الدعوى ومرور الزمن: «الفعل النافع»
فضيلة الشيخ زهران بن ناصر البراشدي/ قاضي المحكمــــة العــليا -
وإذا وجد عذر مانع من إقامة الدعوى داخل المدة المقررة فيقف مرور المدة حتى يذهب العذر كما في المادة 346 ونصها: «يقف مرور المدة المانع من سماع الدعوى كلها كلما وجد عذر شرعي تتعذر معه المطالبة بسماع الدعوى، ولا تحسب مدة قيام العذر في المدة المقررة».
وتنقطع المدة كلما وجد العذر الشرعي وبالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، ما دام باقيا منها ولو يوم واحد وبالإعذار، وبالحجز، أو بأي إجراء قضائي يقوم به الدائن للتمسك بحقه.
أي يزول المانع من عدم سماع الدعوى وتبقى الدعوى مسموعة بوجود العذر. وتبدأ مدة جديدة. وذلك كما في المادتين (350و351) ونصهما:-
المادة (350) تنقطع المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، وبالإعذار، وبالحجز، أو بأي إجراء قضائي يقوم به الدائن للتمسك بحقه.
المادة (351) إذا انقطعت المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بدأت مدة جديدة كالمدة الأولى تسري من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع ولا يسقط الحق مهما كان نوعه إذا حكمت به المحكمة بحكم لا يقبل الطعن»
والانقطاع والوقف كلاهما كقاعدة عامة لا يسري إلا من اليوم الذي يصبح فيه الحق مستحق الأداء كما مر بيانه موضحا.
والفرق بينهما: أن الانقطاع يَجِبُّ المدةَ التي انقضت منذ بدء سريان التقادم من وقت نشوء أو قيام سبب الانقطاع؛ بحيث تبدأ مدة جديدة عند زوال السبب.
أما الوقف فإنه إن تحقق سببه قانونا فيوقف سريان التقادم منذ حدوث السبب وحتى زواله ثم يبدأ في السريان استكمالا للمدة المتبقية بمعنى أنه لا يسقط من المدة الكلية إلا مدة الوقف فقط وتضم المدتان أو المدد مع بعضها حتى تكتمل وهكذا.
إلا أن المواد في تقدير الأعذار لم تفصل بين قريب وبعيد وجعلت الأمر عاما من غير تفصيل، وأوكلت تفسير العذر على ذمة القاضي وهو الذي يقدر الأعذار فما رآه عذرا أخذ به وما لم يره عذرا فلا.
وسواء كان العذر ماديا كالغَيبة ونقص الأهلية والحجر والخوف من سطوة المدين وبطشه، أو أدبيا كالقرابة والمداراة بسبب إسداء معروف أو حياء مفرط أو صحبة حميمة أو انتظار إلى ميسرة المدين الخ، وهذا ما يمكن للقاضي تقديره من عدمه ويصير الأمر موكولا على عنقه.
ويمكن إيراد شرح الموضوع في المذكرة الإيضاحية وذلك يقتضي ضرورة التعجيل فيها لكشف غوامض كثير من المواد إلا أن الموضوع يحتاج لوقت كبير وقد أوردت بعض القوانين تفسير بعض الإبهام في بعض المواد فعلى سبيل المثال نص القانون العراقي في نفس الموضوع في مادته رقم 435 مفسرا للعذر الشرعي بما نصه: (كأن يكون المدعي صغيرا أو محجورا عليه وليس له ولي أو غائبا في بلاد أجنبية أو أن تكون الدعوى بين الزوجين أو بين الأصول والفروع أو أن يكون هنالك مانع آخر يستحيل معه على المدعي أن يطالب بحقه.
أما القانون اليمني في مادته رقم 452 والمشروع المصري الإسلامي أي الذي اجتمع عليه جملة من فقهائهم ولكن لم يؤخذ به رقم المادة 374 والمصري المعتمد المعمول به رقم المادة 372 فاكتفت هذه القوانين بتفسير المانع الشرعـــي: «بالمادي والأدبي» دون أن تتوسع في التفسير، علما بأن المدة المانعة من سماع الدعوى تبدأ من يوم أصبح الحق حالَّاً في ذمة المدين كما في المادة 344 ونصها: «تبدأ المدة التي يمتنع سماع الدعوى بانقضائها من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء، ومن وقت تحقق الشرط إذا كان معلّقاً على شرط، ومن وقت ثبوت الاستحقاق في دعوى ضمان الاستحقاق».
وبشرط الإنكار من المدين أي عدم الاعتراف بالحق كما في المواد 340 و341 السابقتين و 349. السابق ذكرها.
وتلتغي المدة وتصير الدعوى مسموعة كلما وجد العذر كما سبق وبالمطالبة والإعذار والحجز على مال المدين أو بأي إجراء قضائي كما في المادة 350 السابق ذكرها.
وأما دعاوى التأمين فبناء على رأي المرخصين فشركات التأمين فيما يتعلق بالحوادث الشخصية هي في الأصل غير مسؤولة ولا مباشرة للحق وإنما المسؤول المباشر هو: المتسبب في الحادث، وشركات التأمين في هذا الجانب هي كفيلة فقط عن المتسبب في مدة محددة بينها والمتسبب المؤمن له ومن في حكمه، وشرط القانون -قانون تأمين المركبات مدة سنتين- وهذا الشرط موجود في جميع الوثائق التأمينية ويوقع عليها الطرفان المؤمن شركة التـأمين والمؤمن له صاحب السيارة وهو عقد خاص بينها وبينه ومحدد بتلك المدة.
ومن المعلوم فقها وقضاء أنَّ تصرفات الوكيل والكفيل والضمين إن كانت محددة بزمن معين فانتهى ذلك الزمن المحدد للوكالة أو الكفالة أو الضمانة فجميع التصرفات بعد انتهائها باطلة لا يعتد بها بل وحتى لو كانت باقية ولكن الأصيل ألغى ذلك عنه فتصرفه بعد الإلغاء مع العلم به باطل.
وخرج بقيد العلم هنا ما إذا تصرف الوكيل أو الكفيل أو الضمين قبل العلم بالإلغاء فهنا رفعا للضرر إن كان ثم ضرر يلحق أحد الطرفين المتصرف أو المتصرف إليه فيُمضَى ذلك التصرف في حدود رفع الضرر وهكذا.
وتلتغي هذه المدة كلما وجد عذر قبل انتهاء السنتين أو قدم المضرور دعواه ولو إلى محكمة غير مختصة وبالإعذار رسميا إلى الشركة المؤمنة وفقا لحكم البند (ب) من المادة (16) كأن يرسل خطابا مسجلا أو المستندات المتعلقة بالمطالبة إلى الشركة المؤمنة فتنقطع المدة وتبدأ مدة جديدة فلو جاء المضرور واختار أن يخاصم الكفيل ففي تلك المدة فقط ولا تسمع دعواه على الكفيل بعد انتهاء كفالته ما دامت هذه الكفالة محددة بمدة معلومة، فسبيله سبيل الوكيل إن انتهت وكالته وهو يعلم بانتهائها فجميع أعماله بعد انتهاء وكالته باطلة وكذا الضامن إن قيد ضمانته بمدة كما سبق بيانه، ويرجع الدائن صاحب الحق وهو المضرور - سواء أكان في الفعل الضار من حادث سيارة مثلا أو أي فعل ضار فيه كفيلٌ وأصيلٌ الخ- على المدين الأصيل أي المتسبب في الضرر إن أراد مخاصمته، وهكذا.
وقد جعل القانون المدني للدعاوى الشبيهة بدعاوى التأمين عموما مدة خمس سنوات كما في المادة (342) السابق ذكرها ونصها:-
مادة (342) لا تسمع الدعوى عند الإنكار وعدم قيام العذر الشرعي إذا انقضت خمس سنوات على الحقوق الآتية:
1- حقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء والأساتذة والمعلمين والوسطاء المستحقة لهم عما أدوه من أعمال مهنتهم أو حرفتهم وما أنفقوه من مصروفات.
2- ما يستحق رده من الضرائب والرسوم إذا دفعت بغير حق.
3- حقوق التجار والصنّاع عن الأشياء التي وردوها لأشخاص لا يتجرون في هذه الأشياء، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة أو عن الطعام وكل ما أنفقوه لحساب زبائنهم.
4- حقوق العمال وخدم المنازل والأجراء من أجور يومية وغير يومية ومن ثمن ما قاموا به من توريدات، وذلك ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك.
وسبق ذكر التعليل لذلك فلا حاجة للتكرار.
أما نزلاء الفنادق وما في حكمها في حالة فقدهم شيئا من أملاكهم فقد أو جب عليهم القانون ضرورة الإبلاغ مباشرة عن ذلك وأمهلهم مدة ستة أشهر كاملة بعد المغادرة إن أرادوا تقديم دعوى ضدها.
مادة (722) الفنادق وما في حكمها
1- على نزلاء الفنادق أو ما يماثلها أن يخطروا أصحابها بما ضاع منهم أو سرق قبل مغادرتها.
2- لا تسمع دعوى ضمان ما ضاع أو سرق بعد انقضاء ستة أشهر من تاريخ المغادرة.
وعلى كل حال فقانون المعاملات قانون عام فإن وجد الخاص فالخاص يقيد العام تقدم أو تأخر، وفي دعاوى التأمين أحال إلى القانون الخاص بها وهو الذي أشرنا إليه سابقا.