زاوية لغوية: الفرق بين المصدر واسم المصدر
يقدمها :د.إسماعيل العوفي -
اختلف النحاة اختلافا كبيرا في التفريق بين المصدر واسم المصدر، ويمكن عرض آرائهم في الآتي:
1. الفرق بين المصدر واسم المصدر أن المصدر ما ساوت حروفه حروف فعله كـ(تَحَسُّن) مصدر الفعل (تَحَسَّن)، أو زادت حروفه عن حروف فعله مثل (إكرام) مصدر الفعل (أكرم)، و(إعطاء) مصدر الفعل (أعطى)، واسم المصدر ما نقصت حروفه عن حروف فعله مثل: (عطاء)، فإنه اسم مصدر؛ لأنه نقص عن حروف فعله، فلا توجد فيه همزة، ولم يعوض عن الناقص لفظا مثل: (عدة) مصدر (وعد)، فقد حذف حرف الواو، وعوض عنه تاء التأنيث، ولم يعوض عن الناقص تقديرا مثل: (قتال) مصدر (قاتل)، فإنه خلا من ألف قاتل لفظا لا تقديرا، ويدل على ذلك النطق بها في بعض المواضع، فقيل: (قِيتَال)، وهذا هو المشهور في الدرس النحوي.
2. ذكر ابن الناظم (ت: 686هـ) أن ما كان أوله ميما لغير مفاعلة، أو ما كان على وزن مصدر الثلاثي لغير فعل ثلاثي فهو اسم مصدر، وما سواه المصدر، وجعل ابن هشام ما دل على الحدث إن كان علما كفجار، أو مبدوء بميم زائدة لغير مفاعلة كمقتل، أو ما كان على وزن مصدر الثلاثي، وهو لفعل غير ثلاثي كوضوء اسم مصدر، وسوى ذلك المصدر، وقد تابع ابن هشام في الصورتين الثانية، والثالثة ابن الناظم في شرحه على الألفية، وتابعه السوسي في شرحه على الألفية.
3. المصدر هو الحدث فهو أمر معنوي، واسم المصدر اللفظ الدال على الحدث أي: الحروف التي تتكون منها الكلمة الدالة على الحدث، وعلى هذا دلالة اسم المصدر على الحدث بواسطة دلالته على المصدر، وليس مباشرة.
4. المصدر ما كان له فعل كالإكرام مصدر أكرم، وأما الذي لا فعل له كالقهقرى فاسم مصدر.
5. المصدر الفعل كالسحور فعل الشيء، وهو الأكل في الوقت المعروف، وأما آلة الفعل وهو طعام السحور (بضم السين)، وهو السَحور (بفتح السين) فهو اسم المصدر.
6. نقل السيوطي عن ابن النحاس أن الفعل الصادر عن الإنسان كالإكرام هو المصدر، وليس حروف الكلمة وهي (ء، ك، ر، ا، م)، وإنما يطلق على اللفظ الدال على الفعل مصدرا تجوزا، وأما اسم المصدر فهو اسم للمعنى الصادر عن الفاعل كالتسبيح فهو معنى، ذلك المعنى يسمى اسم مصدر، وليس اللفظ.
7. المصدر هو نفس مباشرة الفاعل، واسم المصدر هو المعنى الحادث في تلك المباشرة أي: أن اسم المصدر هو أثر للمصدر؛ ولذلك عمل المصدر كثيرا؛ لأن فيه معنى الفعل، وهو المباشرة والعلاج، ولم يعمل اسم المصدر إلا قليلا؛ لعدم وجود هذا المعنى فيه.
الذي يظهر من هذا الاختلاف أنه لا توجد قاعدة، أو وجه واضح يمكن الاتكاء عليه للخروج بفرق دقيق منضبط بين المصدر واسم المصدر، والذي يظهر لي عدم وجود فرق بين المصدر واسم المصدر؛ فكلاهما دال على الحدث، والحال في ذلك حال الأفعال التي يكون لها أكثر من مصدر، فكلاهما دال على الحدث، وقد يلحظ نكتة بلاغية عند الاستعمال استعمال مصدر في موضع، واستعمال آخر في موضع آخر مع دلالة اللفظين على الحدث، ويؤيد القول بعدم التفريق بينهما فعل الأوائل فقد ذكروا في باب المصدر ما يعرف بالمصدر، وما يعرف باسم المصدر غير مفرقين بينهما بشيء، ففي الكتاب «هذا باب ما جاء من المصادر على فعول وذلك قولك: توضأت وضوءا حسنا وأولعت به ولوعا...»، وفي المقتضب: «وجاءت مصادر على فعول مفتوحة الأوائل وذلك قولك: توضأت وضوء حسنا، وتطهرت طهور حسنا، وأولعت به ولوعا...»، والنصان واضحان في عدم تفريق بين مصدر وما يعرف باسم المصدر؛ لأن الكل دال على الحدث.
والذي يظهر أن ما يعرف باسم المصدر مصطلح غير مُنْبَنٍ على ضابط قائم على دليل يمكن التعويل عليه، وقد عسر التفريق بينه وبين المصدر، فاضطربت الأقوال على الصفة التي قدمتها، وقد ورد ذكره عند الأخفش في معاني القرآن، والنحاس في معاني القرآن أيضا، ولكن ظاهر كلامهما أنه لا فرق بينه وبين المصدر فقد فسّر الأخفش زلفى بإزلاف ««زُلْفى»ها هنا اسم المصدر كأنه أراد: بالتي تُقَرِّبَكُمُ عندَنا إِزْلافا»، وفسّر النحاس أمنةً بأمن «الأمنة والأمن واحد وهو اسم المصدر».
والذي أقترحه الاكتفاء بمصطلح المصدر، وقد تقدم أن هناك أفعالا لها أكثر من مصدر.