محمود الرحبي -

تفاعل بالفرح والتساؤل كل من وصل إلى مسامعه خبر تأسيس أول كرسي لدراسة الأفلاج في العالم خصت به جامعة نزوى، وأول كرسي في جامعة خاصة في عمان، كرسي بحثي يختص بدراسات « عالم المياه الأثري» وقد تم اختيار الباحث العماني الدكتور عبدالله الغافري، المحاضر في نفس الجامعة- والذي يعتبر حجة وخبيرا في ما يمكن تسميته بعلم الأفلاج- ليكون أستاذا لهذا الكرسي. ولكي يطيب المقام لكرسي اليونسكو هذا -الذي يعتبر كذلك خطوة علمية فريدة - لا بد أن يجد الدعم من الدولة، وتذليل مختلف العقبات في طريق تطويره وتحققه. كما توجد أهمية مضاعفة في اختيار الأرض والبيئة العمانية لتكون المحيط العلمي التفاعلي لهذا الكرسي.

ولكن قبل الحديث عن منافذ هذا الدعم، وتيسيرا لفهم القارئ؛ من المهم التبسيط في شرح معنى وجود كرسي في جامعة نزوى، ولماذا اختارت المنظمة الدولية المرموقة عمان من دون دول العالم التي توجد بها أفلاج شبيهة؟

كلمة « كرسي أكاديمي أو كرسي بحثي» - كما تشير مختلف المعاجم والقنوات الشارحة - بدأت من أوروبا منذ القرن الرابع عشر( أو قبل ذلك بقليل)، حيث يتم اختيار أكثر الباحثين تميزا في التخصص المقترح، كما أن معنى وجود كرسي لليونسكو هو أن جامعة نزوى حصلت على اعتراف عالمي كمؤسسة أكاديمية، وبذلك وجود كرسي لليونسكو بها، يؤهلها لدخول الشبكة الدولية « يوني توين» المعنية بربط الجامعات - في مختلف مجالات التعاون - بعضها ببعض. فتخصص الأفلاج متعدد الأجنحة والجداول - أفقيا وعموديا - حيث تدخل فيه وترفده وتسترفد منه مجموعة من العلوم، مثل علوم الأرض وعلوم المياه والعلوم الهندسية والعلوم البيئية، كما تساهم فيه كذلك حتى العلوم الإنسانية كالتاريخ والاجتماع والأنثربولوجيا واللغة والثقافة، لذلك فإن الكرسي يتيح البحث والتنقيب في مختلف العلوم المرتبطة بالأفلاج، وذلك لرفد العالم بنتائجه ومن مختلف الزوايا. لذلك تكون جامعة نزوى - وهي تنال هذه الحظوة العلمية المهمة - أول جامعة في العالم يكون فيها كرسي أكاديمي يتبع هذا التخصص. واختيار سلطنة عمان كوجهة أولى لهذا التخصص يعتبر ميزة لها دلالاتها، حيث توجد خمسون دولة في العالم بها أفلاج سواء تلك التي اندثرت أو التي لا تزال موجودة، لكن لا يوجد في هذه الدول كرسي متخصص أو كرسي أكاديمي في جامعاتها يختص بدراسة الأفلاج. كما أن مدينة نزوى وبالتالي جامعتها ستكون أول محيط يستوعب الامتدادات البحثية المباشرة لهذا الكرسي. علما بأنه توجد في عمان أربعة كراسي لليونسكو، ثلاثة منها في جامعة السلطان قابوس وهذا هو الرابع الذي اختارت اليونسكو أن تكون جامعة نزوى الخاصة حاضنته التفاعلية والبحثية.

فوجود كرسي لليونسكو سيتيح استخدام موارد اليونسكو المتاحة، حيث سيكون هناك دعم مباشر وغير مباشر من اليونسكو وتسهيلات أكاديمية وبحثية وتشجيع التعاون الدولي مع الجامعات الأخرى، وكذلك تبادل الخبرات والطلبة والخبراء بين السلطنة والدول المختلفة. وبالنسبة لكرسي الأفلاج، فيمكن منه استخلاص دروس إنسانية، سواء من خلال دراساته المباشرة للأفلاج، أو من خلال التوسع في دراسة العلوم المحيطة بالفلج ( العلوم الإنسانية والعلوم الحقة) لذلك اقترحت اليونسكو وجود كرسي بحثي للأفلاج في سلطنة عمان، لكونها أكثر دول العالم أهمية من ناحية وجود الأفلاج بها وثراء بنائها ومكوناتها، ولا ننسى عدد الأفلاج العمانية التي أقرتها اليونسكو من قبل وأدرجتها ضمن كنوز التراث الإنساني، كما أن هذا الاختيار يأخذ معنى ودلالة مفادها أن الأفلاج - في عصرنا الحاضر - وصلت إلى ما يمكن تسميته بالمرحلة الدولية، وبالتالي فإن ما سينجزه هذا الكرسي من نتائج علمية، سيوضع في أدبيات اليونسكو وسينشر بالتالي في مواقعها ومنشوراتها، وسيوزع على دول مختلفة في العالم، وتكون أبحاثه ونتائجه متاحة لمختلف مراكز البحوث في عموم المعمورة. فكلمة كرسي - في النهاية - تعني مركزا متعددا، كلمة شمولية تتجاوز الدلالة المباشرة، وتشير بشكل أساسي إلى الجانب البحثي الأكاديمي، كما أنها تشمل التدريس على المستوى الجامعي والمستوى ما بعد الجامعي. وكرسي الأفلاج - في معناه الفعلي- هيئة علمية متكاملة تختص بمجال الأفلاج وكذلك بجميع العلوم المنبثقة منها. كما أن للكرسي إمكانية حتى في طرح مواد علمية ومساقات جديدة للتدريس تنبثق من دراسة الأفلاج، إلى جانب استقطاب طلبة ماجستير ودكتوراه والإشراف عليهم، بالإضافة إلى إنشاء برنامج أكاديمي جديد. فمستوى الكرسي يعتبر مستوى بحثيا عاليا في أي جامعة من جامعات العالم..

( وللحديث بقية)...