تقول المعلومات المتداولة أن بدايات الشعر العربي انطلقت من الشعر الجاهلي، وكانت القصيدة تتألف من أبيات، ويتألف البيت من شطرين، يُسمى الأول صدرا، والثاني عجزاً، واكتملت على يد عديّ بن ربيعة بن الحارث التغلبي، خال امرئ القيس، الملقّب بالمهلهل، لأنه أول من هلهل نسج الشعر، أي رقّقه، وكثيرا ما أتساءل: من أين استقت القصيدة العربية العمودية ذات الشطرين هذا النظام؟ أخيرا وجدت الجواب في كتاب عالم المسماريّات والآثار، د.نائل حنون «أسطورة الخليقة البابلية -النص المسماري الشعري»، ففي قصة الخليقة البابلية «أينُما أيليش» الذي يعني في اللغة الأكدية «حينما في العُلى»، وهو الشطر الأول من البيت الشعري الأول في القصيدة، كتب الشاعر البابلي القديم النص بهذا الشكل:
حينما في العُلى
لا سماوات مسماة
وفي الدنى
لا راسية بالاسم مذكورة
كان آبسو
البدائي واضع بذرتهم
ومصدر الحياة تيامة
التي ولدتهم جميعا
مياههما
امتزجت مثل كيان واحد
وكما نلاحظ أن السطور جاءت على شكل ( شطر وعجز)، وهو التقليد الذي عرفناه في الشعر العربي العمودي، ولنأخذ من معلقة امرئ القيس:
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ
بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُه
لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ
ونقارن ما بينهما، صوتيا، لقد كتب امرئ القيس معلقته بعد تأليف هذا النص بمئات السنين، ولم يكن هذا التقليد هو السمة الوحيدة المشتركة بين النص البابلي، والشعر العربي، وإنما حتّى في صياغة النص كله وتشطير أبياته على الألواح الطينية قبل ما يزيد على ألفين وخمسمائة عام، كما رأينا في صور الألواح المرفقة، وفي هذا وفّق الدكتور نائل حنون في تقديم الترجمة العربية للنص بالتشطير نفسه المتّبع في الأصل المسماري للقصيدة، وهو ما يتيح فرصة ثمينة للباحثين لدراسة بحور الشعر في النصوص المسمارية، وبالتالي التعرف على نشأة بحور الشعر العربي.
جاء في المقدمة «لقد ألّف نص حينما في العُلى» في الأصل الأكدي شعرا، وقسّمت سطور النص، أو أبياته الشعرية، في النسخة العائدة إلى القرن السابع قبل الميلاد إلى شطرين، وهذا التقسيم غير مألوف حتى في « ملحمة جلجامش»،
ويوجّه المؤلف الذي نشر له أيضاً ما يزيد على سبعين بحثاً ودراسة في الدوريات العلمية والموسوعات، وأكثر من عشرين كتابا، دعوة للمهتمّين متابعة النص، ودراسته من خلال القراءة المقطعيّة، والترجمة العربية، والإفادة بما يمكن التوصّل إليه حول إيقاع الشعر الاكدي القديم، وأوزانه.
وهذه السطور ذكّرتني بمعلومة قرأتها عن لوح عمره 3300 عام يتحدث عن رجل مريض تشبه قصته قصة أيوب، لذا عرف باسم أيوب البابلي، وحين عرضت المعلومة على د. نائل حنون أكد أن النص هو قصيدة شعرية عمودية (بأبيات مشطرة) أكدية، يعود تاريخ النص إلى العصر البابلي الوسيط، وهو العصر الذي ظهر فيه الشعر العمودي الأكدي. العنوان (أيوب البابلي) أطلقه العلماء الغربيون، ولكن الشعراء القدامى كتبوا عنوانه من الشطر الأول من البيت الأول (مثلما سار عليه الشعراء العرب). وهذا الشطر: لدلُل بيل نيميقي، ومعناه «لأمجدن سيد الحكمة». القصيدة تتألف من نحو 500 بيت. وقد جمعت كسر نسخه السبع والعشرين المكتشفة حتى الآن في مواقع ست مدن قديمة إحداهن في تركيا، ونشر النسخ وقراءة النص والترجمة العربية الأولى المباشرة له، وبضمنها أجزاء لم يتوصل العلماء الغربيون لمعناها، في كتابه «نصوص مسمارية تاريخية وأدبية» مع المحافظة على تشطير الأبيات نفسه في النص المسماري،
لذا، انطلاقا من هذه المعطيات، أتساءل: أما آن الأوان لمراجعة تاريخ القصيدة العمودية بعد أن ضيع علينا التأثر بالآداب الأوروبية الكثير، فبخسنا حقّ القصائد مشطرة الأبيات التي كشفت عنها النصوص المسمارية؟
حينما في العُلى
لا سماوات مسماة
وفي الدنى
لا راسية بالاسم مذكورة
كان آبسو
البدائي واضع بذرتهم
ومصدر الحياة تيامة
التي ولدتهم جميعا
مياههما
امتزجت مثل كيان واحد
وكما نلاحظ أن السطور جاءت على شكل ( شطر وعجز)، وهو التقليد الذي عرفناه في الشعر العربي العمودي، ولنأخذ من معلقة امرئ القيس:
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ
بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُه
لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ
ونقارن ما بينهما، صوتيا، لقد كتب امرئ القيس معلقته بعد تأليف هذا النص بمئات السنين، ولم يكن هذا التقليد هو السمة الوحيدة المشتركة بين النص البابلي، والشعر العربي، وإنما حتّى في صياغة النص كله وتشطير أبياته على الألواح الطينية قبل ما يزيد على ألفين وخمسمائة عام، كما رأينا في صور الألواح المرفقة، وفي هذا وفّق الدكتور نائل حنون في تقديم الترجمة العربية للنص بالتشطير نفسه المتّبع في الأصل المسماري للقصيدة، وهو ما يتيح فرصة ثمينة للباحثين لدراسة بحور الشعر في النصوص المسمارية، وبالتالي التعرف على نشأة بحور الشعر العربي.
جاء في المقدمة «لقد ألّف نص حينما في العُلى» في الأصل الأكدي شعرا، وقسّمت سطور النص، أو أبياته الشعرية، في النسخة العائدة إلى القرن السابع قبل الميلاد إلى شطرين، وهذا التقسيم غير مألوف حتى في « ملحمة جلجامش»،
ويوجّه المؤلف الذي نشر له أيضاً ما يزيد على سبعين بحثاً ودراسة في الدوريات العلمية والموسوعات، وأكثر من عشرين كتابا، دعوة للمهتمّين متابعة النص، ودراسته من خلال القراءة المقطعيّة، والترجمة العربية، والإفادة بما يمكن التوصّل إليه حول إيقاع الشعر الاكدي القديم، وأوزانه.
وهذه السطور ذكّرتني بمعلومة قرأتها عن لوح عمره 3300 عام يتحدث عن رجل مريض تشبه قصته قصة أيوب، لذا عرف باسم أيوب البابلي، وحين عرضت المعلومة على د. نائل حنون أكد أن النص هو قصيدة شعرية عمودية (بأبيات مشطرة) أكدية، يعود تاريخ النص إلى العصر البابلي الوسيط، وهو العصر الذي ظهر فيه الشعر العمودي الأكدي. العنوان (أيوب البابلي) أطلقه العلماء الغربيون، ولكن الشعراء القدامى كتبوا عنوانه من الشطر الأول من البيت الأول (مثلما سار عليه الشعراء العرب). وهذا الشطر: لدلُل بيل نيميقي، ومعناه «لأمجدن سيد الحكمة». القصيدة تتألف من نحو 500 بيت. وقد جمعت كسر نسخه السبع والعشرين المكتشفة حتى الآن في مواقع ست مدن قديمة إحداهن في تركيا، ونشر النسخ وقراءة النص والترجمة العربية الأولى المباشرة له، وبضمنها أجزاء لم يتوصل العلماء الغربيون لمعناها، في كتابه «نصوص مسمارية تاريخية وأدبية» مع المحافظة على تشطير الأبيات نفسه في النص المسماري،
لذا، انطلاقا من هذه المعطيات، أتساءل: أما آن الأوان لمراجعة تاريخ القصيدة العمودية بعد أن ضيع علينا التأثر بالآداب الأوروبية الكثير، فبخسنا حقّ القصائد مشطرة الأبيات التي كشفت عنها النصوص المسمارية؟