ونحن نراقب ما يحدث من جولات الحوار حول الملف النووي الايراني بين طهران والدول الكبرى في العاصمة النمساوية فيينا نتذكر حوارات السنوات التي سبقت التوقيع على الاتفاق النووي الايراني عام ٢٠١٥ خاصة الجولة قبل الأخيرة التي عقدت في مسقط .

وكان هناك شعور واضح بين المتحاورين بأن جولة فيينا الأخيرة بعد جولة مسقط ستكون خاتمة المطاف ويتم التوقيع في فيينا على واحد من الملفات المعقدة التي كانت تهدد السلام والأمن في منطقة الخليج العربي وحتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا .

الحديث الآن يدور حول عودة الجولة السابعة في فيينا بداية شهر سبتمبر القادم وسط تهديدات خطيرة لأمن الملاحة في المياه الدولية حيث مواجهة السفن الغامضة والاتهامات بين الكيان الاسرائيلي وإيران والتهديدات بالرد مما جعل المنطقة تعيش حاله من الاستقطاب والتصريحات الملتهبة اشتركت فيها واشنطن بشكل مباشر ومن هنا فان الديبلوماسية العمانية تلعب مجددا دورها لإيجاد مقاربة سياسية من خلال حث الأطراف على إيجاد اتفاق في فيينا في الجولة القادمة. وهناك اتصالات عمانية حدثت في طهران خلال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي علاوة على الاتصالات بين مسقط والعواصم الغربية وأيضا مع روسيا الاتحادية والصين.

ملفات المنطقة

تعيش المنطقة أجواء التوتر وعدم المناخ خاصة على صعيد حرب السفن الغامضة، وهي نفس أجواء التوتر ما قبل التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني عام ٢٠١٥. ومن هنا فان المشهد السياسي يحتاج إلى جهود كبيرة تأتي من الديبلوماسية العمانية ذات الخبرة السياسية التراكمية في موضوع الملف النووي الايراني. خاصة وان الفريق الامريكي هو نفس الفريق الذي تولى قيادة الملف النووي الايراني من الجانب الامريكي خاصة الرئيس بايدن ووزير الخارجية بلينكن ،وحتى مستشار الأمن القومي سوليفان كما ان هناك جون كيري الذي كان آنذاك وزيرا للخارجية واصبح الآن مستشار الرئيس الامريكي لشؤون المناخ. وعلى ضوء ذلك فان جولة فيينا القادمة سوف تكون حاسمة وهي الخيار الأوحد للتوصل ألى اتفاق عادل بين الفرقاء حتي تعود الاجواء الايجابية إلى المنطقة وتنطلق من خلالها اشارات حول تحريك بقية الملفات في المنطقة، وفي مقدمتها الازمة والحرب في اليمن علاوة على التوصل إلى مقاربة سياسية بين ايران والسعودية كاطراف إقليمية مهمة من خلال البناء على الحوار الغير علني بين طهران والرياض.

إذن الوصول إلى اتفاق أو العودة إلى الاتفاق النووي الايراني هو خطوة أساسية لان ذلك متغير حاسم له علاقة بالملفات التي تمت الإشارة لها في المنطقة، ولعل الطرف الذي لا يريد تحقيق تلك المقاربة السياسية بين طهران والقوى الدولية هو الكيان الاسرائيلي الذي يبحث عن المشكلات والتصريحات حول التصعيد والحرب مع ايران وخلط الأوراق وهي نفس المنهجية الاسرائيلية ما قبل الاتفاق النووي عام 2015.

إذن المحرض الأول على عرقلة أي اتفاق حول الملف النووي الايراني هو الكيان الصهيوني الذي يمارس ألاعيب مكشوفة ويهدف إلى زيادة التوتر تارة على الحدود اللبنانية ، علاوة على الانتهاكات المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني ومن خلال إشعال المنطقة وتحريض واشنطن والعواصم الغربية على التشدد مع ايران.

ومن هنا فان المشهد في المنطقة خطير خاصة اذا تعثرت جولة فيينا القادمة وتواصلت المواجهات في البحار الدولية بالمنطقة. وكما يقال ان الحروب والصراعات الشاملة تبدأ من مستصغر الشرر خاصة إذا كان هناك محرض دأب على ايجاد التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة.

السيناريو الأسوأ

هناك عدة سيناريوهات قد تشهدها المنطقة خلال المرحلة القليلة القادمة في ظل الترقب لجولة فبينا القادمة الشهر القادم، وفي تصوري أن هذه الجولة سوف يكون لها تأثير كبير على المفاوضات من خلال عدة عوامل أبرزها وجود قيادة جديدة في ايران تتحدث عن ضرورة التوصل إلى اتفاق وهذا شيء مهم علاوة على الحديث عن الانفتاح على دول المنطقة وإقامة علاقات طبيعية وتعاون على ضفتي الخليج. ومن هنا فان تلك المتغيرات تقابلها تحديات حقيقية من خلال إمكانية تجدد مواجهة السفن في المياه الدولية. ومن هو المستفيد من وجود التوتر في المنطقة كما أن جولة فيينا القادمة سوف تكشف مدى الإرادة السياسية لكل الأطراف خاصة الطرف الايراني والطرف الأمريكي. كما أن دور السلطنة يبقى محوريا وهاما وهذا ما اكد عليه المبعوث الامريكي لليمن في تصريحات خلال موجز عن الجهود التي تبذل لانهاء الحرب في اليمن. وعلى ضوء ذلك فان كل الملفات مرتبطة ببعضها البعض وهذا سر صعوبتها وتعقيدها فالأزمة اليمنية مرتبطة بعدة أطراف إقليمية ودولية والمفاوضات في فيينا مرتبطة بأطراف إقليمية ودولية وتبقى إسرائيل هي الطرف المحرض الذي يريد إشعال الحروب كعادته منذ وجوده الغير الشرعي في فلسطين قبل سبعة عقود.

الجميع يتطلع إلى السيناريو الايجابي من خلال العودة للاتفاق النووي وخلق مناخ إيجابي تنطلق منه بقية الملفات وتكون هناك قناعة بضرورة إبعاد المنطقة عن شبح الحروب التي عانت منها طوال أربعة عقود ، كما أن هناك مصلحة جماعيه للامن الإقليمي الذي دعت له السلطنة عام ١٩٧٦ في مسقط، وهذا النموذج في تصوري هو الأفضل لدول المنطقة من خلال إقامة منظومة الأمن والسلم وانطلاق المصالح الاقتصادية في منطقة بها من المقدرات الكثير وبها من المشتركات الكثير وتاريخ مشترك. ومن هنا فان الجولة القادمة من مفاوضات فيينا سوف تكون حاسمة في ظل المتغيرات التي شهدتها المنطقة. وهناك ضرورة لإيجاد مناخ السلام والاستقرار وتفويت الفرصة على الكيان الاسرائيلي وحكومته المتشددة التي تخلق التوتر والمشكلات.

منطقة حساسة

منطقة الخليج العربي منطقة حساسة ومصالح العالم خاصة الطاقة تنطلق عبر مضيق هرمز وأحداث السفن الغامضة خلقت أجواء من التوتر وهناك تخوف كبير من حدوث انفلات أمني لسبب ما، وهنا تكمن الخطورة وهذا يحتم بذل جهود ديبلوماسية إقليمية ودولية من اجل التوصل إلى توافق سياسي بعيدا عن لغة التهديد والحروب التي يطلقها الكيان الصهيوني.

ومن هنا فان المنطق السياسي يفرض على كل الأطراف أن تعي خطورة الوضع في هذه المنطقة الحساسة من العالم خاصة الادارة الأمريكية من خلال أولا التوصل الى اتفاق مع ايران والمجموعة الدولية حول الملف النووي الايراني الذي انسحبت منه إدارة ترامب السابقة وثانيا إيجاد مناخ من الحوار الذي يؤدي إلى ترسيخ الاستقرار في المنطقة وهي مصلحة امريكية وغربية، خاصة وان الأوضاع في أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا وحتى لبيبا ليست مستقرة أمنيا بالشكل الصحيح كما أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتاج إلى رؤية سياسية تنطلق من حل كل تلك الملفات من خلال مقاربة متوازنة بحيث يؤدي ذلك إلى خلق حاله سياسية تعيد الأمن والاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام حتى تتفرغ المنطقة وشعوبها لمزيد من البناء والازدهار.

*صحفي ومحلل سياسي