رسالة أب
عادل محمود -
بعد اختطاف ابنته الوحيدة «لونا»، ظل هاتفها يرن. الأمر الذي أيقظ الأمل بأنها على قيد الحياة. وظل مؤشر الرسائل المستلمة يعلمه أنها وصلت. وبعد بضعة رسائل لهفة واستفسارا وحبا وقوة قلب، قرر أن يكتب للخاطفين هذه الرسالة:
«لا أعرف من تكونون، داعش، نصرة، جيش الإسلام، فيلق الرحمن... أو أي من المجموعات العديدة، والتي يقال أنها بالمئات.
لست أنا من يدلكم على الطريقة في التعامل مع الأسرى والسبايا والغنائم» فهي مفردات إسلامية في غزوات عصور قديمة... جرى إحياؤها على أيديكم، ولكنكم اخترعتم نظريات حربية، سادت، ثم بادت، جرّبها سواكم عبر العصور، ومنها «إدارة التوحش» وفيها هذه النص:
«في إحدى المراحل...ستنشأ فوضى في مناطق متوحشة، ينبغي على المجاهدين السيطرة عليها، وإدارتها، وتوسيعها.
على المجاهدين التعجيل بقدوم مرحلة التوحش، عبر العنف والعمليات العنيفة وما يسمى: «إدارة التوحش»، وذلك لمراكمة الهلع (أعلى مراحل الخوف) عبر انتصارات صغيرة، هنا وهناك.
على المجاهدين السير في طريق الأشلاء والجماجم والدماء».
لقد صنّعتم مشاهد مروعة مؤلفة من طرائق مرعبة، كما تتوخون، في التنكيل بالضحايا، الذبح، الحرق، الغرق. وأظن أن العودة إلى أفعال مشابهة في تاريخ الأسلاف ليست الطريقة المضمونة لتأسيس وتأثيث دولة الخلافة الإسلامية، بل العكس هو ما سيحدث... استنفار ضدكم، لا تنقذكم منه أيديولوجيا. قد تخلق لكم البيئة الحاضنة دائمة الصبر، دائمة الولاء إلى حين، ولكن عندما يتفكك المشروع جراء شراسة وجودية يؤديها المتضررون الكثر، وجراء اتحاد الجهات المتضررة، والمذعورة (كما تقولون)... حين يتفكك المشروع، بتأجيله حقبة أخرى، ستكونون الطرف المشرّد، هذه المرة، بعد أن كنتم الطرف المتسبب بتشريد البشر.
أعتقد أنه ليس لديكم الوقت، ولا الرغبة في قراءة هذا الهباء، ما دام لديكم كل شيء مطلق اليقين، ومثبتاً في مراجعكم التي لا تناقش... ولكنني أريد شيئاً واحداً، وهو في مصلحتكم:
أن تفرجوا عن «لونا».
إذا فعلتم ذلك، دون إلحاق أي نوع من الضرر بهذه الفتاة، التي ليست عدوتكم، ودون مطالباتكم بالفديات، وأنتم تملكون، حسب البيانات المنشورة، موازنة تقدر بحوالي خمسة مليارات دولار.
إذا فعلتم...سيكون لديكم لأول مرة- برأيي- أيقونة إعلامية دعائية تفاخرون بها خصومكم عبر الكرة الأرضية.
إن «لونا»... أجمل من كل أهداف الكون.
ولو كنت مكانكم لأطلقتها...لجمالها.
.........
بوسع هذا النوع من الهراء، أن يصمد لدقائق، قبل أن أصاب بالهزء والسخرية من نفسي. وقد سرقت الفكرة من واقعة أخرى، واستعدت ما يحزنني...
حين قرر أوباما ضرب سوريا بصواريخ توماهوك، وتدمير دمشق، كما حدث لبغداد، كان أحد أصدقائي القدامى يستعجل هذه العملية الساحقة الماحقة، عبر إحدى الفضائيات، قلت، وأنا في غاية الجد: «كان عليك أن تقول للمذيعة، وأنت تبشر بسحق دمشق... أنا ضد الضربة لا من أجل دمشق، بل لأن لي صديقاً فيها.