تواجه المجتمعات في أوقات الأزمات وما بعدها تحديات محورية في تفعيل وإعادة بناء ما يعرف بـ "الثقة الاجتماعية", التي تشكل رصيدًا اعتباريًا مهمًا يساعد أجهزة التسيير الإداري للمجتمع في سبيل مواجهة الأزمات والتكيف معها أو التغلب عليها, وتعرف الثقة الاجتماعية في علم الاجتماع حسب جونغون مين بكونها: "الاعتقاد بأن الآخرين لن يتسببوا في أي ضرر لنا بل سيهتمون بمصالحنا, وهي حالة نفسية تشتمل على نية قبول الضعف بناءً على التوقعات الإيجابية للآخرين وتوقع أن يكون التواصل مع الآخر مبني على الوضوح والموثوقية", ويميز علماء الاجتماع بين مستويين من الثقة, الأول يقع في إطار المجموعات الاجتماعية المحدودة التي ينتمي إليها الفرد في العائلة, والحي, والقبيلة, ومحيط العمل وسواها من التكوينات المحدودة الأفراد والبنى, والآخر يرتبط بالثقة العامة وتتأتى في إطار تكوينات المجتمع الكبرى والروابط التي تصل بين أفراده, عدا أن الثقة الاجتماعية غدت في أدبيات الاجتماع والاقتصاد تحديدًا عنصرًا مهما من عناصر تقييم مستويات تقدم ورفاه المجتمعات, ذلك أن مستوى الثقة الخاصة والعامة ينسحب على الثقة بالمؤسسات العامة, سواء كانت مؤسسات سياسية أو اقتصادية أو إعلامية أو مؤسسات تشريع أو عداها من تكوينات مؤسسية تعنى بإدارة الشأن العام, فكلما طور الأفراد مستويات عالية من الثقة في حدود دوائرهم الخاصة, كلما انسحب ذلك على دوائر الثقة العامة, والثقة بالمؤسسات وبالتالي الثقة بالدولة ككيان سياسي وإداري.
تتجاوز المجتمعات أزماتها, أو تتكيف معها بمقدار تحقق معادلة التماسك الاجتماعي الذي تلعب فيه ثلاث عوامل رئيسه الدور المحوري في قوته أو ضعفه وهي: مستوى عمليات الإدماج الاجتماعي وشمولها وفاعليتها، وقوة رأس المال الاجتماعي وتوظيفه في العمليات والتخطيط التنموي، وتوافر مقومات الحراك الاجتماعي ونسقه المتزن لكل أفراد وطبقات المجتمع. وعلى ضوء ذلك تحدد مقاييس التماسك الاجتماعي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خمسة مؤشرات تشمل: "الرضا عن الحياة، والتسامح، والثقة في المؤسسات، والسلامة والجريمة، ومساعدة الآخرين".
وترتبط مستويات الثقة الاجتماعية العالية التي يطورها الأفراد في حدود مجموعاتهم الاجتماعية المحدودة أو المجتمع العام بنزعة موازية لاحترام سيادة القانون والثقة في مؤسساتهم, بل وتعتبر عنصر أساسي في دفع الآخرين للامتثال لسيادة القانون وعدم الحاجة لتحقيق مقاربات الردع العام في حالات التأزم ومرور المجتمعات بمنعطفات طوارئ أو مشكلات عامة, كما أن الدراسات التجريبية التي تجري في علم الاجتماع حول مستويات الثقة الاجتماعية تؤكد أنه كلما ارتفعت معدلاتها في المجتمعات قلت نسب الجريمة والميل إلى الانتحار, وفي ظل هذه المعطيات يمكننا القول أن الرهان الحقيقي لعمليات التنمية الاجتماعية في أي مجتمع هو في كيفية إرساء مستويات ثقة اجتماعية عالية بين الأفراد داخل مجموعاتهم الصغيرة والمجتمع العام وعلى مستوى المؤسسات تساهم في حفظ النسق الاجتماعي من ناحية, ودفع عمليات التقدم الاقتصادي من ناحية أخرى, وتكون دعامة فاعلة للدول في أوقات الأزمات من خلال تحقيق الامتثال والتكيف الاجتماعي العام.
في دراسة نشرت أواخر ديسمبر الفائت بعنوان: " Does social trust slow down or speed up the transmission of COVID-19?" تقصت كيفية الارتباط التحقيق في كيفية ارتباط الاختلافات في الثقة الاجتماعية عبر 68 دولة بسرعة انتقال (كوفيد 19) وجدت أن الوصول إلى الذروة كان أسرع في الدول التي تتمع بمستوى أعلى من الثقة الاجتماعية حسب مسح القيم العالمي, وذلك نتيجة النظرة المتفاءلة تجاه المخاطر العامة, وقوة التماسك الاجتماعي, وميل الأفراد للاحتماء داخل المجموعات الاجتماعية الصغيرة, إلا أن الإدارك العالي للمخاطر الذي تحقق بعد الوصول إلى الذورة وسرعة الامتثال للقواعد الاجتماعية والسلوكيات المعززة للوقاية دفعت بتراجع المنحنى في أغلب الدول ذات الترتيب الأعلى. وهذا ما يدفعنا بالضرورة إلى القول بالأهمية الاستراتيجية لفهم الثقة الاجتماعية وتوظيفها وإداراتها ضمن منظومة السياسات العامة من ناحية, وفي منظومات إدارة الأزمات من ناحية أخرى.
يتأسس المجتمع في عُمان على رصيد (نظري) معتبر من الثقة الاجتماعية, ونقصد بالرصيد (النظري) بمعنى الملموس من واقع المعيش والدلالات التاريخية والزمانية دون اخضاع ذلك للقياس التجريبي كما يجري على مستوى المسوحات وأبرزها مسح القيم العالمي الذي لا تتوفر عن السلطنة أي بيانات مقارنة فيه, ولكن نجد أن من تمظهرات تلك الثقة الاجتماعية قوة العون الاجتماعي والتضامن وخاصة في أوقات الأزمات بما فيها الأنواء المناخية على سبيل المثال, إلا أن المرحلة القادمة تقتضي إدماج الثقة الاجتماعية في السياسات العامة لإعادة بنائها وتوظيفها بالطريقة الاستراتيجية التي تخدم الأجندة الوطنية وخاصة في أوقات الأزمات والمشكلات ولتحقيق ذلك ففي تقديرنا هناك اعتبارات أساسية يمكن العمل عليها كإتاحة المساحة أمام مؤسسات المجتمع المدني وخاصة الناشطة في العمل الخيري في تعزيز نطاقات عملها, وتوسيع ممارستها, وتخفيف القيود أمام استحداث تكوينات جديدة.
بالإضافة إلى أهمية تعزيز الشفافية والحوار العام والتواصل متعدد الأطراف بين المؤسسات العامة والمجتمع. كما من الضرورة تعزيز إدماج الأفراد في صنع السياسات العامة في المستويات المختلفة (سياسات محلية – مؤسسية – وطنية) وفق مقتضيات تمثيل تراعي أحدث الممارسات. ومن الأبعاد المهمة التي تعزز بناء الثقة الاجتماعية كذلك تفعيل ممارسات ريادة الأعمال المجتمعية, وتخليق قيادات للعمل المجتمعي وفق نهج مستجد يأخذ في الاعتبار مقومات الاستدامة في العمل الاجتماعي.
وعلى المستوى العلمي والمعرفي فمن الضرورة بمكان تعزيز الدراسات حول الثقة الاجتماعية, والمسوحات والاستطلاعات التي تتقصى التغيرات الطارئة على القيم الاجتماعية العامة, وعدم التعامل معها بفرضية ثباتها وعدم تحولها. ويقتضي تعزيز الثقة الاجتماعية التشديد على قيم الإدماج والاندماج الاجتماعي في كافة المستويات وتحديدًا عبر مقاربات القانون والإعلام, بالإضافة إلى تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية لبناء الثقة الاجتماعية في مستويات مختلفة. وخلاصة القول أن الثقة الاجتماعية هي الدعامة الرئيسية لنسيج أي مجتمع وهي الكابح المحوري لتظافر تأثير الأزمات والمشكلات عليه, فبمقدار ما تدمج منظورات الثقة الاجتماعية في نظم صنع السياسات العامة كلما كانت البرامج والمشروعات والخطط والمبادرات الوطنية أكثر دعمًا لاستقرار المجتمعات ودوامها.
تتجاوز المجتمعات أزماتها, أو تتكيف معها بمقدار تحقق معادلة التماسك الاجتماعي الذي تلعب فيه ثلاث عوامل رئيسه الدور المحوري في قوته أو ضعفه وهي: مستوى عمليات الإدماج الاجتماعي وشمولها وفاعليتها، وقوة رأس المال الاجتماعي وتوظيفه في العمليات والتخطيط التنموي، وتوافر مقومات الحراك الاجتماعي ونسقه المتزن لكل أفراد وطبقات المجتمع. وعلى ضوء ذلك تحدد مقاييس التماسك الاجتماعي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خمسة مؤشرات تشمل: "الرضا عن الحياة، والتسامح، والثقة في المؤسسات، والسلامة والجريمة، ومساعدة الآخرين".
وترتبط مستويات الثقة الاجتماعية العالية التي يطورها الأفراد في حدود مجموعاتهم الاجتماعية المحدودة أو المجتمع العام بنزعة موازية لاحترام سيادة القانون والثقة في مؤسساتهم, بل وتعتبر عنصر أساسي في دفع الآخرين للامتثال لسيادة القانون وعدم الحاجة لتحقيق مقاربات الردع العام في حالات التأزم ومرور المجتمعات بمنعطفات طوارئ أو مشكلات عامة, كما أن الدراسات التجريبية التي تجري في علم الاجتماع حول مستويات الثقة الاجتماعية تؤكد أنه كلما ارتفعت معدلاتها في المجتمعات قلت نسب الجريمة والميل إلى الانتحار, وفي ظل هذه المعطيات يمكننا القول أن الرهان الحقيقي لعمليات التنمية الاجتماعية في أي مجتمع هو في كيفية إرساء مستويات ثقة اجتماعية عالية بين الأفراد داخل مجموعاتهم الصغيرة والمجتمع العام وعلى مستوى المؤسسات تساهم في حفظ النسق الاجتماعي من ناحية, ودفع عمليات التقدم الاقتصادي من ناحية أخرى, وتكون دعامة فاعلة للدول في أوقات الأزمات من خلال تحقيق الامتثال والتكيف الاجتماعي العام.
في دراسة نشرت أواخر ديسمبر الفائت بعنوان: " Does social trust slow down or speed up the transmission of COVID-19?" تقصت كيفية الارتباط التحقيق في كيفية ارتباط الاختلافات في الثقة الاجتماعية عبر 68 دولة بسرعة انتقال (كوفيد 19) وجدت أن الوصول إلى الذروة كان أسرع في الدول التي تتمع بمستوى أعلى من الثقة الاجتماعية حسب مسح القيم العالمي, وذلك نتيجة النظرة المتفاءلة تجاه المخاطر العامة, وقوة التماسك الاجتماعي, وميل الأفراد للاحتماء داخل المجموعات الاجتماعية الصغيرة, إلا أن الإدارك العالي للمخاطر الذي تحقق بعد الوصول إلى الذورة وسرعة الامتثال للقواعد الاجتماعية والسلوكيات المعززة للوقاية دفعت بتراجع المنحنى في أغلب الدول ذات الترتيب الأعلى. وهذا ما يدفعنا بالضرورة إلى القول بالأهمية الاستراتيجية لفهم الثقة الاجتماعية وتوظيفها وإداراتها ضمن منظومة السياسات العامة من ناحية, وفي منظومات إدارة الأزمات من ناحية أخرى.
يتأسس المجتمع في عُمان على رصيد (نظري) معتبر من الثقة الاجتماعية, ونقصد بالرصيد (النظري) بمعنى الملموس من واقع المعيش والدلالات التاريخية والزمانية دون اخضاع ذلك للقياس التجريبي كما يجري على مستوى المسوحات وأبرزها مسح القيم العالمي الذي لا تتوفر عن السلطنة أي بيانات مقارنة فيه, ولكن نجد أن من تمظهرات تلك الثقة الاجتماعية قوة العون الاجتماعي والتضامن وخاصة في أوقات الأزمات بما فيها الأنواء المناخية على سبيل المثال, إلا أن المرحلة القادمة تقتضي إدماج الثقة الاجتماعية في السياسات العامة لإعادة بنائها وتوظيفها بالطريقة الاستراتيجية التي تخدم الأجندة الوطنية وخاصة في أوقات الأزمات والمشكلات ولتحقيق ذلك ففي تقديرنا هناك اعتبارات أساسية يمكن العمل عليها كإتاحة المساحة أمام مؤسسات المجتمع المدني وخاصة الناشطة في العمل الخيري في تعزيز نطاقات عملها, وتوسيع ممارستها, وتخفيف القيود أمام استحداث تكوينات جديدة.
بالإضافة إلى أهمية تعزيز الشفافية والحوار العام والتواصل متعدد الأطراف بين المؤسسات العامة والمجتمع. كما من الضرورة تعزيز إدماج الأفراد في صنع السياسات العامة في المستويات المختلفة (سياسات محلية – مؤسسية – وطنية) وفق مقتضيات تمثيل تراعي أحدث الممارسات. ومن الأبعاد المهمة التي تعزز بناء الثقة الاجتماعية كذلك تفعيل ممارسات ريادة الأعمال المجتمعية, وتخليق قيادات للعمل المجتمعي وفق نهج مستجد يأخذ في الاعتبار مقومات الاستدامة في العمل الاجتماعي.
وعلى المستوى العلمي والمعرفي فمن الضرورة بمكان تعزيز الدراسات حول الثقة الاجتماعية, والمسوحات والاستطلاعات التي تتقصى التغيرات الطارئة على القيم الاجتماعية العامة, وعدم التعامل معها بفرضية ثباتها وعدم تحولها. ويقتضي تعزيز الثقة الاجتماعية التشديد على قيم الإدماج والاندماج الاجتماعي في كافة المستويات وتحديدًا عبر مقاربات القانون والإعلام, بالإضافة إلى تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية لبناء الثقة الاجتماعية في مستويات مختلفة. وخلاصة القول أن الثقة الاجتماعية هي الدعامة الرئيسية لنسيج أي مجتمع وهي الكابح المحوري لتظافر تأثير الأزمات والمشكلات عليه, فبمقدار ما تدمج منظورات الثقة الاجتماعية في نظم صنع السياسات العامة كلما كانت البرامج والمشروعات والخطط والمبادرات الوطنية أكثر دعمًا لاستقرار المجتمعات ودوامها.