في الوقت الذي يتم فيه تعديل المناهج في البلدان العربية، بما يتماشى مع موجة التطبيع والهرولة مع الكيان الصهيوني، بتصوير إسرائيل دولة جارة مسالمة وأنها حمَل وديع، نجد أنّ الوضع مختلف تمامًا في المناهج الإسرائيلية، التي ازدادت فيها وتيرة التحريض ضد العرب؛ وهي مفارقة بالتأكيد لم تأت بالصدفة، وإنما جاءت بتخطيط مدروس بعناية، إذ هناك جهات تخطط وأخرى تنفّذ، ممّا يتركنا في شك وحيرة حول أهليّة الحكومات العربية، وهل هي فعلا حكوماتٌ وطنيةٌ أم أنها تمثّل الخارج بكلّ ما تعنيه الكلمة، وبالتالي ليس لها من الأمر شيء، فتنفذ المطلوب منها فقط، وهو سؤال كان يُطرح في المجالس الخاصة، ولكنه أصبح يُطرح الآن علنًا.

تغيّرت مناهج بعض الدول العربية، وعُدّلت العديد من الدروس التي كانت تتناول إسرائيل، إمّا بالحذف أو التعديل، وحُذفت من المناهج أسماء شخصيات تاريخية تذكّر بقضية القدس ومنها اسم صلاح الدين الأيوبي، وهو الاتجاه الذي أشادت به دراسة أعدّها أوفير فاينتر الباحث الإسرائيلي بمعهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب قائلا: إنّ "هذا التحسن يبدو ملموسًا مقارنة بأوضاع المناهج الدراسية في السابق". فيما ذكر ناجي الشهابي المدير السابق للمعاهد القومية المصرية لقناة "الجزيرة" أنه لا يرى جديدًا فيما ذهب إليه الباحث الإسرائيلي، لأنّ المناهج المصرية - منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل - تحتفي بها تل أبيب وتراها مفتاح الانتعاش الاقتصادي الذي تحتاجه مصر، حسب رأيه. واعتبر الشهابي أنّ الهدف من الإيغال في هذا الاتجاه هو "إقناع الطلاب بأنّ إسرائيل ليست عدواً، فيشبّون على الادعاء المزيّف؛ وهذا الادعاء ينهار أمام أول حجة منطقية وحقيقة تاريخية يجب أن نقدّمها للأبناء الذين سيصبحون في المستقبل هم جنود وضباط جيش مصر العظيم".

تهدف خطة تغيير المناهج العربية إلى تكوين جيل يقبل بإسرائيل، وينسى قضية تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ويفقد انتماءه الديني والوطني، من خلال تشويه الحقائق والتاريخ، وإعادة تشكيل وعي الجيل العربي، بما يتوافق مع الرؤية الصهيونية حول أسباب قيام إسرائيل وظروف نشأتها، وقد يحقّق الكيان الصهيوني بهذه الخطة ما عجزت عن تحقيقه في حروبها السابقة، لأنّ المناهج الدراسية - خاصةً في السنوات الأولى - تبقى المؤثر الأقوى في تكوين فكر الطلبة، قبل أن ينغمسوا مع وسائل الاتصال الحديثة؛ وحتى في حال درايتهم بالحقيقة - فيما بعد - فإنّ الوقت يكون قد فات.

وإذا كان هذا هو الوضع في الجانب العربي، لننظر إلى الجانب الآخر، فأذكر أني شاهدتُ مقطعًا مصورًا من داخل أحد الصفوف في مدرسة في الكيان الإسرائيلي، ربما يلخص القضية برمتها؛ حيث يزور بعض المسؤولين المدرسة، فتسأل المعلمة التلاميذ وهم في الصفوف الأولى: من منكم يعتقد أنّ الهيكل سيُبنى؟ فإذا كلُ الأطفال يرفعون أياديهم مع إجابات تقول أنا.. أنا. وتسأل من جديد: ماذا يوجد مكان الهيكل حاليًا؟ فتكون الإجابة الجماعية: المسجد.. المسجد الأقصى. وماذا سيحصل للمسجد؟! كانت الإجابات: سيُهدم.. سيختفي.. سينفجر. ثم تسأل من منكم قابل طفلا عربيًا في السنة الأخيرة وأين؟ كانت الإجابات مختلفة وإن كانت أغلبها قالت بجانب الهيكل. وهنا تسأل المعلمة التلاميذ: ماذا يحدث عندما تشاهدون طفلا عربيًا؟ كانت الإجابة: أشعر بالغضب.. أشعر أنني أريد قتله، وإجابات مثل هذه. وكيف تتوقعون أن تكون القدس في السنوات العشر المقبلة؟! أجابوا نتوقع أن تكون يهودية بالكامل، وأنه ستكون هناك حربٌ كبيرة وكلُّ العرب سيموتون، ومن لم يمت سيكون عبدًا لنا.

رغم أنّ المقطع المصور لم يتعد الدقيقتين، إلا أنه لخّص الكثير ممّا لا يمكن قوله في مجلدات؛ فالجيل الذي ينشأ وهذه هي عقيدته سينشأ وهو مستعدٌ أن يضحي في سبيل ما تم ترسيخه في عقله الباطن منذ طفولته الأولى، وسيكون مستعدًا لتفجير المسجد الأقصى، ولقتل كلِّ من يخالفه في يهوديته، لأنه تربّى على الأساطير المزعومة عن شعب الله المختار.

والباحثة والأستاذة الجامعية الإسرائيلية د. نوريت بيلد إلحانان قدّمت صورة عن "الرواية الصهيونية الكبرى" التي تمثل، على نحو صريح وضمني "الضمير الجمعي الذي يوجه المجتمع الإسرائيلي بكافة فئاته وأطيافه، بالشكل الذي يُعاد فيه إنتاجها في الكتب المدرسية المقررة في ثلاثة حقول معرفية؛ هي التاريخ والجغرافيا والدراسات المدنية (المدنيات)"، وذلك في كتاب حمل عنوان "فلسطين في الكتب المدرسية في إسرائيل – الإيديولوجيا والدعاية في التربية والتعليم"، صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار. وتقول المؤلفة: إنّ الكتب المدرسية المتداولة في إسرائيل يجري تأليفها على نحو خاص للشباب اليافعين، الذين سيجري تجنيدهم في الخدمة العسكرية الإلزامية بعدما يُتمّون 18 عامًا من أعمارهم، بغية تنفيذ السياسة التي تنتهجها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي فإنّ الدراسة تستهدف التركيز على سؤال محدد واحد، هو: كيف يجري تصوير فلسطين والفلسطينيين، الذين قد يُطلب إلى هؤلاء الشباب الإسرائيليين استخدام القوة ضدهم، في الكتب المدرسية؟

ومن الاستنتاجات التي تتوصل إليها المؤلفة - وهي كثيرة - أنّ الكتب المدرسية في إسرائيل تغرس في عقول الشباب الإسرائيليين "الرغبة في عدم المعرفة" عن الآخر، في الوقت الذي لا تشجع فيه إسرائيل مطلقًا "تعليم السلام" أو الاختلاط بين الطلبة اليهود والفلسطينيين. بل على النقيض من ذلك، فعلى الرغم من وفرة الفرص، لم يحصل أن تحوّل موضوع السلام والتعايش إلى جزء من المنهاج الدراسي الرسمي، كما أنّ المنهج المدرسي أصبح أداة تغرس الأفكار التمييزية والمواقف العنصرية ضد الفلسطينيين.

وتؤكد المؤلفة أنّ التمثيل السلبي للآخرين يدرّب الطلبة على العداوة، وعلى احتقار الفلسطينيين والبيئة التي يعيشون فيها، ناهيك عن احتقار المعاهدات والقوانين الدولية المرعية؛ وهذا يتناقض في جوهره مع الادعاء الذي لا تنفك إسرائيل تسوّقه، والذي يردّده الساسة الأمريكيون والأوروبيون الذين يقرون بالدعاية الإسرائيلية، بشأن "الفلسطينيين الذي يُعلمون أطفالهم أن يكرهونا، ونحن نعلِّم أحبب جارك".

لكن ما هو تأثير المناهج الدراسية على الجيل الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين؟ للإجابة على هذا السؤال يجدر بنا أن نعود إلى نتائج استطلاع نشر قبل سنوات، بيّن أنّ 53% من الفتيان اليهود، بمعنى الطلاب في الجيل المدرسي، يؤيدون طرد المواطنين العرب من وطنهم. وجاء في الاستطلاع ذاته، أنّ 38% من الفتيان يعتقدون أنّ اليهود يستحقون حقوقًا أكثر من العرب. ويقول 46% إنه ليس بالضرورة أن يحصل العرب على المساواة، فيما دعا 56% من الفتيان إلى عدم مشاركة العرب في الانتخابات البرلمانية، كذلك فإنّ 45% من الطلاب المتدينين اليهود و16% من الطلاب العلمانيين، يعتبرون أنّ هتاف "الموت للعرب" هو هتاف شرعي، وهذا بالتأكيد هو انعكاسٌ لما تربيِّ وتثقف عليه المدارس الإسرائيلية الأجيال الإسرائيلية.

إنّ نتائج مثل هذا الاستطلاع، تعكس الثمار الفاسدة لمنهاج التعليم في إسرائيل، التي تفرخ شبابًا متعصبًا لا يتورع عندما يصبح جنديًا عن إطلاق النار على كلّ ما هو فلسطيني؛ فيما العرب يتغنون بالسلام والتسامح من موقع الضعف، ويغيّرون مناهجهم، ليفرخوا جيلا خنوعًا مذعنًا مستسلمًا، على المدى البعيد سيبيع دينه ووطنه ويكون وبالا على الأوطان والأمة.