونيو الماضي وأخرى جرت في تونس منذ عامين. والأولى شارك فيها عدد قليل من الناخبين وسط عدم رضا من جانب ما يسمى بالحراك الوطني الذي قاد احتجاجات يومية استمرت زمنا طويلا مطالبا بتغيير أسس النظام الجزائري القائم منذ الاستقلال, وقد تم تفسير نتائج الانتخابات من جانب الحراك على أنها امتداد للماضي, أي لم تحقق تغييرا. وأما تونس فقد صدمت الجميع بتطوراتها الدراماتيكية منذ يونيو الماضي بعد أن اصطدم الرئيس التونسي بقيادة البرلمان والحكومة واتخذ ما اتخذ من قرارات وضعت البلاد في مرحلة انتقالية جديدة بعد مرحلة لم تكتمل أصلا!. وفي فلسطين كان من المفترض إجراء الانتخابات العامة في مايو الماضي ولكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرر تأجيلها إلى أن توافق إسرائيل على إجرائها أيضا داخل القدس المحتلة وهو ما لم يحدث ولن يحدث!. وأخيرا نحن على موعد مع الانتخابات عامة في السودان أواخر العام المقبل أي بعد عام تقريبا من الآن وذلك كأحد استحقاقات مرحلة الانتقال بعد سقوط نظام البشير ولإنهاء مشاركة العسكريين للمدنيين في الحكم. ولكن برغم البريق الذي أحاط بهذه التجربة الأحدث في تجارب التغيير العربية, إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة من ناحية وخطوات العودة للمجتمع الدولي والانفتاح حتى على إسرائيل من ناحية ثانية, والانشغال بتصفية ميراث المرحلة القديمة من الناحيتين الأمنية والسياسية من ناحية ثالثة لا يزال يعطل الاتفاق على كيفية إجراء الانتخابات العامة بالقدر الذي يفي بمطالب من قادوا التغيير في البلاد, حيث لم تظهر حتى الآن مؤشرات على الخطوات اللازمة لهذه الانتخابات.
والسؤال المحوري هنا هو هل المشكلة في آلية الانتخابات في حد ذاتها أم في عدم توافر المقدمات الأساسية اللازمة لكي تحقق الأهداف المرجوة منها؟. وفي الواقع وفقا للتجارب سواء في الخارج أو في بلدان التغيير يمكن القول أن آلية الانتخابات عالميا باتت موضع شك من حيث الحرص على تطبيق قواعدها الصارمة, أو مصدرا للانقسام السياسي والمجتمعي, وذلك بسبب تأثير وسائل التواصل الإلكترونية أو التدخل عبرها من الخارج, وقد بات الاتهام بالتدخلات بهذه الطرق أمرا مكررا في الحملات الانتخابية وعمليات الانتخابات ذاتها في قلب العواصم الغربية. ومن جهة أخرى ساعد صعود اليمين المتطرف سياسيا على تشويه سمعة الانتخابات هناك. وفي الحالة العربية المقصودة في هذا الصدد لم تسلم الانتخابات العامة من بعض هذه المثالب التي أصابت الممارسة في الغرب. وربما كان أمرا كهذا متوقعا بعد أن أصبحت وسائل التدخل الإلكترونية متاحة للكل ولا سبيل لمنعها, وما كان يجري على صفحات التواصل الاجتماعي ولا يزال قائما خير شاهد على أن عمليات الانتخابات ليست نزيهة كما ينبغي, وقد لعب ما يسمى بالمال السياسي دورا شريرا في هذا الوضع. وفي الحالة العربية المقصودة أضافت ظروف مرحلة الانتقال التي هي متقلبة بطبيعتها ويسود الشك بين قياداتها فضلا عن عدم اليقين من جانب عموم الشعب أسبابا إضافية ألقت بمزيد من الظلال على جدوى الانتخابات العامة. وحتى لو افترضنا عدم تأثر بعض التجارب بمثل هذه المثالب, فإن طبيعة مراحل الانتقال القلقة والمضطربة قضت بأن تكون هناك تحالفات انتخابية تنتهي بدخول البرلمان لتتكون بعدها تحالفات أخرى مختلفة عنها داخل البرلمان لضمان الأغلبية. ولا يخفى أن طبيعة التحالفات أيا كانت تفترض إمكانية الاختلاف في عديد القضايا عند الممارسة وهو ما حدث في التجربة التونسية بوجه خاص.
آلية الانتخابات لم تعد بنفس قيمها كما عرفناها في الماضي القريب بسبب المستجدات السالف الإشارة إليها, وتحتاج إلى أفكار إصلاحية لاستعادة جدواها على النحو المنشود إما بالعمل على استخدام آلية الاستفتاء من وقت إلى آخر, أو تعديل القوانين لمنع أشكال التدخل والتلاعب بتصويت المواطنين, أو اللجوء إلى مؤسسات موازية يتم اختيار جانب كبير من أعضائها بالتعيين استنادا إلى معايير دقيقة تعبر عن الكفاءة والالتزام الوطني وطهارة اليد. وفي كل الأحوال فإنها في ذاتها ليست الحل السحري برغم الاتفاق على أنها أبسط الطرق للنيابة عن الشعب, وإنما تعكس الحال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي سلبا كان أم إيجابا. والتجارب الناجحة قامت في بلدان مستقرة سياسيا واقتصاديا أولا وقبل كل شيء, وليس في بلدان مضطربة وتعاني من ضائقة اقتصادية.
** ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة