استضاف النادي الثقافي في جلسة نقاشية تناولت التراث المادي في الرواية العمانية ودواعي توظيفه وعلاقته بالانفتاح على الآخر كلا من الدكتور علي بن سعيد الريامي رئيس قسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة السلطان قابوس، وبخيتة بنت خميس القرينية أخصائية نشاط ثقافي ثانٍ في المديرية العامة للثقافة والرياضة والشباب في محافظة شمال الباطنة عبر منصاته الافتراضية، وأدارت الجلسة صفية بنت خلف أمبوسعيدية.

وأوضحت بخيتة القرينية أنها أجرت دراسة للعقد الأخير من القرن العشرين من عام 1990 إلى عام 1999 ناقشت فيها الدراسات الأدبية النقدية في السلطنة في تلك الفترة، وقد كانت أغلب الدراسات تركز على تاريخ الأدب بالإضافة إلى أن هذه الفترة صادفت وفرة إنتاجية مقارنة مع بداية كتابة الرواية في الفترة السابقة، وأتاحت هذه الفترة الحصول على اثنتي عشرة رواية توفرت لأربعة كتاب عمانيين، وهم سعود المظفر ومبارك العامري وحمد الناصري وسيف السعدي، الذين كان لهم مجال أوسع للكتابة في هذه الفترة، كما أن هذه الفترة تمخضت بعد عصر التطور والنهضة والانفتاح على الدول الأخرى الذي بدأ منذ عام 1970.

وأضافت القرينية: إن تلك الحقبة أتاحت لهؤلاء الأدباء مجالًا كبيرًا في الكتابة وفتحت لهم آفاقا أخرى، فكان لهم مجال رحب لانتقاء الأساليب الفنية والخوض في التجربة العمانية في الكتابة؛ لأن الرواية العمانية تأخرت مقارنة مع الرواية في البلاد العربية، فكانت هناك فرصة لدراسة هذه الفترة.

وتتابع: تناولت دراستي نشأة الرواية العمانية وتوظيف التراث ومفهوم التراث وتقنية توظيف التراث ودواعي توظيف التراث في تلك الفترة، كما تناولت البنية الروائية والشخصيات والمكان، وقمت بتوظيف الرواية من خلال الروايات التي اخترتها في موضوع الدراسة. والعناصر التراثية الموجودة في هذه الحكايات السردية من الشخصيات والمكان والزمان والأحداث واللغة، فضلا عن الأشكال التراثية كالمعتقدات والأمثال والموروث الديني وكل ما يتعلق بالتراث المستخدم في الرواية.

مضيفة: إن الرواية العمانية تعد من أقوى الفنون الأدبية في التعبير عن الحياة الإنسانية فهي تناسب مختلف المستويات الثقافية، وتوظيف التراث ضمن هذه الأعمال الروائية يوجد فارق كبير ليس للمتعة فقط وإنما هناك فائدة أكبر، وهي طرح قضايا مختلفة ضمن هذا العمل الإبداعي يصل إلى دراسات نقدية وجمالية لهذا العمل الذي يسهم في رفع قيمة العمل الأدبي.

وتبين القرينية أن توظيف التراث يكون أبلغ أثرًا إذا وظف في العمل الروائي؛ لأن هذا العمل يكون قريبًا من الناس، من خلال الجوانب الإنسانية وتوظيف القضايا من خلال صورة المرأة في الرواية فكان لها حضور واضح في الرواية، وأيضًا من خلال تأثير البنية الجغرافية في الحياة العمانية في القديم التي كانت عبارة عن قرى نائية ولكل قرية معتقداتها وعاداتها، فيكون لذلك كله أثر في توظيف الكاتب من خلال سرده لتلك الحكايات.

من جانبه، بين الدكتور علي الريامي أن مفردات التراث الثقافي المادي تتجلى من خلال رواية "جبرين" و"الصيرة تحكي" كنموذج يقدمه من خلال المناقشة، حيث تناول مفردات التراث المادي في الرواية العمانية، منوهًا أن اهتمام السلطنة بالتراث الثقافي جاء مبكرًا بإنشاء وزارة مختصة بالتراث والثقافة، كما تتكامل العديد من المؤسسات التي تدعم الاهتمام بالتراث بشقيه المادي وغير المادي.

وصدر أول مرسوم سلطاني في عام 1981 فيما يتعلق بحماية التراث الثقافي، والمرسوم الأخير رقم 35/2019 يذكر فيه كل ما له أهمية تراثية ثقافية ماديًا كان أو غير مادي بما في ذلك الآثار والمدن التاريخية والقرى التقليدية والحارات القديمة والآداب واللغات. فنلاحظ أن هذا الاهتمام على أعلى مستوى عندما أكد النظام الأساسي للدولة في المادة 16 ضمن المبادئ الثقافية على الأهمية التي يمثلها التراث الثقافي، ومما ذكر ضمن هذه المبادئ أن الدولة ملتزمة بحماية تراثها الوطني الماديوغير المادي والمحافظة عليه، كما ورد موضوع التراث الثقافي والمواطنة والهوية والثقافة الوطنية من ضمن أولويات رؤية عمان 2040.

مضيفًا: إنه بالنسبة لروايتيْ "جبرين" و"الصيرة تحكي" فقد وقع الاختيار عليهما؛ لأن كلا الروايتين تاريخيتان، فنحن هنا أمام روايتين تستحضران التاريخ كما هو مروي في المصادر والوثائق، وكلا الروايتين تحملان مسميات لمعالم تاريخية معروفة ومشهورة قائمة حتى اليوم التي تمثل جزءًا مهمًا من التراث المادي العماني.

مقتبسًا نصًا من رواية "جبرين" حيث يشير: "جبرين ليست رواية تنتصر للتاريخ رغم الإنجاز في معظم المراجع التي تكلمت عنه، ولا سردًا يتدثر بالحب ويخاطب الحواس، إنما هي رسم لخيال تعلق بمكان"، حيث تسرد الرواية حكاية الحب الذي جمع بين حارس الحصن والفتاة الزائرة ذات الأصول الإفريقية.

مبينًا أن الراوي استخدم لوصف معالم الحصن أسلوبًا أشبه ما يكون بسينوغراقية رومانسية للفضاء المكاني الذي تسبح أحداث الرواية، وهو وصف مستمد من الواقع ويعكس بطبيعة الحال جماليات هندسة بنائه، وما اشتمل عليه من زخارف وكتابات. ويقف الروائي على قضية مهمة تتعلق بماهية المبنى من الناحية المادية، هل هو قصر أم حصن. فالتركيز في الرواية كان على الحصن، وما يشتمل عليه من هندسة معمارية، إلا أنه في ثنايا الرواية تناول مفردات كالمندوس والخنجر، وتبرز هنا قضية توظيف المفردات التراثية.

وعن رواية "الصيرة تحكي" أوضح الريامي أن الرواية تستلهم خطى التاريخ، وهي تسير في دهاليز الفترة الواقعة بين عامي 1506 و1648 للميلاد، مبينًا أن "الصيرة" تطل من أعلى السارية وهي السبورة التي تحطمت أمامها طموحات من جيل الغزاة المغامرين. موضحا أن الأحداث في الرواية متسلسة منذ وصول البوكيرك إلى السواحل العمانية من جهة جنوب بحر العرب مرورًا بالسواحل الجنوبية الشرقية ومدن الساحل العماني وهي جزر كوريا موريا ورأس الحد وقلهات وطيوي وقريات ومنها إلى مسقط وبقية السواحل الشمالية لعمان وصولًا إلى جلفار وهرمز.

ويضيف: يقع برج الصيرة بساحل قريات على قمة نتوء صخري على شاطئ البحر تحيط به مياه البحر في منظر رهيب وهو على شكل شبه دائري، وتشير الخرائط البرتغالية أن هذا البرج كان موجودًا في فترة وجودهم.

وتعود الرواية للعصر القديم جدًا منذ أن كانت النقوش على الكهوف والحفر على جدران المعابد، كما تناولت قماش قريات والملبوسات النسيجية، فضلًا عن "المجز" والتميمية، وأشارت الرواية إلى قلعة قريات، والجلالي والميراني، ووقلعتي مسقط ومطرح، وقلعة دبا.