كيران ستيسي- الفاينانشال تايمز -
ترجمة قاسم مكي -
في عام 1914 سَنَّ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون قانونا كان تتويجا لحركة مبكرة تهدف إلى محاربة الاحتكار.
في العقد السابق لإصدار هذا التشريع (قانون كلايتون لمكافحة الاحتكار وهو تعديل لقانون شيرمان الذي أصدره الكونجرس في عام 1890- المترجم) كانت الحكومة الأمريكية قد فككت بعض أقوى الاحتكارات في التاريخ بما فيها شركتا ستاندراد أويل والأمريكية للتبغ والشركة الشمالية للأوراق المالية.
ثم لاحقا أراد ويلسون ضمان عدم السماح بتشكل مثل هذه الاحتكارات على الإطلاق. لذلك أنشأ لجنة التجارة الفيدرالية وهي جهاز تنظيمي يتمتع بسلطات فريدة وكلفها بكتابة وتطبيق قواعد تنظيمية جديدة للمنافسة.
وبعد أكثر من مائة عام لاحقا يعتقد العديد من التقدميين أن لجنة التجارة الفيدرالية فشلت في مهمتها الأساسية. فهم يشيرون إلى وجود شركات تقنية أمريكية عملاقة من شاكلة جوجل وفيسبوك وأمازون ويجادلون بأن هذه الاحتكارات سُمِح لها مرة أخرى بالاستيلاء على اقتصاد الولايات المتحدة.
الشخصية الرئيسية في الحركة المعادية للاحتكار هي إليزابيث وارين عضو مجلس الشيوخ والمرشحة الرئاسية السابقة. لكن ربما أقوى أعضائها نفوذا الآن لينا خان (32 عاما)، الأكاديمية التي عينها جو بايدن لتثوير لجنة التجارة الفيدرالية وإعادتها إلى دورها الأصلي المتمثل في محاربة الاحتكار.
في الشهرين الماضيين، بدأت خان إصلاحا جذريا للجنة فألغت سياسات أُعِدَّت لتقييد سلطاتها القانونية وعدلت الطريقة التي تتخذ بها قراراتها ووعدت بإعادة كتابة البيانات التي تعزز تطبيق محاربة الاحتكار في الولايات المتحدة. ويقول مؤيدوها أنها ترسي أساس عصرٍ ثان لكسر الاحتكار.
يقول تيم وو، المستشار بالبيت الأبيض وأحد قادة الحركة الجديدة لمحاربة الاحتكار: " بحسب رؤية وودرو ويلسون كان يفترض أن تضع لجنة التجارة الفيدرالية بالتفصيل قواعد المنافسة (القواعد الأساسية لما هو عادل وظالم في المنافسة). وهذا يتسق مع ما نشجعها على القيام به".
في مسعاها لإعادة لجنة التجارة الفيدرالية إلى ما يعتبرونه جذورها الفكرية تتحدي خان وكذلك تيم وو وحلفاؤهما عقودا من الإجماع الحزبي على سياسة المنافسة والتي تنادي بوجوب السماح للشركات بالنمو حجما ونفوذا قدر ما تشاء طالما لم يتضرر المستهلكون من ذلك. خطط خان ورفاقها تشكل جزءا من تحول أوسع نطاقا يأمل بايدن أن يحققه في السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة في تحدٍّ للفكر السائد في كل شيء من الضرائب إلى العجوزات المالية إلى التضخم.
مما له دلالة، يقول حلفاء خان: إن أولى خطواتها الكبيرة كانت تفكيك السياسات التي طبقتها الإدارتان الديمقراطيتان السابقتان والتي أعدت لجعل مؤسسات الأعمال أكثر يقينا بشأن الوقت الذي يمكن أن تتخذ فيه لجنة التجارة المالية إجراء. ولكن خان وحلفاءها يعتقدون أنها قيدت أيدي الجهات التنظيمية.
يقول أحد كبار الديمقراطيين في اللجنة: "أول سياستين تم التخلي عنهما جاءت بهما إدارتا كلينتون وأوباما. يجب أن يكون واضحا لكل أحد أننا نمضي في وجهة مختلفة جدا".
لكن في حين يستمرئ التقدميون من أمثال خان وتيم فرصة إعادة بناء اللجنة التي يرون أنها فشلت في مهامها الجوهرية والمتمثلة في حماية المستهلكين وتشجيع المنافسة إلا أن قدامى مسؤوليها قلقون بشأن ما تعنيه التعديلات للجنة. إنهم يخشون من تكرار سبعينات القرن الماضي عندما أصدرت اللجنة بقيادة ناشطين دفعة من القواعد الجديدة للمنافسة أوقفها الكونجرس. بل حتى عطل عملها مؤقتا بعد اقتراحها حظر كل الإعلانات الدعائية التي تستهدف الأطفال تحت سن الثامنة.
وتقول كريستين ويلسون، وهي مفوضة من الحزب الجمهوري في اللجنة: "كل جزء من اختصاصنا القضائي مهدد. إذا انخرطنا في نفس ذلك النوع من التجاوزات كما في أعوام السبعينات مع علمنا بأن لدينا الآن خصوما أكثر مما في السابق هل يمكنكم تخيل ما ينطوي عليه ذلك من خطر ... على اللجنة؟"
وتضيف ويلسون قائلة " بالنظر إلى كل هؤلاء المنتقدين الذين ظهروا فجأة في السنوات الأخيرة وازدادت أعدادهم بفضل كل تلك التغييرات التي تجريها لينا خان (رئيسة اللجنة) لست على يقين من أن اللجنة ستكون موجودة بعد خمسة أعوام. وهذا يحزنني جدا".
المستهلكون أولا
لجنة التجارة الفيدرالية جهة تنظيمية فريدة في واشنطن. لقد جعل الكونجرس تفويضها فضفاضا عن عمد لكي تكون قادرة على التعامل مع الممارسات المناهضة للمنافسة في مختلف الصناعات. وكان عليها عمل كل شيء بدءا من مراجعة الإندماجات (بين الشركات) إلى التحري في التصرفات المناهضة للمنافسة إلى كتابة قواعد حماية المستهلك.
الفكرة هي، حسبما يقول من صاغوا القانون الذي أنشئت بمقتضاه اللجنة، ليست تفكيك الاحتكارات ولكن منع تشكلها أساسا.
تقول مورين أولهاوزن، المفوضة السابقة في اللجنة: "الوكالات (اللجان) الأخرى لديها في العادة نظام أساسي مفصَّل من الكونجرس تتخذه برنامج عمل لها. أما لجنة التجارة الفيدرالية فلديها ما يزيد قليلا عن جملة واحدة".
تصدت اللجنة إلى كل الجهات من شركات الكهرباء إلى بائعي الحليب في شيكاغو. وأعدت تقريرا صادما عن كارتلات النفط العالمية دفع الرئيس الأمريكي وقتها هاري ترومان في البداية إلى التوجيه بعدم نشره. بل نجحت في تحدي ما قالت أنها ممارسات مناهضة للاحتكار من الجمعية الطبية الأمريكية.
لكن ذلك تغير في أواخر السبعينات بعدما كتب روبرت بورك العالم القانوني المحافظ والقاضي لاحقا مؤلفه الشهير " مفارقة محاربة الاحتكار" والذي حاجج فيه بأن تطبيق الحكومة لقوانين محاربة الاحتكار كثيرا ما تجعل الأوضاع أسوأ للمستهلكين وذلك بمنعها الشركات الأكثر كفاءة من الارتقاء. لقد أثَّر إصرار بورك على وجوب إيلاء الأولوية للمستهلكين في سياسة المنافسة على قرارات تطبيق قواعد محاربة الاحتكار منذ عهد إدارة ريجان.
والآن يقول جيل جديد من الأكاديميين التقدميين أن من لجنة التجارة الفيدرالية ووزارة العدل تركتا شركات قليلة تهيمن على قطاعات واسعة من الاقتصاد الأمريكي.
لينا خان
ربما أكثر المعروفين من بين هؤلاء التقدميين لينا خان التي صنعت اسمها بكتابة ورقة أكاديمية، وهي في أواخر العشرين من عمرها بمدرسة ييل للقانون، تحاجج فيها بوجوب تفكيك شركة أمازون.
ومنذ توليها رئاسة لجنة التجارة الفيدرالية شرعت خان بسرعة في إعادة تشكيلها. بعض التغييرات التي جاءت بها تبدو مثل إصلاحات فنية داخلية وبعضها الآخر بيانات سياسة رئيسية. وكلها تقريبا قوبلت بمعارضة عنيفة من جانب الجمهوريين ومجتمع الأعمال.
وفي الأسابيع القليلة الماضية بدأت خان عقد اجتماعات علنية للجنة. وهذا شيء يقول الديمقراطيون: إنه يجعل اللجنة أكثر انفتاحا للتدقيق. لكن مفوضَي الحزب الجمهوري في اللجنة يقولان أن ذلك يزيد من صعوبة تفاوضهما من أجل التوصل إلى تسويات.
ومنعت خان موظفي اللجنة من الظهور العلني، بعقد جلسات حوار مفتوحة على سبيل المثال. بررت ذلك بأن اللجنة لديها الكثير الذي ينبغي لها عمله. وصادقت على قاعدة إجرائية تتيح لموظفي اللجنة مجالا أكبر لإجراء تحريات في مجالات ذات أولوية معينة وتمنحهم سلطة إصدار مذكرات استدعاء خاصة بهم لتسليم وثائق والإدلاء بشهادات.
كما تَعِد خان أيضا بالمساعدة في كتابة موجهات للإندماجات (بين الشركات) في الولايات المتحدة. وهي مجموعة معقدة من الوثائق التي تقرر نوع الأدلة التي يبحث عنها المسؤولون عن الإجراءات التنظيمية للتحقق من مشروعية إندماج ما.
وفي قرارين حاسمين صوتت إلى جانب زملائها المفوضين الديمقراطيين في اللجنة لإلغاء بيانين رئيسيين للسياسة التي تتبعها اللجنة. أولهما كتب في عام 1995 في أثناء الفترة الرئاسية الأولى لبيل كلنتون وقرر أن الشركات التي سبق لها اقتراح اندماجات غير قانونية لن يلزمها إخطار لجنة التجارة الفيدرالية قبل إكمال معاملات مستقبلية في نفس السوق. بإلغاء هذه السياسة، تأمل خان في وقف مساعي الشركات التي تحاول ببساطة، المرة تلو الأخرى، إكمال عملية إندماج حتى بعد رفضها من الجهات التنظيمية.
البيان السياسي الثاني كتب في عام 2015 أثناء رئاسة أوباما وقرر حدودا زمنية بشأن مقاضاة اللجنة لشركة ما بدعوى استخدامها ما يسمى "الأساليب غير العادلة للمنافسة".
يقول أحد كبار الديمقراطيين يعمل للجنة "هذه التعديلات ستجعل صناع صفقات (الاستحواذات والإندماجات) يفكرون في الأشياء بطريقة مختلفة. إنهم لا يتقدمون بطلب. ونحن نتحرى بشأن ما إذا كان هنالك خرق للقانون. هذه طريقة مختلفة جذريا في النظر إلى الأشياء".
أمر تنفيذي
في الأثناء كلف البيت الأبيض اللجنة بمهمة أكبر تتعلق بإعادة كتابة القواعد التنظيمية التي تعزز الاقتصاد الأمريكي. فاللجنة بموجب شروط الأمر التنفيذي الشامل الذي وقع عليه بايدن في الشهر الماضي مطلوب منها صياغة إجراءات قانونية تحظر على الشركات وقف انتقال العاملين إلى منافسين لها وتمنع الشركات الدوائية من دفع أموال إلى منافسيها المنتجين لأدوية مكافئة لمنتجاتها من الدخول إلى أسواق معينة لمدة زمنية محددة.
أبهجت هذه الخطوات التقدميين الذين يقولون أن استعداد خان للدفع بالإصلاح بسرعة يوضح جدِّيتها بشأن إعادة اللجنة مجددا إلى مركز اتخاذ القرار وإنفاذه في واشنطن.
يقول مات ستولر، مدير الأبحاث بمشروع الحريات الاقتصادية الأمريكية وزميل خان السابق في معهد الأسواق المفتوحة: إن اللجنة كانت "كسولة". فهي كانت "مكانا يرسُل إليه المحاسيب السياسيين الذين ليس يلزمهم أن يقوموا بأي عمل إذا لم يريدوا القيام به".
مخاوف جمهورية
لكن إذا أبهجت الإصلاحات مؤيدي خان فإنها أثارت قلق المحافظين الذين يقولون: إن اللجنة تفتقر إلى السلطة القانونية والقدرة المؤسساتية لفعل ما يطلب منها أن تفعله. مثلا، تقول خان أنها تريد تجديد شهية اللجنة لرفع دعاوى ضد الشركات بتهمة لجوئها "إلى سبل غير نزيهة للمنافسة" وهذا توصيف غامض لسلوك الشركات يتيح للجنة التحرك حتى عندما لا يكون هنالك اندماج (بين شركتين) أو الشركة المعنية ليست كبيرة بما يكفي لكي تكون محتكرة.
تحاجج خان ورفاقها التقدميون بأن اللجنة بعدم سعيها وراء مثل هذه مثل هذه القضايا تخلت عن أحد أقوى أسلحتها. لكن مثل هذا السلوك غالبا ما يكون من الصعب إثباته. فمثلا عندما اتهمت اللجنة شركة مختبرات أبوت في عام 1994 بمحاولة التلاعب بمناقصة لتزويد حكومة بورتو ريكو بالغذاء البديل للأطفال للرضَّع زعمت أن اختيار الشركة عدم المشاركة في واحدة من جولات المناقصة قدم دليلا على التواطؤ مع المنافسين. لكن المحامين الذين ترافعوا عن الشركة استخدموا بنجاح نظرية اللعبة لكي يشرحوا لماذا أن "الإسناد المباشر" يمكن في الحقيقة أن يكون تصرفا اقتصاديا رشيدا.
الأكثر إشكالا فكرة أن اللجنة ستشرع في كتابة قواعد تنظيمية جديدة وواسعة النطاق حسبما جاء في الأمر التنفيذي حول المنافسة الذي أصدره بايدن.
يقول النقاد أن هذا سيختبر حدود سلطات اللجنة قضائيا وتشريعيا (في المحاكم والكونجرس). وقد ينتهي بقصقصة الكونجرس أجنحة اللجنة كما فعل في عام 1980 عندما أُجبِرت اللجنة على إخضاع قواعدها التنظيمية لمراجعة الكونجرس.
يقول شون هيثر، النائب الأول لرئيس مكافحة الاحتكار بغرفة التجارة الأمريكية: إن لجنة التجارة الفيدرالية "تكتب قوانينها الخاصة بها وتتصرف كمدعي عام وقاض وهيئة محلفين. هذا مقلق جدا من وكالة تنظيمية بسلطات عريضة".
من جانبها، تقول كريستين ويلسون: "أعتقد أن إعداد قوانين المنافسة انتحار مؤسسي".
إذا كانت خان تريد مؤشرا على الكيفية التي يمكن أن تنظر بها المحاكم إلى مقاربتها فقد حصلت عليه خلال أسابيع من توليها رئاسة اللجنة. في يونيو شطب قاض فيدرالي شكوى اللجنة الأبرز على مدى أعوام ضد فيسبوك.
جادلت اللجنة بأن شركة الوسائط الاجتماعية (فيسبوك) مارست سلوكا مناهضا للمنافسة لسنوات بما في ذلك شراء منافسين محتملين مثل واتساب وانستجرام. لكن في يونيو حكم القاضي الفيدرالي بأن اللجنة فشلت في إثبات أن فيسبوك لديها نفوذ احتكاري في سوقها.
يشعر منتقدو خان بأن اللجنة في حال خسرت سلسلة من قضايا المحاكم المهمة ستتقوض سلطتها. يقول ويليام كوفاشيك، وهو رئيس جمهوري سابق للجنة: "إذ خسرتَ عددا كافيا من القضايا ستتبخِّر صدقيتك". ويضيف: "يمكنك أن تخسرها كلها. ليس على الفور. لكن يمكنك أن تخسرها كلها".
بالنسبة لمؤيدي خان هذا الانتقاد يصل إلى حد العبث. يقول أحد كبار أعضاء اللجنة: "ألا ترون أن اللجنة تعتبر أصلا ضعيفة".
يرى التقدميون أن اللجنة لسنوات طبقت قوانين التنافس على الشركات الكبيرة في عدد ضئيل من الحالات المتوافرة لها. يقول عضو اللجنة: "هل تعتقدون أن هنالك فقط 10 إندماجات ضد المنافسة في العام؟ لست على يقين أنها (اللجنة) ستكون في حال أسوأ (مما كانت عليه في السابق)".
وحتى إذا كسبت خان بعض القضايا المهمة التي يرجح أن تدفع بها إلى المحاكم، يشعر البعض بالقلق من أن اللجنة لن تكون لديها القدرة على كتابة قواعد منافسة جديدة وإعادة كتابة موجهات الإندماج في نفس الوقت.
موارد اللجنة
لسنوات كان هنالك تقليص في حجم ميزانية اللجنة وعدد موظفيها الذين هم أقل بحوالي 50% مقارنة بعددهم في عام 1980. وتحاول في الوقت الحاضر مراجعة عدد قياسي من الإندماجات. في الشهور التسعة الأولى من العام المالي الحالي استقبلت اللجنة 2573 إخطارا مسبقا يتعلق بإندماج كبير. وهذا عدد يزيد بنسبة 50% مقارنة بالإخطارات التي تلقتها في العام الماضي بأكمله.
وهذا الشهر، نشرت اللجنة بيانا تحذر فيه من أنها لن يكون بمستطاعها مراجعة كل الإندماجات خلال 30 يوما من الإخطار بها حسبما ينص عليه القانون. وقالت: إذا لم يتوافر لديها الوقت لمراجعة إندماج قبل تحققه ستحتفظ بالحق في اتخاذ إجراء حتى بعد إكماله.
وذكرت اللجنة في بيانها أنها "واجهت هذا العام موجة ضخمة من إخطارات الإندماجات شكلت ضغطا على إمكاناتها في تدقيقها الوافي قبل حلول المواعيد النهائية المقررة بحكم القانون".
كما تواجه اللجنة أيضا معركة شاقة للحفاظ على موظفيها. ويقول بعضهم أنهم يشعرون بالإحباط من بطء التغيير ويتضايقون من عدم اجتماعهم بالرئيسة الجديدة للجنة. ويرد حلفاء خان سبب ذلك إلى الجائحة.
لكن هنالك مشكلة أكبر وهي أن الشركات ومكاتب المحاماة الخاصة تستعد لاصطياد موظفيها (إغرائهم بالاستقالة عن اللجنة والعمل لديها).
تقول لورين دريك، وهي شريكة في شركة ماكراي للتوظيف ومقرها واشنطن، أنها في العادة تجد وظائف لاثنين أونحو ذلك منهم سنويا، لكنها هذا العام وظفت 10 منهم.
ويقول إيان كونر، الذي ترك منصب رئيس مكتب المنافسة باللجنة لينضم إلى شركة قانونية: "الشركات الخاصة تدفع أكثر قليلا مما كانت تفعل قبل ستة شهور. فالمحامي المعاون في سنته الأولى يمكن أن يحصل على 200 ألف دولار في القطاع الخاص. أما في لجنة التجارة الفيدرالية فراتبه يتراوح بين 60 ألف إلى 70 ألف دولار". وكان كونر يتولى مهام تنظيمية وهو من دشن دعوى رفعتها اللجنة ضد شركة فيسبوك في العام الماضي.
استقال أيضا في هذا الشهر كارل شابيرو الخبير الاقتصادي الأول في هذه الدعوى.
اختبار فيسبوك
في الأسابيع القليلة القادمة ستتخذ لجنة التجارة الفيدرالية قرارا حول رفع تلك الدعوى مرة أخرى مع توضيح جديد للنفوذ الاحتكاري لفيسبوك. ومن الممكن أن ينتج عن الدعوى تفكيك الشركة.
في نظر العديد من المراقبين سيكون هذا أول اختبار خارجي لقيادة لينا خان للجنة. هل ستجرؤ على اختبار المحكمة بالموافقة على قرار برفع الدعوى (ضد فيسبوك) مرة أخرى؟ وإذا حدث ذلك، هل ستكسبها؟
سيعتبر نجاحها في ذلك إثباتا لنظرياتها بشأن مكافحة الاحتكار وانتقادها لشركات التقنية الكبرى. أما الهزيمة فستضعف عزيمة موظفي اللجنة حواليها في نفس اللحظة التي تشهد تشكل مشروعها.
لكن بالنسبة للآخرين لن يكون الدليل على قيادة خان في الدعاوى القضائية التي سترفعها ولكن في شكل وأداء اللجنة التي ستخلفها وراءها.
ترجمة قاسم مكي -
في عام 1914 سَنَّ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون قانونا كان تتويجا لحركة مبكرة تهدف إلى محاربة الاحتكار.
في العقد السابق لإصدار هذا التشريع (قانون كلايتون لمكافحة الاحتكار وهو تعديل لقانون شيرمان الذي أصدره الكونجرس في عام 1890- المترجم) كانت الحكومة الأمريكية قد فككت بعض أقوى الاحتكارات في التاريخ بما فيها شركتا ستاندراد أويل والأمريكية للتبغ والشركة الشمالية للأوراق المالية.
ثم لاحقا أراد ويلسون ضمان عدم السماح بتشكل مثل هذه الاحتكارات على الإطلاق. لذلك أنشأ لجنة التجارة الفيدرالية وهي جهاز تنظيمي يتمتع بسلطات فريدة وكلفها بكتابة وتطبيق قواعد تنظيمية جديدة للمنافسة.
وبعد أكثر من مائة عام لاحقا يعتقد العديد من التقدميين أن لجنة التجارة الفيدرالية فشلت في مهمتها الأساسية. فهم يشيرون إلى وجود شركات تقنية أمريكية عملاقة من شاكلة جوجل وفيسبوك وأمازون ويجادلون بأن هذه الاحتكارات سُمِح لها مرة أخرى بالاستيلاء على اقتصاد الولايات المتحدة.
الشخصية الرئيسية في الحركة المعادية للاحتكار هي إليزابيث وارين عضو مجلس الشيوخ والمرشحة الرئاسية السابقة. لكن ربما أقوى أعضائها نفوذا الآن لينا خان (32 عاما)، الأكاديمية التي عينها جو بايدن لتثوير لجنة التجارة الفيدرالية وإعادتها إلى دورها الأصلي المتمثل في محاربة الاحتكار.
في الشهرين الماضيين، بدأت خان إصلاحا جذريا للجنة فألغت سياسات أُعِدَّت لتقييد سلطاتها القانونية وعدلت الطريقة التي تتخذ بها قراراتها ووعدت بإعادة كتابة البيانات التي تعزز تطبيق محاربة الاحتكار في الولايات المتحدة. ويقول مؤيدوها أنها ترسي أساس عصرٍ ثان لكسر الاحتكار.
يقول تيم وو، المستشار بالبيت الأبيض وأحد قادة الحركة الجديدة لمحاربة الاحتكار: " بحسب رؤية وودرو ويلسون كان يفترض أن تضع لجنة التجارة الفيدرالية بالتفصيل قواعد المنافسة (القواعد الأساسية لما هو عادل وظالم في المنافسة). وهذا يتسق مع ما نشجعها على القيام به".
في مسعاها لإعادة لجنة التجارة الفيدرالية إلى ما يعتبرونه جذورها الفكرية تتحدي خان وكذلك تيم وو وحلفاؤهما عقودا من الإجماع الحزبي على سياسة المنافسة والتي تنادي بوجوب السماح للشركات بالنمو حجما ونفوذا قدر ما تشاء طالما لم يتضرر المستهلكون من ذلك. خطط خان ورفاقها تشكل جزءا من تحول أوسع نطاقا يأمل بايدن أن يحققه في السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة في تحدٍّ للفكر السائد في كل شيء من الضرائب إلى العجوزات المالية إلى التضخم.
مما له دلالة، يقول حلفاء خان: إن أولى خطواتها الكبيرة كانت تفكيك السياسات التي طبقتها الإدارتان الديمقراطيتان السابقتان والتي أعدت لجعل مؤسسات الأعمال أكثر يقينا بشأن الوقت الذي يمكن أن تتخذ فيه لجنة التجارة المالية إجراء. ولكن خان وحلفاءها يعتقدون أنها قيدت أيدي الجهات التنظيمية.
يقول أحد كبار الديمقراطيين في اللجنة: "أول سياستين تم التخلي عنهما جاءت بهما إدارتا كلينتون وأوباما. يجب أن يكون واضحا لكل أحد أننا نمضي في وجهة مختلفة جدا".
لكن في حين يستمرئ التقدميون من أمثال خان وتيم فرصة إعادة بناء اللجنة التي يرون أنها فشلت في مهامها الجوهرية والمتمثلة في حماية المستهلكين وتشجيع المنافسة إلا أن قدامى مسؤوليها قلقون بشأن ما تعنيه التعديلات للجنة. إنهم يخشون من تكرار سبعينات القرن الماضي عندما أصدرت اللجنة بقيادة ناشطين دفعة من القواعد الجديدة للمنافسة أوقفها الكونجرس. بل حتى عطل عملها مؤقتا بعد اقتراحها حظر كل الإعلانات الدعائية التي تستهدف الأطفال تحت سن الثامنة.
وتقول كريستين ويلسون، وهي مفوضة من الحزب الجمهوري في اللجنة: "كل جزء من اختصاصنا القضائي مهدد. إذا انخرطنا في نفس ذلك النوع من التجاوزات كما في أعوام السبعينات مع علمنا بأن لدينا الآن خصوما أكثر مما في السابق هل يمكنكم تخيل ما ينطوي عليه ذلك من خطر ... على اللجنة؟"
وتضيف ويلسون قائلة " بالنظر إلى كل هؤلاء المنتقدين الذين ظهروا فجأة في السنوات الأخيرة وازدادت أعدادهم بفضل كل تلك التغييرات التي تجريها لينا خان (رئيسة اللجنة) لست على يقين من أن اللجنة ستكون موجودة بعد خمسة أعوام. وهذا يحزنني جدا".
المستهلكون أولا
لجنة التجارة الفيدرالية جهة تنظيمية فريدة في واشنطن. لقد جعل الكونجرس تفويضها فضفاضا عن عمد لكي تكون قادرة على التعامل مع الممارسات المناهضة للمنافسة في مختلف الصناعات. وكان عليها عمل كل شيء بدءا من مراجعة الإندماجات (بين الشركات) إلى التحري في التصرفات المناهضة للمنافسة إلى كتابة قواعد حماية المستهلك.
الفكرة هي، حسبما يقول من صاغوا القانون الذي أنشئت بمقتضاه اللجنة، ليست تفكيك الاحتكارات ولكن منع تشكلها أساسا.
تقول مورين أولهاوزن، المفوضة السابقة في اللجنة: "الوكالات (اللجان) الأخرى لديها في العادة نظام أساسي مفصَّل من الكونجرس تتخذه برنامج عمل لها. أما لجنة التجارة الفيدرالية فلديها ما يزيد قليلا عن جملة واحدة".
تصدت اللجنة إلى كل الجهات من شركات الكهرباء إلى بائعي الحليب في شيكاغو. وأعدت تقريرا صادما عن كارتلات النفط العالمية دفع الرئيس الأمريكي وقتها هاري ترومان في البداية إلى التوجيه بعدم نشره. بل نجحت في تحدي ما قالت أنها ممارسات مناهضة للاحتكار من الجمعية الطبية الأمريكية.
لكن ذلك تغير في أواخر السبعينات بعدما كتب روبرت بورك العالم القانوني المحافظ والقاضي لاحقا مؤلفه الشهير " مفارقة محاربة الاحتكار" والذي حاجج فيه بأن تطبيق الحكومة لقوانين محاربة الاحتكار كثيرا ما تجعل الأوضاع أسوأ للمستهلكين وذلك بمنعها الشركات الأكثر كفاءة من الارتقاء. لقد أثَّر إصرار بورك على وجوب إيلاء الأولوية للمستهلكين في سياسة المنافسة على قرارات تطبيق قواعد محاربة الاحتكار منذ عهد إدارة ريجان.
والآن يقول جيل جديد من الأكاديميين التقدميين أن من لجنة التجارة الفيدرالية ووزارة العدل تركتا شركات قليلة تهيمن على قطاعات واسعة من الاقتصاد الأمريكي.
لينا خان
ربما أكثر المعروفين من بين هؤلاء التقدميين لينا خان التي صنعت اسمها بكتابة ورقة أكاديمية، وهي في أواخر العشرين من عمرها بمدرسة ييل للقانون، تحاجج فيها بوجوب تفكيك شركة أمازون.
ومنذ توليها رئاسة لجنة التجارة الفيدرالية شرعت خان بسرعة في إعادة تشكيلها. بعض التغييرات التي جاءت بها تبدو مثل إصلاحات فنية داخلية وبعضها الآخر بيانات سياسة رئيسية. وكلها تقريبا قوبلت بمعارضة عنيفة من جانب الجمهوريين ومجتمع الأعمال.
وفي الأسابيع القليلة الماضية بدأت خان عقد اجتماعات علنية للجنة. وهذا شيء يقول الديمقراطيون: إنه يجعل اللجنة أكثر انفتاحا للتدقيق. لكن مفوضَي الحزب الجمهوري في اللجنة يقولان أن ذلك يزيد من صعوبة تفاوضهما من أجل التوصل إلى تسويات.
ومنعت خان موظفي اللجنة من الظهور العلني، بعقد جلسات حوار مفتوحة على سبيل المثال. بررت ذلك بأن اللجنة لديها الكثير الذي ينبغي لها عمله. وصادقت على قاعدة إجرائية تتيح لموظفي اللجنة مجالا أكبر لإجراء تحريات في مجالات ذات أولوية معينة وتمنحهم سلطة إصدار مذكرات استدعاء خاصة بهم لتسليم وثائق والإدلاء بشهادات.
كما تَعِد خان أيضا بالمساعدة في كتابة موجهات للإندماجات (بين الشركات) في الولايات المتحدة. وهي مجموعة معقدة من الوثائق التي تقرر نوع الأدلة التي يبحث عنها المسؤولون عن الإجراءات التنظيمية للتحقق من مشروعية إندماج ما.
وفي قرارين حاسمين صوتت إلى جانب زملائها المفوضين الديمقراطيين في اللجنة لإلغاء بيانين رئيسيين للسياسة التي تتبعها اللجنة. أولهما كتب في عام 1995 في أثناء الفترة الرئاسية الأولى لبيل كلنتون وقرر أن الشركات التي سبق لها اقتراح اندماجات غير قانونية لن يلزمها إخطار لجنة التجارة الفيدرالية قبل إكمال معاملات مستقبلية في نفس السوق. بإلغاء هذه السياسة، تأمل خان في وقف مساعي الشركات التي تحاول ببساطة، المرة تلو الأخرى، إكمال عملية إندماج حتى بعد رفضها من الجهات التنظيمية.
البيان السياسي الثاني كتب في عام 2015 أثناء رئاسة أوباما وقرر حدودا زمنية بشأن مقاضاة اللجنة لشركة ما بدعوى استخدامها ما يسمى "الأساليب غير العادلة للمنافسة".
يقول أحد كبار الديمقراطيين يعمل للجنة "هذه التعديلات ستجعل صناع صفقات (الاستحواذات والإندماجات) يفكرون في الأشياء بطريقة مختلفة. إنهم لا يتقدمون بطلب. ونحن نتحرى بشأن ما إذا كان هنالك خرق للقانون. هذه طريقة مختلفة جذريا في النظر إلى الأشياء".
أمر تنفيذي
في الأثناء كلف البيت الأبيض اللجنة بمهمة أكبر تتعلق بإعادة كتابة القواعد التنظيمية التي تعزز الاقتصاد الأمريكي. فاللجنة بموجب شروط الأمر التنفيذي الشامل الذي وقع عليه بايدن في الشهر الماضي مطلوب منها صياغة إجراءات قانونية تحظر على الشركات وقف انتقال العاملين إلى منافسين لها وتمنع الشركات الدوائية من دفع أموال إلى منافسيها المنتجين لأدوية مكافئة لمنتجاتها من الدخول إلى أسواق معينة لمدة زمنية محددة.
أبهجت هذه الخطوات التقدميين الذين يقولون أن استعداد خان للدفع بالإصلاح بسرعة يوضح جدِّيتها بشأن إعادة اللجنة مجددا إلى مركز اتخاذ القرار وإنفاذه في واشنطن.
يقول مات ستولر، مدير الأبحاث بمشروع الحريات الاقتصادية الأمريكية وزميل خان السابق في معهد الأسواق المفتوحة: إن اللجنة كانت "كسولة". فهي كانت "مكانا يرسُل إليه المحاسيب السياسيين الذين ليس يلزمهم أن يقوموا بأي عمل إذا لم يريدوا القيام به".
مخاوف جمهورية
لكن إذا أبهجت الإصلاحات مؤيدي خان فإنها أثارت قلق المحافظين الذين يقولون: إن اللجنة تفتقر إلى السلطة القانونية والقدرة المؤسساتية لفعل ما يطلب منها أن تفعله. مثلا، تقول خان أنها تريد تجديد شهية اللجنة لرفع دعاوى ضد الشركات بتهمة لجوئها "إلى سبل غير نزيهة للمنافسة" وهذا توصيف غامض لسلوك الشركات يتيح للجنة التحرك حتى عندما لا يكون هنالك اندماج (بين شركتين) أو الشركة المعنية ليست كبيرة بما يكفي لكي تكون محتكرة.
تحاجج خان ورفاقها التقدميون بأن اللجنة بعدم سعيها وراء مثل هذه مثل هذه القضايا تخلت عن أحد أقوى أسلحتها. لكن مثل هذا السلوك غالبا ما يكون من الصعب إثباته. فمثلا عندما اتهمت اللجنة شركة مختبرات أبوت في عام 1994 بمحاولة التلاعب بمناقصة لتزويد حكومة بورتو ريكو بالغذاء البديل للأطفال للرضَّع زعمت أن اختيار الشركة عدم المشاركة في واحدة من جولات المناقصة قدم دليلا على التواطؤ مع المنافسين. لكن المحامين الذين ترافعوا عن الشركة استخدموا بنجاح نظرية اللعبة لكي يشرحوا لماذا أن "الإسناد المباشر" يمكن في الحقيقة أن يكون تصرفا اقتصاديا رشيدا.
الأكثر إشكالا فكرة أن اللجنة ستشرع في كتابة قواعد تنظيمية جديدة وواسعة النطاق حسبما جاء في الأمر التنفيذي حول المنافسة الذي أصدره بايدن.
يقول النقاد أن هذا سيختبر حدود سلطات اللجنة قضائيا وتشريعيا (في المحاكم والكونجرس). وقد ينتهي بقصقصة الكونجرس أجنحة اللجنة كما فعل في عام 1980 عندما أُجبِرت اللجنة على إخضاع قواعدها التنظيمية لمراجعة الكونجرس.
يقول شون هيثر، النائب الأول لرئيس مكافحة الاحتكار بغرفة التجارة الأمريكية: إن لجنة التجارة الفيدرالية "تكتب قوانينها الخاصة بها وتتصرف كمدعي عام وقاض وهيئة محلفين. هذا مقلق جدا من وكالة تنظيمية بسلطات عريضة".
من جانبها، تقول كريستين ويلسون: "أعتقد أن إعداد قوانين المنافسة انتحار مؤسسي".
إذا كانت خان تريد مؤشرا على الكيفية التي يمكن أن تنظر بها المحاكم إلى مقاربتها فقد حصلت عليه خلال أسابيع من توليها رئاسة اللجنة. في يونيو شطب قاض فيدرالي شكوى اللجنة الأبرز على مدى أعوام ضد فيسبوك.
جادلت اللجنة بأن شركة الوسائط الاجتماعية (فيسبوك) مارست سلوكا مناهضا للمنافسة لسنوات بما في ذلك شراء منافسين محتملين مثل واتساب وانستجرام. لكن في يونيو حكم القاضي الفيدرالي بأن اللجنة فشلت في إثبات أن فيسبوك لديها نفوذ احتكاري في سوقها.
يشعر منتقدو خان بأن اللجنة في حال خسرت سلسلة من قضايا المحاكم المهمة ستتقوض سلطتها. يقول ويليام كوفاشيك، وهو رئيس جمهوري سابق للجنة: "إذ خسرتَ عددا كافيا من القضايا ستتبخِّر صدقيتك". ويضيف: "يمكنك أن تخسرها كلها. ليس على الفور. لكن يمكنك أن تخسرها كلها".
بالنسبة لمؤيدي خان هذا الانتقاد يصل إلى حد العبث. يقول أحد كبار أعضاء اللجنة: "ألا ترون أن اللجنة تعتبر أصلا ضعيفة".
يرى التقدميون أن اللجنة لسنوات طبقت قوانين التنافس على الشركات الكبيرة في عدد ضئيل من الحالات المتوافرة لها. يقول عضو اللجنة: "هل تعتقدون أن هنالك فقط 10 إندماجات ضد المنافسة في العام؟ لست على يقين أنها (اللجنة) ستكون في حال أسوأ (مما كانت عليه في السابق)".
وحتى إذا كسبت خان بعض القضايا المهمة التي يرجح أن تدفع بها إلى المحاكم، يشعر البعض بالقلق من أن اللجنة لن تكون لديها القدرة على كتابة قواعد منافسة جديدة وإعادة كتابة موجهات الإندماج في نفس الوقت.
موارد اللجنة
لسنوات كان هنالك تقليص في حجم ميزانية اللجنة وعدد موظفيها الذين هم أقل بحوالي 50% مقارنة بعددهم في عام 1980. وتحاول في الوقت الحاضر مراجعة عدد قياسي من الإندماجات. في الشهور التسعة الأولى من العام المالي الحالي استقبلت اللجنة 2573 إخطارا مسبقا يتعلق بإندماج كبير. وهذا عدد يزيد بنسبة 50% مقارنة بالإخطارات التي تلقتها في العام الماضي بأكمله.
وهذا الشهر، نشرت اللجنة بيانا تحذر فيه من أنها لن يكون بمستطاعها مراجعة كل الإندماجات خلال 30 يوما من الإخطار بها حسبما ينص عليه القانون. وقالت: إذا لم يتوافر لديها الوقت لمراجعة إندماج قبل تحققه ستحتفظ بالحق في اتخاذ إجراء حتى بعد إكماله.
وذكرت اللجنة في بيانها أنها "واجهت هذا العام موجة ضخمة من إخطارات الإندماجات شكلت ضغطا على إمكاناتها في تدقيقها الوافي قبل حلول المواعيد النهائية المقررة بحكم القانون".
كما تواجه اللجنة أيضا معركة شاقة للحفاظ على موظفيها. ويقول بعضهم أنهم يشعرون بالإحباط من بطء التغيير ويتضايقون من عدم اجتماعهم بالرئيسة الجديدة للجنة. ويرد حلفاء خان سبب ذلك إلى الجائحة.
لكن هنالك مشكلة أكبر وهي أن الشركات ومكاتب المحاماة الخاصة تستعد لاصطياد موظفيها (إغرائهم بالاستقالة عن اللجنة والعمل لديها).
تقول لورين دريك، وهي شريكة في شركة ماكراي للتوظيف ومقرها واشنطن، أنها في العادة تجد وظائف لاثنين أونحو ذلك منهم سنويا، لكنها هذا العام وظفت 10 منهم.
ويقول إيان كونر، الذي ترك منصب رئيس مكتب المنافسة باللجنة لينضم إلى شركة قانونية: "الشركات الخاصة تدفع أكثر قليلا مما كانت تفعل قبل ستة شهور. فالمحامي المعاون في سنته الأولى يمكن أن يحصل على 200 ألف دولار في القطاع الخاص. أما في لجنة التجارة الفيدرالية فراتبه يتراوح بين 60 ألف إلى 70 ألف دولار". وكان كونر يتولى مهام تنظيمية وهو من دشن دعوى رفعتها اللجنة ضد شركة فيسبوك في العام الماضي.
استقال أيضا في هذا الشهر كارل شابيرو الخبير الاقتصادي الأول في هذه الدعوى.
اختبار فيسبوك
في الأسابيع القليلة القادمة ستتخذ لجنة التجارة الفيدرالية قرارا حول رفع تلك الدعوى مرة أخرى مع توضيح جديد للنفوذ الاحتكاري لفيسبوك. ومن الممكن أن ينتج عن الدعوى تفكيك الشركة.
في نظر العديد من المراقبين سيكون هذا أول اختبار خارجي لقيادة لينا خان للجنة. هل ستجرؤ على اختبار المحكمة بالموافقة على قرار برفع الدعوى (ضد فيسبوك) مرة أخرى؟ وإذا حدث ذلك، هل ستكسبها؟
سيعتبر نجاحها في ذلك إثباتا لنظرياتها بشأن مكافحة الاحتكار وانتقادها لشركات التقنية الكبرى. أما الهزيمة فستضعف عزيمة موظفي اللجنة حواليها في نفس اللحظة التي تشهد تشكل مشروعها.
لكن بالنسبة للآخرين لن يكون الدليل على قيادة خان في الدعاوى القضائية التي سترفعها ولكن في شكل وأداء اللجنة التي ستخلفها وراءها.